قضايا

التحولات في الأفكار

saleh alrazukللحقيقة والتاريخ أود أن أنوه أن الناقد حمزة عليوي محرر ثقافية العالم أبدى لي رغبته بنشر ملف عن مشروع متميز لكاتب لم يأخذ حقه كما يجب وهو سلام عبود.

و لكن للأسف لم أتمكن من المشاركة لعدم توفر المؤلفات موضوع البحث بين يدي.

ومهما حاولت الحصول على نسخة لم أفلح.

ولم يكن أمامي خيار غير الاعتذار.

ومن أيام فاجأتني العالم بنشر مقال معتدل لحمزة علاوي عن عبود ورده عليه بشكل يميل للدفاع قليلا.

ربما ليس قليلا...

وكان موضوع النزاع جملة واحدة انتبهت إليها في حينه وهي علاقة عبود باللجنة الطلابية أيام النظام السابق. ووجود حدود فاصلة في حياته وتفكيره.

وفي الواقع فتحت هذه العبارة (غير الضارة) في ذهني نافذة على تاريخ مجموعة من السياسيين والأدباء الذين نعرفهم ونحترمهم.

إن موضوعة التحولات في الذهن المتتج من المسائل المعروفة جيدا في منطقة تجتاحها رياح التغيير والتبدل. عدا عن الغائية في السياسة وعدا عن ما نسميه الاستراتيجية وطريقة استعمال الأدوات (التكتيك) نحن في حالة اكتشاف لأنفسنا.

وليس من المستغرب في مثل هذه الحالات إجراء تبدل في شكل وموقع خنادق المواجهة.

لقد عانى اليسار الليبرالي في أوروبا من هذه المحنة. ولاسيما بسبب طبيعة العلاقة المختلفة بين الدولة والافراد. فالاغتراب الذي لحق بالطبيعة الجزئية للدولة أمام شمولية وحقائق المجتمع لا بد إلا وأن يترك أثره على أساليب التفكير.

وكما ذكر السيد محمد خاتمي في كتابه الهام (الدين والفكر في شراك الاستبداد) إن العمل في السياسة يختلف تماما عن الفكر السياسي.

ولعل هذا هو سبب انقلاب روجيه غارودي من قائد في الحزب الشيوعي الفرنسي إلى متأسلم يحمل اسم رجاء غارودي.

والفرق واسع بين اسم رجاء ومعنى الأمل الذي بشر به لعدة عقود.

و لا أعتقد أن هذا ناجم عن انتهازية ثقافية. ولا عن مكيافيلية في الطباع. وأنما عن تصوف سياسي له ما يبرره.

وبالعودة إلى منطقتنا يمكن أن نقول نفس الكلام عن مفكر وسياسي من وزن فائز اسماعيل. بعد أن كان عضوا فعالا في حزب البعث العربي (كما ذكر في كتابه البدايات) أصبح مؤسسا لحزب الوحدويين الاشتراكيين الذي يحمل لواء الوحدة بين سوريا ومصر.

و لا شك أن فكرة الوحدة العربية ليست هي نفسها فكرة التكامل بين الحضارات المتجاورة لأسباب التشابه بالاقتصاد والذهن والبيئة.

إن العبور والقفز من فوق هذه الخطوط السياسية ظاهرة معروفة، ويمكن أن تودي أحيانا ليس لتطوير في شكل الأفكار فقط وإنما لإجراءات راديكالية وعنفية.

و الانشقاق داخل المؤسسات له تاريخ مشهور في هذه المنطقة.

و لا يزال انقلاب سامي الحناوي على رفيق دربه حسني الزعيم من الأحداث التاريخية التي تسبب للسوريين الرعب لما رافقها من إعدامات وتنكيل وفوضى.

وإن أي فكر شمولي مرشح لمثل هذه الانقسامات. وبالأخص في المؤسسات الإيديولوجية. ومن ذلك مشكلة يلتسين في روسيا الاتحادية.

ولا أعتقد أن هناك من يتشابه مع هذا المفصل السياسي الهام أكثر مما حصل في حالة السورري الشيوعي قدري جميل الذي خرج على تقاليد آل بكداش (و هم تقليديا قادة هذه المؤسسة الرسمية في سوريا) وأنشأ حزبه المسمى حزب الإرادة الشعبية.

على مدى ٢٥ عاما تحول الحزب البروليتاري السوري والمفروض أنه أداة تنظيم للطبقة العاملة إلى أربع وربما خمس منظمات سياسية إن لم يكن أكثر.

وهذا آيضا ينطبق على الاتجاهات الدينية. فعبدالفتاح أبو غدة انتقل من صف المستقلين (كما ورد في كتاب باتريك سيل: الصراع على سوريا) إلى عضو نشيط ومؤيد لتنظيم الإخوان المسلمين. والذي بدوره عانى من انشقاقات عميقة قادت لنشوء وتأسيس عدة فضاءات سياسية تختلف في طبيعة تفسير معنى الإدارة والحكم ومقاربة القضايا الشرعية مدنيا.

ولا أريد الدخول في تفاصيل بسبب عدم الأهلية أو لعدم التمكين. فأنا غير مخول للدخول في موضوعات من هذا النوع. والردع هو غير مباشر ولكنه موجود ولو نفسيا.

و لذلك أعود لمجالي وهو الثقافة والأدب. وأذكر الحالة المشهورة لسليمان فياض الروائي والقاص المعروف الذي كان بعثيا (كما كتب في مذكراته في جريدة القاهرة الرسمية) ثم أعلن انسحابه وتفرغه للأدب فقط.

وربما كان المثال الأوضح على مثل هذه التحولات الفكرية (و بلا ورطة مع تنظيم سياسي بعينه) حالة توفيق الحكيم.. فقد انتقل من التبشير بمصر عبد الناصر في (عودة الروح) إلى مصر السادات الداعية للسلام مع إسرائيل في (عودة الوعي)..

و لماركس مقولة معروفة عن هذه الفينومينولوجيا المثيرة للجدل.. أن الفكرة لا تستطيع أن تمشي على رأسها حتى لا تنفصل عن الواقع وتتحول إلى مثاليات لا يمكن تطبيقها.

 

صالح الرزرق

في المثقف اليوم