قضايا

المصداقية وقناة البي بي سي الداعشية

ahmad alyasiriسدني استراليا لازلت اتذكر ذلك الشاب الاسترالي (جون) الذي التقيت به في مدينة سدني عام ٢٠٠٦ والذي كان يعمل محررا للأخبار السياسية في الشرق الأوسط والأدنى في اهم جريدة استرالية (سدني مورننگ هيرالد) .

جون كان شابا وسيما وشديد الذكاء ثقافته عالية معشره لطيف جدا، يتحدث اللغة الانگليزية السهلة الى درجة انك تشعر حين تتحدث مع بلغته انه شاب استرالي من أصل عربي او هندي مثلا … اضافة الى انه يجيد التحدث بثلاث لغات اخرى (الفارسية والإندونيسية، والاوردو) ولا اعلم كيف تعلم كل هذه اللغات مع انه صحفي فقط وغير مطلوب منه ان يكتب او يتحدث بغير الانگليزية .

قصتي مع هذا الشاب بدأت حين زار مدينة فيرفيلد وكان يحضر لتقديم أطروحة الدكتوراه لجامعة سدني وكان موضوع أطروحته يتعلق بالتنوع الاثني بالعراق وانعكاسه على التغيير السياسي الذي احدثته الولايات المتحدة الامريكية عام ٢٠٠٣، وقد اتصل هذا الشاب بمجموعة من ابناء الجالية العراقية بسدني لمساعدته بالحصول على معلومات تخص موضوع أطروحته فنصحه احد الأصدقاء ان يتصل بي لأَنِّي صحفي وأملك معلومات مهمة عن تركيبة المجتمع العراقي وعاداته وتقاليده وتنوعه .

طلب مساعدتي فوافقت على الفور وقال ستجلس معك ساعتين كل أسبوع ومستعد ان ادفع لك اي مقابل تطلبه، قلت له لا اطلب اي مقابل مادي وانما سأعلمك كيف تكتب عن العراقيين مقابل ان تعلمني كيف تكتبون بالصحافة الأسترالية .. بلشنا انا وهو بمحاضرات متبادلة انا اشرح له عن الاثنيات العراقية وخصوصياتها وهو يشرح لي كيف تكون صحفيا استراليا محترفا .

الدرس الذي لا أنساه أبدا حين شرحت له الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة وانعكاسه على العراق سألني (هل انت سني ام شيعي؟ قلت له انا شيعي من جنوب العراق ..) قال لي اكتب لي مقالة عن الامام الحسين لا تتجاوز النصف صفحة .. كتبت المقالة وانا ابكي واشرح مصيبة كربلاء .. أخذ الورقة مني ومزقها وقال لي هذه ليست مقالة ولا تصلح للنشر أبدا قلت له كيف؟

قال :: الصحفي الحقيقي هو الطبيب الذي يجري العملية دون ان يعرف المريض هويته وانتماءه الفكري والعقائدي فمهمته هي علاج المريض فقط .. الصحافة في استراليا تعني ان تكون محايدا يا احمد وان تتناول المواضيع دون ان يشعر القارىء بهويتك وانتمائك لكي تحقق اكبر نسبة من المصداقية في تناولك للأحداث . غير هذا الشاب مفاهيمي وجعلني اكتب في الصحف رؤيتي المستقلة للأحداث دون ان اقحم هويتي وأفكاري الشخصية على القارىء .

هذه القصة أتذكرها دائما حين اتابع القنوات العالمية والعربية على حد سواء كيف تتعاطى مع احداث منطقتنا، (بي بي سي) مثلا قناة بمنتهى الحيادية بينما الجزيرة تملك إمكانيات فنية ومادية هائلة لكنها ليست حيادية تتعاطى مع الأحداث وفق رؤية الطبقة السياسية، وهذا مايفقدها مصداقيتها مجرد مقارنة بين الجزيرة انگليزي والجزيرة عربي تشعر بفارق كبير وكأن القناتين مختلفتان وتنتميان لجهتين منفصلتين، لأنهم يدركون تماما ان المجتمع الغربي مستوى ثقافته عال جدا ولا تستطيع ان تقحم المعلومات التي تريدها اقحاما في مخيلته . بينما المجتمع العربي من السهل جدا ان تستفز مشاعره وتجعله العوبة بيدك يصدق ما تريد لانه مستوى وعيه يؤهله للتأثر بخطاب القنوات ذات التقنيات العالية حتى وان كانت فاقدة للمصداقية ..

البي بي سي عربي في الفترة الاخيرة بدأت تنحى منحى القنوات العربية الخليجية وبدأنا نشعر بالفرق الكبير بين قنواتها الناطقة بالانگليزية والعربية الاولى بمنتهى المصداقية والثانية بمنتهى التبعية للخطاب الإعلامي الخليجي للأسف الكبير .. اللوبي الكبير من المعدين المصريين واللبنانين الذين لم يسمعوا نصائح صديقي الاسترالي جون عن الحيادية يبدوا ان لهم دور كبير في انحراف القناة عن مسارها الحيادي الذي تؤمن به لصالح المسار الغير حيادي الذي يؤمن به معدو برامج هذه القناة المصريون واللبنانيون ..!

– دعم واضح لتنظيم داعش في العراق وسوريا

– دعم واضح لجبهة النصرة في سوريا وتسميتهم بقوات المعارضة وهم جزء ارهابي من تنظيم القاعدة

– محاربة واضحة للجيش العراقي والحشد الشعبي تهميش انتصاراتهم وتهويل انكساراتهم .. وكأن البي بي سي يديرها ابو بكر البغدادي وليس وزارة الخارجية البريطانية ودافعي الضرائب البريطانيين

– الدفاع عن تنظيم القاعدة في اليمن وتسميته بلجان الدفاع الشعبي والقناة نفسها بثت تقارير قبل حرب السعودية عن اليمن تؤكد امتداد هذا التنظيم بشبوة ومأرب وحادثة قتل ضحايا المستشفى العسكري كانت شاهدا على اجرامهم ….

قائمة تطول من النقاط التي جعلت هذه القناة المعروفة بمصداقيتها تنسلخ عن هذه المصداقية وتنتمي لرعيل من قنوات النفط السياسي التي يرتبط وجودها بوجود أنظمة النفط التي تحميها …

السؤال هل انتقلت عدوى التحريض والكراهية الطائفية من القنوات العربية الى القنوات العالمية ..؟ هل نقل العقل العربي جراثيمها الفكرية الى اروقة المصداقية والحيادية الغربية سؤال اتمنى ان احصل على إجابته من صديقي جون ……

في المثقف اليوم