قضايا

تراثنا القديم ... هل لا زال فينا دون تغيير؟

abduljabar alobaydiوقع في يدي هذه الايام مؤلف بعنوان: (محمد والصحابة) لمؤلفه الأستاذ خليل عبد الكريم، يقع في 234 صفحة من القطع المتوسط .يتحدث فيه مؤلفة في الباب الأول عن صبغة الاسلام الأولى في التنفير، والتنغيم، والتنفيل، والتلقيب، والتغيير. وفي الباب الثاني يتحدث عن الثمرة المرجوة - الطاعة المطلقة، وتلبية النداء. وعن علاقة محمد (ص) باصحابه بزوايا جديدة لم تبحث من قبل، وهو يعتمد على المصادر والوثائق المعاصرة للفترة النبيوية والخلافة الراشدة من بعده، ليعطي للدراسة اهميتها في الموضوع.

قرأت الكتاب بنهم من اوله الى أخره فاستفدت منه الكثير واطلعت على حقائق كانت في تصوري خيال، لكنها ثبتت بالدليل على انها صحيحة دون خيال، وخاصة في جهوده في التثبيت واختياره للاصحاب دون الاخرين، وما طبق في عهده، فثبت لدينا ان غالبيتها صحيح . فاذا كانت هذه قد طبقت فلماذا نحن نلوم اليوم المطبقين لها وندعي انهم من الخارجين على الاسلام؟ الا اذا كنا نؤمن بأزدواجية العقيدة والتطبيق.. وخاصة في مجال العقوبات والخروج على العادات والتقاليد وما سنهُ محمد (ص) من قوانين جاءت بموجب صحيفتة التي كتبت في السنة الخامسة للهجرة للمسلمين. والامر يحتاج لمقال مستقل ...؟

لكن الكِتاب لم يعطينا تعريفا للتراث بالمفهوم القديم والحديث، ولم يفرق بينه وبين المعاصرة كما اوردتها بعض آيات الذكر الحكيم، وكتب المعاصرة والتحديث . سنحاول ان نبدأ المقال بالتعريف ثم ندخل في المتن وما قصده من تسميات في التراث القديم وهل جاءت مطابقة لآيات الذكر الحكيم ...؟ وكيف التعامل معها على انها الاسلام الذي يؤمن بفلسفة لكم ( دينكم ولي دين)...؟

ابتداءً نقول ان تعريف التراث والمعاصرة والأصالة لم يتغير منذ العهد القديم، لكن المعنى قد تغير اليوم في العصر الحديث من حيث الجوهر في التطبيق .فالتراث هو : النتاج المادي والفكري الذي تركه السلف للخلف، والمعاصرة :هي تفاعل الانسان مع التراث من منظور معاصر، اما الاصالة : فتعني الجذور الغارقة في القدم والتي لا زالت مستمرة فينا دون تغييرفهي المعرفة وتراكماتها عبر الزمن الطويل حتى قالت العرب :ان الفعل دوما دليل الاصل في التطبيق. ويعبر القرآن الكريم عن التراث بقوله تعالى : ( بل قالوا أنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وأنا على آثارهم مهتدون، الزخرف 22). ويعبر عن الأصالة بقول الحق : ألم ترَ كيف ضرب الله مثلأ كلمة طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلهاَ في كلِ حين، ابراهيم 24-25).

يقول الكاتب ان قيمة الصحابة عند رسول الله خير من كل مصلح في الأمة، فمعاوية خير من عمر بن عبد العزيز، مختصر علوم الحديث لأبن كثير، ص153 طبعة دار التراث بمصر. وعن عبد الرحمن بن عوف قال الرسول (ص) : أنه من أهل بدر وهو أحق من بعضهم، أبن عساكر في الكنز ص239 الطبعة الحلبية. والصحابي من وجهة نظر التراث القديم هو كل من صحب النبي او رآه، مقدمة ابن الصلاح في كتابه فتح المغيث ص95. وأكدوا ان الصحابي هو من لا يرد في رأي، الاحكام في أصول الاحكام، لسيف الدين الآمديج2 ص82-83. واستخدم اللفظ بدلا من الاخوان والأصدقاء والخلان والحواريين وكلهم من قريش قبلة محمد(ص) في الأعتزاز والتثمين. ولهم امتيازات لا يملكها غيرهم في الأفضلية الدنيوية والأخروية، انظرالصداقة والصديق، لأبي حيان التوحيدي ص85.

 

ويقول الكاتب في الصبغة الاسلامية، تمثلت بمحمد (ص) الذي أجتمعت فيه الخبرة العملية، والثقافة العميقة، والشخصية الكريزماتية التي بهرت فيه عقول الاخرين واسرت عقول كل من عاصره من العرب الجاهليين. لقد تميزت دعوته بشخصيته التي (نفَرَت) كل من آمن به الى كل ما يمت بأدنى صلة بجاهلية العرب.اي خلق منهم رجالا جدد في توجهاتهم الأنسانية. فجاءالقرآن ليقول: (المشركون نجس، التوبة 28) ليفصلهم عن المؤمنين .. وحمل على العادات القديمة ليزيلها من عقولهم، كما في الأقداح والذبائح في رجب وقتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق، واوصاهم بالصدق والامانة والمعاضدة والتوثيق . وبعد الخندق كتب الصحيفة ليحول أقواله الى قوانين وتطبيق، فحول الجماعة الى دولة مدنية لها حقوق وواجبات متساوية لم يألفوها من قبل. وفضل المطارحات الفكرية لاستجلاء الصحيح كما في الآوس والخزرج والمهاجرين، الموطأ لمالك ص282. لكن المهم الى أي مدى التزم موا بها هؤلاء في التطبيق ...؟

وحاول وضع المعايير للتنغيم (الغنيمة) والتنفيل ألأنفال اما الفيء فهو المال الذي يؤخذ من العدو برغبته دون أكراه، اي ما يعطى للمقاتل بعد تقسيم الغنيمة، سورة الحشر، آية7. لذا لابد من معرفة العادات والتقاليد القديمة التي تغيرت بموجب مفاهيم الاسلام الجديدة.وبهذه التغيرات القانونية الجديدة أستطاع محمد (ص) ان يحقق اهدافه جميعها بصورة رائعة تستحق الأعجاب والتقدير، بعد ان حول المجتمع الى مجتمع جديد، السيرة النبوية ج3 ص143.

أما التلقيب، وهي اداة أثمرت مفعولا أشبه بالسحر الحلال بين اصحابه وحواريه ونصرائه وتابعيه حين أغدق عليهم القاب المدح والأطراء التي ارضت نفوسهم واشعرتهم انهم اصبحوا يحملون القابا افضل من القابهم في الجاهلية، هو بلا شك كان ملهما في ذلك بقدر ما كان موفقا غاية التوفيق.

من الالقاب التي منحها :لابي سفيان حين قال فيه: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو أمن. وفي ابي بكر قال: انه خير الصحابة، الجامع الكبير ج1 ص67. وفي عمر قال أنه: مفتاح الاسلام، الرياض النظرة للمحب الطبري ص344. وفي عثمان قال : أشدُ أمتي حياءً، الجامع الكبير للسيوطي ج1 ص 1013. وفي الامام علي قال :علي مني بمنزلة رأسي من جسدي، الرياض النظرةص583. ومنح القابا لكل الصحابة الاخرين وللعشرة المبشرين بالجنة. وهم طلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وابو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، وسعد بن ابي وقاص، وعمار بن ياسر، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي مستشاره الثقافي الخاص . أنظر صحيح مسلم في افضال الصحابة طبعة بيروت.

أما التغيير: وهي احلال سايكولوجية التغيير النفسي بهم جميعا كي ينسوا الماضي ويتجهوا للدين الجديد، لينفرهم من الجهل والجهالة، ويصفهم بالعقل والحكمة والأتزان والتبصر بالأمور وعواهنها في الدولة المنتظرة الجديدة .وأول علائم ذلك التغيير هو تغيير الأسماء للمدن والاماكن، فبدل يثرب بالمدينة، وعبد الكعبة بعبد الله وعبد الرحمن. وحاول ان يمنعهم برضاء تام عن المحارم والسرقة والزنا وعبدة الاصنام. وتغيراته الجديدة مثلت أتجاهين هما :

الأول ديني: لانفصام الدين الجديد عن أديان الجاهلية .والثاني سياسي : هو انكار الدولة القرشية القديمة واستبدالها بالجماعة الاسلامية الجديدة، انظرالسيرة النبوية لابن هشام .

وعندما سئل محمد(ص) عن اهل بيته وما يقول فيهم، قال: ان ما اورده القرآن الكريم في سورة الاحزاب يكفيهم فخرا وأعتزازاً، أنظرالاية 33 من سورة الاحزاب.

وفي الختام أورد الكاتب ملخصا رائعا سماه: الثمرة المرجوة... والطاعة المطلقة، قال فيه:

هذه الثمرة الكفاحية الخالصة والتي رافقها الاستقامة ونظرية الحق المطلق بين الناس، طاعة له من قبل الاتباع والمصدقين لدعوته لا نظير لها ، ولم يحدثنا التاريخ في قديمه وحديثة نظيرا لها حتى وصفت بالطاعة (العديمة النديد) .كان على مجتمعه الاسلامي ان يكون فريدا في تطبيقه للحق المطلق في العالمين...لكن هذا لم يحدث مع الآسف...؟ لماذا ؟ سنبحثه في مقال لاحق .

لقد تسابق الرجال والنساء في طاعته دون تحديد، واخترقت العادات والتقاليد الجاهلية القديمة في الزواج والطلاق وسبايا الحرب، فأصبح المولى يتزوج من قرشية والقرشية من مولى، كزواج فاطمة بنت قيس الفهري بأسامة بن زيد وهو مولى لا اصل له عريق، وهناك الكثيرات. لكن ما حدث من بعدعهده (ص) كان اختراقا لقوانين الصحيفة المحمدية فالصقت بالاسلام الرزايا التي لا تعد ولا تحصى، واليوم قد زادت عليها الجماعات الاسلامية المتشددة والفرق الغالية فحولت الاسلام الى دين يشك في كل ما جاء في القرآن الكريم..وتلك مصيبة على المخلصين درء خطرها خوفا من ان تتحول الى يقين.

وملخلص ما نرغب في قوله:

أنه أيا ما كانت الأسباب والدوافع للطاعة فأنها تحققت على أرض الواقع بصورة يعز نظيرها وأنها (الطاعة) كانت الثمرة الناضجة للخطة التي رسمها محمد(ص) ونفذها بمهارة فائقة.

ان أية دولة لم تلتزم بما تطرحه من منهاج عمل، ولم تلتزم بحرية التعبيرعن الرأي وبقناعة كاملة، وحرية الاختيار، والحفاظ على المال العام وأرواح وحقوق المواطنين سوف لن تصل الى تطبيق أسس الحياة الأنسانية في المجتمع وفي النهاية السقوط الأكيد.

فماذا لو اتبعت جماعة التغييرفي في الوطن العربي مثل هذه الاسس المحمدية في التغيير من اجل الصالح العام بدلا من تدميره وقتل الناس على الهوية والركون الى قواعد وقوانين غريبة في التطبيق، والتفرقة التي احلوها بينهم وبين المواطنين في الملبس والمأكل والسكن والتوظيف والأستيلاء على المنصب والوظيفة والمال العام . اما كان الاجدر بهم ان يتبعوا ما يدعون تطبيقه من اتباع اهل البيت والصحابة وما جاء به الاسلام - ان هم من المؤمنين - ويتمثلوا في الامام علي الذي كان يشارك خادمه قنبر في كل شيء ولا يفرقه عنه ابدا، فالأقوال لاقيمة لها ان لم تتحول الى تطبيق. لكن النفس الانسانينة قد يركبها السوء فتفقد كل اخلاقيات المجتمع والانسان والدين،

وهكذا كان...؟

ان التراث الذي تنفذه السلفية والدواعش والقاعدة وجماعات الغلاة في الدين اليوم، والذي دمر الأمة العربية والاسلامية وأستغلته الجماعات المتطرفة في الخطأ، لم يكن تراثا اسلاميا صرفا، بل كان عادة من عادات الجاهلية، لذا ضلت دعواتهم تدعو الى اتباع خطى السلف بغض النظر عن مفهوم الزمان والمكان حين اسقطو العقل والتاريخ .وكيف تلقفته جماعات الباطل لتستفرد بالأوطان وتحولها الى مكاسب شخصية بعيدة عن قوانين الدين والأنسان.

كتاب نافع يستحق القراءة....؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم