قضايا

الفصلية بين العشائرية والفقه الإسلامي

saleh altaeiأنا عربي من عشيرة عربية عريقة، ولذا احترم سنن العشائر العربية وأقدسها؛ لكن بشرط أن تكون متوافقة مع الشرع والدين، وبعيدة عن الهمجية والتوحش والشراسة والمخالفة.

وفي سنن عشائرنا المعروفة والمتداولة اليوم ما يعرف باسم (الفصلية) ويقصد به المرأة أو مجموعة النساء اللواتي يدفعن من قبل العشيرة المدانة بالتقصير إلى الخصم ضمن ما يدفع في الفصل لفض النزاع بين العشيرتين، علما أن الفصلية لا تمنع حدوث مواجهات مستقبلية بين العشيرتين.

ولا أدري إن كان الإسلام قد أباح ذلك أم لا، فقد تكون له أصول عقدية بحجة أن الزواج واحد من أساليب الدبلوماسية في التقريب بين العشائر المتناحرة، ولاسيما وأن هناك في تاريخنا الكثير من الحديث والقصص والروايات عما يعرف بالزواج السياسي، وصلت إلى درجة اتهام النبي الأكرم (ص) بأنه تزوج بعدد كبير من النساء سياسيا؛ ليتآلف قلوب عشائرهن لا أكثر، بمعنى أنه زواج مصلحي صرف، ومع ذلك سميت تلك النسوة بأمهات المؤمنين.!

لكني أدري وعلى يقين أن كل ما يتوافق مع رؤى الإسلام من سنن العشائر له أصل في الإسلام، وكل ما يخالف رؤى الإسلام ليس منه، وأدري عن قناعة تامة أن كل ما يوافق رؤى الإنسانية هو من الإسلام، وكل ما يخالف رؤى الإنسانية لا أصل له في الإسلام.!

وأدري عن يقين أن المدارس الفقهية الإسلامية المتنوعة، وضعت شروطا ملزمة للزواج لا يجوز مخالفة أي شرط منها، لأن مخالفة الشرط تبطل صحة الزواج وشرعيته. وللابتعاد عن الإطالة سأتحدث عن شروط المدرسة الشيعية لوحدها، ثم أجمع شروط المدارس الأخرى مع بعضها لأغراض المقارنة والتقريب. ففي المدرسة الشيعية، نصت الشروط الملزمة لصحة الزواج على:

أولا: الإيجاب والقبول اللفظيان، ويجوز لكل من الطرفين توكيل الغير في إجراء الصيغة كما يجوز لهما المباشرة فيه.

ثانيا: العربية مع التمكن منها.

ثالثا: أن يكون العاقد ـ موجباً كان أم قابلاً ـ عاقلاً.

رابعا: أن لا يكون هناك مانعا شرعيا للزواج من نسب، أو رضاعة، أو شرك وإيمان.

خامسا: تعيين الزوج والزوجة على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم أو الوصف أو الإشارة فلو قال: "زوجتك إحدى بناتي"، بطل، وكذا لو قال: "زوجت بنتي احد ابنيك أو احد هذين".

سادسا: رضا الطرفين واقعاً، فلو أذنت المرأة متظاهرة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صح العقد، كما انه إذا علمت كراهتها واقعاً وان تظاهرت بالرضا بطل العقد إلا أن تجيز بعده.

سابعا: يشترط في نكاح البالغة الرشيدة البِكر أذن أبيها أو جدها من طرف الأب، ولا تشترط إجازة الأم والأخ وغيرهما من الأقارب.

ثامنا: لا يشترط موافقة الولي على زواج الثيب؛ فهي مسؤولة عن نفسها.

 

وفي مدرسة الخلفاء وضعت المذاهب الأربعة أركانا وشروطا للزواج تتفق غالبا مع شروط المدرسة الشيعية في كثير من جوانبها وهذا شيء طبيعي، إذ يجد المتابع أن هناك اختلافا حتى بين مذهب وآخر من المذاهب الأربعة، حيث خلط بعضهم بين الأركان والشروط، وأفردها البعض الآخر، كما اختلفوا في عدد ومضمون الأركان والشروط أيضا، لكن على العموم نجد أهم الأركان التي وضعوها:

أولا : وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك.

ثانيا : حصول الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من الولي أو من يقوم مقامه، بأن يقول للزوج زوجتك فلانة ونحو ذلك .

ثالثا : حصول القبول وهو اللفظ الصّادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول: قبلت ونحو ذلك.

رابعا: أن لا يكون الرجل أو المرأة مُحْرِمًا عند جمهور العلماء، ويجوز عند الأحناف للمحرم أو المحرمة أن يعقدا النكاح وهما في حالة الإحرام.

خامسا: أن يكون الرجل كفؤًا للمرأة التي يتزوجها

 

أما أهم شروط صحة النكاح، فهي :

أولا: تعيين كل من الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الوصف ونحو ذلك. فلا يصح للولي أن يقول: زوجتك بنتي وله بنات غيرها، بل لابد من تمييز كل من الزوج والزوجة باسمه كفاطمة، أو صفته التي لا يشاركه فيها غيره من إخوانه، كقوله: الكبرى أو الصغرى.

ثانيا: رضا كلّ من الزوجين بالآخر، فإن أكره أحدهما فلا يصح الزواج. ولا تنكح البِكر حتى تُستأذن.

ثالثا: الشّهادة على عقد النكاح.

رابعا: وجود الولي. وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها ثم جدها ثم ابنها، فالأخ الشقيق فالأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب، ومن الفقهاء من قدم ابنها البالغ على أبيها.

 

إن الإسلام يؤمن أن العقد ـ بين المسلمين ـ شريعة المتعاقدين، وكل شريعة تخالف شرائع الإسلام ـ بين المسلمين ـ مرفوضة وباطلة، إذ على المسلم أن يلتزم بشرائع دينه، ولا يجوز له الاجتهاد قبالة النصوص الدالة عليها. فضلا عن ذلك يجد من يقارب بين شروط الزواج في المذاهب الإسلامية الخمس أنها قريبة من بعضها، وبالرغم من أهميتها كلها ووجوب الالتزام بها جميعها، إلا أن هناك شروطا حدية لا يصح الزواج دونها ولا يكتسب الشرعية والقبول بغيابها؛ لا يمكن أن تتوفر في موضوع الفصلية، وهي:

شرط (تعيين الزوجين)

شرط (رضا الزوجين)

شرط (وجود الولي) عند عقد النكاح

شرط (الإيجاب والقبول)

خمسة من أهم شروط صحة الزواج في الإسلام لا تتوفر في موضوع الفصلية، فلا تعيين للزوج والزوجة، والنساء يجبرن ويسقن كالحيوانات دون موافقتهن، ولا يحضر أوليائهن العقد، وحتى لو حصل الإيجاب والقبول فإنه يقع تحت الإكراه والقوة لأن المرأة تكون مسلوبة الإرادة لا سلطة لها على الرفض.!

يعني هذا أن موضوع فصلية النساء مخالف للفقه الإسلامي جملة وتفصيلا، والزواج بنساء الفصلية لا يصح شرعا؛ وإنما يعتبر زواج سفاح مُحَرَّم، لا يجوز نسبة الأولاد الناتجين منه إلى كلا الأبوين، وإنما ينسبون إلى الأب مثل أولاد الزنى ولا ينسبون إلى أمهاتهم.

إن عشائرنا العربية الكريمة مدعوة اليوم أكثر من أي وقت آخر إلى ضرورة الالتزام بمباني العقيدة الإسلامية الصحيحة، ونبذ كل ما يخالف الشرع والدين ومنه موضوع نساء الفصلية، ووجوب إعادة النساء إلى أهلهن بأسرع وقت لأن بقائهن لديهم حرام.

كما أن المؤسسة الدينية الإسلامية معنية بوجوب متابعة مثل هذه الأمور والتنويه عن مخاطرها ومخالفتها للشرع ووجوب الامتناع عنها قطعيا.!

 

صالح الطائي

 

 

في المثقف اليوم