قضايا

حديث القداسة

ahmad alkinaniاعتدت في كتاباتي على طرح الاسئلة حول ما نختزنه من موروث ثقافي وديني مشوب بالقداسة، ولم يكن اخر همَي اثارة الشك بالمقدس، وانما هي محاولات لا يقصد منها سوى شحذ الذهن ليلتمس خيوطا رفيعة بيضاء في ذلك الظلام الحالك .

ولعل تلك الاسئلة تحمل نوعا من الجرأة بما لا تستذوقه بعض المزاجات؛ لانها تحاول الاقتراب من فهم بعض مجاهيل المقدس وهو في نظر الناس مما لا يصح الاقتراب منه فضلا عن المساس به، والاوامر جاءت بالسكوت عما سكت الله عنه .

وبمنتهى البساطة اقول: ان السكوت عن المناقشة في المقدسات يتناقض مع البديهيات العقلية التي لا تحتاج الى مزيد تفكير ولا برهان مثل 1+1= 2 .

ذلك لان القداسة ليست صفة ملازمة للاشياء لا تنفك عنها بحال، بمعنى: ان الاشياء متى ما وجدت وجدت معها القداسة، الامر في القداسة ليست كذلك .

فالكتاب الموصوف بأنه مقدس او الشهر الموصوف بالقداسة لا يعني انه مقدس عند كل الناس، ولو كانت القضية كذلك لقدس البشر بأجمعهم البقرة ..ولتبركوا بأبوالها .

اذن فصفة القداسة ليست ذاتية للشي والا لما انفكت عنه .

وهذه قضية بديهية لا تحتاج الى برهان في عرف الفلاسفة وكما يقولون : الذاتي لا ينفك عن الذات والا لزم منه اجتماع النقيضين وهو محال ؛ كما في الحرارة بالنسبة الى النار متى ما وجدت النار وجدت الحرارة معها ولا يمكن تصور نار من دون الحرارة ...

واذا لم تكن الصفة ذاتية للشي فهي صفة عارضية .

والقداسة صفة عارضية للاشياء لم توجد معها، فالكتاب المقدس والشهر المقدس هو مقدس عند بعض الناس دون غيرهم، وهذا معناه ان القداسة غير نابعة من الكتاب ذاته او الشهر ذاته وانما هي صفة عرضية لصيقة به، نحن من البسها تلك الصفة كحصانة دبلوماسية تخرج صاحبها عن المسائلة . حتى صار يعيش بيننا اناس مقدسون لا يسألون عما يفعلون وهم يسألون (بضم الاولى وفتح الثانية) .

اذن ما المشكلة في نقاش تلك العوارض والبحث في منابعها ولعلها خرافات واساطير قدستها الشعوب ونحن على اثارهم لمقتدون .

هناك من يقدس النجوم في الاعالي وهناك من يقدس البقرة ...

فمصدر القداسة يتجه صوب توجهات الشعوب ...

ونحن نعيش اجواء شهر رمضان، شهر القداسة، يتسائلون عن قدسية الشهر ومن اين جاءت؟

قالوا: نزول القرآن جعل الشهر مقدسا .

وقالوا: فرض الصوم فيه .

اذن قبل نزول القرآن وفرض الصوم فيه لم يك مقدسا .

لكن هذا حديث من انقطعت صلته بالتاريخ، ولا يرى الا طرف انفه .

ملة الاشياخ ... يحدثنا المسعودي عنها في مروج الذهب

هي ملة عبد المطلب الداعية الى الرجوع الى ملة ابراهيم الجد الاعلى .

كان اذا اهل هلال رمضان صعد الى غار حراء متحنفا .

ثم يعود لينادي قومه انه قد حرم على نفسه الخمر، وكل ضروب الفسق.

ويقول: والله ان وراء هذه الدار دارا يجزي فيها المحسن بأحسانه ويعاقب المسئ بسيأته .

ثم يوصي بصلة الارحام واطعام الطعام .

اما شيخ الحنفاء زيد بن عمرو بن نفيل فكان يرقب الشمس فأذا زالت استقبل الكعبة وصلى ركعة بسجدتين .

وكان يقدس شهر رمضان ...

هكذا نقل ابن كثير في البداية والنهاية 1/221

ويمكن للخطباء رأي اخر امر عليه ثمة لا يعنيني ...

 

في المثقف اليوم