قضايا

داعش تفهمنا أفضل مما نفهمها!

qassim salihyأهم مبدأ لمن يريد ان ينتصر في الحرب هو (اعرف عدوّك).. ويعني تقييمك بشكل موضوعي لجوانب القوة لديه: فنونه القتالية، معتقداته الفكرية، خبرائه ومستشاريه، روحه المعنوية وقدرته على التحمل والمطاولة. وبسبب تفريطنا بهذا المبدأ.. كانت نكبة الخامس من حزيران 1967في مصر.. ونكبة العاشر من حزيران 2014 في العراق. الحالة تشبه تماما مبارة كرة قدم للفوز بالكأس، فمن يفهم كيف يفكر مدرب الفريق الآخر وكيف يتعامل مع جوانب القوة في الفريق الخصم، فان احتمال الفوز يكون له.. ويحصل ان يكون الفريقان متكافئين في كل شيء باستثناء ان احدهما استثمر عاملا علميا.. خبير سيكولوجي مثلا.. فيكون له الفوز.. وقد حصل.

وبالصريح، فانه لا الحكومة ولا معظم العامة من الناس يفهمون داعش على حقيقتها. بل ان الحكومة مارست التضليل من يوم وعدت بأنها ستحرر الموصل في الصيف فصار الحال على طريقة مظفر النواب (والصيف اجانه وانكضى ورد صيف اجه.. والزلف هجرك فضضه ورد فضضه ومامش رجا).. حتى صار الناس يخشون على (الرجا) ان يذهب مع الريح. سأقول حقائق صادمة، اولها: ان المقاتل الداعشي يمتلك معتقدا اقوى من الذي يمتلكه المقاتل العراقي، نوضحه علميا بأن كلّ المنتحرين يقدمون على الانتحار اخلاصا لمعتقد يؤمنون به. ولا اختلاف، في الفعل، بين الطيارين اليابانيين الذي انتحروا بضربهم البارجات الأمريكية الحاملة للطائرات وتفجيرها بطائراتهم في ميناء بيرل هاربر.. وبين انتحاري داعشي.. فالفعل هو انتحار، والفرق يكمن في نوعية المعتقد الذي يدفع صاحبه الى الانتحار.فهو عند الطيارين اليابانيين كان من أجل الوطن..فيما هو عند الانتحاري الداعشي احد امرين:إما الحصول على امارة في الدينا او الفوز بالجنة.. فيما المقاتل العراقي لا يمتلك معتقدا موحدا،ويشعر بان كل مكون في الحكومة يعمل لتأمين بقائه في السلطة ومصادر الثروة. والثانية الأهم.. اننا نفهم داعش كما لو كانت امتدادا للقاعدة، ونتعامل معها كما لو كانت عصابة او افرادا منحرفين.. وانهم جرذان.. جبناء.. واننا سنرمي بهم خارجا كما وعد سلفنا برمي اسرائيل بالبحر. والحقيقة هي ان داعش تمتلك مقومات الدولة المتمثلة بالأرض والسكان والثروة والقوة. فهي لديها ثروة نفطية قدرتها مؤسسة (راند) بمئة مليون دولار من النفط العراقي لعام (2014)، وست مئة مليون دولار من الابتزاز، زائدا مثلها نهبتها (داعش) من البنوك العراقية، فضلا عن هبات عربية واجنبية. وانها استطاعت بفنونها في الحرب النفسية، واستقطابها لخبرات تقنية من مئة دولة وصلت نسبتهم الى 66% مقابل 44% ان تستولي على مدن عراقية بسرعة قياسية ما حدثت حتى في تاريخ عاصفة الصحراء 2003 يوم استبسلت مدينة ام قصر وظلت صامدة اياما امام نخبة المقاتلين في الجيش البريطاني وطيران التحالف الدولي. ولدى داعش شبكة من السماسرة يقومون لها بترتيب البيع والمقايضة.. بل إنها تبيع الغاز والنفط لبعض المراكز الحكومية في سوريا لتشغيل محطات الكهرباء، ولديها من هو مكلف بجباية الاموال من قطع الطرق وتحصيل رسوم على الشاحنات العابرة، وفرض الضرائب والمكوس على الاهالي.. ولها محاكمها وشرطتها ومتطلبات اخرى بما يجعل الحياة في المدن التي تسيطر عليها وكأنها عادية. فضلا عن انها تتحكم في توزيع الانترنت وتستثمره بشكل مؤثر وفاعل.. ما يعني ان علينا مغادرة فكرة مقارنة داعش بالقاعدة بوصفها مجاميع من افراد بلحى كثّة وشعر طويل، والتعامل معها كما لو كانت دولة تتفوق علينا في عدد من الامور القتالية والعوامل السيكولوجية.. وهذا ما لم يحصل لحد الآن.

أحد اسباب هذه المشكلة ان سيكولوجيا السلطة في العراق علّمت المسؤول ان يحيط نفسه بمستشارين يقولون له ما يحب ان يسمعه،فيما علّمته الآن ان يحيط نفسه بطائفيين لهم نفس النمط من التفكير. وأكاد اجزم ان المسؤولين في مواقع اتخاذ القرار لا يقرأون ما يكتبه مفكرون وأكاديميون في جريدة (المدى) وجرائد معتبرة اخرى بما فيها جريدة (الصباح). ففي مقالنا المنشور فيها بعنوان (سيكولوجيا الشائعة 2 أيار 2015) اشرنا فيه الى ان الاعلام العراقي بحاجة الآن الى دعاية من نوع جديد.وكما تشكل غرفة عمليات عسكرية يجب ان تشكل غرفة دعاية اعلامية يجيد صناعتها عقول متخصصة في الاعلام وعلم النفس والاجتماع من المستقلين سياسيا وغير المحسوبين على السلطة.. تمتد نشاطها الى اجراء بحوث ميدانية سريعة تستقرئ الحالة النفسية للشارع العراقي والجندي العراقي، وتنتقي وجوها جديدة تتمتع بالرصانة والمصداقية والحب الصادق للعراق وأهله، وتتعامل مع الحدث بما يبطل قوانين الشائعة التي نجحت داعش بتوظيفها بطريقة غير مسبوقة. وكان السيد العبادي قد حذر في نيسان ان العراق يتعرض الى حرب نفسية شرسة. وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية وحرصنا على اهلنا والوطن وادراكنا لفشل الحكومة والاعلام العراقي في ادارة الحرب النفسية.. بادرنا بتشكيل فريق علمي متخصص بالحرب النفسية وسيكولوجيا الشائعة.. وقدمنا العرض.. ولا اظن مكتبه قد قرأه. والمفارقة ان السيد همام حمودي دعا الآن! (26 حزيران الجاري) " لإنشاء جيش إعلامي إلكتروني لفضح اساليب داعش امام الرأي العام العراقي والعربي والعالمي".. وقد يُنشئونه.. ولكن من جماعات لها نفس النمط من التفكير. وثالثة الحقائق، ان لداعش رصيداً في دول الخليج اقوى من رصيد العراق.. فيما سفاراتنا هناك مشغولة بإحياء مناسبات دينية بعضها طائفية خالصة.. تقدم من حيث لا تدرك دعما لمعتقدات داعش وتكسبها انتشارا شعبيا بين شعوب دول الخليج. ليس هذا فقط،بل إننا لم نستثمر نقطة ضعف كبيرة في داعش تلك هي ان المسألة الحاسمة في الفكر الداعشي هي (التكفير)، إذ يرى ان تفسير القرآن والسنة النبوية بكلام الفقهاء بدعة ابعدت الناس عن معرفة الحقيقة التي جاء بها القرآن.. ويتبنى هذا الاتجاه جمال الحمداني (ابو نوح قبر العبد) وجماعته المنتشرة في الجزيرة والقرى بين الحدود العراقية والسورية.. التي تكفّر من لا يقول بمثل قولها، فيما هنالك جماعة اشد غلواً يمثلهم ابو علاء العفري نائب البغدادي، لا يعذرون بالجهل مطلقا.. حدثت بينهم ومجموعات اخرى خلافات تجاوزت الطرد والتسفيه الى التصفية الجسدية، بينهم قاضي داعش التونسي ابو جعفر الحطاب الذي كفرته وقتلته، وقبله تمت تصفية قاضيها السابق الكويتي (ابو عمر الكويتي) الذي كفر البغدادي. وقد ادى مسلسل التكفير الى قتل١٨ قائدا من أصل ٤٣ من قيادات الصف الأول خلال (حزيران ٢٠١٤ - نيسان ٢٠١٥)، ما يعني سيكولوجياً ان الدوغماتية تتحكم بالتفكير الداعشي وانها استقطبتها على جماعات. ولأن الدوغماتي ينظر الى الأمور الجدلية على انها ابيض واسود فقط، ومنغلق ذهنيا على معتقدات جزمية، ولن يتخلي عن آرائه حتى لو بدا له خطأها، فان هذا يعني ان هنالك خطرا كبيرا يتهدد داعش من الداخل.. وهذا هو المفقود الفكري الذي لم يتم التفكير به اصلا في مواجهتها.. فيما عرفت داعش كيف تستثمر الفكر الدوغماتي الطائفي وتحرز به انتصارات.. ما يعني ان داعش تفهمنا اكثر مما نفهمها، وانه ما لم يتم التخلي عن طريقة تفكيرنا التقليدية في التعامل معها، ونعمل على استقطاب طاقات المفكرين والاكاديميين المستقلين، فاننا قد نبقى في قضيتنا مع داعش نردد مع مظفر.. "والصيف اجانه وانكضى ورد انكضى.. ومامش رجا".

 

في المثقف اليوم