قضايا

الفصليات .. قراءة مختلفة

qassim salihyللشاعر الخالد .. الجواهري بيت شعر لطيف عن العراق: (ابا الأحرار لا تعجب فانّا نعيش في البلد العجيب). ومع ان العراقيين شهدوا العجائب والغرائب فانهم يشهدون الآن في نظامهم "الديمقراطي" ما هو اعجب وأغرب.فما تراه من مفارقات بين القيم الديمقراطية الراقية وبين الممارسات على صعيد الواقع تجعلك تتذكر مقولة الفنان الراحل جعفر السعدي وترددها ساخرا: (عجيب أمور غريب قضية).

والعجيب ان قيم الديمقراطية وقيم العشيرة ضدان .. وبحسب قوانين الاضداد فانه لا يمكن ان يجتمع الضدان في آن واحد .. لكنهما في البلد العجيب الغريب .. قد اجتمعا، وسيأتي يوم يبتلع الاقوى ضده الاضعف.

سبب هذه المقالة ان حادثا وقع هذا العام (2015) بين عشيرتين في البصرة تم الفصل فيه من قبل شيوخ العشائر تضمن دفع مبلغ 650 مليون دينارا وعددا من النساء (الفصليات) .. وان هذا يحدث في الوقت الذي نص فيه الدستور على ان تكون حصة المرأة في البرلمان العراقي (25%) .. اعترافا منه بقيمة المرأة وكرامتها وحقها في تمثيل الشعب العراقي.لكن ما يحصل ينطبق عليه قول العراقيين (شي ما يشبه شي). فالحادث اثار استياء وادانة جهات متعددة في مقدمتها المرجعية الموقرة، اذ قال السيد الصافي في خطبة الجمعة بأن المرجعية(تعتبر اخذ بعض النساء للتزويج بطريقة الفصلية .. كحل للخلافات، امر مستنكر اخلاقا وشرعا) .. فضلا عن احتجاجات لناشطات وناشطين رفعوا لافتات تطالب بالقضاء على ظاهرة الفصلية .. وكتابات ساخرة بينها مقالة الصحافي علي حسين في عموده بالمدى بعنوان (البرلمان يضع تسعيرة للنساء).

الذي لا يعلمه كثيرون ان القائد البريطاني اصدر في العام 1918 نظاما خاصا بدعاوى العشائر تم بموجبه تحويل الاعراف والعادات العشائرية المتعلقة بالمنازعات الى قواعد قانونية.ويذكر القاضي هادي عزيز علي ان القائد البريطاني خول وزير الداخلية آنذاك تطبيقه واكتسبت نصوصه صفة القانون بموجب المادة 114 من القانون الاساسي العراقي الصادر سنة 1925. وتضمنت احدى مواده (ان تُعطى البنت من ذوي القاتل زوجة إلى من ينسبه العرف إلى ذوي المقتول ومن دون مهر (فصلية). وظل العمل ساريا بها الى قيام ثورة 14 تموز 1958 حيث نصت المادة التاسعة 1 من قانون الاحوال الشخصية المعدل رقم 188 لسنة 1959: (لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويُعتبر عقد الزواج باطلا إذا لم يتم الدخول).

لنناقش الموضوع بهدوء ونحلله اجتماعيا وسيكولوجيا بغية الوصول الى حل عملي لمعالجة هذه الظاهرة.

تاريخيا، ان ظاهرة الفصلية حل ابتكره شيوخ العشائر العراقية لتصفية نزاع بينهم يكون في العادة قيام شخص من هذه العشيرة بقتل شخص من عشيرة اخرى، فتكون التسوية باخذ اخت القاتل زوجة لأخ القتيل .. لتكون فصلا ينهي العداء والكراهية بين العشيرتين .. وقد اقتنع به العقل البريطاني واعتمده بقانون كما ذكرنا.

ومع ان هذا الحل قام على نظرة متدنية للمرأة تلغي كرامتها وانسانيتها، فانه كان في زمانه يبدو مبررا ومنطقيا. فهو من وجهة نظر شيوخ العشائر يعمل على حقن الدماء بين العشيرتين، وله دور سيكولوجي .. ان العشيرتين ستتبادلان الزيارات في المناسبات والاعياد وستكون بينهما صلة قرابة تحول دون قيام الزوج بالاعتداء على اخوال اولاده، فضلا عن ان الفتاة سينقل سجلها المدني من اهلها الى سجل اهل زوجها لتصبح واحد من عائلة زوجها .

ومع ان هذا يمكن ان يحدث وتتصافى القلوب وفقا لفلسفة شيوخ العشائر التي اصبحت تقليدا، ولكن يحدث بالمقابل ان تعامل الفصلية بتفريغ العنف فيها كونها اخت القاتل .. يؤيد ذلك اننا نتداول شعبيا بوصف الزوج الذي يتعامل بقسوه وحرمان واهانه مع زوجته بقولنا له:( على كيفك وياها .. قابل انت ما خذها فصليه!).

في ضوء هذا التحليل فان ظاهرة (الفصليات) لا تعالج بظهور ناشطة على شاشات التلفزيون .. ناثرة شعرها وواضعة (كيلو) اصباغ على وجهها .. تصف شيوخ العشائر بالتخلف والجهل وبمفردات لا تليق، واخرى تطالب بسجن الاب الذي يعطي ابنته فصلية.

ان العلاج العلمي والعملي يكون على النحو الآتي:

اولا:توظيف ادانة المرجعية لزواج الفصلية عبر ممثليها الموجودين في العشائر العراقية، المدعومة بتعاليم النبي الكريم في توكيده على احترام المرأة ووجوب احترام رأيها والأخذ به عند الزواج.

ثانيا:ان معظم شيوخ العشائر اصبحوا سياسيين، وانه ينبغي توظيف الوعي السياسي في تثيقف ابناء العشائر بسلبيات ظاهرة الفصليات.

ثالثا:قيام وسائل الاعلام، لاسيما الفضائيات، بانتقاء ذوي الخبرة والرصانة في مجالات علم النفس والاجتماع وحقوق المرأة ممن يستمع لهم اصحاب الشأن .. اعني شيوخ العشائر حين يشعرون باحترام المتحدث لهم ويجدون في حديثه ما يجعلهم ينصتون له.

ومساهمة منّا، فاننا على استعداد لوضع برنامج علمي للحد من هذه الظاهرة .. وسنتعاون مع اية مؤسسة رسمية او دينية او مدنية تتبني هذا الموضوع الانساني النبيل .. مع خالص مودتنا.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم