قضايا

رد على مقال: ماذا خسر المسلمون بإلغاء الرق؟!

من أغرب ما قرأت على صفحات الإنترنيت مقالا يحمل عنوان: "ماذا خسر المسلمون بإلغاء الرق؟ " وهنا قد يقول قائل بأن هذا المقال قديم ولما نكتب عنه بيومنا هذا جوابنا يا سيدي الكريم هو أن الأفكار لا تموت فهي يمكن أن تختفي ولكن فجأة قد تطفو على السطح كمسألة الرق هذه والتي كانت البشرية تضن بأنها صفحة قد طويت من تاريخها وإلى الأبد فها فهي اليوم تُـبعث من الجحيم مجددا ولا نعلم أي عرق سيكتوي بنارها من جديد وهنا نكون قد فتحنا أبواب جهنم على أولادنا وعلى أحفادنا لأننا لم نقم بتفكيك حقول الألغام التي لا تزال مزروعة في تراثنا ولا قمنا بإبطال مفعول قنابله الموقوتة والتي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة في وجوهنا وفي بيوتنا وفي أحيائنا فتأكل كما يقال الأخضر واليابس وسيخسر فيها كل أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة وعائلتنا الكبيرة عائلة الإنسانية جمعاء ولن يكون هناك رابحا لأن الكل خاسر اليوم أو غدا. وللتدليل على كلامنا نقول بأن فكرة كل من الديمقراطية والجمهورية قد اختفتا ولمدة تزيد عن ال 2000 عاما ثم بُعثتْ كل منهما من جديد في الغرب وكذلك فكرة العبودية التي يمكن أن تقفز إلى حياتنا مجددا لتكون لعنة على بعض إخواننا من البشر مما سيسقطهم حضهم العاثر فيها .

علما أن صاحب المقال يسوق عدة أمور يرى بأن المسلمين قد خسروها نتيجة إلغاء الرق ومنها إن الرق قد كان - سبيلا من سبل الدعوة إلى الله تعالى - سبيلا من سبل الاستعفاف والإعفاف - سبيلا من سبل الرزق - سبيلا من سبل إكرام المسلمين ومعاقبة الكافرين وغير هذا من الأمور التي يسوقها ونحن نرى بأنه وللرد وبصورة كافية ووافية على هذه العناصر فإن هذا لا يكون إلا بتأليف كتب بأكملها في كل حجة يدعيها صاحب المقال ومن هذا المنطلق فإننا نرى بأن الرد على كل العناصر أمر محال في وقفتنا هذه ولذا فإننا سنكتفي ببعض العناصر والعناصر الأخرى سنتناولها بشكل موجز وفق ما يسمح به حجم مقالنا هذا ونحن هنا لن نناقش موضوع الرق في الإسلام ولا القوانين المنظمة له فهذا ليس موضوعنا اليوم ولقد قتلته الكتب التراثية بحثا . كما أننا لا نطلب من القارئ الكريم بأن يتخذ موقفا من هذه القضية إلا من بعد أن يوازن بين وجهتي النظر وبيننا وبينه الحجة .

 

بداية نحن نرى بأن صاحب المقال لا يزال يعيش داخل منظومة قيم مرحلة ما قبل 1492 أو بالتعبير الغربي مرحلة العصور الوسطى كمنظومة قيم لا كحقبة زمنية ويحتكم ويحن إليها نفسيا حتى أنه يمكن القول بأنه لا يزال يعيشها في حياته اليومية وينفي نفسه قسرا في تلك المرحلة والتي كان العالم خلالها مقسما إلى كافر ومؤمن بالمعنى الذي كان سائدا أيام الحروب الصليبية وحروب الاسترداد الإسبانية حيث كان الكفر يستلزم ليس فقط إخضاع الآخر بل كان يستلزم القضاء على منظومة قيمه الباطلة وكان شعار تلك المرحلة وكما جاء في مقالة للقديس أوغسطين : " باسم كلمة المسيح أجبروهم بالقوة على الدخول " حيث لم يكن هناك مجال للتعايش مع الآخر علما بأن ذلك الصراع كان يشبه الصراع بين الرأسمالية والشيوعية حيث كانت الشحنة الأيديولوجية هي الغالبة فيه وهذا أيام سيادة النظرية الصفرية وهو منطق العصور الوسطى الغير مأسوف عليها وإن كان الإسلام في تلك الفترة يعترف بوجود الآخر ويقبل التعايش معه - وإن لم تحترم هذه القاعدة دوما – مع الإقرار بكفره والكفر وكما نعلم جميعا يحمل معنى عدم الإيمان والاعتراف بما جاء في دين الطرف الآخر وعليه فمن منا ليس مؤمن بمنظومة قيم معينة وكافر بأخرى ولكن هذا لا يعني التحارب والتطاحن بين بني البشر وإنما القاعدة المحتكم إليها هي ما جاء في سورة الكافرون : " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " ولذا فإننا نرى بأنه يجب إعادة النظر في نظرتنا للآخر فلا يجب أن يبقي الآخر العدو الكافر وإنما يجب أن يصبح الآخر الشريك لنا في الوطن أي كان هذا الوطن والأخ لنا في الإنسانية من منطلق أن القرآن يقر بالأخوة الإنسانية للبشر جميعا وبهذا المنطق فقط نضمن استمرار العمران البشري بتعبير ابن خلدون في التواجد على سطح الكرة الأرضية مما يحقق إرادة الله في الأرض والقاضية باستخلاف الإنسان فيها إلى أن تشاء إرادته كن فيكون كما نضمن بتلك القاعدة والمذكورة أعلاه أن لا تمتد يد قابيل إلى أخيه هابيل من جديد لتقتله في كل حين وفي كل مكان تطاله من سطح كوكبنا كما يحدث مع كل أسف بأيامنا هذه .

كما أننا نعتقد بأن صاحب الدعوة إلى إحياء ظاهرة الاسترقاق الملعونة ونحن نجهل مبرراته الشرعية التي يحتكم إليها ويبرر بها دعوته هذه ونتحداه أن يعطينا نصا تأسيسيا واحد يدعو فيه الإسلام أتباعه إلى استرقاق غيرهم من بني آدم . ونحن نرى بأنه يشعر بالمرارة لتفوق الغرب اليوم وسيادته للعالم بصورة خاصة ويتغذى هذا الشعور بالمرارة والحقد على الغرب من كم المظالم المتعددة والتي يرتكبها هذا الأخير في حق العالم الإسلامي ولعل أبشعها خطيئة الاستعمار واستمرار عملية نهب خيرات هذا العالم وزرعه للكيان الصهيوني وهي حقائق لا يمكن إنكارها ولكن أخطاء الآخر ليست أبدا مبررا لكي نرتكب نحن نفس أخطائه وإلا تساوينا معه في الجرم ولم نعد القديس كما نسوق أنفسنا ولا هو الشيطان كما نريد تسويقه وهي اللغة السائدة اليوم أي شيطنة الآخر لإيجاد مبرر للقضاء عليه وإبادته .

وهنا نعرج على صلب موضوعنا ونبدأ بتوظيف صاحب المقال لابن سيرين مفسر الأحلام الشهير بهدف إضفاء صفة شرعية وأخلاقية على الاسترقاق تحت ذريعة أن والده قد كان مملوكا لأنس بن مالك والادعاء زورا بأن الاسترقاق كان سببا في إيجاد ابن سيرين أي أن الاسترقاق يفجر طاقات الفرد الإبداعية ونسي صاحبنا بأن أنس بن مالك قد أعتقه أي الوالد وأعاد له حريته ولهذا فدليله هذا مفلس ومزور فهو أي ابن سيرين قد ولد لرجل حر وليس لرجل عبد فلو تفجرت مواهب والده لكان الدليل فيه نظر ولكنه نبغ لكونه حر وابن حر وهذا الدليل مردود على صاحبه نعود ونقول بأن التحجج بابن سيرين للاستدلال على شرعية وأخلاقية الاسترقاق والدفاع على حقه في الوجود لهو استدلال مزيف لأن ابن سيرين كان سيبدع حتما لأن الإبداع لا دين ولا جنس له وإنما هو ظاهرة مرتبطة بالبيئة الحاضنة له أهي محرضة على الإبداع أم أنها خانقة له وهل الفيلسوف الكبير ابن ميمون قد أبدع لأن والده قد كان عبدا لهذا أو ذاك هذا كلام تافه يشي بعقل ضحل غير قادر على الوقوف على خلفية الظواهر الاجتماعية . وبالعودة إلى ابن ميمون هذا الأخير كان قد فر من القهر الموحدي له إلى مصر واستمر هناك في عملية الإبداع والعطاء في بيئة احتضنته وضمنت له حريته فاستمر عطاؤه الخلاق أي عكس ما رافع عنه صاحب المقال من أن الإبداع هو ثمرة من ثمار الاسترقاق وواقع حال ابن ميمون يكذب هذا الإدعاء الزائف ونفس الأمر مع الطبيب ابن ماسويه والشاعر الكبير الأخطل فهم نصارى أحرار ومع ذلك فقد أبدعوا في البيئة العربية الإسلامية الحاضنة لهم ولذا فإننا نرى بأن الاستعباد يخنق بذرة الإبداع لكونه يخلق لنا إنسانا سلبيا يأتمر بأوامر سيده يخاف دوما من العقاب وهذا ما يفقده القدرة على المبادرة والمناورة وإن أبدع فإبداعه لإرضاء سيده وفي المجال الذي يوجهه نحوه سيده دوما وبالتالي فهو لن يستغل كل طاقاته الإبداعية ويتنازل عنها في سبيل إرضاء السيد المالك – وهذا ما فر منه الفيلسوف ابن ميمون - وهذا سيجعل البشرية تفقد الكثير من الخطوات كانت ستدفع بها إلى الأمام وهذا على عكس الحرية لأن الحرية وكما يقال تجعل الواحد منا يشعر بإنسانيته فتتفجر مواهبه وهنا نعرج على شهادة تبرز العلاقة بين الإسلام والإفريقي الأسود جاء فيها : " بمجرَّد أنْ يدخل الزِّنجيُّ في الإسلامِ يَشعر بكرامة نفسه ، بعدَ أن كان يعتقد ذاتَه عبْدًا ، ويُصبح في نظر نفسه حُرًّا " وهذا هو أساس الإبداع لأن الأخير هو تحقيق للذات عبر الإبداع الخلاق وكل هذه الأمور يفقدها العبد ولذا فآخر اهتماماته هي الإبداع لأنه لا يهتم به فهو ولد كم مهمل ويعيش كذلك ويموت كذلك أيضا وعلى قاعدة عنتر العبسي إن العبد لا علاقة له بالكر والفر كما أن العبد اهتماماته تبقى تدور في فلك اهتمامات سيده خوفا من الجلد والقتل والعقاب لكونه قد تشكل في قالب نمطي يستحيل عليه الإنعتاق منه .

إن الذي يسأل التاريخ ليجيبه هذا الأخير بأن الاستعباد لم ينجب عالما محترما في حضارتنا العربية الإسلامية غير مسار البشرية وإنما الأحرار هم من فعلوا هذا من أمثال الفيلسوف الكبير أبي حامد الغزالي الحر ومعه ابن سينا وابن رشد لأن العبد تابع لسيده يأتمر بأوامره أما الحر فيأتمر بأوامر عقله وضميره فقط وهذا ما يجسده وبشكل واضح موقف ابن حزم من حرق مؤلفاته فرد على من قاموا بتلك الفعلة الشنيعة بقوله : " إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي *** تضمنه القرطاس بل هو في صدري " فهو حر ولا سلطان عليه سوى سلطان حريته وبها استمر في عملية إبداعه الخلاق برباطة جأش وهو هنا قد كان محقا فالتاريخ يصنعه الأحرار الشجعان وليس العبيد الأذلاء الذين تم سقيهم بأخلاق العبيد بتعبير نيتشه من احترام الخنوع والسجود والركوع للسادة وكلنا يعلم أيضا بأن العبيد لا يصنعون التاريخ نقولها مرة أخرى وهذا باستثناء سبارتكوس والزنج وحتى الزنج في العهد العباسي فهم قد وقعوا في خطيئة الاسترقاق التي أعابوها على أسيادهم السابقين وحولوهم إلى عبيد لهم وهم نفس المنطق الذي سيتعامل معه عبيدك متى امتلكوا القوة وكما جعلتهم يسلمون فسيجعلونك أنت وأبنائك وأحفادك على ملتهم لأن القوة عادت بيدهم وهنا تضيع الحقيقة تحت ضربات سيف الباطل .

إن القرآن الكريم ليخبرنا بأن بني إسرائيل قد تاهوا في شبه جزيرة سيناء لمدة أربعين عاما والعبرة من هذا التيه هو أن ينقرض الجيل الخانع والذي تربى في ظل العبودية وهذا لكي يخلفه جيل جديد هو من يصنع تاريخا جديدا يكون ملهما للبشرية جمعاء كما استنتجه دارسو النصوص المقدسة والتي ورد فيها خبر خروج بني إسرائيل توراتية كانت أو قرآنية وهل الثورة الجزائرية المباركة فجرها عبيد الاستعمار أم الرجال الأحرار كمصطفى بن بولعيد والعربي بن امهيدي وعليه فمصلحة البشرية في أن تكون الحرية هي دينها وأن يكون الاسترقاق هو الدجال الذي يتوجب عليها محاربته . وهل من قهروا نيلسون مانديلا هم من فجروا طاقاته الإبداعية أم أن اعتناقه لشعلة الحرية والتوق إليها هي من صنعت منه نصف إله في نظر شعبه وفي نظر الكثير من أحرار العالم .

وأما الجواري والإماء فهن لم يخرجن عن القيمة الربحية لسؔادة فهم يعتنون بهنؔ لتحقيق أرباح مادية مثلما يعتنون بقطعان ماشيتهم لغاية الربح وفقط ولم تخبرنا كتب التاريخ بسيد قد اهتم بجواريه خارج صناعة الترفيه من تعليمهن الرقص والغناء ورواية الشعر ولا نعتقد بأن كل من وقعت تحت أيدي هؤلاء السادة المزيفين لا تصلح إلا لما سبق ذكره أو هي لا تصلح بأن تكون قامة في مجال معرفي وعلمي معين وإننا نرى في هذا احتقار وامتهان للمرأة ومصادرة لإنسانيتها واستخفاف بها كخليفة لله في الأرض وظلم لها والله حرم الظلم على نفسه فكيف يبيح الإنسان ظلم أخيه الإنسان خاصة وأن التاريخ قد أثبت بأن المرأة لم تخلق لما يريده هؤلاء السادة الذين يستعبدونها لكي تكون مجرد آلة لمتعتهم الشخصية والترفيه عليهم ولتنمية رؤوس أموالهم عند بيعها .

نعود ونقول من أنه حتى وإن أبدع عبد مملوك فهذا الأمر لا يعدو إلا أن يكون مصادفة وشذوذ عن القاعدة وإبداعه لم يكن أبدا خطة عمل ولا خارطة طريق لتفجير طاقاته الإبداعية من قبل مالكه ولكن العبد قد أبدع لأنه كان يجب عليه أن يبدع وفقط لأن بذور الإبداع قد أوعدتها فيه أمنا الطبيعة وبقي فقط المحفز ووجده في البيئة الحاضنة له . وهل إبداع نيوتن وعظماء البشرية قد كان بسب عبوديتهم وهل إبداع المسلم اليوم كالعالم أحمد زويل سبب عبوديته أو أن والده قد كان عبدا أم أن البيئة الحاضنة له هي من فجرت طاقاته .

ولئن كان الاسترقاق يفجر الإبداع فمن حق القوى الدولية اليوم استعباد المسلمين لتفجر مواهبهم لما فيه من خير للبشرية ومثل هذه الآراء هي تبرير للحكومات الديكتاتورية في الحجر على الحريات لشعوبها طالما ذلك يفجر طاقاتها الإبداعية وهذا النمط من التفكير عقيم وتافه يدل على نفسية سخيفة ومريضة وغير سوية وعدوانية وبدلا من هذا قم يا سيدي الكريم ببناء بيئة سوية حاضنة للإبداع تتجلى مظاهرها في المدارس والجامعات والكليات والمعاهد ومراكز البحث العلمي وعندها فقط ستحترمك باقي الأمم وتتبع دينك كما هو حال كوريا الجنوبية واليابان وباقي المجتمعات الحرة الأخرى حيث صنعوا أناس ينفعون كل الناس كما أخبرنا بذلك الرسول الكريم ولا نعتقد بأن تجار الرقيق وبارونات النخاسة عديمو الضمير والأخلاق يندرجون ضمن فئة الناس التي تنفع الناس وهل الرسول الكريم ص كان غافلا على خيرية وأخلاقية الاسترقاق حيث لم يحث عليه ولم ينصح به ومن قبله رب العزة الذي لم يفرط في قرآنه الكريم من شيء .

وهل الصحابي الجليل بلال بن رباح قد حجز مكانا له في التاريخ لأن والده قد كان عبدا أو هو عبد فكم أمثاله من العبيد من هم قد رحلوا ولم نسمع لهم خبر ولم يتركوا لنا أثرا وما أكثرهم في العالم القديم والجديد ولو أتيحت لهم الفرصة لكانوا من أعلام البشرية و بلال بن رباح أبدع لأنه حر وليس لأنه عبد لأن العبد لا يحسن الكر والفر كما مر أعلاه وبلال أبدع بصوته الندى وبسيفه البتار لأنه وجد بيئة احتضنته ففجرت مواهبه وهذا على عكس البيئة الجاهلية والتي مع كل أسف تشبه بيئتنا اليوم في بعض الأوجه قد قمعت مواهبه وحصرته في إطار العبد الذليل واختزلته في لون بشرته السوداء وكم هم كثر اليوم من هم من طينة سيدنا بلال هذا الأخير الذي لو بقي عبدا لطواه التاريخ هو وأبنائه كما طوي ولده رباح الذي لم تقدم له العبودية إلا المهانة والذل وما نحن اليوم نتشوق لمثل تلك البيئة والتي هي قد خنقت بلال بن رباح يوم كان عبدا . إن الإتحاد السوفيتي السابق وعلى الرغم من عدم استرقاقه لمواطنيه وبصورة قانونية إلا أنه مارس عليهم وصاية وسيادة كتلك الممارسة على العبيد فماذا كانت النتيجة هل تفجرت طاقاتهم الإبداعية أم أنها تحجرت وماتت ومعها هوى وتخرب الإ س نفسه وعلى عكسه كان الغرب الحر يزدهر وتتفجر الطاقات فيه عيونا وأنهارا وبحارا وميحطاتا لا لشيء إلا لأنه قد ألغى كل أشكال الوصاية على العقول وأوجد البيئة المثالية للإبداع وهذا على عكس مجتمع العبيد الذي يخصي أبنائه ويصادر حقهم في الإبداع .

كما لا يجب أن ننسى بأن الإبداع ليس عملية فردية وإنما هو نتاج المجتمع ككل والذي يوفر لها الشروط اللازمة لتفجرها فالغرب بالأمس القريب فقط قد درس عوامل نبوغ اليونان القديمة وأوجدها بدوله فكانت معجزته العلمية والتي هي فخر للبشرية جمعاء تماما كما أوجد البيئة الزراعية المحفزة على الإنتاج وبصورة صناعية فكانت ثورته الزراعية عبر البيئة البديلة للطبيعة من بيوت بلاستيكية ومراعي اصطناعية ربيعية في كل الفصول فكانت وكما قلنا ثورته الزراعية التي ضمنت لكل البشرية أمنها الغذائي . وكل هذا هو نتيجة لمجهود مجتمعي ولا أثر للاسترقاق البغيض في نجاح وإبداع الغرب المبهر والمعجز . واليوم الغرب قد اتجه إلى مرحلة أعلى تتمثل في إنتاج الاستعدادات والملكات في أبنائه بدلا من انتظار أن تجود عليه الطبيعة بتلك الاستعدادات فهو أي الغرب اليوم قد تجاوز مرحلة محاكاة غيره في عملية تفجير الإبداع إلى محاكاة الطبيعة في إنتاج الفرد المبدع ونحن لا زلنا نتحدث عن نفايات وننقب عنها بين أكوام الزبالة التي نزكم العقول قبل الأنوف .

ترى كيف نسي القرآن الكريم وهو الذي ضرب الله فيه من كل شيء مثلا أن يعرج على مثال استرقاق الناس بهدف تحقيق تلك الغايات النبيلة التي عددها صاحبنا في مقاله الذي نعالجه اليوم حتى يكون كلامه حجة على الناس وإلى يوم الدين والقرآن الكريم يخبرنا بقصة سيدنا يوسف عليه السلام وكيف كان معجزة في عصره وهذا ليس بفضل عبوديته ولا سيده الذي فجر طاقاته الإبداعية وإنما بفضل برهان ربه الذي رآه وفسر وأول هذا البرهان كما تراه لأن هذا نصا مفتوحا فالله قد زوده بالملكات التي إن أحسن استغلالها فستكون عبقريته وهذا ليس حكرا على يوسف وإنما هي رسالة من الله لنا جميعا فالإنسان هو من يقرر مصيره وليس سيده ويوسف أبدع لأنه حر وبالحرية وصل إلى منصب عزيز مصر وليس بالعبودية وما أكثر العبيد الذين كانوا معه ولكن لم ينبغ احد منهم ولذا علينا أن نتساءل أين ذهبت عبقرية سيده في تفجير مواهب عبيده الآخرين ؟ .

ونحن نرى بأن بعضنا لا ينتج إلا القذارة وهذا لكون دائرة اهتماماتنا لا تتعدى بطوننا وما بين أرجلنا . فكيف لسيد أسمى وأقصى أمانيه أن يأكل ويشرب ويجامع مثل بقية الحيوانات أن يفجر طاقات عبيده الإبداعية وكيف له أن يبنى لهم بيئة تماثل بيئة قدماء اليونانيين بيئة صالحة للحرث وللبذر وللإنتاج الفكري والعطاء الحضاري بل على العكس فذلك السيد سيحولهم حتما إلى ملكات يمين لمتعته الجنسية وإلى غلمان ولنفس الغاية وأنى له أن يهتم بعالم الفكر الذي لا يطيب له فيه المقام أبدا فهو يخاف من أن يتحرر عبيده فيفقد هو وسائل متعته الجنسية ولذا فالأفضل تجهيلهم لضمان بقاء دوام استرقاقهم ولهذا فنحن نرفض ربط العملية الإبداعية بالاسترقاق .  

كما أن صاحب هذا المقال لا يزال يرى في نفسه خير أمة أخرجت للناس ونسي بأن الله قد استخدم تعبير كنتم بصيغة الماضي وهل المسلمون اليوم تنطبق عليهم صفة خير أمة أخرجت للناس والبعض منهم شوه مع كل أسف صورة الغالبية وجعلها تبدو في صورة قطعان الهمج والعصابات المعادية للحياة تذبح إخوانها وأعدائها على حد سواء . نحن اليوم أمة ملوثة بداء الفوقية والاستعلاء على الآخرين وهذا لاعتناق بعضنا لمقالة شعب الله المختار ولادعاء امتلاك الحقيقة ترى بما نحن اليوم مؤهلون لقيادة البشرية وبعضنا في أحط دركات التخلف والجهل والانحطاط وبما نزايد على الآخر بالمجتمعات الراشدة التي بنيناها أم بالصروح العلمية التي رفعناها وهل حالنا اليوم يغري غيرنا على الاقتداء بنا ونحن اليوم في نظرهم ومع كل أسف قطعان من الوحوش البشرية التي يجب على عقلاء العالم إبادتها كما يصفنا بهذا بين الفينة والأخرى الإعلام العالمي .  

إن الرسول الكريم لم يتخذ طوال حياته عبدا واحدا ولا أمة واحدة وحتى زيد بن ثابت لم يتخذه عبدا وإنما أعتقه وما عاش حياة العبيد أبدا حتى وهو في ذمة الرسول الكريم بل هو زيد بن محمد الذي هو عنده أي محمد ص الأب والعم وهذا ما جاء في رده على طلب والده الراغب في أن يعيده معه إلى قبيلته وأحضان أمه فأين هي مظاهر الاستعباد هنا والنبي اتخذه ولدا وهو اتخذه والدا وتبناه في مرحلة ما من حياته وقدوة المسلم هي رسوله الكريم وليس هذا أو ذاك حتى ولو كان من الصحابة الكرام والذين يخضعون ككل البشر لقاعدة الخطأ والصواب وزيد بنيت شخصيته بفضل التكوين الجيد لها وليس بسبب الاسترقاق .

وهنا من حقنا أن نتساءل عن الآلية التي ستستعبد بها غيرك ما دامت ليست لنا سابقة مع الرسول الكريم قدوتنا مع استثناء الحروب المشروعة التي يُعتدي فيها على المسلمين واستعباد أسرى الحرب لم يشرعه الإسلام وهو واضح بشأن هؤلاء الأسرى : " فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء " سورة محمد الآية 4 ولا خيار ثالث ومهما كان استرقاقا أو غيره وأما استرقاق المسلم لأسرى الحرب وهو واقع تاريخي فيخبرنا الدارسون للقضية بأنه لا يخرج عن مبدأ المعاملة بالمثل في القوانين الدولية حتى أن السلطان محمد الفاتح قد عرض على الدول الأوروبية توقيع معاهدة تتضمن عدم استرقاق أسرى الحرب على أن يلتزم بها الطرفان ولا أحد يزايد على محمد الفاتح ولا على مجمع الفقهاء الذي كان هو من ينظر ويفصل في مثل هذه القضايا ومحمد الفاتح لم يأتي بجديد فالرسول الكريم قد كان يتألف قلوب أعدائه بغية احتوائهم وكسبهم إلى صفه ويتودد لهم لإيمانه بأن صوت الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والقول اللين أقوى من حد السف وطلقة الرصاص والقيود والأغلال . فمثلا هل ستشتري العبيد ؟ ومن أين ؟ ومن سيسمح لك بشراء عزيز عليه وهذا يدخل في خانة التجارة بالبشر المحرمة دوليا أم أنك ستدخل في حرب مع كل العالم لتغير قوانينه بقوانينك الظالمة للإنسان بغية إشباع رغباتك الشاذة والعدوانية أم عن طريق الاعتداء والخطف كما هو حال القراصنة وتجار الرقيق القادمين من العالم الجديد صوب إفريقيا وهل الإسلام يسمح بترويع الآمنين والتعدي عليهم وقطع الطريق عليهم أليس هذا إفساد في الأرض وكلنا يعرف جزاء المفسد في الأرض كما تحدده الآية الكريمة : " وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ " المائدة الآية 33 وهذا الاعتداء قد يكون بصورة فردية أو جماعية أي استعمار الآخر والتعدي على حرمة وطنه وأرضه والإسلام بريء من العدوان يقول تعالى : " وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ " البقرة لآية 190 وإنما الدعوة له تكون بما تخبرنا به الآية 15 من سورة النحل : "وادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " وهنا من حقنا أن نتساءل هل يا ترى قد أغلقت جميع أبواب الدعوة إلى دين الله ولم يبق سوى هذا الدرب الشيطاني ؟ وهنا أنتَ تعطي للآخر شرعية إحياء كل شرور التاريخ لأن ما هو شر عندك هو عين الخير عند الآخر ومن هذه الشرور ظاهرة الاستعمار فالرومان ظهر في عهدهم القديس أوغسطين البربري والفرنسيون استطاعوا أن يكونوا طبقة جزائرية من أمثال محمد ذيب وغيره كثر فهل سنسمح بأن تحتل بلداننا مرة أخرى حتى تتفجر طاقتنا الإبداعية ؟ .

ومن ناحية أخرى يخبرنا صاحبنا بأن الاسترقاق هو طريق للدعوة إلى الله وإلى نشر الإسلام وهنا نتساءل هل من كان لهم عقل جبار ينتظرون أن تستعبدهم أنت حتى يؤمنوا بالله إنك تستطيع أن تستعبد أبدانهم متى شئت ولكن عقولهم وأرواحهم الحرة فلا سلطان لك عليها وهل انتظرك العالم في يومنا لتكون مخلصا له ؟ إن الإسلام اليوم ينتشر بقوته الذاتية وهو ليس محتاج إليك فالغير يقرأ ويفاضل بين الأديان والمعتقدات ويختار منها الأصلح لحياته اليومية وهل الجراح الفرنسي موريس بوكاي و كيث مور عالم الأجنة الشهير وعالم التشريح التايلندي تاجاتات تاجسن وعالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير والدكتور الفرنسي علي سليمان بنوا والعالم المجري عبدالكريم جرمانيوس وعالم الإجتماع الإنجليزي حسين روف و المفكر الإنجليزي مارتن لنجز والكاتب الأمريكي مايكل ولفي سيكتر والعالم والصحفي والمؤلف الألماني الدكتور حامد ماركوس والمؤلف والروائي والشاعر البريطاني ويليام بيكارد والرسام والمفكر الفرنسي المعروف اتييان دينيه وللأمانة العلمية هذه القائمة اقتبسناها من مقال على الإنترنيت يحمل عنوان علماء أسلموا بسبب أبحاثهم العلمية وقائمة هؤلاء العباقرة والعظماء الذين أسلموا أو سوف يسلموا طويلة ولا تزال مفتوحة . إن الإسلام اليوم لا يحتاج إلى أمثالك يا سيدي الكريم لكي ينتشر فالعالم نوافذ مفتوحة على بعضه البعض ووسائط التواصل الاجتماعي هي وسائل للدعوة إلى الله فالإسلام اليوم معروض على شبكات التواصل الاجتماعي وفي كل مكتبات العالم وبكل لغاته وكم من غير مسلم ومسلمة قد أسلموا وكم من شخص ربط علاقة اجتماعية مع مسلم فأسلم بسببه وهما لم يريا بعضهما قط كما لا ننسي عامل السياحة فكم من عائلة وأسرة جاءت بهدف السياحة إلى فضائنا العربي والإسلامي فعادت إلى بلدانها فرحة مسرورة بدينها الجديد الذي اعتنقته في رحلة سياحية ومعها العمال الغير مسلمين والذين يسلموا ويحسن إسلامهم وصدق ربنا العظيم وهذا حينما قال: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل 125 وليس باسترقاق الناس عبر شرائهم كالحيوانات أو اختطافهم كما يفعل اللصوص والقراصنة . إن عالم اليوم يا سيدي الكريم هو عالم أحرار لا عالم عبيد ومن يبيع حرا فهو خصيم الرسول ص يوم القيامة كما يخبرنا بهذا الحديث النبوي الشريف الحديث والذي رواه البخاري وابن ماجة : " ... وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ " وإن كنتَ لا تتورع على مخاصمة الرسول الكريم فهذا شأنك يا سيدي وهنا عليك التوقف عن الحديث باسمه أو الادعاء الزائف بأنك من أتباعه .

إن فكرة استعباد البشر لإدخالهم في الإسلام سيجعل الكل يتوجس ويخاف من الإسلام ويناصبه العداء لأنه دين برابرة وقراصنة همهم الوحيد التسيد على العالم وقهره وهنا نحن وبأسلوب غير مباشر نؤكد للعالم أجمع بأن المسلمين حقا هم لعنة عليه كما يقول أعداء الإسلام وفي نفس الوقت نعطيهم ذريعة لمحاربته في حروب إستباقية يدمر فيها العالم الإسلامي شعوبا وحضارة مع منع عنه كل ما يجعله يمتلك القوة والعزة من تكنولوجيا ومعرفة هما نهجه الوحيد لولوج الحداثة وأن يكون أصحابه أمة محترمة كباقي أمم الدنيا . وهذا الأسلوب في نشر الدين الإسلامي ليتناقض مع أسلوب الصحابة في الدعوة إليه وهم من تربوا في المدرسة المحمدية فها هو الصحابي الجليل ربعي بن عامر أجاب كسرى بأن الله : " ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد " ولم يقل له جئنا لاستعباد العباد ليتعلموا منا عبادة رب العباد .

إن ما تدعو له سيدي ليهدد الأمن والسلم في العالم أجمع لأن الأمم ستتربص ببعضها البعض والأقوى سيستعبد الأضعف وكلنا يعلم بأن القوة تهاجر من ضفة إلى أخرى وهذا حسب الدورة الحضارية ولهذا فالمسلم لن يكون آمنا على دينه في قادم الأيام فالتجربة المرة لمحاكم التفتيش لا زالت حاضرة في مخيالنا وبقوة ويمكن أن تنبعث من الجحيم مرة أخرى كرد فعل مباشر على استرقاق المسلم لغير المسلم وعليه فقاعدة استرقاق المسلم لغيره حتى ولو كان الهدف نبيل حسب صاحبه فهو يشكل خطرا على الإسلام ذاته ومستقبله غير آمن بالمرة وبالتالي علينا أن نبحث عن قاعدة أخرى تضمن للمسلم حرية الاعتقاد حتى ولو كان هو أضعف الحلقات كما هو حاله بيومنا هذا وهذه القاعدة نراها في قول القرآن الكريم : " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " الكهف الآية 29 وهي القاعدة التي كانت الرحم الذي حمل بذور الحضارة العربية الإسلامية وهي القاعدة التي تفطنت لها أمريكا وتعلمتها من مسلمي العصور الوسطي الحرية الدينية كانت هي أحد أركان مجدهم وعظمتهم ومجد الو م أ اليوم .

والاعتداء على الآخر لاستعباده بغية جعله يسلم أو لافتكاك أبنائه لتربيتهم على نهج الانكشارية سيكون له حتما رد فعل من الآخر ولو بعد حين وهذا عبر الرد عليك وبنفس المنهج والأسلوب وهذا عندما تتغير موازين القوى لصالحه وهو من سيستعبد المسلمين ويجبرهم على ترك دينهم ودرس الأندلس المؤلم لا يزال جرحا حيا وإلى غاية يومنا هذا وذكرى استرقاق المسلمين هناك وتنصيرهم بالقوة وبيعهم كلها لا تزال ذكريات حية ودرسا يشهد لصالح الأسلوب السلمي المقدس والذي انتهجه الرسول الكريم محمد ص في الدعوة إلى الإسلام فهو لم يستعبد أي كان لأجل جعله يسلم بل كان يفعل العكس فهو يحرر العبيد الذين أسلموا ويتألف قلوب غيرهم لكسبهم وليس استعبادهم وما كان يمنعه من استعباد كفار مكة يوم فتحها ليسلموا أو ما منع أبو بكر الصديق من استرقاق من هزمهم في حروب الردة وهنا تكون لنا سابقة تشهد لما يروجه صاحب المقالة التي نناقشها اليوم والتي هي مردودة عليه جملة وتفصيلا نعود ونقول بأن التغلب على المسلمين كما حدث في الأندلس سيجعل المسلمين يتخلون عن دينهم لصالح ديانة الغالب لأن البشر في أوقات المحنة وكما نعلم جميعا يتخلون عن الأفكار الصحيحة لصالح الأفكار الخاطئة وحقبة محاكم التفتيش الملعونة تشهد لصالح هذا الرأي .

إن الإسلام ليحتاج إلى فكرة تستعبد وتقهر العقول فتستسلم له هي والأبدان وهذا ما نجده في جواب عتبة بن ربيعة لقومه من بعد أن أسمعه الرسول الكريم شيئا من القرآن وفي مختلف قصص إسلام العلماء والذين لم يجدوا من حل نتيجة هزم القرآن لهم سوى الاستسلام له ومنه إعلان إسلامهم فكرة من طينة الحقائق العلمية المبثوثة بين ثنايا القرآن الكريم والتي تستسلم لها الأرواح قبل الأذهان وإننا نرى بأن أصحاب هذا الرأي قد بينوا للعالم أجمع مدى تخلفهم وحمقهم وجهلهم بتعاليم وتاريخ دينهم وكيفية انتشاره بالأمس وبيومنا هذا لأن المرء وكما يقال مختبئ وراء لسانه وهنا نصل إلى أنهم أناس محدودي البضاعة الفكرية والعلمية فعجزوا عن الإقناع من منطلق فكرة مقابل فكرة وما بقي لهم إلا استخدام القوة والتي هي دوما تحضر متى غابت القدرة على مقارعة الحجة بالحجة .

الإسلام اليوم بحاجة إلى رجال من طينة مصعب بن عمير الصحابي الجليل وأول سفير في الإسلام ومبعوث النبي الكريم ص إلى المدينة المنورة من طينة أولئك التجار الكرام والذين نشروا الدين الإسلامي في جزر البحار النائية وأوصلوه إلى أواسط آسيا وإفريقيا وإلى الصين ومن طينة فاتحي الأندلس والذين على يدهم أسلمت شبه الجزيرة الأيبيرية بصورة شبه كليه ولم يسترقوا فردا واحد بغية أن يسلم ولولا فرض التنصير عليهم وبالقوة والقصة نعرفها جميعا لكان سكان شبه الجزيرة الأيبيرية على الإسلام وإلى يومنا هذا رجال من طينة بلاس أنفنتي باعث الإسلام في الأندلس ونفس الكلام يصدق على مسلمي البلقان وهذا بمختلف قومياتهم وهل انتشر الإسلام في المناطق المذكورة أعلاه باسترقاق الناس أم انتشر بقوة الفكرة التي تستعبد القلوب فيهاجر من تأسره من ضفة ديانته إلى ضفة الدين الإسلامي الحنيف والذي يؤمن بأنه لا إكراه في الدين وهل ملايين البشر الذين يعتنقون الدين الإسلامي اليوم يتم عبر استرقاقهم أم عبر قوته على الإقناع وهذا ما يشهد به أعداؤه قبل أصدقائه وإننا هنا لننصح كل من راقت له فكرة استرقاق البشر بغية تحويلهم إلى الإسلام بأن يقرأ كتاب الدعوة إلى الإسلام بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية للسير ت و أرنولد فربما يكون هو دواء وبلسم مرضه الفكري هذا ومن هذه اللوثة الفكرية التي تأسره وتستعبده كما تستعبد خيالات كهف أفلاطون من كانوا فيه . وليس أن يتحولوا إلى عصابة من قطاع الطرق واللصوص يستطيعون تحقيق الخلاص الجسماني للبشر ولكنهم لن يحققوا لهم خلاصهم الروحي أبدا

وجدلا وافقنا الرأي القائل بأن الرق طريقا لنشر الإسلام لمَا يلمسه العبد من سيده من معاملة حسنة ومن أخلاق طيبة فيتحول إلى الإسلام نسأل هل المسلمون اليوم كلهم مؤهلون ليلعبوا هذا الدور صراحة نحن على اقتناع تام بأن معظمهم غير مؤهل لهذا الأمر ونحن نرى ما يصنع المسلمون ببعضهم البعض وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي فبعض المسلمين يقتلون إخوانهم المسلمين لمجرد الشبهة فماذا سيفعلون بمن هو على غير دينهم لو أوقعه حظه العاثر تحت أيدهم وأخبار فضائح بعضنا الأخلاقية يندى لها الجبين خلاصة القول أن فاقد الشيء لا يعطيه . إن الإيمان لهو وليد الضمير الحي وليس العبودية أو الحرية في بعض أوجهه فسادة قريش الأحرار هم رؤوس الكفر والجهالة وبلال بن رباح العبد هو شعلة إيمانية بفضل براهين ربه التي رآها وليس بفضل مواهب سادته الجهلة .

وما استوقف انتباهي في ذلك المقال هو تعليق احد المعجبين بذلك الطرح وقوله بأن بعض أقاربه ينحدرون من جارية هذه الكلمة القبيحة والسمجة والملعونة ونحن ننفر منها لما تحمله من معاني الامتهان والاحتقار والإذلال للمرأة والتي يستخدمها عادة أعداؤها ممن يخافون من نجاحها ولذا يريدون حصرها في هذا الثوب الملعون ثوب الجارية المنحدرة من العصر الجاهلي العربي المتعفن في بعض نواحيه نعود ونقول بأنه يعلن وبفخر بأن تلك الإنسانة كما هو الرجل إنسان ولن نستخدم لفظ الجارية المقيت وهو هنا يحرمها حتى من حقها في أن تكون كباقي بني البشر إنسانة نقول يقول بأنها من أصل جورجي نقلها تجار العبيد – الملاعين - من منطقة إلى أخرى إلى أن حلت عندهم وهي صغيرة ومن نسلها كان وجهاء ووزراء في بلده - راجعوا أحد التعاليق على المقال الذي نحن بصدد مناقشته - وهنا نقول كيف طاوعتكم قلوبكم أن تفصلوا طفلة صغيرة عن حضن أمها ودفئ عائلتها والإسلام يمنع بيع أم الولد لما فيه من ضرر للإثنين وهنا نقول أي قلوب قاسية تحملها تلك الصدور وكيف طاوعتكم أنفسكم على بيعها من سوق لآخر وكأنها متاع أم أنكم أرحم على البشر من رب البشر الذي لم يشرع هذا الأمر مطلقا ثم كيف تزوجت وهل كانت تملك الخيار في هذا الزواج وهل لو وضعت لها عدة خيارات فهل كانت ستختار البقاء معكم وإن اختاركم كما تزعمون فهل قمتم بتطهير عقلها من المنظومة الفكرية التي سجنتموها فيها ؟ والتي شلت قدراتها في أن تكون سيدة قرارها أم أن القرار الذي قررتموه هو من كان الفيصل في اتخاذها وجهة ما ؟ خاصة وأننا نقرأ وإلى وقت قريب بأن بعض ممن كانوا عبيد بموريطانيا يفتخرون برقهم من قبل السيد الفلاني وهم هنا ضحايا للبرمجة المسبقة لهم كما هو حال هذه السيدة والتي برمجت ومنذ صباها على أن تكون كما يريدها السادة لا كما يجب أن تكون هي أما القول بأن من نسلها وزراء ورجال دولة وهنا نسأل ماذا لو كانت سوداء البشرة وما أكثرهن ببلدكم هل كان نسلها سيصل إلى تلك المراتب الاجتماعية يا من ترون في المرأة مجرد لعبة وتسلية جنسية حقيرة تتلهون بها يا من تقدسون التمييز العنصري والجنسي الملعون في عين ربكم إن كان لكم رب أصلا وإن لم يكن على شاكلة رب أبي جهل وأبي لهب رب لا يعبد لذاته بقدر ما يدر على أصحابه الامتيازات المادية والمعنوية على معتنقيه .

نعم قد يسلم عبدك حقا كما يمكن أن يسلم بغية إرضائك لتحقيق مكاسب مادية ولكن قلبه يبقي ملكا لغير دينك وهذا هو النفاق عينه والمنافقون في الدرك الأسفل من جهنم وهل هذا ما تريده لهؤلاء ؟ أوليس أن نتركهم على دينهم الأصلي وعسى أن يسلموا إسلاما حقيقا بعيدا عن النفاق الذي يدمر الأمم من الداخل ومثالنا هنا هي الثريا الرومية زوجة الغالب بالله سلطان غرناطة فهي قد أسلمت وتخلت عن ديانتها النصرانية ولكن ما أن سقطت غرناطة حتى عادت إلى دينها الأصلي بل كانت عينا لقومها على المملكة وكانت عاملا لسقوطها وتخريبها من الداخل وهي التي كانت وصيفة بقصر الحمراء وإنك هنا ستشكل عدوا داخليا متخفيا يتخفى زمن قوة المجتمع ويدمره في أول فرصة مواتية له سيدي الكريم لا نريد مسلمين من طينة بعض الأفارقة اللاجئين في الجزائر ونؤكد على بعضهم وليس عليهم جميعا فهم يحملون القرآن في الجزائر ويستبدلونه بالصليب متى عبروا إلى أوروبا وهم أحرار فما بالك لو كانوا عبيدا نحن نريد مسلمين عبيد لله وليس عبيد مسلمين لك أنت أو لغيرك .

وبالعودة إلى ما تعارف عليه الأتراك فليس كل ما أنتجوه أو اقتبسوه من غيرهم يصلح ليومنا هذا فها هو السلطان الجديد يقتل كل إخوته بفتوى شرعية فهل عندما يصل صاحبنا الداعي إلى إحياء الاسترقاق إلى السلطة سيقتل كل إخوته ليضمن عدم الانقلاب عليه كما كان يفعل سلاطين آل عثمان وهي فكرة غير عملية مطلقا اليوم فها نحن نرى الأسر الحاكمة هنا وهناك ولم تقلد أي واحدة منها الأسلوب العثماني في ضمان استمرار سيادة سلالتها ومن يضمن لي بأنك لن تبعث كل قذرات ونفايات التاريخ وتجعلها دستور يومنا هذا وهل تقبل بأن تحتلك أمريكا اليوم لتغير دينك وهل تقبل بأن تأخذ جزء من أبنائك ضريبة وتغير دينهم ؟ إن صاحب هذه الفكرة ينسبها إلى الإسلام بمفهومه هو وفهمه المعوق للإسلام ليس حتما الإسلام عينه ونحن نقول له إن قراءتك هذه ليست الإسلام ونرفض أن تختطف الإسلام باسمها أنتَ أو غيرك .

وقد يرد علينا صاحب فكرة استعباد الناس بالقول بأن غايته نبيلة وهي جعلهم يسلمون وهذا لكي ننقذهم من جهنم نقول له بأن طرحك هذا مرفوض لأن الرغبة في جعل كل الناس مسلمين أمنية تمناها حتى الرسول الكريم ص فرد عليه الله بأنه فقط : " شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا " الأحزاب 45 كما يخبرنا المولى تعالى بأنه خلق الإنسان وهداه النجدين فإما شاكر وإما كفورا من دون وصاية وحجر لا منك ولا من غيرك وهذا ما تخبرنا به سورة الإنسان الآية 3 . وصاحب فكرة استرقاق الناس بهدف جعلهم يسلموا يريد أن يخبرنا بأنه خائف عليهم من عذاب الجحيم وأنه فارس صاحب أخلاق نبيلة وهنا نقول له هل أنتَ أحن على الله من خلقه : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " يونس الآية 99 أو لجلهم أمة واحدة على الإسلام أو على الكفر : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ " هود الآية 118 إن استعباد الناس لغاية نشر الإسلام بينهم قد يجعل ضعاف النفوس منهم يظهروا الإسلام لأجل مصلحة ما لا عن قناعة وهنا تكون قد أدخلتهم في دائرة النفاق والنفاق في الإسلام ألعن من الكفر الصريح كما مر أعلاه . كما لا ننسى رد الله تعالي الحاسم على نبيه محمد وهذا حينما قال له : " لَيسَ عَلَيكَ هُدىٰهُم وَلٰكِنَّ اللَّهَ يَهدى مَن يَشاءُ ۗ " سورة البقرة الآية 272 وهنا نقول له بأن رسالتك الوحيدة هي الدعوة لتبليغ رسالة ربك ولا شيء غير هذا وهو الدور الذي لعبه الرسول الكريم منذ لحظة بعثه وإلى أن توفاه الله : " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ " الغاشية الآية 21

والأخطر هنا هو أن هذه الفكرة أي عبارة تحقيق الخلاص للبشر لهي فكرة كنسية بامتياز تبنتها الكنيسة لإيمانها بأنها وصية عليهم وهي المسئولة على تحقيق خلاصهم ولذلك كانت تحرق حتى هياكل الموتى منهم وهذا لكي لا يحترقوا في الجحيم فقط لاعتقادها بأنها تمتلك الحقيقة ودرب الخلاص الأوحد وهو نفس منطق من يدعوا إلى فكرة تخليص الناس عبر استرقاقهم ممن يدعون الانتماء إلى الإسلام اليوم وفكرة امتلاك الحقيقة هي فكرة تزدهر فقط متى يعشش الجهل الذي يؤدي بدوره إلى نتيجة وحيدة ألا وهي التعصب كما نراه عند الجماعات المتطرفة في أي ديانة أو عقيدة سماوية كانت أم وضعية كما أن فكرة استعباد الناس بهدف تحقيق الخلاص لهم لهي من أدبيات محاكم التفتيش البائدة والتي قامت باسترقاق غير من يعتقد منظومة قيمها من مسلمين ويهود وغيرهم بهدف تخليص أرواحهم وهذا عبر استعباد أبدانهم وهذه الفكرة لا علاقة للإسلام بها وهو من حدد أسلوب الدعوة إليه عبر الحكمة والموعظة الحسنة كما مر أعلاه .

ولهذا فإن ربط الإسلام بالاسترقاق لهي فكرة دخيلة عليه فكرة تدمر الإسلام دين الحرية فلئن كان الإسلام لا سيادة لغير الله فيه على البشر فكيف يكون للبشر فيه سيادة على غيرهم من البشر وكيف للبشر أن يشاركونه في سيادته على خلقه ؟ وهو من قال : " قُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " سورة الكهف الآية 29 والكفر هو الخطيئة الوحيدة التي لا يغفرها الله فكيف يأتي جاهل ليشرع للبشر ما لم يشرعه رب العزة لهم ؟ . ولا يوجد واحد بيننا لا يريد إرضاء ربه ولكن هل رضاه لا يتأتى إلا عبر استرقاقنا لغيرنا خاصة وأنه لم يدعونا إلى هذا الأمر والغاية هنا وإن كانت نبيلة أي نشر الإسلام ولكن طريقة تحصيلها قذرة ولا أخلاقية وباطلة وما هذا قد كان منطق ومنهج الإسلام أبدا .

كما أن التحجج بمنهج الأتراك العثمانيين فيما يخص تربية الأطفال الذين يحصلون عليهم كجزية من عند الأسر الغير مسلمة في الأراضي التي يسيطرون عليها لهي حجة مرفوضة لأن ما فعله الأتراك ليس من أصول الدين ولا من فروعه ولا هم من ابتدعوه وأنتجوه وإنما يدخل في خانة أنتم أدرى بشؤون دنياكم وهي أسلوب تعارف عليه العالم في مرحلة ما من تطوره ونضجه الاجتماعي والفكري وفي كيفية تفاعل المسلم مع النص المقدس وهذا انطلاقا من المعطيات المحيطة به والأرضية المعرفية التي ينطلق منها وهي ليست حتما تماثل ما عندنا نحن اليوم وإلا كان هذا قتل للنص الديني وهو يدخل في باب ما ذمه القرآن الكريم من تقليد أعمى للآباء والذين من الممكن أن يكونوا قد أخطئوا في اجتهادهم هذا وما يجب علينا نحن اليوم إن نتبعهم في مسلكهم هذا أبدا خاصة وأن الرسول الكريم لم يأمر أبدا بأخذ الجزية على شكل عنصر بشري وهذا الأسلوب في تسديد الجزية لم يشرعه المسلمون وإنما وجدوا أن سكان الأقاليم المفتوحة هم من تعارفوا على هذا المنهج مثلما الحال في برقة مثلا وهذا لكون التوراة تقنن وتبيح مثل هذه الممارسات من بيع للبنات نتيجة الفقر وعليه فهذا العمل هو تشويه لصورة الإسلام السمحة عندما نلصق به هذه القذرات كما أنه لا يمكن العيش في ثوب الدولة العثمانية لأن العثمانيين هم أبناء لحظتهم التاريخية ونحن أبناء لحظتنا التاريخية وكما تفاعلوا هم مع الإسلام وبأسلوبهم الخاص فعلينا نحن كذلك أن تكون لنا بصمتنا الخاصة بنا لأن خطأ الأتراك لا يبرر خطأنا فلئن قلنا غدا أمام الله بأننا قلدنا الأتراك فأخطأنا فهذه الحجة مرفوضة عند الله : " بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ " الزخرف الآية 22

أما حجة صاحبنا الأخرى فهي أن الاسترقاق باب لتحصين النفس ولن نطيل في الرد على هذه النقطة فهذا الرجل يريد أن يسترق بنات الناس ليحولهن إلى إماء له يتسرى بهن هو وأمثاله بحجة غلاء المهور مما جعل الشباب يعزفون عن الزواج وهنا نقول له إن قضية المهور لا دخل لك فيها فالقرآن الكريم أجاز أن يكون مهر المرأة قنطارا من الذهب في حين أن الرسول الكريم قد أخبرنا بأن أقل النساء مهورا أكثرهن بركة كما أشار بالتماس خاتم من حديد لمن عجز عن توفير مهر كما يمكن للرجل أن يتزوج بآيات من القرآن الكريم ومسألة غلاء المهور يمكن تجاوزها عبر إجماع كل منطقة في أسلوب الفصل فيها وعليه فبدائل غلاء المهور موجودة ولكن صاحبنا يتعامى عليها وهذا لغاية في نفسه ثم إن الرسول الكريم قد أوصى الشباب الغير قادرين على الزواج بالصوم وهذا حل من المحال أن يلجأ إليه صاحبنا ونحن هنا نرى بأن صاحبنا كسول فبدلا من العمل الجاد لتحصيل مهر لائق فهو يلجأ إلى أخس الطرق وهي الاعتداء على الأسر الآمنة وافتكاك بناتهن الآمنات ليمارس معهن الدعارة والاغتصاب باسم ملك اليمين من بعد أن يغتصب النصوص الدينية المقدسة وكيف نسي صاحبنا بأن القرآن الكريم يقدم الزوجة والتي هي الأصل على ملك اليمين فالزوجة هي من اعتبرها القرآن الكريم سكنا للرجل وجعل بينهما مودة ورحمة وليس هذا لملك اليمين كما أن الرسول ص قد أمر الشباب بالزواج وليس بملك اليمين وأما ملك اليمين فمسألة فيها نظر ولن نناقشها اليوم لأن المقام لا يسمح بذلك وإن كنتَ تبحث عن الجنس يا سيدي الكريم فمسالكه متعددة ولا داعي لكي تشوه ديني بعقدك الجنسية .

كما وأن القول بأن الغرب اليوم يهودي ومسيحي وملحد وأدبياته تبيح له إلغاء الرق لقول يفضح جهل صاحبه فالكنيسة قد تبنت منظومة قيم أرسطو ومنها تبريره للعبودية واعتباره لها جزء من الطبيعة وأحد قوانين الاجتماع البشري ثم لجأت إلى التوراة وبررت استرقاق ملايين البشر وخصوصا السود تحت ذريعة أبناء حام السود الملعونين . وهنا يكفينا هذا النص لبولس الرسول في رسالته إلى أهل إفسس للاستدلال على شرعية الرق في المسيحية :" أيها العبيد , أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح , لا بخدمة العين كمن يرضى الناس , بل كعبيد المسيح , عاملين مشيئة الله من القلب , خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس , عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا " . وأما بطرس الرسول فيرى بأن الرق هو كفارة عن ذنوب البشر ولذلك أوصى الكنيسة به ونفس الأمر نجده عند توما الإكويني والذي زكا الرق انطلاقا من رأي معلمه أرسطو السابق وقبله القديس أوغسطين الذي هو الآخر أيد الرق أما اليهودية فهي تبيح الاسترقاق وهذا ما نجده في نصوصها التأسيسية فلننظر إلى ما جاء في سفر التثنية 12:15-15 وفي نفس السفر20: 11 وفي سفر اللاويين 25: 39 وفي سفر الخروج و 22: 1 و3 و21: 32 وسفر التكوين 14: 21 وهذا على سبيل المثال فقط لا الحصر لأنه ليس موضوعنا الرق في اليهودية والمسيحية ونحن نسوق هذه النصوص لنبين بأن ما بنا عليه صاحبنا رأيه لهو العبث والخطأ عينه ويفضح جهله بحقيقة العبودية في اليهودية والمسيحية كما أن إلغاء الرق في أمريكا مثلا لا لكون المسيحية تدينه وتراه خطيئة بل لأن نظام الرق أصبح عبء على السادة ومصاريفه أكثر بكثير من أرباحه وهذا نتيجة الثورة الصناعية والتي عوضت آلاتها الإنسان وقللت من التكاليف فلم تعد هناك حاجة للرقيق .

وأخيرا نقول بأن الفكرة لتصيبنا بالرعب فليس من المسلمين على حد علمنا اليوم من هو من هواة استرقاق واستعباد الآخرين ولا داعي لكي نزين هذه الفكرة الخبيثة والشريرة ونسوقها عبر الدين كمن يسوق الاستعمار تحت حجة نشر المدنية والحضارة المزيفة أو الإرهاب والقرصنة تحت مسمي الجهاد كما أنه لا داعي لكي تسوق لنا القذرات الفكرية بتغليفها بأغلفة براقة فرائحتها المتعفنة ستفضحها وستجعل الكل يتعرف على حقيقتها فلا يقبل على استهلاكها أحد من الأسوياء ولن تروج إلا في سوق المعتوهين والمعوقين فكريا .

كما نقول لصاحب ذلك المقال هل لم يبقى لنا كمسلمين من معارك وما أكثرها كمعضلة التنمية والأمية والأمن الغذائي وإقامة زراعة وصناعة حديثة وقطاع خدمات فعال وغير هذا كثير حتى نتحدث عن مثل هذه المواضيع والتي تفضح خبث سرائرنا الراغبة في قهر الغير واستعباده بغية تلذذنا بتعذيبه وإشباع مكبوتاتنا العدوانية . كما نرجو عدم الحديث باسم الإسلام والمسلمين فلا أحد منهما قد أعطاك تفويضا وتوكيلا للحديث باسمه ونيابة عنه وأي إسلام تقصده هل هو إسلام قراءتك أنتَ للنصوص التأسيسية للإسلام وأي مسلمين تقصدهم أكيد فأنت تخرج من دائرة الإسلام كل المذاهب والطوائف الإسلامية التي تخالفك الرأي ولذا فيا حبذا أن لا تتحدث باسمي أنا شخصيا فعقلية الوصاية والحجر على الآخر عقلية نازية فاشية ستالينية مرفوضة .

سيدي الكريم إن مقالك بعنوانه ومحتواه لهو مقال مستفز وصادم في آن واحد يجعلنا نحتار هل هناك من يزال يفكر بهذه العقلية القروسطية ويدفعنا إلى القول بأنه ربما يكون صاحبه قد أخطأ العصر فجاء إلى غير مقصده من العصور أو ربما نحن من هم على خطأ فجئنا للعصر الخطأ .

كما أن اللعب على العواطف وتعمد المغالطات غير مجدي هنا فصاحبنا يلعب على ثنائية أنا والأخر المسلم والكافر وبهذا يريد أن يكسب من منطلق عصبي جاهلي كل المسلمين إلى صفه على أساس أن الغرب كافر قيمه مدانة سلفا وكأنه هنا يريد أن يقول لنا اختاروا بين الطاعون أي قيم الغرب وبين أفكاري أنا فأنا هو الإسلام الحقيقي وهذا الحديث سخافة ودعارة فكرية كما يقال فهو يخبرنا بأن الغرب ابتدع فكرة معادة السامية لمن يعادي اليهود وهل الإسلام يعادي اليهود أم يعترف بهم ويقر بأخلاق بعضهم الفاضلة أو لم يعترف محمد ص باليهود واعتبرهم هم والمسلمون أمة واحدة دون الناس لا يجب أن نسقط موقفنا من الصهيونية على اليهودية كدين ثم هو يربط بين اللواط والاسترقاق في الغرب فهم يوهمنا أن الغرب كما طبع علاقاته مع اللواط فهو قد طبع علاقاته أيضا مع فكرة تحرير العبيد وبهذه الشقلبة يوصلنا إلى أن موقفه من اللواط والعبودية مدان من وجهة نظر إسلامية وهذا استغفال واستحمار لنا ترى ما الرابط بين العبودية واللواط فموقف الإسلام من اللواط واضح كما أن موقفه من الاسترقاق ولا داعي هنا لشن حرب نفسية على المسلمين بغية كسبهم إلى صفك فهم متى اكتشفوا تهافت مقالاتك وتدليسك عليهم تحولت إلى نبي مزيف على نموذج مسيلمة الكذاب .

 

سمير خلف الله ابن مهيدي

الجزائر / الطارف

في المثقف اليوم