قضايا

بنو قريظة والتحكيم

ilyas daylamiكان ميثاق يثرب ـ دستور المدينة ـ منهاجاً عملياً واقعياً، وقد أقام النبي محمد المجتمع على أساس الأُخوة والعدل والمسؤولية الفردية والتكافل الاجتماعي وحفظ الحقوق والدماء. فهذه الوثيقة بمثابة دستور عمل لتنظيم علاقات المسلمين فيما بينهم، وعلاقاتهم مع اليهود في ظلّ الدولة الإسلامية الناشئة.

منحت الوثيقة اليهود حقوقهم العامة، كحق الأمن والحرية والمواطنة، بشرط أن يلتزموا بقوانين الدولة، وأن لا يفسدوا ولا يتآمروا على الإسلام والمسلمين وزد على ذلك تذكر كل المصادر التاريخية ان يهود بني قريظة كانت بينها وبين النبي محمد عهود ومواثيق سياسية وعسكرية تنص على أنّهم لو تآمروا ضدّ المسلمين وناصروا أعداءهم أو أثاروا الفتن والقلاقل، فإنّ للمسلمين الحقّ في قتلهم ومصادرة أموالهم ومع ذلك خانوا الوعد ونقضوا العهد وخانوا وطنهم ومواطنيهم في المدينة، وتآمروا عليهم مع الأعداء.

ملابسات القضية تتمثل غدر بني قريظة بالمسلمين في معركة الخندق رغم العهود والمواثيق التي كانت بين المسلمين وبني قريظة وهجومهم على النساء أثناء انشغال المسلمين في حماية المدينة حول الخندق ومحاولتهم فتح ثغرة لتمر الاحزاب لداخل المدينة والقضاء التام على المسلمين وبمصطلح دقيق ومعاصر ومختصر نحن امام - الخيانة العظمى- وهذه الاخيرة يطبق على مرتكبها أشدّ العقوبات وهذا معروف في كامل الاعراف الدولة وقوانينها.

بعد هذه الخيانة التي كادت ان تؤدي فناء جيش المسلمين والقضاء عليهم ومثل اي رد فعل عسكري لاي اي قائد توجه النبي محمد بجيشه للخونة فاحتموا في حصونهم وتم ضرب الحصار عليهم .

هنا نصل الى لب الموضوع وجوهر القضية وحقيقة الحادثة التي تم تزويرها والتدليس فيها وتضخيم مجرياتها فالمسلمون بغبائهم يعتبرونها غزوة وغير المسلمين خاصة الملاحدة يعتبرونها مجزرة وابادة جماعية .

كما سبق وقلنا مرتكب الخيانة هي الاعدام لكن التساؤل الذي يطرح نفسه ما ذنب العزل والنساء والاطقال في ذنب ارتكبه قادتهم اذ ان الغاية من الحصار المحمدي لحصون بني قريظة هو محاسبة الفاعلين والخونة لكنهم احتموا بالمدنيين لمدة 25 يوما فلما ضاقت بهم الطرق واحكم الحصار ورؤوا ان نهايتهم وشيكة قرروا الرضوخ للتحكيم. وهنا نفتح نفتح قوسن (لو كان النبي مجرم حرب لاكمل الحصار ولما قبل التحكيم وهو في موقف قوة) .

تمت الموافقة وهنا برزت الحكمة والعبقرية المحمدية كقائد امة حكيم حيث فصل سلطته القضائية عن سلطته وقبل طلب اليهود في ان يكون معاذ بن جبل هو القاضي وووفق شريعتهم وقوانينهم .

جاء في اسفار التناخ '' التوراة حسب زعمهم'' -العهد القديم - سفر التثنية - الاصحاح 20 /

10- حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح

11- فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك

12- وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها

13- وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف

14- وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك

15- هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا              

بهذه النصوص المقدسة لدى اليهود تم التحكيم وهذا يعني انهم يعرفون نتيجة التحكيم مسبقا .. ولم تذكر المصادر التاريخية في ذلك الوقت ان القبائل اليهودية احتجت او استنكرت الحادثة حتى في يومنا هذا لا تجد يهودي يذكر هذه الحادثة التاريخية او يستدل بها لما ينتقد النبي محمد .. حتى المسيحيين الا من كان جاهلا لا يستطيع انتقاد الواقعة لانها مؤسسة على نص مقدس موجود في كتابه المقدس "التناخ + العهد الجديد" .

لكن يبقى التساؤل يراودنا نحن المسلمين حتى وان كان التحكيم من طرف قاض اخر وفق شريعة اليهود هل يرضى نبي الرحمة بهذا الحكم ...

هذه الواقعة رواها ''ابن اسحاق'' الذي قال عنه معاصره الإمام مالك الذي عاش معه في المدينة: دجال من الدجاجلة...

وقال الإمام أحمد: قدم ابن اسحاق بغداد فكان لايبالي عمن يحكي .

وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين وقال: مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما ..

قال الذهبي: وقد اتهمه كثير من العلماء السابقين بالإنفراد بالمناكير والغرائب .

يقول الخطيب البغدادي "أما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر الواقدي. فأما ابن اسحاق فقد كان يأخذ عن اليهود أخبارهم ويضمنها كتبه " .

من خلال ماتقدم يتبين لنا الصلة الوثيقة بين ابن اسحاق وأساتذته من اليهود الذين روى عنهم فبعد كل هذا كيف نثق في ابن اسحاق؟؟ ولا ننسى أيضاً أن القصة مبتورة الإسناد .

يدّعي ابن اسحاق أن عدد قتلى بني قريظة يتراوح مابين 600 و900 قتيل .

ومن حقنا ان نتساءل: لماذا هذه الفجوة الضخمة بين التقديرين .. فهو يذكر عدد القتلى من المسلمين وأعدائهم في مواقع أخرى بكل دقة بل إنه يذكر العشرات ممن قتلوا اسماً اسماً ولا يكتفي بالعدد أم هو ديدن اليهود دائماً في المبالغة بعدد قتلاهم في أية مصيبة وقعت لهم قديماً وحديثاً على مرّ التاريخ؟؟

فلم يجدوا طريقة للانتقام من النبي محمد الا بتشويه صورته والتضخيم في الواقعة التاريخية بعد ان كانت سفر التثنية الاصحاح 20 حجة عليهم الجمتهم الى يوم الدين فالزعم أن جميع ذكور بني قريظة شملهم القتل لايستند إلى دليل.

وقد فند الدكتور بركات أحمد هذه الروايات ووجد ان الحجرة التى احتبس بها الذين تم قتلهم لا تسع اكثر من 16-17 شخص فقط ويرجح انهم القادة الخونة فقط .

وكيف يتم اعدام هذا العدد في منطقة حيوية كهذه ودفنهم به معرضين المدينة لوباء اذا كان العدد بتلك الضخامة ..

وفي الختام نقول ان اليهود بنو قريظة خصوصا وقبائل اليمن عموما كانوا يعلمون بحكمة النبي محمد وبحكم شريعتهم لانهم يعلمون يقينا ان التحكيم سيشمل القادة فقط اما الاطفال والنساء فقد تم شراءهم من طرف القبائل اليهودية اليمنية وتعرف ان النبي سيسهل هذا الامر بعد الاقتصاص من رؤوس الخيانة والغدر .

في المثقف اليوم