قضايا

فقاعات الشتاء السنّي وفقاعات الصيف الشيعي

qassim salihyتتضمن هذه المقالة تحذيرا مخلصا لمن هو في مراكز القرار .. وللناس ايضا بخصوص ما سيقع للعراق من منظور سيكوبولتك .. نستهلها بهذا التساؤل:

ما السبب الرئيس للأرهاب؟

الجواب؟ هو: انعدام العدالة الاجتماعية المتمثلة بثراء فاحش ورفاهية خرافية تتمتع بها قلّة حاكمة وحرمان تعاني منه أكثرية محكومة. ويتفق الباحثون المعنيون بالجماعات الاسلامية على ان داعش هي نتاج واقع دولنا العربية والإسلامية عبر تاريخها الذي غلب عليه الاستبداد والظلم الإجتماعي من حكّام طغاة سعوا بكل الوسائل للحفاظ على كراسي حكمهم بعيداً عن تلبية حاجات شعوبهم، وعن تطوير وتحديث بلدانهم حتى وفق القضايا التي ادّعوا تمثيلهم له.وكان من افرازاته السيكولوجية ان افضى التباين الحاد بين قلّة حاكمة مترفة ومستبدة وبين شعب فقير بائس عاجز الى اغتراب بين المواطن العربي وسلطته. وما لا يدركه كثيرون ان الاغتراب، فضلا عن كونه حالة مأزقية بين الفرد والسلطة، فأنه يحسس صاحبه بأن وجوده لا معنى له وأنه يعيش حياة بلا هدف.

ولأن الحاكم العربي تتحكم به (سيكولوجيا الخليفة) التي يرى فيها نفسه امتدادا للخليفة من 1400عاما، ولأنه استفرد بالثروة، فان بين المغتربين عن السلطة العربية من راح يبحث عن سلطة أخرى يجد فيها لوجوده معنى ولحياته هدفا .. فوجدها في (القاعدة ثم في داعش) بعد أن زين له من يراهم قدوة أنه سيكون بين هدفين لا أروع منهما:

- اما أن يفوز بتحقيقه دولة اسلامية يكون فيها أميرا،

- واما يموت ويفوز بالجنّة .. في حياة أبدية بها ما لذّ وطاب وحور عين وولدان مخلدون بخدمته.

ولهذا فان الانتحاري الارهابي لا يستسهل فقط تفجير نفسه بل يستعذبه لأنه مؤمن ايمانا مطلقا بمعتقده الذي لا أروع وأكرم واعظم منه في نظره. ولهذا لم تستطع أمريكا بعظمتها العسكرية ومعها حلف الناتو القضاء على الارهاب .. لأن السلطة العربية (ولادّة) لانتحاريين ارهابيين يعدّون الحياة أمرا تافها ازاء حياة أبدية في جنّات النعيم، ويعدّون النيل من حاكم يعيش حياة الأباطرة فيما هم غرباء .. أذلاّء في وطنهم .. قصاصا عادلا وأمرا جهاديا.

المفارقة .. ان السبب الرئيس لنشوء الارهاب في انظمة الحكم العربية الدكتاتورية والمستبدة .. موجود الآن في النظام الديمقراطي العراقي بشكل تجاوز فيه الحكّام الديمقراطيون اسلافهم الدكتاتورين والملكيين، بل ان وجه المقارنة في الراتب والامتيازات بين نوري السعيد ونوري المالكي (مثالا) تبدو غرائبية! سواء بين (النوريين) او بين ابنيهما (احمد وصباح)!.

وبحسب خبراء اقتصاديين فان خفض رواتب المسؤوليين من مدير عام فما فوق بنسبة 50% يوفر 14 مليار دولار سنويا .. فيما هنالك خمسة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر وثلاثة ملايين نازح يعيشون وضعا كارثيا، وبطالة تصل نسبتها 36% بينهم حملة بكلوريوس يخرجون صباح كل يوم ليقفوا مع عمال المسطر في الشوارع بحثا عن عمل.

ليس هذا فقط، بل ان الحكام الديمقرطيين صاروا في نظر المواطن العراقي .. بلا اخلاق .. بلا ضمير .. بل انهم فقدوا المشاعر الانسانية والتعاطف الوجداني بان عاشوا في قصور مرفهة وتركوا الناس في اسوأ حال ما مر عليهم مثله في تاريخ الدولة العراقية .. وصاروا في ساديتهم مثل طاغية زمانه .. يتلذذون بآلام شعبهم.

وانطلاقا من مسلمة ان الاسباب المنطقية تؤدي الى نتائج منطقية .. فان اسباب الارهاب في النظام الديمقراطي العراقي (عدم تحقيق العدالة الاجتماعية، شيوع الفساد، الاثراء الفاحش لمن في الرئاسات الثلاث مقابل الفقر والعوزللناس وسوء الخدمات، والقطيعة النفسية بينهم وبين حكامهم) موجودة فيه بابعد مدياتها .. ما يعني ان العراق مرشح الى ان يظهر فيه (ارهاب) من نوع جديد كان قد بدأ قبل ثلاث سنوات على شكل اعتصامات في المحافظات الغربية .. وحدث ما لم يكن يتوقعه كثيرون، فما ان اطلق عليهم رئيس الحكومة السابق بانهم (فقاعات) حتى شكلت تلك الفقاعات رافدا عمليا للأرهاب الداعشي.

 

والكارثة الجديدة، ان (فقاعات) الشتاء السني في كانون قبل ثلاث سنوات تجاوبها الان (فقاعات) الصيف الشيعي في تموز .. بدءا من قمع تظاهرات البصرة الى قمع مثيلتها في ذي قار .. المطالبة بتوفير الكهرباء في قيظ صار الحمار فيه يبول دما بتعبير العراقيين .. الى تظاهرات عمال السكك المطالبة بصرف رواتبهم .. بل انك تجد الشكوى بمرارة وجزع في قرى ومدن محافظات الوسط والجنوب .. الشيعية تحديدا .. التي تتنامى الى تظاهرات واعتصامات ستأخذ ثلاثة عناوين:

- ثورة .. يمنحها لها المحرومون

- تمرّد يمنحه لها المحايدون

- ارهاب تمنحه لها الحكومة

فلسان حال المحرومين يقول .. صبرنا عليهم فاستضعفونا واذلونا .. واضطرونا الى ان نثور على واقع الناس فيه يزدادون بؤسا ومعاناة والمسؤولون يزدادون ترفا وفسادا. فيما المحايدون موزعون بين متعاطفين ومنتقدين وشامتين (وحيل وياهم لأن همّه الجابوهم). اما الحكومة .. فان بينهم من هو سفيه .. كوزير الكهرباء الذي عزا سبب اسباب انقطاعها الى ان العراقيين يشعلون السخانات مع ان ماءها يحتاج الى تبريد من شدة حرارة الشمس، وبينهم من وصف تظاهراتهم بأنه (أمر دبّر بليل) .. ما يعني ان القائمين بها (متهمون .. متئامرون .. )ينون تنفيذ جريمتهم في الصباح ضد سلطة شرعية.

ولأن ادراك الأمور يبدو مختلفا لدى الفريقين .. الحكومة وجماهير الوسط والجنوب .. فهذه ترى ان كل من يتمّرد او يثور في وقت تحارب فيه الأرهاب .. هو ارهابي، دون ان تدرك ان تماسك الوحدة الداخلية ضمانة لتحقيق النصر، وان سوء الخدمات راجع لانخفاض سعر النفط .. مستغفلين الناس انهم ما عملوا لهم شيئا سنوات كان فيها سعر برميل النفط(147)دولارا، وان من حق اي مسؤول في الرئاسات الثلاث التمتع براتب مجز وامتيازات منحها له القانون، فيما ترى الغالبية من جماهير الشيعة .. ان حكّامهم الشيعة خذلوهم واستفردوا بالسلطة والثروة واشاعوا الفساد المالي والاداري والاخلاقي واساءوا حتى الى قيم الدين الاسلامي بكنزهم ليس الذهب فقط بل المليارات .. فضلا عن انهم انتهكوا اهم مبدأ في الديمقراطية:تحقيق العدالة الاجتماعية.

ان مسيرتهم توصلك الى القول: لولا ان وصف (فقاعات) التي اطلقت ساخرة من اعتصامات السنة في كانون2012 صارت معيبة ومخجلة، لأطلقت الحكومة على تظاهرات واعتصامات جماهير الشيعة في تموز 2015 (فقاعات) ايضا .. لتتعادل الطائفتان بفقاعات رحلتي الشتاء والصيف .. باستثناء ان فقاعات الصيف الشيعي ستؤدي الى تمرّد او ثورة .. او ارهاب دبّر بليل.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم