قضايا

حيدر العبادي بين التفويض والتقويض

qassim salihyهي المرة الأولى بتاريخ الحكم في العراق .. يحصل فيها رئيس وزراء على تفويض من اكبر قوتين: الشعب والمرجعية الدينية للقيام بمعالجة اقبح وأوسخ ظاهرة في تاريخ الدولة العراقية. فالمرجعية الدينية طلبت من السيد حيدر العبادي ان يكون اكثر جرأة وشجاعة في محاسبة المتورطين بالفساد، بل أمرته ان يضرب بيد من حديد كل من يعبث باموال الشعب أيا كان وصفه او مسؤوليته.

وهي المرة الاولى ايضا التي يحدث فيها تبادل سيكولوجي للادوار بين الحاكم والمواطن العراقي .. في جمعة السابع من آب( 2015). فقبلها كان حكّام المنطقة الخضراء استهانوا بالناس بعد ان استضعفوهم واذلّوهم. وبعد ان كسبوا الجولة الاولى في مظاهرات شباط( 2011 ) يوم اغلقوا جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الخضراء بالدبابات، وبعثوا بـ(مناضلهم) يعطي الاوامر بضرب المتظاهرين من على سطح العمارة المطلة على ساحة التحرير.ومن يومها شعر الحكّام أن قوة الشعب غير فاعلة وان (دار السيد مامونه) .. فزادوا انفسهم ثراءا ورفاهية خرافية وزادوا الناس بؤسا ما شهدوه حتى في زمن الطغاة.

الآن .. ما عاد العراقييون في (2015) هم انفسهم في( 2011). فشوارع بغداد وساحة التحرير امتلأت بالمتظاهرين .. وشوارع البصرة وكربلاء والديوانية والناصرية وساحة ثورة العشرين في النجف هي الأخرى امتلأت.وبالصريح .. ان جماهير الشيعة انتفضت ضد حكامها الشيعة في تظاهرات تذكرنا بتظاهرات الفرنسيين والأسبانيين واليونانيين مع فارق واحد .. ان تلك اطاحت بحكومات هم انتخبوها فيما تظاهرات العراقيين (راوت العين الحمرة) للحكومة ومنحت رئيسها مهلة جمعة اخرى او جمعتين .. فما الذي سيفعله حيدر العبادي وقد حصل على هذا التفويض من اكبر قوتين؟

كان السيد العبادي اعلن في برنامجه الحكومي قبل سنة بانه سيقضي على الفساد. وقد حاول فعلا وبدأ بكشف (الفضائيين) في وزارتي الدفاع والداخلية، وانتهى بان شمل بيوت المسؤولين ببرمجة القطع الكهربائي! .. وهاهو يعلن الآن عن التزامه الكامل بتوجيهات المرجعية بضرب الفساد ويتعهد باعلان خطة كاملة للأصلاح.

ثمة مقولة لارسطو توضح الفرق بين (المستحيل الممكن والممكن المستحيل) تفيدنا بأن التزام العبادي بضرب الفساد وتعهده بالأصلاح هو من نوع الممكن المستحيل .. واليكم الدليل .. ان رئيس الوزراء لن يستطيع، بموجب الدستور، ان يقيل وزيرا الا بموافقة البرلمان، وان القوى السياسية الفاعلة في البرلمان ستضع العراقيل امامه لتطبيق برنامجه برغم اعلان بعضها انها وضعت وزرائها تحت تصرفه .. وهو اعلان سفيه خبيث الهدف منه امتصاص غضب الشارع العراقي.

ان الاجراء الحاسم في مكافحة الفساد يكون بتطبيق مبدأ :من اين لك هذا؟.فهل يستطيع السيد العبادي ان يستدعي مسؤولا كبيرا كان فقيرا .. او كان يبيع المحابس الخردة والموبايلات المستعملة .. وصار الآن من أصحاب المليارات؟. نعم .. ستكون هنالك اجراءات وسنشهد كم كبش فداء من صغار الفاسدين سينال الجزاء فيما الذين وصفتهم المرجعية بالحيتان سيظلون في بحر الفساد يسبحون.ولنا ان نتذكر مقولة للسيد المالكي:)لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها) .. وهو اعتراف منه بان القوى السياسية المشكلة للحكومة كلها فاسدة بضمنها كتلته .. وان تلك المكونات هي نفسها الحاكمة الآن في زمن رفيقه السيد العبادي.

ثم انه مبتلى بحكومة هم بتعبير الحسجة (استفلكوا) الشعب وما عادوا يخجلون .. آخرهم رئيس البرلمان الذي ظهر في خطاب للناس متعاطفا مع المتظاهرين ومتضامنا معهم في مكافحة الفساد معتقدا ان الفاسد هو فقط من يسرق ونسى انه يتقاضى راتبا وامتيازات ومخصصات حماية تزيد على اربعة اضعاف ما يتقاضاه اعلى رئيس برلمان في العالم.وقل الشيء نفسه عن رواتب رئيس الجمهورية (ثلاثة اضعاف راتب اوباما) ونوابه، ورواتب وامتيازات رئيس الوزراء ونوابه .. لو حسبناها لتجاوزت ميزانيات ثلاث دول عربية مجتمعة .. ومع ذلك لا يعدّها رئيس البرلمان فسادا .. ويعد المتظاهرين بان مجلس النواب قرر الشروع باستجواب الوزراء الفاسدين! .. وينسى ان برلمانه شرعن الفساد وكان السبب الرئيس في جعل الناس يتظاهرون ضد من انتخبوهم.

المؤسف ان السيد حيدر العبادي تأتيه فرص تدخله التاريخ ويفرّط بها .. آخرها فرصة السابع من آب 2015 التي حصل فيها على تفويض اكبر قوتين: المرجعية الدينية والشعب. واذا كان مبررا له ان يبقى في حزبه بعد ثلاثة اشهر من فوزه وكسبه التعاطف الشعبي بسبب ان حزبه هو الذي جاء به، فان هذا المبرر قد انتفى الآن بعد ان وضح ان حزبه سيعمد، مع جهات سياسية فاعلة، على وضع العراقيل وتقويض ما سيفعله .. وانه ان بقي في حزبه فاننا نخشى عليه ان يطاله التقويض ويخسر اقوى وانبل تفويض.

 

في المثقف اليوم