قضايا

الإعلام بين صناعة الأزمة وإدارتها

nabil ahmadalamirتعد أساليب ووسائل الإعلام والاتصال، وخصوصا الإعلام الاجتماعي، من بين العناصر الأساسية والفعالة وقت وقوع الأزمات، حيث يمكن لهذه الوسائل أن تسهم بشكل فعّال في إدارة الأزمات، أو تسهم في صناعة وافتعال وتفاقم وتصاعد الأزمات والإضرار بسمعة المجتمع ومؤسساته .

والسؤال المطروح هو . . .

إلى أي بند يمكن تصنيف إعلامنا وقت الأزمات؟

هل يمكن تصنيفه إلى بند إدارة الأزمات أم صناعة وتفاقم الأزمات؟

وهل لدينا بالفعل إعلام لإدارة الأزمات؟

وهل يمكن القول بأن صناعة وإفتعال الأزمات أصبحت أحد الأهداف اليومية لبعض وسائل الإعلام؟

إن مصطلح إدارة الأزمات يعني في أبسط معانيه استخدام الأساليب العلمية الحديثة وبموضوعية للسيطرة سريعا على الأزمة، للحد من تصاعدها وتفاقمها، للحفاظ على استقرار وسمعة المجتمع ومؤسساته، ويعد تشخيص الأزمة هو الأسلوب الأمثل لكيفية التعامل معها وإدارتها منذ البداية . وتعد العناوين والأحداث الرئيسة المثيرة أحد العوامل المهمة التي تتخذها وتضعها في اعتبارها جميع وسائل وأساليب الإعلام والاتصال في العالم، بهدف جذب الجماهير لقراءة هذه الأحداث ومتابعتها، ولكن يجب ألا نغفل عن حقيقة مهمة، وهي أن هناك اختلافا في طبيعة وثقافة المجتمعات الغربية عن مجتمعاتنا العربية، فهناك اختلاف في طريقة تلقي وتعامل أفراد المجتمع الغربي لهذه الأخبار والأحداث المثيرة بالمقارنة بجماهير وأفراد المجتمع العربي، فعندما تتناول وسائل إعلامنا العربي أحداث الأزمات وأخبارها بطريقة مثيرة ومن دون تقصّي للحقائق، فإنها قد تسهم بذلك في صناعة وتضخيم الأزمة، وإثارة مشاعر الجماهير في المجتمع، وحتى يمكن لإعلامنا أن يسهم بشكل فعال في إدارة الأزمة، فإنه لا بد أن يكون هناك صلة وتفاعل دائم بين المسؤولين في مؤسسات المجتمع ووسائل الإعلام، ليكون المسؤول هو المصدر الموثوق للمعلومة والخبر وقت وقوع الأزمة، وأن يكون لدى المسؤول الشجاعة للاعتذار والاعتراف بالخطأ إذا تبين له فيما بعد أن هناك ماهو مخالف تماما لما صرح به، لأن ذلك بلاشك سيكسبه ثقة ومصداقية أكثر، وسيجد بذلك تعاطفا لدى وسائل الإعلام وجماهير المجتمع، ولا يكفي مثلا أن تقول بعض وسائل الإعلام :

«صرح مصدر مسؤول»، فلا بد أن يُذكر اسم هذا المصدر المسؤول، وذلك من مبدأ الشفافية والمصارحة بالحقيقة أو الخبر المتعلق بالأزمة عند التعامل مع جماهير المجتمع، حتى لا يتسبب ذلك في إشاعة حالة من البلبلة والارتباك والقلق لدى الجماهير.

والمتابع اليوم لما تنشره أو تُعلنه بعض وسائل إعلامنا وفضائياتنا، يجد أنها باتت مزدحمة بالكثير من الأخبار والبرامج المتكررة والمتضاربة، التي تقدم الأخطاء والحالات الفردية على أنها أصبحت ظواهر عامة، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى إشاعة حالات من الإحباط واليأس لدى عامة جماهير المجتمع، وبأن لا أمل في التغيير والإصلاح، مع أن الحقيقة غير ذلك .

وينبغي هنا أن نشير إلى أن هناك أخباراً وبرامج إيجابية جادة بالفعل في وسائل إعلامنا، هدفها هو الصالح العام، وكشف الحقائق أمام جماهير المجتمع، ولكن بطريقة لاتُصيب المجتمع بالإحباط بل تزرع فيه الأمل بغدٍ مشرق يجب أن يُشارك في صناعته، هذه البرامج والأخبار الجادة تعكس الجوانب الإيجابية التي قد تختفي وسط هذا الخضم الهائل والمتزايد من أخبار وبرامج إثارة مشاعر الجماهير، التي تجعلنا نتساءل، لمصلحة من كل هذه الأخبار والبرامج المفتعلة لإثارة جماهير المجتمع؟

وهل اختفى الدور التنويري والتثقيفي والتنموي للإعلام ؟، ليحل محله الأخبار والبرامج المتكررة التي قد تتسبب في إثارة الجماهير وحدوث اضطرابات في المجتمع، قد تعوق تماسكه واستقراره ونهضته؟

وأخيرا .. أن عالمنا الإعلامي العراقي والعربي في حاجة عاجلة وماسّة إلى إعلام أزمات يتسم بالموضوعية والشفافية والمصداقية والتوازن وترسيخ القيم، لإعلام يقوم بتشخيص وإدارة الأزمات بشكل علمي وموضوعي، وليس في صناعتها وتضخيمها، ولإعلام يهدف للصالح العام للمجتمع والوطن والأمة، وليس للفرقة والخلاف، لإعلام يتناول القضايا والأخبار الإيجابية بنفس القدر، إن لم يكن أكبر، من تناوله وإثارته للأخبار والبرامج التي تلقي الضوء على الجوانب السلبية، والتي قد تكون برامج وأخبار هدفها الإثارة المصطنعة والوهمية لخدمة أهداف ومصالح شخصية، أو خدمة أعداء الوطن، لإعلام يساند الحقيقة، ويبشر بالأمل في غد مشرق وأفضل، وليس إعلاما يدعو لليأس والإحباط .

 

والله من وراء القصد .

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم