قضايا

أفلاطون والشذوذ الجنسي بين الرجال (2)

كما لا يجب أن ننسى بأن الفضيلة في بعض جوانبها هي التشبه بالآلهة عند أفلاطون، فهو هنا قد وقع ضحية لما تعارف عليه قومه من أن بعض الآلهة قد كان شاذا . وبالتالي فهو عندما يمتدح حياة الشواذ الذين يتشبهون بآلهتم تلك، فهو يخطأ هنا عندما يعتقد بأنه وبعمله هذا يتماهي مع الآلهة ويسمو إليها وإلى حيث هي في عالم المثل، ويترفع عن العالم الحسي الذي يراه مزيفا ومنبعا لكل الشرور . وهو في تقربه هذا من الآلهة يبتعد عن حياة العامة التي هي حياة في أنفس ميتة . لأن حياة العامة هي موت الفلاسفة وموت الفلاسفة هي حياة العامة كما يقال . وانطلاقا من هذا فإننا نرفض عمل من يقدم أفلاطون على أنه شاذ جنسيا وفقط، ومن دون أن يقدم لنا حقيقة هذا الشذوذ وإطاره الخاص والعام ثم لا يبين المعني الحقيقي لعشق أفلاطون للولدان . ويقوم بعمليات بتر للحقيقة لكي يقدمها لأجل الوصول إلى غاية واحدة تتمثل في خدمة أهدافه . وهو هنا يخون أفلاطون ويكذب عليه ويـُـقوله ما لم يقلْ، وهو بهذا يريد استغباء الغير واستغفالهم واحتقارهم والتعامل معهم على أنهم جملة مغفلين وتافهين ورعاع ومن يفعل هذا أي مصداقية بقيت له .

 

إن كلمة الحب الأفلاطوني كثيرا ما تعبر عن الحب المتعالي عن كل ما هو حسي وجسدي، ذلك أن صاحبه أي أفلاطون كان يؤمن بأن الحب بين شخصين مصيره الأخير الوصول إلى حب روحي متعالي عن المحسوس بين الرجلين . ومن هنا فقد عاد أفلاطون وشن حملة شعواء ضد الجنس الشاذ بين رجلين، ومثاله في هذا المملكة الحيوانية والتي ينعدم فيها هذا النمط من الممارسة الجنسية . وها هو يقول في محاورة القوانين من أنه يجب علينا أن نتخذ شاهدا من غريزة الحيوان . حيث تشير إلى أن الذكر لا يقرب الذكر أبدا ولا يطأه أبدا كما رأى ذلك فيلسوفنا أفلاطون . والحب بين الرجلين هدفه إنتاج الأفكار الضامنة لاستمرار العنصر البشري . كما أن الحب بين رجل وامرأة يكون بهدف إنتاج الأطفال . وهذا بدوره يضمن استمرار البشرية كما جاء في كتاب أفلاطون والمرأة السابق الذكر . كما أن الحب عند أفلاطون ليرتبط بقدرة المحبوب الفكرية، فهو يتدرج من عشق الجسم المتناسق والجميل إلى التعلق بجمال النفس وصولا إلى الارتقاء من عالم المحسوسات إلى عالم الأفكار وهذه هي الغاية كما أن الحب عند أفلاطون هو من يفجر كل الطاقات الإبداعية والخلاقة في البشر وهذا ما يذكره في محاورة المأدبة .

         

وإن أفلاطون ليتخذ موقفا معاديا من المرأة والتي هي من درجة العبيد والمخبولين والحيوانات

والنباتات عنده . وهذا ما جعله ينفر من الأنوثة لصالح الرجولة التي يتحيز لها، ولكن ليس كما يريد

الشواذ وإنما كما يريد هو . ويرى بأن الطبيعة البشرية على صنفين الصنف الأعلى وهم الرجال ممن استطاعوا قهر شهواتهم ولهذا فقد عاشوا فضلاء ولذلك فهم سيرجعون إلى عالم النجوم السعيد الذي جاؤوا منه . أما من لم يستطيعوا تحقيق هذا فسوف يولدون في الولادة الأخرى على شكل نساء هذه هي الفلسفة التي يبرر بها أفلاطون الميل إلى عالم الرجال فالفضيلة عنده تتوجب الابتعاد عن النساء لكونهن يشكلن حاجزا بين الرجال والفضيلة، مما سيمنعهم من الفوز بجائزة العودة إلى عالم المثل السعيد . ولا نضن بأن مثل هذه التبريرات مقبولة اليوم فكما في الرجال أفاضل ففي النساء من هن أكثر فضيلة من الرجال أنفسهم وما العالمة الفيزيائية ماري كيري إلا خير مثال لنا هنا . كما أنه لا وجود لعالم النجوم السعيد، فالنجوم عبارة عن كتل مادية لا تضر ولا تنفع في شيء . كما أن هذا الكلام لا تقره الديات السماوية في شيء أيضا . وهي مبررات تبدو عارا على من يريد الاحتكام لها، ولذالك فكل ما بني عليها اليوم فهو باطل .

وإن أفلاطون وكما يقرر دارسوه نعود ونقول بأنه قد كان يعادى المرأة، لكونه كان يعتقد أنها تجره قسرا نحو العالم الحسي الفاني، نحو الأسفل في حين كان هو يتوجه صوب عالم المثل الخاص به، عالم فوقي ولا مخرج له من هذا المأزق إلا بمعادة المرأة والتوجه صوب الذكورة، إن أراد أن يحقق ما كان يصبو إليه . ولكن أفلاطون هنا وكما يقول منتقدوه قد جانب الصواب، لأنه تحامل كثيرا على المرأة المفكرة والفيلسوفة والذي كان حتما هذا النوع من النساء سيدفع به صوب العالم الذي كان ينشده من معلمة سقراط أو من الفيلسوفة هيباسيا في ما بعد . كما يقر بأن الذكر بطبيعته أقوى وأذكي ولذلك فهو لا يريد أن يتصل جسده بشيء أدني والمقصود هنا هو جسد المرأة . ومن هنا نفسر حملته المعادية للمرأة وحتي نهاية حياته . ولأنه يقول بأن الرجل الفاسد هو من يتجه نحو الحب العامي أعني عشق الجسد وهذا ما لا يريده لذاته . وتوجه أفلاطون صوب بني جنسه يعبر حسبه عن الأخلاق الأصلية من قبل أن توجد المرأة في عالم الرجال الدنيوي كنتيجة مباشرة للعنة الآلهة وانتقامها .

كما أن المرأة في المجتمع اليوناني القديم لم تكن محل ثقة للرجل أبدا، فهو لم يراها إلا كجسد يغريه وفي نفس الوقت فهو حذر مرتاب في هذا النوع الحيوان " المرأة " ومن هنا جاءت تلك النظرة العدائية لجسد المرأة . كما انتشرت النظرة القائلة بأن الرجل وحده ينتمي إلى الجنس الرفيع والذي يمكن فهمه وهذا على عكس المرأة المنتمية إلى أقذر الأرواح الحيوانية شرا . وكل هذا خلق سدا وحاجزا لا يمكن تخطيه بين أفلاطون وبين المرأة في بداية حياته وفي منتصفها . مما جعل من المحال الالتقاء بينه وبينها . وبالتالي فما كان عليه إلا التوجه نحو الذكور لممارسة الجنس كبديل سيء في ما أعتقد عن الجنس الطبيعي مع سيدة إن هو مارسه طبعا . لكونه كان يخاف أن يمنعه حب المرأة من العودة إلى عالم النجوم وربما يولد في المرة الأخرى امرأة وليس رجلا، لأنه لم يستطع قهر شهواته ككل من رجعوا إلى عالم المثل ولم يستطع أن يتطهر مما قد يجعله يولد في صورة حيوان أدنى . والطريقة الوحيدة للنجاة هي أن ينتصر الجانب العقلي في الرجل على الجانب الحسي فيه، وهذا ما ناضل لأجله أفلاطون طوال حياته . ولكنه كبشر كان أسير نظرة مجتمعه التي لم تكن موفقة هنا، وبالتالي فإنه يجب علينا أن لا نخرج أفلاطون من سياقه التاريخي ونحمله ما لا يحتمل فهذا ظلم للرجل .

ولكن البشرية ستبدأ في تغيير وجهات نظرها إلى أن تتغير وبصورة راديكالية إيجابية لصالح المرأة . فها هو العهد القديم يرى أنها خلقت من ضلع أعوج للرجل، بدل الأنفس البشرية الأوضع كما هو الحال عند قدماء اليونان . إلى أن نصل إلى تبرئتها من ذنب الخطيئة الأولي مع الديانة الإسلامية وإلى المساواة التامة مع الرجل في ويومنا هذا . وبالتالي فلا مبرر اليوم لنتحجج بما قاله أفلاطون لا في ما يخص المرأة ولا في ما يخص العلاقات الشاذة بين الرجال . ولقد انتقد أفلاطون في ما يخص ما قاله عن المرأة وهذا ليس مجالنا اليوم . كما لا ننسى بأن الكنيسة كانت تناقش مسألة هل المرأة إنسانة أم شيء آخر . ولقد أقرت عام 586 م بأن المرأة إنسان ولكنه خلق لخدمة الرجل . فهل سنبقي أسرى لهذا الهراء أم يجب علينا أن نتجاوزه كما لو أنه لم يكن .

كما اعتبر قدماء اليونان بأن دونية المرأة أمرا مبررا طبيعيا وأخلاقيا . وهذا لما تحمله من صفات ذميمة كالجبن والحسد والوقاحة والغدر , وهي هنا تشترك فيها مع إناث الحيوانات . ولم يكتفوا بهذا فقط بل طورا موفقهم السلبي من المرأة بالقول أن دمها أكثر سوادا من دم الرجل، ولهذا فهو قريب من دم الحيوان . كما أن المرأة عند أرسطو هي في شكل من أشكال المذكر المخصي، ولهذا فالأنوثة عنده ما هي إلا تشوه خلقي يتحول معه الرجل إلى أنثي وما هذا إلا انحراف عن الطبيعة الأصلية للفرد . ولهذا فلا عيب في مضاجعة الولدان بل هم الأفضل وبناء على هذا المنطلق فالرجل لا يفعل شيئا عيبا طالما أن المرأة هي ذكر مشوه . وبالتالي فهي أو الرجل سواء من حيث الوظيفة الجنسية . ولهذا فقد برر الشذوذ الجنسي عندهم ومن هذا المنظور القاصر والأعرج . كما أن المرأة عندهم كائن قاصر وفي درجة الطفل، ولهذا يجب إخراج الطفل من ثوب الأنوثة وذلك عبر نقل الرجولة له من رجل ناضج، وهذا لا يتم إلا من بعد ممارسة الجنس عليه وهنا هم قد جانبوا الصواب في هذا أيضا . وكما كذب التاريخ النظرة اليونانية للمرأة وأنها لا تصلح إلا لأشغال البيت وإنجاب الأبناء وها هي اليوم وكما نراها عالمة وطبيبة ومهندسة . فكذلك تسقط كل مبررات اللواط التي شرعت ظلما على أساس هذه المبررات الواهية .

 

وهذه الثقافة المعادية للحب الأنثوي لم تكن وليدة فترة أفلاطون بل نجدها عند من قبله من المفكرين مثل بوزيناس الرحالة والجغرافي الإغريقي الشهير وأرسطوفان كاتب المسرحيات الكوميدية الشهير أيضا، حيث كانا يعاديان الحب المغاير لصالح الحب الشاذ أي حب الرجل للرجل . وهذا الحب لا دخل للفرد فيه بل إن الآلهة هي من توجههم إليه . فها هي أفرديت التي ولدت من رجل دون امرأة توجه أتباعها إلى حب الرجال للرجال . وهذا الحب هو ميزة أصحاب العقول الراجحة وهذا على عكس السفلة من الناس والذين يتجهون صوب النساء، وهذا بغية إشباع غرائزهم الحيوانية . على عكس حب العظماء والذي يتجه نحو توليد الأفكار والشعر . وهذا ما عبر عنه سقراط حينما قال: إنه يمتهن مهنة والدته . ولئن كانت هي تولد النساء فهو يولد الأفكار . ولهذا فالجنس المغاير هو للعوام وللسفلة من الناس في حين أن اللواط حسبهم هو للنخبة المبدعة وللصفوة؟ ! وعليه فإن اتجاه أفلاطون الجنسي ما هو إلا انعكاس للموروث اليوناني الكاره للمرأة والمتحيز ضدها . وهي التي ربطوا وجودها بالشر منذ عصر الشاعر هزيود . وفترة ظهور بانديرا تلك التي جلبت معها الشقاء لعالم الرجال والانحطاط للجنس البشري .

 

وإلى جانب ما سبق فها هو سقراط يرى بأن: " وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة وللانهيار في العالم، وأن المرأة تشبه شجرة مسمومة ظاهرها جميل ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالا " . فهل بقي بعد هذا ما يشجع الرجل على الإقدام على المرأة؟ وهل أبقوا على شيء لا ينفر منها إلا واتهموها به؟ ولذا فالهروب منها معناه معانقة الرجل للرجل لأنه لا يوجد له خيار آخر . وهل الرجل مستعد للانتحار وللموت حتى يقبل على المرأة ألا يتعظ من العصافير؟ .

ويبقى أن نتساءل لماذا أفلاطون ومعه قدماء الإغريق يرفضون أن يكون المواطن اليوناني شاذا مفعولا فيه . إن الإجابة عن هذا التساؤل نجدها في معنى الكمال عندهم , فالرجل يكون كاملا على مستوى الطبيعة لأنهم يعتقدون بأن المرأة هي رجل ناقص، منطلقين في هذا من الفروق التشريحية بين الجنسين . ولذا لا يمكن للكامل أن يتقهقر ويتدنى لمرتبة الناقص . وثانيا على المستوي الشخصي فلا بد من أن يكون الرجل رجلا والرجولة مرادفة في اليونان القديمة لشّـجاعة ولحمل السلاح دفاعا عن المدينة . وهي مهمة الرجال دون النساء اللآتي يوضعن في الجناح الخاص بالحريم . وما سبق يعطي للرجل كمالا في الجانب الاجتماعي لكونه هو وحده المواطن دون النساء والعبيد . ومتى كان مفعولا فيه فهو وبصورة إرادية يكون قد تخلى عن امتيازاته السابقة , وآليا تسحب منه كل الامتيازات المقرونة بالمواطن الأثيني . ولأجل هذا أدانت اليونان القديمة الشذوذ الجنسي ولو كان لها نظرة تقدمية تجاه المرأة لانتفى وجود الشذوذ الجنسي سواء مع العبيد أو مع الغلمان وهذا لانتفاء الأيديولوجيا التي يتغذى منها .

ثم إن أفلاطون يؤمن كغيره من أبناء عصره بأن المرأة شريرة بطبيعتها، وهذه النظرة قد التقت مع التهمة التوراتية التي ألصقها العهد القديم ظلما بها وهذا عند الحديث عن سبب خطيئة آدم الأولي . وهنا تتفق النظرة الإنجيلية للمرأة أيضا مع الموروث اليوناني لأنه ينطلق هو الآخر من الموروث التوراتي . وستتحمل الكنسية تبعات هذا الخطأ الذي وقعت فيه وسيكون بمثابة المعول الذي سيهد بنيانها . وحتى ولئن كانت هناك ربات في الموروث اليوناني القديم إلا أنهن ذات صفات رجولية ذكورية أكثر منها نسائية . وهذا على عكس ما هو موجود في النساء العاديات . من صفات مثل أفروديت والتي هي من أب ومن دون أم، ولذلك فهي منزهة من كل صفات الأنثى الطائشة وبعيدة كل البعد عن الحب المبتذل وهذا عكس المرأة العادية .

ومن هنا كان من حق النسوة الثورة على هذا الوضع الشاذ والمقلوب . لكون كل ما هو قبيح قد ألصق بهن، في حين أن كل ما هو حسن قد احتكره الرجال في اليونان القديمة لأنفسهم، ولم تكن هي أكثر من آلة إنجاب وعناية بالمنزل . والخلاصة أن أفلاطون تربي في ثقافة وجو عام يُـكـِنُ كل معاني الكراهية للمرأة , مما ترسخ في ذهنه أن المرأة من جنس أدني من الرجل . ولذلك استثناها هذا الأخير من أن تكون عنوان لإحدى محاوراته وهذا على عكس القرآن الكريم والذي خصص لها سورة مهمة من سوره وعنونها باسم امرأة وهي مريم عليها السلام . كما رفع من شأن النساء وجعل منهن شقائق الرجال كما هو معروف، كما شهد لحكمة ملكة سبأ بلقيس وعفة عائشة ونبل زليخة . وهذا عكس النظرة اليونانية السابقة تماما . ولذلك فأوروبا سوف تتأثر بهذا الوضع الذي منح للمرأة ولعل أول بوادره ستظهر في شعر حركة التربادور البوفانسي .

وتلك إذن هي الأرضية التي شكلت شخصية أفلاطون وقبله سقراط ومن بعدهما أرسطو في مراحل محددة من حياتهم . وهي عقلية إقصائية تحتقر المرأة وتنبذها تماما كما لو كانت طاعونا أو جربا يجب اعتزاله . ولكن هل كان المستقبل لهذه النظرة العنصرية أم أن التاريخ قد صححها؟ . وهذا بالفعل ما تم ولم تعد لنظرة أفلاطون الدونية تجاهها أية معنى . وما دامت المرأة قد استرجعت حقوقها الإنسانية التي حاولت الفلسفة اليونانية القديمة سلبها منها، فلا بد من أن تستعيد معها حقوقها الجنسية أيضا . وأن لا تقبل أو يقبل الرجال بأن يعتدي عليها الشواذ من الرجال أنفسهم والذين يعملون اليوم جاهدين لمصادرتها منها والسطو عليها وبحجج ميتة , وهي حجج بدائية وعاجزة عن الدفاع عن نفسها . وعليه فما دامت الأسس الفلسفية والأخلاقية التي يستند إليها الحب والجنس الشاذ في اليونان القديمة قد كان مصيرها المتحف . فإن الشذوذ الجنسي كذلك المتحف مصيره . لأن مبرراته لم تعد قائمة وسقطت حجة من يحتج باليونانيين القدماء في الماء وعادت أثر بعد عين كما يقال . وإذا ما كانت التوراة تقول بأن المرأة خلقت من الرجل فإن اليونان القدماء يقولون بأنها قد خلقت من الرجل الشرير وهم يؤمنون بنظرية التناسخ . ولذلك فإن المرأة إن لم تنتصر على هذا الجانب المظلم فيها فإنها ستخلق في المرات القادمة في صورة حيوان هي والرجال الأشرار . ولذلك فإن الدراسات تقر بأنها هنا قد وضعت في وضع بين الإنسان والحيوان وحاشا المرأة أن تكون كذلك .

وأفلاطون كما هو شأن باقي قدماء اليونان يؤمن بأن هناك نفس بشرية خيرة وأخرى شريرة لكون الإنسان أنسأته الآلهة من رماد التيتان . وأن الروح ما هي إلا سجينة داخل هذا الجسد، ولذلك فإنه يجب أن تتغلب فيه أي الإنسان الروح الخيرة على روحه الشريرة . وهذا لكي يتخلص الواحد منا من ألم التناسخ في الأجساد المختلفة . ولهذا فهو قد كان يرى بأن المرأة تجذبه وبالقوة صوب عالم الحس الذي يريد التخلص منه وهذا لكي يتخلص نهائيا من دورة التناسخ . وكل هذا لكي يتجنب الألم الذي ينتظر الفرد البشري إن هو فشل في تحقيق الطهارة لنفسه . ولذلك يرى أفلاطون أنه يجب على العقل أن يسيطر على جميع قوى الجسد الأخرى . وهذا لأجل الوصول إلى الوجود الحقيقي لا إلى هذا الوجود المتغير ولأجل بلوغ عالم المثل فيجب على المرء أن يزهد في كل الوجود الحسي . وهذا ليدرك عالم الخير والكمال المطلق والذي يناقض عالم المرأة الشرير . وأفلاطون يرى أن الحقيقة هي في عالم المثل لا في عالم الحس، ولهذا فهو كان يخاف من التضليل الذي يمكن أن يقع له في هذا العالم . ولهذا نراه يفر ويهرب من جسد المرأة الذي ينتمي إلى عالم الحس الخادع . ولا بديل له يفرغ فيه طاقته الجنسية العارمة إلا في الغلمان ووجد الثقافة السائدة في عصره تبرر له ذلك على الأقل في المراحل المبكرة من حياته . ومع هذا فهو يرفض الإشباع الحيواني للغريزة والتي عادة ما تأخذ شكل الممارسة الجنسية بين رجل وامرأة .

كما تقول الأسطورة اليونانية أن الإنسان كان كائنا واحد وأنه تمتع بقوة لدرجة أنه هاجم الآلهة، هذه الأخيرة التي اضطرت إلى شطره إلى نصفين . ولذلك فكلما تقابلا تعانقا ولكأنما يريدان العودة متحدين كما كانا وهذا الكلام نقتبسه من كتاب أفلاطون والمرأة . ويبرر ميل الرجال إلى الرجال إلى أن الأقوياء منهم يميلون لأمثالهم لأن الجنس هنا يحقق لهم السعادة ولا شيء آخر قادر على تحقيقها . كما أن أفلاطون ومعه قدماء الإغريق قد قالوا بنظرية الإنسان المشطور إلى قسمين كتفسير منهم لوجود كل من جنس المرأة والرجل . ولكن نظرتهم للخلق هذه تصطدم مع نظرة الكتب السماوية للخلق ذاته . كما أنها تتعارض تعارضا مطلقا مع نظرية التطور لداروين، كما أن العلم يراها نظرية ساذجة تجاوزها الزمن . ولذا فإن هذه النظرية والتي كانت أساس تبرير وقبول للشذوذ الجنسي قد كانت خاطئة . وعليه فإن كل ما تقرر عنها هو الآخر باطل فيما يخص مسألة الشذوذ الجنسي .

كما يخبرنا أفلاطون بأن البشر كانوا يعيشون في السماء مع الآلهة، ولكنهم تمردوا عليها تحت تأثير إحساسهم بالقوة، فكان انتقام زيوس وعقابه لهم بأن قطعهم إلى نصفين وأرسل بهم إلى الأرض فضاعوا فيها . فأصبح كل طرف يبحث كل نصفه الآخر فوقها . ولهذا فإن أفلاطون يفسر الحب من أول نظرة بأن هذا الحب ما هو إلا تعبير عن إحساس كل طرف بنصفه الآخر الذي قطعه منه زيوس.

وهكذا يصنف أفلاطون المخلوقات البشرية إلى:

 

- الذكور الذين انشطروا عن الخنثي وهؤلاء يعشقون النساء ويميلون إليهن ومعهم النساء اللواتي يملن إلى الرجال .

- النساء اللواتي جئنا نتيجة انقسام الأنثى يعشقن النساء ويملن عن الرجال .

- والذكور الذين جاؤوا نتيجة انشطار الذكور يميلون إلى الذكور وإذا تزوجوا فإن هذا هم فيه مكُرهين .

 

 

أليس كل هذا مجرد أساطير يونانية قديمة عارية من كل مظهر للصحة جاءت فقط كغيرها من أساطير الأمم القديمة لتفسير مظاهر الكون . وهذا عندما عجز عقل الإنسان عن وضع تفسير علمي ومنطقي لها . وربما جاء تفسير أفلاطون هذا مما أوحت له به التوائم الملتصقة السيامية أو الملتصقة من الرأس أو من الصدر . سواء كانت هذه التوائم لذكرين ملتصقين أو لأنثتين أو لذكر وأنثى أو لذكرين . وإن التوائم الملتصقة سواء كانت رجالا أو نساء ما هي إلا تشوهات خلقية . وهي تواءم جد عادية تحلم بالحب بالشريك المغاير لها . كما أنها تتزوج كما كل الناس ولم نراها في يوم من الأيام شاذة جنسيا بالضرورة .

 

ولئن قبلنا هذا فهل نقبل أسطورة تفسير تعاقب الفصول الأربعة عند قدماء اليونان أيضا . وإننا نقبل بنظريات اليونان السياسية مثلا كفكرة الديمقراطية . كما أننا نقبل منهجهم العلمي الرصين والذي يقودنا إلى نتائج حقيقية أو هي تقترب من الحقيقة عند بعض مدارسهم . ولكننا ومن جهة أخرى فإننا نتجاوز نظرياتهم في الكون كنظام بطليموس حول حركة الكواكب، وأيضا هذه الأساطير التي لا يمكن أبدا أن نبرر بها الشذوذ الجنسي بين الرجال . وبعد هذا ألا يجب أن يستحى شواذ اليوم حين يبررون شذوذهم بأفلاطون أو بغيره من قدماء اليونان وماذا سيقولون لنا إن نحن واجهناهم بهذه الحقائق .

 

وفي معرض حديث أفلاطون عن كيفيات الخلق وعمليات الانشطار المختلفة والتي كانت نتيجتها الرجل والمرأة والخنثي والمرأة المسترجلة . وقوله بأن من كانوا نتيجة انشطار الذكور فإنهم يميلون إلى الذكور دون النساء وإلى جانب هذا فهو يخبرنا بأن علاقاتهم تدوم ما دامت الحياة , وهذا كلام ينفيه واقع الحال اليوم . كما يخبرنا أيضا بأن الرغبة الجنسية هي من تحقق لهم السعادة . وهذا الكلام سقط بيومنا هذا أيضا . ودليلنا هو الفشل الذريع الذي منيت به الزيجات الشاذة والتي لم تخلف سوى حصاد الشقاء والدمار لمن يقبلون عليها . وهو بهذا يرى أن تعانق الرجلين ومحبة بعضهما البعض ما هو إلا عودة للأصل . ترى لو عاصر أفلاطون داروين ونظرية التطور والانفجار الكبير أكان سيقول ما قال هنا أم أنه حتما سيولي وجهه عن رأيه هذا . وهل لو أنه قد عرف الجينات والبيولوجيا أما كان ليحتج بها على صدقية الشذوذ الجنسي أيضا كما هو شأن المنافحين عنها اليوم . وفي ظل غيابها عنه لجأ إلى هذا التبرير الساذج، هذا إن كانت له هذه الآراء أصلا ولم يتراجع عليها في آخر حياته كما مر أعلاه ولم تكن منحولة عليه . وهنا يخبرنا تايلور بأنه حين كان ذهن الإنسان في المرحلة الأسطورية يعجز عن تفسير أية ظاهرة ولا يجد سببا مقنعا كان يخترع أية قصة لكي يبررها ويفسرها وهذا ما ينطبق على كلام أفلاطون الذي مر أنفا .

كما يخبرنا عبد المنعم الحنفي في كتابه موسوعة عالم علم النفس بأن التفكير الخرافي , هو وسيلة يتخذها الفرد لفهم المبهم والغامض من الأمور وهذا كلما أوعزته الحيلة لذلك . وهذا ما يفسر لنا بوضوح توجه أفلاطون إلى الخرافة ليفسر بها الواقع الذي استعصى عليه فهمه وهي كمثل جميع المعتقدات الموجودة عند كل الشعوب الأخرى والتي بدورها قد عجزت عن فهم الأمراض فردتها إلى قوى خارجة عن إدراكها مثل الأرواح الشريرة والشياطين . وكذلك كان حال قدماء اليونان مع الشذوذ الجنسي حيث ردوه إلى هذه الأسطورة أو تلك . ومن هذه الزاوية فقط يجب التعامل مع نظرتهم إلى اللواط وليس على أساس أن ما قالوه هو كل الحقيقة .

 

إن أفلاطون كانت غائبة عنه قوانين الوراثة وبالتالي فهو لم يكن لديه من حل لكي يفسر به تلك التشوهات الخلقية إلا بردها إلى أسطورة الشطر تلك، وتفسيرها تفسيرا يعتمد على الأساطير بدل التفسير العلمي الوضعي . ونفس الأمر ينطبق على الشواذ وعلى المخنثين من الذكور . فأفلاطون كان يعوزه المفتاح الذي يفسر عبره تلك الظاهرة التي أعجزته فردها إلى الآلهة وإلى الأساطير . ولكن نحن اليوم لدينا من المعرفة ما تمكننا من شرح تلك الحالات . وبالتالي علينا أن نخرج من أسر أفلاطون ومن قيود كهفه . كما أنه لم يكن يعلم شيئا عن تشوهات الكروموسوم والذى ينتقل بالوراثة من جيل إلى آخر .

 

كما وأن الشيء الأكيد أن أفلاطون بني حكمه ذاك على ما رآه من تشابه بين جسد بعض الذكور بعد مرحلة البلوغ وأجساد النساء من ضمور للخصية وبروز للثدي وهذا يرجع إلى الكروموسوم السيني كما يخبرنا اليوم الطب بهذا الأمر . والحل هنا يكمن في حقن المصاب بالهرمونات بهدف تصحيح هذا الخلل . فيكتسب المظهر الرجولي بعد هذا الحقن، وكل هذا كان غائبا على أفلاطون وعن معاصريه . ولذلك وبدلا من تبرير الشذوذ الجنسي بما قاله أفلاطون أو فعله علينا أن ندرس كما قال النقاد ما قاله أفلاطون في مرحلة ما من حياته بعين عدو لا بعين صديق حتى لا نقع في نفس أخطائه أو نبقي نجترها أسرى لها .

أما الخنثي الذى يولد بأعضاء تناسلية ذكرية وأنثوية في آن واحد فهذا يرجع للخل في الهورمونات حسب ما يقوله العلم اليوم , حيث تتغلب الأنثوية على الذكورة بعيدا كل البعد عما قاله أفلاطون . والجراحة التجميلية الحديثة أمكنت اليوم من تجاوز هذا المشكل، وذلك بتصحيح الوضع وهذا عبر إزالة الأعضاء غير ذات الفائدة . و والله لو عرف أفلاطون الهندسة الوراثية لتوارى خجلا من الناس مما قاله في ما يخص التشوهات الخلقية . وهنا نحن لا نلوم أفلاطون ونلتمس له العذر في ما قاله عالم النفس يونغ من أن تلك الأحاديث ما هي إلا تعبير عن العقل البدائي وخيالاته . فهل نبقي أسرى لها أم يجب علينا أن نتجاوزها؟ . وها هو المؤرخ البريطاني الكبير أرنولد توينبي يخبرنا بأن أفلاطون قد كان لا يخجل أبدا من استخدام الأسطورة، وهذا من أجل فهم أعماق النفس البشرية أو الكون وهما من يقع نطاقهما خارج إدراك العقل . فهل يمكن للفكر الأسطوري أن يكون معيارا صادقا وصارما وأساسا يمكن أن نبني عليه معارفنا والتي نترجمها فيما بعد إلى سلوكيات في حياتنا اليومية؟ .

وهنا نقول بأن الاعتقاد في أن الفيلسوف قادر على منحنا الحلول المطلقة لمشاكلنا والتنظير السليم وبصورة مطلقة أيضا لحياتنا لهو أمر مجافي للحقيقة . ذلك أن التاريخ يؤكد لنا أن الفيلسوف ما هو إلا إنسان كباقي البشر يتفاعل مع محيطه . وهو ابن اللحظة التاريخية التي نادته فاستجاب لها ولن يتجاوزها . وظلما له إن نحن اعتقدنا فيه غير هذا لأن التاريخ رحيم بالبشرية وفي كل لحظة من لحظاته هو يستدعي عقلا جديدا لخير البشرية ككل . ولذا لا يجب علينا التوقف عند أفلاطون أو عند غيره من عباقرة البشرية بل علينا أن نتجاوزهم لغيرهم من العقول الأخرى حسب احتياجات كل مرحلة من مراحل حياة البشرية . وما يصدق على الفلاسفة كأفراد يصدق على الشعوب والأمم والمنظومات الثقافية لأن البشر من حيث هم ذوات يتجاوزون بعضهم البعض . وهم في بحث مستمر عن الحقيقة وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني هيجل حينما قال: بأن البحث عن الحقيقة سوف يظل دائما وأبدا يُوقظ حماس الإنسان ونشاطه ما بقى فيه عرق ينبض وروح يشعر .

كما أن أفلاطون ومع عظم عقله الجبار فهو لم يستطع أن ينسرب ويتحرر من سطوة مجتمعه عليه . ذلك المجتمع الذي اتخذه أفلاطون منطلقا له وأساسا يقتبس منه نظرياته ومصدرا لإلهامه فها هو عندما حرر جمهوريته الفاضلة يَـمَّـمَ وجهه صوب مدينة إسبرطة . ولهذا يجب أن نكون حذرين عندما نتعامل مع النصوص الأفلاطونية فهي ليست وحيا معصوما عن الخطأ . وإنما هي نصوص بشرية جاءت لتلبي حاجة في عصرها وانتهت بانتهاء تلك المهمة . وتعاملنا مع النصوص الأفلاطونية لا نرجو من ورائه المادة العلمية والتي تجاوز العلم الحديث الكثير من أطروحاته . ولكننا نرجو المنهج الذي سلكه أثناء عملية البحث والتنقيب عن الحقيقة . وما دام أفلاطون ينطلق من واقع مجتمعه فإنه يجب علينا أن نتعامل نحن كذلك مع ذلك المجتمع بنظرة نقدية شأن مختلف المواضيع الأخرى التي نتطرق لها . كما أنه اليوم لا يمكن لنا أن نتقبل أي شيء يعترض طريقنا من المجتمع الفرعوني القديم فعلينا كذلك أن ننزع صفة القداسة عن المجتمع اليوناني القديم , فنظام إسبرطة نفسه مدان إذ يكفي بأن الإسبرطيين قد اعتبروا السرقة عمل نبيل وهذا يتعارض مع ما تعارفت عليه البشرية ككل من أنها عمل مذموم .

ثم إن التاريخ قد كذب أفلاطون في عدة مواضع فمثلا أفلاطون يخبرنا أن الدولة السعيدة هي من كان يحكمها فيلسوف أو من كرس نفسه للفلسفة . ولكن مؤلفة كتاب المدينة الفاضلة عبر التاريخ ماريا لويزا برنيري قد برهنت بما لم يبق معه مجال للشك من أن كل المدن التي حكمها فلاسفة أو مشتغلين بالفلسفة كانوا سببا في شقائها وتعاستها وتضرب لذلك عدة أمثلة . كما أن التاريخ قد تنكر لرأيه الخاص بنظام الأسرة وتربية الأبناء ومن سخرية القدر أن لينين قد تراجع عن الكثير من مبادئ النظرية الشيوعية التي نادي بها كارل مركس وهذا حتى حينما أطلقوا عليها صفة الاشتراكية العلمية ولكن كل هذا لم يشفع لفكرة المشاعية التي نادى بها أفلاطون . وهذا وحده يكفي بأن نكون حذرين في التعامل مع نصوص أفلاطون وآرائه ومنها نظرته للحب وللعشق وللجنس وللزواج أيضا وأن لا نثق فيها ثقة عمياء قد يكون فيها هلاكنا .

كما أن أفلاطون يقع في طرف مناقض لتلميذه أرسطو . فهذا الأخير يقول بقدم العالم في حين يرى الأول أنه محدث وصدق الأول وأخطأ الثاني . ولهذا لا يجب أن نسير خلفه كالعميان فيمكن أن يكون السقوط هنا مميتا لنا . وهذا الحكم نسقطه على الفكر اليوناني ككل بل لا بد أن نتحلى بالروح النقدية . كما وأن أفلاطون نفسه لم يسلم من معارضة تلميذه أرسطو هذا الأخير الذي يقول بالتجربة والاكتساب على عكس أفلاطون القائل بالتذكر وبالمعرفة الفطرية . وهذا لإيمانه بعالم المثل حيث أنه يرى بأن الواحد منا بعد الموت يرجع إلى عالم المثل . ولا يصل إلى هناك إلا إذا كان صافيا وخاليا من شوائب الجسد والأرض . وهو يرى أن من سيرجع إلى عالم المثل ويحي هناك حياتا أبدية فاضلة ومثالية هم الفلاسفة الذين يناضلون في حياتهم الأرضية هذه من أجل اكتساب الحكمة و نيلها . ولهذا فقد عاش طوال حياته أعزبا يطارد الحكمة وهي غايته الأولى والأخيرة .

وعلى الرغم من كل ما يقال عن حضارة اليونان والرومان إلا أن شبنجلر يهاجمهما على اعتبارهما قاصرتان على الجانب الحسي فقط . ورغم هذا القصور فيهما إلا أنه لا ينكر سموهما على الشعوب البدائية المعاصرة لهم . وهم بهذا يبقون متقدمين بأشواط على كل هؤلاء . مما يمنحهم أفضلية عليهم كما يراها حضارات فانية وبالتالي فكيف للفاني أن يدير مستقبل الأحياء؟ .

ولمن يريد التبرير بأفلاطون نقول له بأن الجري وراء محاولة تأصيل ظاهرة الشذوذ الجنسي بالعظماء من الرجال من أمثال أفلاطون مثلا لهو يدخل ضمن عملية البحث عن مبرر فوق الطبيعة . مبرر مقدس فوق النقد يعطي الشرعية الأبدية لهذه الظاهرة تماما مثلما تحلم الكنيسة وهذا على مدار قرون وقرون من أن يعترف ويقر اليهود بالسيد المسيح الإنجيلي ويعتنقون المسيحية الإنجيلية . وكذلك يفعل المسلمون من خلال التعلق بحلم جر اليهود وبصورة جماعية إلى الإسلام . لأن إقرار أصحاب الكتاب الأول بمصداقية أية ديانة سيعطيها الشرعية الأبدية . وهذا ما يريده الشواذ حتى يعزوا وإلى الأبد ولعل موقفهم هذا يذكرنا بموقف الرسول الكريم محمد ص عندما طلب من ربه أن يعز الإسلام بأحد العمرين ونحن ضربنا هذا المثال فقط لنفهم ونبين الهدف الذي يسعون له من وراء محاولة توريطهم لعظماء التاريخ في وحل الشذوذ الجنسي . وهذا هو نفس ما يفعله الذين يستنجدون بسقراط وبأبي نواس لتبرير اللواط . وكل هذا لإضفاء الشرعية على اللواط فكما قرن اليونانيون القدماء اللواط بالآلهة والتي ادعوا بأن بعضها يمارسها وبالتالي فقد أصبح سلوك مبرر وممارس من قبل اليونانيين وبصورة عادية ومكررة . فكذلك هو هدف من يريد تأصليه بأبي نواس , فما دام الأخير قد مارسه وهذا تحت سمع السلطة القائمة وبصرها فهذا سيعطي للمبشرين به حرية نشره وممارسته . وعندما يطلب منهم الطرف المعارض للشذوذ الجنسي الحجة فإنه سيكون عندهم الرد الحاسم والجاهز والمتمثل في قولهم: " أتفهم أنتَ أفضل وأحسن من سقراط وأفلاطون وأبي نواس " . وللوهلة الأولي قد يبهت الرجل البسيط ويسكت فالحجة هنا قد تبدو مقنعة ومفحمة . ولكن هنا علينا أن نجمع أنفاسنا ونقول بأن هذه الحجة مرفوضة لأنك هنا تستخدم نفس منطق رجال الدين التي تعيبها عليهم .

فهم يردون بالجواب إذا ما سئلوا عن قضية بالقول ذلك ما ورثناه وما قاله من سبقنا ونحن راضون به وهنا لا بد من مناقشتهم في كل ما يقولون حتى ولو كانت حججهم أقوال لموسي أو لعيسى أو لمحمد عليهم السلام . ذلك أنه كم هو عدد الدجالين الذين يكذبون على موسي وعيسى ومحمد والدراسات الحفرية قد أثبتت أن الكثير مما أثر عنهم هو مجرد أكاذيب ملفقة لخدمة مشروع ما . فكيف تطلب منا نحن ونحن الذين لم يسكتنا حتى المقدس على أن نسكت إن قلت لنا أن سقراط قال أو أن أبا نواس قد قال . فكما تناقش أنت ونحن أقوال الرسل نناقش نحن كذلك وأنت أقوال الفلاسفة والشعراء والبقاء للفكرة الأقوى برهانا وحجة وللأصلح وللأنفع لنا ولكل البشرية اليوم وغدا وبعد غد وهذا الأمر ليس بجديد فالتاريخ يذكر أن قريش عندما أرادت أن تسحب الشرعية وتقتل الفكرة الجديدة التي أتى بها نبي الإسلام محمد ص فقد استنجدت باليهود وسألتهم أيهما على صواب أمحمد ص أم قريش . وهذا على اعتبار أنهم أصحاب الكتاب الأول . وعلى الرغم من شهادة اليهود لصالح قريش إلا أن تلك الشهادة لم تفدها في شيء لأنها كانت شهادة زور . وكذلك الأمر مع من يستنجد بشهادة التاريخ في حق سقراط وأبي نواس فهي شهادة لن تفيده شيئا . لأن العلم والتاريخ كلمتهما في ما يخص ظاهرة الشذوذ الجنسي بين الرجال .

 

خلف الله سمير بن امهيدي

الجزائر / الطارف

 

في المثقف اليوم