قضايا

من اجل مدرسة عراقية للتاريخ اطمح

raheem alsaidiاعتقد بان الكثير من الأفكار يجب أن تتسم بالمغامرة، مع عدم الزهد بالجانب الأكاديمي من الموضوعية وتمكين العقل، وإذا تعلق الأمر بالتاريخ وفلسفته فان من الممتع تحكيم هاتين المفردتين، واقصد تلك التي ترتبط بالمغامرة والعقل ويضاف لها الجانب التخيلي، فمجرد الحديث عن الماضي قد لا يتوفر لنا تصورا شيقا ونافعا (للامس) من دون هذه العناصر التي ذكرتها .

إن ما يميز فلسفة التاريخ في العراق حديثا انها ابتكرت مفهوم السنن التاريخية (على يد الفيلسوف محمد باقر الصدر)، المستلهمة من الفكر القرآني والتراث الإسلامي وثبتت قواعده بربطه بعلم الاجتماع والسياسة، وهو خطوة رائدة يجب أن لا تختصر بالتحليل والنقد فقط بل ويضاف إليها لتكوين (مدرسة عراقية متميزة) في فلسفة التاريخ تتسم بعدها (ناقدة، مبتكرة، منظرة، شمولية)، تجمع بالإضافة إلى ما تقدم كل المفكرين سيما المعاصرين منهم والأكاديميين أو الذين كتبوا في التاريخ وفلسفة التاريخ أو من قدموا جهدا تتصل مواضيعه بالتاريخ مع تخصصهم بعلوم مختلفة المناهج والأفكار، وتجمع كذلك كل الجهود الفكرية التاريخية السابقة، وتضع ملامحها الأساسية وفق كونها:

1- تمتلك تاريخا كبيرا وفق وجود حضاري لم يخمد ووفق حكماء كبار، وهو تاريخ متنوع ومن سماته الثابتة انه منذ بواكيره وهو يفهم التاريخ وينظر له ويطبقه ويربطه بالمستقبل .

2- ان هذه المدرسة تتصل بالمستقبل ولديها المشروع المستقبلي الذي تستند إليه .

3- في تلك المدرسة التاريخية العراقية يبرز الثابت والمنهج والتصورات وقراءة الواقع،

وخصائص أخرى ربما ستبحث لاحقا .

4- والحديث عن تلك المدرسة لا يمكنه ان يغض النظر عن أسس المدرسة وأهدافها وغايتها ومنهجها أو مناهجها وبصمتها العامة واثر تلك الأفكار وقراءة محيطها الفكري والاجتماعي .

ومن المسائل المهمة التي يتوجب ان تعقد لها مقاربة في المدرسة العراقية التاريخية وربما تحمل بعض الغرابة، هي تلك المتعلقة بأساس فلسفة التاريخ الذي يرجع إلى علم الكلام كما في مفردتي الفعل الإنساني والصراع حول الإمامة،والتي قادت إلى كم متراكم من الأحداث نقله المؤرخون حتى وصل إلى تنظير لفلسفة التاريخ فيما بعد، بالإضافة إلى دور الفقهاء التاريخي وطرق التعامل مع النص وتشخيص وعي النخبة أو العامة بالتاريخ .

وأيضا الدعوة الجادة لربط فلسفة التاريخ بالعلوم (سيما المستقبليات) وتبني الجوانب التطبيقية التي لا تنفصل اليوم عن السياسة والإدارة والاجتماع، فلم يعد الحديث عن فلسفة التاريخ يعني الإشارة إلى النسق التاريخي فقط وهو يمر عبر السؤال الفلسفي، بل ان الصورة تحولت إلى تداخل في وظيفة ومناهج واليات العلوم مع التاريخ وستستمر فيما بعد حتى تصل إلى مرحلة فلسفة تاريخ العلوم (وهو تعبير لا يشير إلى الاكتفاء بمفهوم تاريخ العلوم فقط) .

إنني اعتقد فيما يخص فلسفة التاريخ اذما تكونت أسس مدرسة عراقية أو إسلامية ان علينا التحول إلى منهجيات :

• عدم فصل الفهم أو النظر أو المنهج التاريخي عن المستقبلي .

• دمج التاريخ وفلسفة التاريخ بالعلوم وعقد مقاربات وتداخلات في محاولة حل الكثير من الطلاسم التاريخية التي بقيت إلى يومنا هذا مجرد الغاز .

• الاهتمام بجزئيات مهمة جدا، قد لا ترتبط بالتاريخ بصورة مباشرة وتصل بالاجتماع أو السياسة أو الإدارة وهي تمثل مفصلا تاريخيا أو في طريقه إلى خانة التاريخ كما في مواضيع الفلسفة والمخابرات التي تربط السياسة بالتاريخ والمستقبل أو موضوع العولمة وتداعياتها على فهمنا للتراث والتاريخ أو موضوعة اللذة محركا للتاريخ التي تتصل بعلم النفس وموضوع فلسفة التاريخ والتطبيق، والغرض من بحث الجزئيات التي تحمل خاصية ان تتطور إنما لتوسيع أفق فلسفة التاريخ والدخول إلى مفاصل مختلفة لتعزيز التراكم المعرفي في فهم التاريخ وتشعباته .

• الاهتمام بالجوانب التطبيقية في الفهم التاريخي، فهي النتاج المهم لفهم التاريخ وفلسفته، وهي المحتوى الرئيس الذي يكرس مفهوم (العبرة) أو الاعتبار الذي تأسست وفق دائرته فلسفة التاريخ .

• بذل المزيد من الجهد والخيال والمنهج في تفسير النص الديني الذي يقود إلى فهم بعض حلول التاريخ .

• قد نحتاج في قراءة فلسفة التاريخ إلى الخروج على الأنساق المعرفية التي درسناها .

واعتقد أخيرا ان بإمكاننا التحرك بطريقة مختلفة في مساحة فلسفة التاريخ، لان هذا العلم ولد وتربى في هذه الأرض، ولا ضير من أن يتناسل بصور مختلفة أخرى، إلا ان هذا يحتاج إلى وعي وخيال ومزيد من الجهد المبوب .

 

الدكتور رحيم الساعدي

 

في المثقف اليوم