قضايا

ألأصالة التنظيرية العربية الغائبة!!

هل توجد نظرية عربية أصيلة تصدت لظاهرة معلومة؟

هل أنتج المفكر العربي فكرا أصيلا؟!!

تساؤلات قد تثير إستغرابا وربما غضباّ!!

القرن العربي المنصرم لم يقدم فكرا أصيلا، ولم يعالج القضايا العربية بعقل عربي بحثي علمي يهتدي إلى حلول ذات قيمة حضارية، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم، والعرب يعيشون في حالة إنبهارية وصدمة حضارية لا يزالون في غيبوبة بسببها، بل وغثيان على كافة المستويات.

وهذه الإنبهارية حوّلت العقل العربي إلى مستهلك لما تنتجه عقول المجتمعات الأخرى، وجعلته ينظر إلى واقعه وتحدياته بعيون وبصائر الآخرين، لا بعيونه ونواظير مَداركه، ولهذا فأنه أعقمَ ذاته وموضوعه، وتحوّل إلى سوق لترويج ما ينتجونه من أفكار ونظريات وتصورات ورؤى حضارية، مستخلصة من تفاعلاتهم النبيهة مع واقعهم.

فمعظم علماء النفس والإجتماع العرب لم يرفدونا بما هو أصيل، وإنما إعتمدوا في رؤاهم وتواصلاتهم مع المجتمع العربي، وفقا لما درسوه وتعلموه في مدارس غربية، وبرؤى مَن تتلمذوا على أيديهم، من علماء الغرب ومفكريه، وبروحية الإنبهارية التي تعطل آليات الإبداع الإنساني الأصيل، فكانت كتاباتهم وتصريحاتهم أشبه بأصداء لأصوات الآخرين.

فعلماء الإجتماع جاؤوا بالنظريات الأجنبية وحشروها في الواقع العربي، وكذلك علماء النفس، مما جعلنا نفتقر لنظريات عربية أصيلة تتصدى للواقع وتستنهضه وتغيره وتأخذه في مسارات معاصرة.

وبإختصار شديد أن العقل العربي مُستهلِك وغير مُنتج، ولو توهم بأن تفسيراته وتحليلاته المبنية على نظريات أجنبية بأنها عطاءات إبداعية ذات قيمة حضارية.

العقل الآخر ينتج فكرا أصيلا والعقل العربي يستهلك هذا الفكر، وبأساليب مضرة بالحياة، ومنهجه أن قال فلان وذكر فلان، وكأنه يأتي بأدلة الآخرين وتصوراتهم لكي يقول بصحة رؤيته، بينما منهج الآخرين لا يستند على ما يراه غيرهم، وإنما على الملاحظة والأدلة التي تعضدها وتعززها وتوضحها وتقدمها على أنها مقنعة وذات مفعولية مكانية وزمانية، ولا توجد نظرية راسخة، وإنما كل نظرية تخضع للمراجعة والنقد والتمحيص، وتتناسب قوتها مع قدراتها على الصمود أمام التحديات الفكرية والنقدية التي تتصدى لها، فالنظرية قد تكون صالحة في هذا الزمان والمكان، لكنها لا تصلح في مكان وزمان غيره، وهكذا يتحقق التطور الفكري ويتجدد العطاء الإنساني.

بينما في واقعنا العربي لا نجد نظرية ذات قيمة معرفية وطاقة علاجية وتغييرية، وإنما المنتشر والسائد والمؤثر هو المنهج الترسيخي والتعزيزي للظواهر القائمة، ولهذا عجز علماء النفس والإجتماع عن المساهمة الفعالة في صناعة المجتمع العربي المعاصر.

علماء إحتماع يسوّغون ويبررون ما يجري في المجتمع من تصرفات، وفقا للنظريات الغربية التي تفسر لتعالج وتجد حلا، وهم يفسرون لغرض التفسير لا غير، وكذلك علماء النفس يسعون للتحليل وحسب، أما المعالجات فأنه غائبة أو مغيبة عن آفاق تفكيرهم وفضاءات خيالهم.

فما هي الحلول التي قدمها علماء النفس والإجتماع العرب؟!

وما هي النظريات العربية الأصيلة النابعة من الملاحظة والدراسة والتمحيص، والتي ما إستندت على قال فلان ورأى فلان من منظري المجتمعات الأخرى الأصلاء؟!!

تساؤلات في زمن يوجب علينا سحق الإنبهار بالآخر، والتوجه إلى أنفسنا وواقعنا ونفتش فيهما عما نُبهر به الآخرين، فنحن أهلّ لأن نُبهر لا أن نَنبهر!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم