قضايا

الشك في ما بين الحقيقة والزيف

emad aliلو تاملت قليلا لتجد ان العقل الانساني يحتار ما بين الوصول الى اليقين وعدم ادراكه والشك في الغموض والتناقضات التي تعيشه في حياتك .

ان البشرية مرت بمراحل عديدة في المعيشة والتفكير والنظرة الى الحياة، ومنها الطفولة؛ اي المرحلة الانسانية التي يمكن ان نسميها بالمرحلة الطفولية؛ وهي التي لم تدرك ما حولها ولم تحس بما موجود من حيث الفكر والفلسفة وهي تعيش في تلقائية كما يعيش الطفل في سنواته الاولى . ومن ثم وصلت الى مرحلة المراهقة بعدما انبثقت القصص والاساطير وتفتحت الخيالات الانسانية حول وجوده كمخلوق مغاير لما موجود حوله، بعد التطور البيولوجي ومنه العصبي الذي حصل فيه واحدث طفرة في كيانه وتركيبته العامة، وتغيرت الحال تدريجيا ببروز الدين بعد تجمع الانسان في هيئات مستقرة الى ان وصلت للقبيلة والعشيرة وتجمعات متقاربة مع بعضها . وانغرزت في كيانه الحس بالانتماء الى شيء يجمعه مع غيره فكانت التجمعات الاولية، ومن ثم للقبيلة الدور الاولي في هذا المجال، وكانت الهيئة الاولية البسيطة التي لا تحتاج الى فكر او ايديولوجيا وتعمق في الحياة بل مجرد التعايش والتعاون والحياة المشترك ببساطة التي عمقت لديه الحس والفكر والتعمق المعيشي العقلي باحتياجه الى الانتماء والحاجة الى تلك التجمعات البسيطة الشكل والتركيب والعمق. اما بعد مراحل متتالية متواكبة مع بعضها سواء تخللتها تراجعات او تحفظات، انبثقت مرحلة بروز الاسطاير والتي عوضت عن الفراغ الذهني الذي سيطر على حياة الانسان وفرض عليه توجهات ذهنية عقلية فكرية بسيطة، الى ان تطورت واتسعت الى ان ارغمت البشرية في الاعتقاد بما سطرت بنفسها من الاساطير، ومن ثم انتقلت الى مرحلة بروز الدين المعلوم عن تاريخه، وكيف آمن الانسان بشيء كان من صنع يده او من كان له الملامسة المباشرة معه او عايشه ومنه ما افاده في حياته وفي استمراريتها . وهكذا تعمقت الافكار والتاملات للوصول الى الحقيقة غير المدركة، والبداية كانت باليات والات وعقليات بسيطة غير متاهلة لادراك التعقيد الموجود في بنية الحياة وعمقها . اي برزت اديان تعددية الالاه وتعمق الانسان في عبادة الاخر لارضاء الذات وكل ذلك لدى المتعمق الممكن ان نسميه بالمفكر البدائي لغوصه في امور بدافع معرفة الحقيقة التي فرضه عقله الذي تطور بشكل نسبي مرحلة بعد اخرى . اي بمعنى اخر، ان التفكير في الحياة وما فيها وبعمق فلسفي ومحاولة للاجابة على الاسئلة التي كونٌها الادراك البسيط بما يحط به سيدفعه للتغول فيما لم يدركه من قبل والتمسه او فكر في ما هو المجهول في هذا المضمار . هكذا وصلت الانسانية الى مرحلة يمكن ان نسميها المراهقة لما فيها من الامور الحياتية والفكرية والعقلية غير المستقرة، وهي فيما بعد المرحلة الطفولية التي لم توجد فيها اي فكر او فلسفة او كل ما يمت بصلة بالذهن البشري لادراك الحقيقة، وتحولت الى الفوضى في التفكير والاحساس بشيء مجهول غير مدرك، والاصرار على ما لابد ادراكه ومعرفته بازدياد المعرفة العقلية شيئا فشيئا باستمرارية الحياة والتعمق فيها، والعمل وفق الاحتياجات اليومية والضرورات الفكرية والحياتية التي فرضت التفكير في كل ما يجول ويصول حول الانسان دون معرفة المصدر والسبب . اي بدايات مرحلة المراهقة للبشرية جمعاء، بدات بعد تحول العقل البشري من الاستناد على القصص ومن ثم الاساطير الى الاديان واستمر لحين الوصول الي ما نحن فيه من التناقضات من الانتهاء من هذه المرحلة في بقاع معينة ولازالت البقاع الاخرى غائصة ومنغرزة في عمق الاعتماد على الدين كفكر وايديولوجيا، واعتقاد تحول الى امر مقدس لا يمكن المساس به وهي بداية الفوضى العارمة التي تعيشها البشرية بعد انتهاء مرحلة الاساطير . فان استمرار هذه المرحلة لقرون اوعقود اصبح معتمدا على المستوى الذي يصل اليه الانسان من التفكير السليم وضرورة تامين احتياجاته ورقي عقليته المعتمد على ضمان العوالم الحياتية الخاصة بانسان ذاته دون انشغاله باي شيء يعيق انتقاله بسلاسة الى مرحلة النضوج للبشرية، وهي ما بعد المراهقة الانسانية جمعاء من حيث الفكر والفلسفة والعقلية والنظرة الى الكون والحياة والانسان ذاته . اي كلما ابتعدنا عن المرحلة المعتمدة على مابعد الاساطير وهو الدين، يمكن ان نعتقد اننا خرجنا من مرحلة المراهقة وهذا غير مضمون الاستمرار باتجاه مستقيمو غير معلوم الزمن، لان يمكن ان يصاب بانحراف يعيده عقود او قرون . هذه هي الحقيقة وكل ما يُقال عن الحقائق المصطنعة الاخرى ليس الا زيف ومصطنع من اجل اقناع الذات بخيال واهي غير حقيقي ، اما لارضاء الذات واقناعه بما لا يمكن ادراك الحقيقة بسهولة وخدعه بالمزيف على انه الحقيقي، او السذاجة المسيطرة على عقل الانسان وتوهيم الذات دون ان يدرك بنفسه انه في الخيال او الفكر الواهم ويؤمن به ويعتقد بانه الحقيقي الصحيح الذي لا حقيقة مابعده، كما نرى لدى الانبياء والرسل والادعياء والتابعين والموالين والمنتمين اليهم فكرا وعقلا وفلسفة ونظرة الى الحياة وما فيها . وما يدفع الى التحرك وعدم الثبوت على شيء او الابتعاد عن الانغراز دون الخروج هو الشك الذي يخلقه العقل الانساني في كل جوانب الحياة، وهو الدافع الذاتي في السير نحو الامام لحين الوصول الى مرحلة النضوج في حياة البشرية، اي مرحلة ادراك الحقيقة وتمييزها عن الزيف .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم