قضايا

ركن الشرعية في محاكمات نورمبرغ

mohamad thamerعلى الرغم من إن الفترة التي ظهرت فيها محاكمات نورمبرغ كانت فترة بدائية في تكوين القانون الدولي الجنائي إلا إن أسلوب المحكمة وميثاقها قد تعرض لانتقادات فيما يتعلق بموقفها من ركن الشرعية في الجريمة الدولية كما إن هذه الانتقادات هناك من يعطيها المبرر والمسوغ ولذلك سوف نحدد هذه الانتقادات في الفرع الأول ونعرض لحجج الرد في الفرع الثاني.

 

الفرع الأول: الانتقادات الموجهة للمحكمة

كانت قضية انتهاك مبدأ الشرعية في محاكمات نورمبرغ واحدة من أكثر المسائل جدلا إذ إن معظم لوائح الدفاع استندت إلى انعدام ركن الشرعية بمعنى انه ليس هناك قانون يجرم على سبيل التحديد تلك الأفعال ولكن المحكمة رفضت هذه الحجة مدعية انه ليس بالضرورة إن يكون الفعل مجرما وفق نص مسبق مادام مخالفا لكل المواثيق الدولية وكان بالإمكان اكتشاف طبيعته الجرمية استنادا لمخالفته لتك المواثيق واستنادا أيضا إلى انه يشكل فعلا ضارا ومن جملة الانتقادات التي وجهت لمحاكمة نورمبرغ فيما يتعلق بركن الشرعية أنها أهملت القانون الواجب التطبيق وهو القانون الألماني والذي يحدد على سبيل الحصر الجرائم التي يعاقب عليها والعقوبات المحددة لها وطبقت بدلا عنه النظام الأساسي لها .

وكذلك من الانتقادات التي واجهتها المحكمة حتى مع التسليم بالتزامها باتفاقية لندن وتجريم تلك الأفعال استنادا إلى نص مكتوب في تلك الاتفاقية فأنها لم تلتزم نتائج مبدأ الشرعية ومن ضمنها التقيد بعدم تفعيل النصوص التجريمية بأثر رجعي وعدم شمولها كافة المتهمين بل تم التركيز على فئة معينة واستطاع الكثير من المتهمين التخلص من ملاحقة المحكمة بالفرار أضف إلى ذلك أن بعض العقوبات كانت تافهة .

ويذكر أن المادة السادسة الفقرة ب من النظام الأساس للمحكمة العسكرية في نورمبرغ كانت تنص على أن جرائم الحرب هي مخالفة قوانين وعادات الحرب، وهي تشمل على سبيل المثال لا الحصر(أفعال القتل وسوء المعاملة) ... وهذا يعني أن هذه المادة خرجت عن مبدأ الشرعية بشقيه أذا أنها سمحت للمحكمة بالقياس على الأفعال المجرمة ولم تحصرها كما هي من ضرورات عنصر التقيد في ركن الشرعية كما أنها سمحت للمحكمة بأن تجري عقوباتها وفق منهج القياس ذاته .

 

الفرع الثاني: رد الانتقادات الموجهة للمحكمة

أولى التبريرات التي سيقت بشأن تبرير سلوك المحكمة إزاء مبدأ الشرعية هي أن الأفعال التي تقوم بها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي من قبيل أفعال القتل والضرب والجرح والخطف والحبس والحريق والإتلاف وهي أفعال تجرمها القوانين الجنائية الوطنية في الأمم المتمدنة ومن بينها بطبيعة الحال القانون الألماني كما أن من القواعد المستقرة في الفقه والقضاء الألمانيين أن الجنود لا يستفيدون من سبب إباحة حين يباشرون العمليات الحربية ألا أذا كان سلوكهم متفقا مع القواعد الدولية التي تنظم سير الحرب فإذا خرجوا عليها قامت مسؤولياتهم الجنائية الكاملة .

كما قيل أيضا إن مبدأ المشروعية في القانون الدولي الجنائي يعني انه أذا قرر القانون الدولي لفعل معين الصفة غير المشروعية وكان هذا الفعل مشروعا طبقا للقانون الداخلي تغلبت في هذا التنازع القواعد الدولية وتعين التسليم للفعل بالصفة غير المشروعة .

ونظرا لما يمتاز به ركن الشرعية من طبيعة خاصة في فقه القانون الدولي الجنائي لذا يذهب جانب كبير من فقهاء هذا القانون إلى الدعوة إلى الاستغناء عن ركن الشرعية في أطار هذا القانون والاكتفاء بتحديد الجريمة الدولية بثلاثة أركان هي الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي . مبررين ذلك أولا بأن ركن الشرعية أو نص التجريم هو الوعاء الذي يحدد أركان الجريمة وبالتالي فهو ليس ركنا فيها بل هو سابق في الوجود عليها وبغيره لا يمكن القول أننا أمام جريمة بالمعنى القانوني للكلمة . وثانيا بأن القواعد التي تعاملت مع هذا الركن اتسمت بطابع المرونة ودخلت فيما يدعى في الفقه الدولي المعاصر soft law . وهي سمة تحتاج التوقف كثيرا إذ ليس من المعقول أن يدخل جزء من هذا القانون في أطار هذا النوع من قواعد القانون الدولي .

وقد سبق للجنة القانون الدولي الإشارة إلى مبدأ الشرعية حين اقترحت في المادة 39 من التقنين الدولي ـ قانون الشعوب ـ ما يلي (لا يعد الشخص مسئولا جنائيا بناء على هذا القانون: ـ

1 ـ أذا ما أتهم في جريمة من تلك الجرائم التي تنص عليها المادة (20 / أ ـ ج ) ولم يشمل الفعل جريمة طبقا للقانون الدولي .

2 ـ أذا ما أتهم في جريمة من تلك المنصوص عليها في المادة (20 / هـ) ولم يكن هناك تطبيق للاتفاقية الخاصة على الفعل وقت حدوث الجريمة).

وقد رأى البعض أن صياغة مبدأ الشرعية على هذا النحو يشوبه الغموض وعدم الدقة الأمر الذي يثير الخلاف على بعض الأوصاف والصياغات ويثير القلق لدى الفقه الجنائي خاصة عند تحسس الرغبة لدى البعض بعدم احترام هذا المبدأ .

 

في المثقف اليوم