قضايا

سر ولادة داعش

ayad alzouhiriأن من أعظم وأخطر السهام التي توجه للأسلام هو عندما يتسرب اليه أناس يسيئوا فهمه مما يشكل خطرآ الى تحريف أهدافه والأبتعاد عن مقاصده الحقيقيه، وهي الدعوه الى الخير وتوفير بيئه صحيه لحياة البشر، وكذلك الحث على كل ما يرتقي بالحياة نحو الأفضل والأحسن وهذا بالحقيقه جوهر كل الأديان السماويه بلا أستثناء. أن الخطر كل الخطر عندما يتسلل هؤلاء الدخلاء بغفله من الزمن ليتبؤا مكانآ حساسآ وخطيرآ في المؤسسه الدينيه ويستبدل هؤلاء الأهداف والمقاصد بشعارات وسلوكيات ومفاهيم بعيده كل البعد عما أراد الله له، الا وهو بناء الأنسان بطريقه تؤهله لأصلاح الحياة وتطورها بعتباره الكائن الوحيد والجدير بهذه المهمه.

لاشك أن أوضح مثال اليوم لمن تسلل لمواقع الأفتاء منصبآ نفسه شيخآ للأسلام والأسلام منه براء هو من يدعى بشيخ الأسلام ابن تيميه . هذه الشخصيه المثيره للجدل قديمآ والتي برزة حديثآ وفجأه على مسرح الأحاث . حقآ أنه أمر غريب أن تستدعى شخصيه مغموره وجدليه وما كانت محل ترحيب أغلب المؤسسات الدينيه في العالم الأسلامي ما عدا مكانآ نائيآ في القرن التاسع عشر أسمه الدرعيه في شبه الجزيره العربيه وعلى يد رجل غامض أسمه محمد بن عبد الوهاب .

الذي يهمنا اليوم هو التسائل الكبير عن السبب في ظهور تيار متشدد عنفي يتسم بالدمويه يتخذ من أسم هذه الشخصيه أبآ روحيآ لها . أكيد هناك ما تحت الأكمه كما يقال.

دائمآ الظواهر الكبيره لا تأتي جزافآ ولا صدفتآ بل من الطبيعي ورائها أسباب كبيره وخطيره، والظاهره الداعشيه ينطبق عليها هذا القول، وأن هناك بعدآ أستراتيجيآ يحمل صفة التاريخي بأمتياز وأقول تأريخي لأنه حدث خطر الأهداف مصحوبآ بعاصفه هوجاء من الدمار والخراب، وأقول أستراتيجي لأنه يحمل في ثناياه تغيرات كبيره في خريطة أهم منطقه في العالم الا وهي منطقة الشرق الأوسط والتي بدآ الشروع بها من ثمانينات القرن الماضي تحت عنوان (شرق أوسطي جديد) على يد أكبر مخططي السياسه الأمريكيه هنري كيسنجر و مارتن أندك ومن خصوصية هذا المخطط أنه متعدد الأهداف، والذي بالأضافه الى تفتيت وتقسيم المنطقه وأعادة رسمها من جديد هو توجيه ضربه يعتقد مصمموها بأنها الضربه القاتله للأسلام والذي هو يمثل الطاقه الحيويه والمتجدده لهذه الشعوب.

يتضح من هذا أن الأهداف الملقات على عاتق من أنتدبوا لهذا المشروع خطيره وعظيمه، مما يستدعي تجنيد قوى هائله وعقول كبيره وثروات طائله.

أذن نحن أمام مشروع بدأت أجندته في النصف الثاني من القرن العشرين عبر تغذية التناقضات الطبقيه بين شعوب هذه المنطقه، عن طريق أفقار البعض بواسطة أنظمه تتسم بالقسوه كنظام صدام حسين والقذافي ومن على شاكلتهم مع فارق الدرجه، مقابل أنظمه توسم شعوبها بالتخمه الأقتصاديه كما هو الحال في دول الخليج، كذلك ساهموا بخلق تفاوت بالحريات العامه عبر زرع أنظمه تتفاوت بين القامعه بشكل مفرط للحريات كصدام ونظام الأسد والنظام المصري وبين أنظمه تتسم بشئ من الأنفراج الشكلي للحريات كما هو في لبنان والأردن ودول الخليج ولو بدرجه أقل. بالأضافه لتلك عمقوا الهوه بين شعوب المنطقه بالتشويش الثقافي لخلق حاله من عدم الأنسجام الفكري والذي هو عاملآ مهمآ في أحداث الشرخ النفسي بين هذه الشعوب وهي مرحله مهمه وأساسيه في عملية التقسيم، وأخيرآ توجوا أعمالهم بما نشروه في عالم الأنترنيت والذي يحمل بين جنباته الكثير من أجندة الحرب الناعمه، مما يخلق حاله ساحره،يهيم بها أغلب الشباب مما يجعلهم يقعون في شراك الدعايه الغربيه والتي تغذيهم بقيم بعيده وغريبه عما تحمله قيم وتراث هذه الشعوب، وهذا ساهم مساهمه كبيره بخلق شعور الأغتراب بين عقول ونفوس الشباب وهذا هو أحد أهم أسباب موجة الهجره الحاليه والتي تنتاب شعوب المنطقه بأتجاه الفردوس الأوربي كما يصور لهم، داعيك عما تزرعه هذه الوسائل من قناعات كافره بكل شئ ومنها ما نشاهده اليوم من الكفر بكل ما ينتمي للوطنيه ولا يسلم منها الدين طبعآ . من كل هذا وأكيد هناك أسباب أخرى لا مجال لذكرها في هذا المقام ساهمت في خلق جوآ محفزآ وباعثآ للأتجاهات المتطرفه والتي دومآ تظهر بفعل الرد المضاد والعنيف وهو ما يتمظهر هذه الأيام بالتيارات المتشدده.

من الأكيد والمعلوم أن ما يحدث لا يمكن تفسيره بالأمر العفوي وردود الأفعال الغريزيه للبعض بل هناك من عمل على تنضيج الظروف بزرع بذور التطرف عبر الخوص في تراث ملغوم بالشخصيات الفير سويه والتي تتسم بالعنف والتشدد،لذا وقع أختيار العاملين في الغرف المظلمه والتي تدار من ما وراء البحار على شخصيه من أشد الشخصيات تطرفآ وعنفآ وجدلآ، الا وهو المدعو الشيخ ابن تيميه والذي من الضروري للقارئ معرفة الخطوط العريضه لشخصية ابن تيميه لكي تكتمل الصوره وتتوضح صورة ما يجري اليوم.

أبن تيميه شخصيه أستبد بها العنف بسبب ما عايشه من هجوم التتار على بلدته حران القريبه من ماردين والتي تقع اليوم ضمن الحدود التركيه والتي كانت السبب في هجرته مع عائلته الى دمشق مما اثر في نفسيته وأستبد بها حتى أصتبغت ذهنيته بالعنف وهذا سبب ما ترشح منه من فتاوي تتسم بالدمويه ومنها فتواه التي تعرف بفتوى (ماردين) والتي تشجع على محاربة المدينه وأهلها، وقسم البلاد الى دار أسلام ودار كفر والتي أعطى خلالها فتاوي تبيح شن الحروب على أي مدينه وفرض أحكام الشريعه بفهمهم المتطرف وهذا هو عين ما يجري اليوم من أحكام على كل المدن التي وقعت تحت سيطرتهم. كما أن لأبن تيميه فتوى خطيره تدعى فتوى (التترس) والتي تنص على ما يسمونه بالجهاد الذي ينطوي على أستهداف من يصفونهم بالكفار والتي يجوز فيها قتل حتى المسلمين من أجل الوصول الى الهدف وهذا عين ما نسمعه من على شاشات التلفزيون في أعترافات الملقى عليهم من قبل القوات المسلحه العراقيه والحشد الشعبي من سماح شيوخهم لهم بقتل الأبرياء ما دام ذلك يحقق أغراضهم وأقنعوهم أن هؤلاء الأبرياء سوف يذهبون الى الجنه على حد زعمهم.. وهذا ما جعل الشيخ ابن حجر الهيمتي حيث قال ( اياك أن تصغي الى ما كتب ابن تيميه وتلميذه ابن قيم الجوزيه ممن أتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره خشاوه) وكذلك الأمام الذهبي في أخر عمره حذر منه وقال أنه معرض للزندقه والأنحلال وهذا عين ما يحدث اليوم بسبب فتاويه المضله. ومن مواصفات هذا الرجل الشاذه هو كرهه للعلم، وهذا ما حداه لأن يدعوا بأتلاف جميع كتب الكيمياوي العربي المسلم (جابر بن حيان) وهذا هو ديدن أتباعه اليوم ومصداقه هدمهم لكل المظاهر التاريخيه التي تدل على حضارة الأنسان القديم، وأن النفس المتوحش لأبن تيميه هو عينه ما يمارسه أتباعه من قتل وحرق وتمثيل والذي أستندوا فيه على فتواه التي تبيح لهم الحرق والتي تنص( فأما اذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم الى الأيمان أو زجر لهم عن عدوان، فأنه هنا من أقامة الحدود والجهاد المشروع) . هذه هي الأسس النظريه لهذا التنظيم، وهذ هو السبب الذي جعل منظري الأرهاب أن يستدعوا هذه الشخصيه الهمجيه من أعماق التاريخ وينبشوها لتكون عنصرآ ملهمآ لوحوش العصر داعش وأخواتها . كما يمكن القول أن جريمة داعش لا يكتب لها الظهور لولا الدعم المادي الخليجي وهذا ليس أتهام بل هو حقيقه لا تقبل النقاش،لأن هذا التنظيم يمتلك أمكانيات ماديه ضخمه لا تقوى عليها دول وهذا سبب مباشر في ديموميتها وطول عمرها .

نستشف من كا هذا أن أضلاع المثلث المشؤوم (المخابرات الدوليه والفكر المتطرف للوهابيه المستنده على فتاوي ابن تيميه والمال الخليجي) هما البطن التي أولدت لنا داعش .

قد يقول قائل لا داعي لهذا التهويل وأن داعش فقاعه سرعان ما تنتهي ولكن أقول أن أنفجارها شامل ومدمر وسبب الكثير من المآسي على العالم، حيث هدمت صروح وأضرت بثقافات وأساءت لحياة الناس وأخطرها هو ما جلبته من العار والشنار على الأسلام وجعلت المنطقه تعيش على كف عفريت.

أن ما جرته داعش من مآسي على العالم عامه وعلى منطقة الشرق الأوسط خاصه،يضع المسلمين في المقام الأول وتحت المسؤوليه العظمى بمواجهة هذا الأرهاب الأعمى لداعش، وهم الأجدر بالأضطلاع بهذه المهمه لأنهم هم الهدف المقصود والضحيه، وأن المعركه مع هؤلاء هي معركة وجود، وأن بناء خط الصد لهؤلاء الأوباش لا يمكن أن يكون الا عربيآ وأسلاميآ وأن تأخر السنه العرب في مواجهة داعش فسيكون مهمة المواجه معهم من حصة الشيعه وعنئذ سيجل التاريخ لهم فصلآ ذهبيلآ تحتفظ فيه البشريه في قصة حضارتها.

 

أياد الزهيري

في المثقف اليوم