قضايا

الاستصلاح الاستعماري الفرنسي للأراضي الزراعية في الجزائر الحقيقة المغيبة (1)

إن هناك الكثير ممن يتوهمون ويتخيلون وهذا طبعا تحت وقع وضغط عمليات التزييف والكذب المنظم بأن الجزائر قد كانت قاعا صفصفا وجاء الكولون colons les" المستوطنون " وهم من جعلوها جنة غناء كنتيجة مباشرة لاستصلاحهم لأراضينا ونحن هنا لا نلومهم فهم ضحايا عمليات الكذب والتزوير المنظم ولعقود طويلة من الزمن أمَا توهم عباس فرحات ومن سار معه وفي حقبة ما بأن الجزائر فرنسية وأن فرنسا وطنه حتى أنه قد قال: " لو كنت قد اكتشفت أمة جزائرية لأصبحت وطنيا ولم أخجل من جريمتي، فلن أموت من أجل الوطن الجزائري، لأن هذا الوطن غير موجود، لقد بحثت عنه في التاريخ فلم أجده وسألت عنه الأحياء والأموات وزرت المقابر دون جدوى " ولكن هذا الادعاء الزائف سرعان ما تبدد أمام شمس الحقيقة المشرقة وكذلك الأمر هنا مع ادعاء استصلاح فرنسا لأراضينا وهو كذب مفضوح مع التغييب المتعمد للحقائق بغية خدمة أهداف استعمارية واضحة تتمثل في الادعاء بأن هذه الأرض قد كانت بورا وقاحلة ونحن من فتحناها واستصلحناها وبالتالي فنحق الأحق بملكيتها هذا من جهة ومن جهة أخرى هو تسويق لأكذوبة المهمة الحضارية والتي تكفلت بها فرنسا في الجزائر ولسان حالها يقول بأن نجاحنا في الميدان الفلاحي هو أحد أوجه نجاح نقل المدنية والحضارة إلى السواحل البربرية كما يدعون ولكن الحقيقة هي أن جنود الحملة الفرنسية على الجزائر قد كانت تحركهم الأطماع الاقتصادية بعيدا عن أية قيمة أخلاقية زائفة يمكن ادعائها وهذا ما نجده فيما نشرته أحدى الصحف الفرنسية قائلة: " و نظرا لكل هذه الاعتبارات من جودة و خصوبة الأراضي و قرب المسافة بينها أي الجزائر و بين فرنسا وأطماع فرنسا في الجزائر كانت بلا حدود حيث حرمت الجزائريين وهم السكان الأصليين من الخيرات فعانوا أقصى درجات الحرمان والبؤس " فأين هي هنا المهمة الحضارية والتي من أبرز معالمها إقامة زراعة على أسس علمية حديثة تستصلح فيها الأراضي الزراعية البور ؟؟ . كما أن ما صرح به الجنرال لامورسيير Louis Juchault de Lamoricière يدحض وبصورة نهائية خرافة استصلاح أراضي فلاحية من قبل المحتل في الجزائر فهو يقول بأن: " الشيء الوحيد الذي يجعلنا نأمل أن نتمكن ذات يوم من تثبيت أقدامنا في الجزائر، هو إسكان هذه البلاد بمعمرين مسيحيين يتعاطون الزراعة ولهذا ينبغي أن نبذل جميع المساعي لترغيب أكبر عدد ممكن من المعمرين في المجيء فورا إلى الجزائر، وتشجيعهم على البقاء فيها باقتطاعهم الأراضي فور وصولهم ". فهل هذه الأراضي التي سيقطعها إياهم فور وصولهم استصلحها أبوه أو جده أم آباؤنا وأجدادنا نحن فلِما لم يعطيهم أرضي غير مزروعة ليستصلحوها لأن ذلك لن يرغبهم في المجيء إلى الجزائر واستيطانها . كما أن فرنسا في تلك الأيام ليس لديها الوقت الكافي للتفكير في الاستصلاح لضغط المقاومة الوطنية عليها والتي كادت أن تقضي على مشروعها الاستعماري في الجزائر وبما أنها في حالة حرب حقيقية فقد لجأت إلى أسلوب الغزو الشامل والمباشر بعيدا عن الاعتماد على الأهالي علما بأنه لا يتحقق هذا الأسلوب من الغزو إلا بتفريغ الجزائر من أهلها وإحلال الكولون في مكانهم وعلى أراضيهم . وها هو المارشال كلوزيل Clauzel يخاطب المعمرين بتاريخ 10 أوت 1835 قائلا: " لكم أن تؤسسوا من المزارع ما تشاءون ولكم أن تستولوا عليها في المناطق التي نحتلها وكونوا على يقين بأننا سنحميكم بكل ما نملك من قوة " ولذا فقد وزع عليهم الأراضي في المناطق المشرفة على الجزائر العاصمة وفي ظل 10 سنوات تحولت ملكية أراضي سهل متيجة إلى المحتل الغاصب ولا مجال هنا للحديث عن الاستصلاح وإنما المجال فقط هو للحديث عن نهب أراضينا الخصبة ومصادرتها . والهدف هنا واضح فهناك الجزائر العربية البربرية المسلمة والتي وجودها يتناقض مع المشروع الاستعماري والمتمثل في جعل الجزائر سان دومنيك San Dominique جديدة أي جزائر فرنسية والذي يحول دون تحقيق هذا الهدف هو المقاومة الجزائرية الشرسة والعنيدة للمحتل ولذا يجب القضاء عليها وهذا لا يتم إلا بتجفيف منابعها المالية والتي مصدرها الأرضي الفلاحية الخصبة ولذا وجب السيطرة على هذه الأخيرة بهدف حرمان الجزائريين من مصادر قوتهم مما يضمن الانتصار عليهم ولو كان هناك احتمال لتعايش الكتلتين لبقي هناك احتمال لترك الأراضي المزروعة بيد أصحابها الحقيقيين وتوجه الكولون لاستصلاح أراضي خاصة بهم .

وبعد ما سبق نقول بأن الجزائر لهي بلد زراعي وهذا منذ القرون الغابرة فمن العصور البربرية مرورا بالحقبة القرطاجية ففترة الاستعمار الروماني فالحقبة الإسلامية فالعثمانية فهي قد كانت ولا تزال أرضا زراعية ومن الدرجة الأولي فها هو المؤرخ الفرنسي لوروا بوليو Leroy-Beaulieu يخبرنا بأن جميع الدول التي أسست مستعمرات قد أنشأتها في مناطق فارغة أو قليلة السكان سهلة الغزو تكثر فيها الأراضي المهملة لا أرباب لها ... لا يسكنها إلا أناس بدائيون متخلفون لا قدرة لهم على المقاومة . فبالعكس من هذا فإن فرنسا استولت في العام 1830 على قطر آهل عامر غني زرعا وضرعا يذوذ عن حوضه أناس يحبون الحرب ولا يعرفون للفشل ولا للملل معنى " ونحن وللأمانة العلمية اقتبسنا كلامنا السابق من كتاب ليل الاستعمار لفرحات عباس كما أن هذا الأخير يحيلنا إلى ملاحظة جد مهمة وهذا عندما يخبرنا بأن الجنرال بيجو robert bugeaut Tomas وسانت أرنوا Armand-Jacques Leroy de Saint-Arnaud يتكلمون عما خربوه من خيرات وثروات لنقتنع بأن نظرية جزائر فقيرة وبائرة يفندها الواقع تفنيدا باتا ويدحضها وبصورة نهائية فمن البديهي ألا يخرب إلا ما يوجد والدليل على صحة هذا الكلام هو ما يخبرنا به الجنرال بيجو دوما وهذا في معرض حديثه عن حملته على واد يسر من أننا والكلام لبيجو خربنا ونهبنا أكثر من خمسين قرية غناءة مبنية بالحجر الصم واكتسب جنودنا غنائم لا تحصي ومع ذلك لم نستطع أن نقطع كل الأشجار أثناء المعركة لا يستطيع عشرون ألف رجل في مدة ستة أشهر أن يقطعوا أشجار التين والزيتون الباسقة " أما سانت أرنوا فيشهد بأن بلاد قبيلة بني شويد هي حق مخزن خيرات ومرتع ثروات وهي شهادات حية نصادفها مع كل حملة وفي أي ناحية من نواحي الجزائر المترامية الأطراف وهي شهادات تكذب وتدحض كل الأكاذيب والتي تدعي بأن الجزائر قد كانت أرضا مهملة وأن الكولون هم من أحيوها واستصلحوها وإنما هم من سرقوها وسرقوا معها التقاليد الزراعية الخاصة بالشعب الجزائري وجهده وعرقه ونجاحاته ونسبوا كل هذا لأنفسهم ودلينا هنا هو أن الكولون ولما أرادوا تطعيم أشجار الزيتون بين سنتي 1882 و 1900 فإنهم قد جلبوا فلاحين متخصصين من منطقة القبائل وهم من أنجز المهمة وما يشهد لكلامنا هذا أيضا هو ما يخبرنا به الجنرال كافينياك Louis Eugène Cavaignac من أن: " العربي متمسك بأرضه أحسن مما يقال عنه وفي هذا الباب نحن محتاجون إلى كثير من الدروس من طرف العرب " ولكن السياسة الإجرامية الاستعمارية والتي اغتصبت الأراضي وصادرتها ثم سلبت خبرات الجزائريين ونسبتها لنفسها لم تبق للعرب كما يقول عباس فرحات غير ذكريات عظمتهم البائدة .

إن الاستعمار الفرنسي قد قتل أناس أبرياء فقط لأنهم قد دلوه على مطامير فارغة كما يخبرنا بذلك فرحات عباس دوما والجنرالات الذين كانوا يحرقون الزروع ويخربون المطامير أثناء حملاتهم العسكرية وكل هذا موثق في مذكراتهم وشهاداتهم وليس تجني لأحد منا عليهم . تري أين زرعت تلك القموح أفوق الصخور وفوق قمم الجبال وهذا ما يكذب ادعاء استصلاحهم للأراضي فلو كان الأمر هكذا لتوجهوا صوب المناطق البرية والأحراش واستصلحوها لا أن يسطوا كاللصوص على ما أنتجه غيرهم بل المفارقة العجيبة هي أن شعبنا والذي تم طرده من أراضي آبائه وهُجِّــرَ منها قسرا قد لجأ إلى المناطق الجبلية الوعرة والقاسية والجرداء وإلى حواف الصحراء وإلى الأحراش ومع ذلك فقد استصلحها وحافظ عبرها على حياته وهي معجزة حقا أن تولد الحياة ويتجدد شعب من رحم تلك المناطق المعادية للحياة ومعها قهر الحديد النار والذي صبه ويصبه عليه المستعمر ولكنها إرادة الحياة كما يقول الشابي لشعب صمم على أن يبقي حيا وهذا لكي يسترد ما أغْـتُـصِبَ منه ولو بعد حين وهذا كله يكذب الادعاءات الزائفة والتي روجها المستعمر فالذي استصلح المناطق الجبلية الوعرة وجعلها تفيض عليه بالخيرات مما حال دون اندثاره وجعل منها رحما يحتضن الحياة هل مثل هذا الشعب كان عاجزا عن زراعة الممهد والسهل من الأرض وهو الذي يمتلك تقاليد فلاحية عريقة تمتد لآلاف السنين ؟؟؟ .

إن الجنرال بيجو وحسب ما هو متوفر من أخبار عنه لم يأمر جنوده ولم يحثهم على استصلاح الأراضي الزراعية بالجزائر وإنما أمر فقط باغتصاب ومصادرة وافتكاك أخصب تلك الأراضي الخاصة بالجزائريين وتحويل ملكيتها للمعمرين وهذا ما نستنتجه مما صرح به في 14 ماي 1840 من أنه: " يجب أن يقيم المستوطنون في كل مكان توجد فيه المياه الصالحة والأراضي الخصبة دون الاستفسار عن أصحابها " وإن أمر باستصلاح الأراضي فهي تلك التي خربها هو وجنوده وهذا هو السياق التاريخي السليم فالاستعمار الفرنسي بالجزائر قد جذبته سهولنا الخصبة والتي كثيرا ما يصفها الرحالة الأوربيون والذين زاروها في الفترة السابقة للغزو الفرنسي للجزائر بأنها من أوسع سهول العالم مما أسال لعابهم وحرك فيهم غريزة السلب والنهب . خاصة وأن الأراضي الزراعية ومع الثورة الصناعية قد زادت أهميتها وهذا الأمر لهو معلوم للجميع لأنها قد تحولت إلى مصدر لإنتاج المواد الأولية ذات الطابع الفلاحي وإذا كان الاستعمار حقا قد جاء لاستصلاح الأراضي الزراعية فكان الأولى به التوجه إلى المناطق الغير مستصلحة من العالم ويستصلحها وما أكثرها هذا إذا كانت نيته خيرة بالطبع ولكنه أصلا جاء لغرض النهب والنهب والسطو على ممتلكات الغير وإلا فكان الأولى به التوجه صوب ليبيا جارتنا واستصلاحها وإنما كانت أراضي الجزائر الخصبة تغريه لأنه يرى فيها أرضا تفيض عسلا ولبا بالتعبير التوراتي وعليه فلا كلام هنا عن استصلاح الاستعمار للأراضي الفلاحية وإنما من استصلحها هو شعبنا وعلى مدار آلاف السنين وجاء المستعمر وكما سرق منهم جنسيتهم وأصبحوا غرباء في وطنهم وأصبح الغريب المحتل هو من يدعى بالجزائري فكذلك سرقوا منا أرضنا وجهدنا ونسبوه إلى أنفسهم كطيور أبي زريق أو كالضباع الوقحة والتي تسطو على جهد غيرها خطفا وغصبا وهذا كما جاء في كتاب شارل أندري جوليان والقول سنذكره بعد حين ولا داعي هنا لذكر مختلف القوانين الظالمة والمجحفة والتي تم استصدارها من قبل المحتل لإضفاء الطابع القانوني على عملية مصادرة أراضي الجزائريين المزروعة أصلا ولا أن نطنب في تعداد المناسبات المختلفة والتي فيها تمت عملية مصادرة أرضي الجزائريين ولا حجمها فهي مذكورة وبالتفصيل في أي مصدر وفي أي مرجع يتحدث عن تاريخ الجزائر تحت نير ليل الاستعمار البغيض وكمثال واحد هنا نذكر بأنه وفي العام 1870 قد تم توزيع أكثر من 100 ألف هكتار من أخصب وأجود الأراضي على مهاجري الألزاس واللورين طبعا من ضمن ما تم مصادرته وليس استصلاحه .

وعليه فالجزائر قد كانت أرض الميعاد بالنسبة لشذّاذ الآفاق ولتك النفايات البشرية ونحن هنا لا نقصد البشر وإنما نقصد العقليات الهمجية والتي نزلوا بها إلى أرض الجزائر وها فرحات عباس ونقلا عن المؤرخ شارل أندري جوليان والذي يصفههم بما يلي: " بعد دخول الجيش الفرنسي أكبت السفن الآتية من مرسيليا وايطاليا جماهير غفيرة من الأوروبيين لا ذمة لهم ولا ضمير مولعين بحب الدراهم والدنانير فانتشروا كالبلاء المستطير متكالبين على بيع العقارات وشرائها تكالب الجياع على القصاع يبيعون ويشترون خطفا ونهبا وسلبا لا دين لهم الا الأرباح الباهضة لا يهم كيف أنت ؟ ولا من أين أنت ؟ " وهل سهولنا التي انقضوا عليها خطفا وغصبا وبيعا كسهول عنابة ومتيجة ووهران قد كانت صحاري أو جبالا وهم من مهدوها واستصلحوها إن واقع الحال يكذب هذه الافتراءات فالمحتل قد سيطر على ما مجموعه 05 مليون هكتار من أجود الأراضي وأخصبها في الجزائر من جملة 07 ملايين هكتار صالحة للزراعة فهل هو من استصلحها أم هو من قام بسلبها شأن اللصوص الذين يسرقون جهد غيرهم وينسبونه لأنفسهم ودلينا هنا هي عمليات المصادرة المنظمة لأراضي الجزائريين وفي مناسبات عدة وتحت مختلف الذرائع وتسليمها للكولون الغزاة ومن يضمن حمايتهم هو الجيش الفرنسي المحتل والغاصب وحسب ما جاء في أطروحة السياسة الزراعية الفرنسية في الجزائر وانعكاساتها على بنَى المجتمع الجزائري 1870 – 1939 م فإن المستعمر الفرنسي قد كان يعتقد بأن في الجزائر 12 م هـ إضافة إلى 10 م هـ يمكن استصلاحها مستقبلا ولكن عمليات الاستصلاح الواسعة هذه لم تحدث مطلقا ونحن هنا لا ننفي أن هناك عمليات استصلاح قد تمت ومحاولات أخرى فشلت مثل محاولة تجفيف بحيرات منطقة الطارف في الشرق الجزائري لتحويلها إلى مناطق زراعية ولكن هذا قد كان الاستثناء وليس القاعدة العامة .

 

خلف الله سمير / بن امهيدي

الطارف / الجزائر

في المثقف اليوم