قضايا

هل هناك تعريف محدد لحقوق الانسان؟

mohamad thamerيسوق الفقه الغربي تعريفا محددا لحقوق الانسان يقر فيه بان مفهوم حقوق الانسان بذاته يمتاز بالتغير المضطرد والاتساع وهذا الامر يبدو أكثر وضوحا من خلال الاطلاع على التاريخ الدستوري لدول اوربا الغربية ولكن مع ذلك فان جوهر مفهوم حقوق الانسان او تعريف قانون حقوق الانسان هو (القانون الذي يعترف لكل انسان فيه بحقوق قانونية ممكنة التنفيذ تحميه من تدخل الدولة وتحميه ايضا من اساة استعمال السلطة من قبل مؤسسات الدولة) .

أن من الصعوبة بمكان أن نسوق تعريفا محددا للقانون الدولي لحقوق الانسان ولكن يمكن أن نشير الى تعريف معاصر لهذا القانون وهو تعريفا أيلا للتغيير باستمرار ذلك أن كمية هذه الحقوق ونوعها قابل للتطور المضطرد .

وعليه فالتعريف الارجح لقانون حقوق الانسان هو أنه (مجموعة القواعد القانونية التي تدرس وتحدد الحقوق الاساسية والغير قابلة للتصرف والضرورية لحياة الانسان بوصفه أنسانا).                                                                                                     ومن خلال هذا التعريف يمكن ان نحدد مميزات هذا القانون : ـ

اولا ـ انه قانون يعنى بالحقوق اللصيقة بالانسان بوصفه أنسانا، أنسانا مجرد من كل لون أو نوع أو ثقافة أو عرق أو جنس، حقوق لصيقة بألادمي نظرا لاداميته التي تكفي لان يتمتع بهذه الحقوق وأن يطالب بها وأن يمارسها تحت عنوان واحد هو كونه بشر ادمي .

 

ثانيا ـ أنها حقوق غير قابلة للتصرف، أي أنها حقوق لايمكن التنازل عنها بجلها ولا يمكن التنازل عن جزء منها بارادة المتنازل ولا يمكن بيعها، فهي لا تخضع لأي تصرف قانوني لابالبيع ولا بالشراء ولا بالانتقال ولا بالهبة أو الايجار ذلك لأنها قررت لغاية ووسيلة محددة هي الايمان بالانسان غاية الحق ووسيلته، وهي حقوقه المشتقة من أدميته وعرضها وسيلة للتصرفات القانونية يعني فيما يعنيه عرض انسانية الانسان للتصرف بالبيع والشراء وهو محل يخرج من التعامل بطبيعته .

ثالثا ـ أنها حقوق اساسية وضرورية لحياة الانسان، بغيرها لايمكن للانسان أن يعيش حياته بشكل طبيعي وهادئ ومستقر مستثمرا ما يمكن له أن يستثمره من وقته وجهده ومتطلعا لمستقبل زاهر في ظل ما يحظى به من اسس العيش الكريم الذي يحفظ له أدميته من الهوان ويضمن له حد أدنى من هذه الحقوق التي تضمن،جسده، وحريته، وكرامته، وصحته ورزقه . لايمكن اللانسان بوصفه أنسانا أن يعيش دون هذه المنظومة من الحقوق .

رابعا ـ أن هذه الحقوق تتمتع بحماية قانونية مزدوجة، تبدأ بحماية دولية تأصلت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/ 12/ 1948 وتكرست بتفاصيل في العهدين الدولين الصادرين في 1966 الاول للحقوق المدنية والسياسية والثاني للحقوق الاجتماعية والاقتصادية ثم تلاقفتها التشريعات الداخلية للدول لتوردها أولا في دساتيرها فما من دستور من دساتير الديمقراطية الاصيلة أو الناشئة ألا وخصص فصلا بمفرده يأتي تحت عنوان الحقوق والحريات الاساسية والمقصود بهذا اللفظ في كل الدساتير بالمفهوم القانوني هي حقوق الانسان الواردة في المواثيق الدولية ولا تكتفي التشريعات الداخلية بالنص على هذه الحقوق في الدساتير وحسب أنما تضمنها أيضا في القوانين التي تصدرها سلطاتها الشريعات والتعليمات التي تصدر من السلطة التنفيذية خصوصا من وزارتي الدفاع والداخلية وكذلك من بعض اعمال السلطات القضائية عندما تكون بصدد تفسير قانون يتعلق بحقوق الانسان أو عندما تحاول أتخاذ مسلك معين في تطبيقه .

خامسا ـ أن هذه الحقوق أو جزء كبير منها أو كيفية ممارستها معرضة للمصادرة كليا وجزئيا من قبل الدولة .

وفي هذه الميزة ثلاثة اراء :-

الراي الاول -يذهب الى ان هذا الكائن القانوني والسياسي (الدولة) بسلطاته الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية يحاول دائما أن ينتهك هذه الحقوق وعبر وسائل قانونية مرة في أوقات السلم أو في اوقات الحروب والازمات والطوارئ بمعنى اخر أن الحماية الدولية التي تكلمنا عنها والحماية الداخلية عبر منظومة التشريعات التي يأتي الدستور في مقدمتها ما أعدت في الحقيقة الا لحماية الانسان من تعسف سلطات الدول الثلاثة في استخدام صلاحياتها .

اما الراي الثاني - فيذهب الى أن الجدل لازال محتدما بشأن هذه الميزة لهذه الحقوق أذ يجادل الكثير من الفقهاء بأن الدولة بسلطاتها الثلاثة هي التي تحمي وهي التي تضع الاطار العام لهذه الحقوق وهي التي تتولى بالتالي تيسير ممارستها وتحول دون اسأة استخدامها من قبل الافراد ووفق دعامة الحفاظ على المصلحة العامة والامن العام .

ويذهب الراي الثالث - الى التمييز بين حقوق الانسان ويقسمها الى حقوق ايجابية تلتزم الدولة فيها باداء عمل معين، وحقوق سلبية تكتفي الدولة فيها بالالتزام بالامتناع عن عمل، ويبررون ذلك بان استقراء نصوص المواثيق الدولية التي تتعلق بهذه الحقوق وحتى النصوص الداخلية نجد أن هذه الحقوق ترتب التزامات سلبية أو أيجابية على الدولة بسلطاتها الثلاثة فحق التعليم وتوفير فرص العمل والضمان الصحي والاجتماعي على سبيل المثال هي التزامات ايجابية يجب أن تقوم الدولة بتوفيرها وضمان حق الحياة وحظر التعذيب واطلاق حرية الرأي والتعبير هي ابرز الامثلة على الالتزامات السلبية وهكذا يمكن أن نوزع وننظم هذه الحقوق تحت حقلين اساسيين هما الالتزامات الايجابية والالتزمات السلبيه وكلا هما التزامات على سلطات الدول أن تقوم بهما على اتم وجه .

سادسا ـ أن هذه الحقوق هي نتاج الحضارة الغربية المسيحية، بمعنى اخر، كما كان القانون الدولي العام برمته نتاج الفكر الغربي المسيحي وهو نطاق تطبيقه من حيث الزمان والمكان فطيلة ثلاثة قرون كان هذا القانون محصور في نطاق مكاني ضيق هو دول القارة الاوربية ولم تسمح هذه الدول لأي دولة أخرى لا تدين بالفكر الغربي المسيحي بأن تكون شخص من اشخاص هذا القانون وأن دخلتها أي دولة أخرى فعليها الاقرار بقواعد هذا القانون وليس لها أن تطالب بمركز قانوني مساو لما تتمع به الدول الاوربية وأذا كان القانون الدولي العام ظهر الى الوجود من حيث الزمان في سنة 1648 مع أول ظهور لمصطلح الدولة فأن أول دولة اسلامية اعترف بها كشخص من اشخاص هذا القانون تأخر حتى سنة 1852 وكان اعتراف مقرون بالعديد من التحفظات التي أخذت صور الامتيازات مما أخرجت هذا الاعتراف من أي مدلول قانوني له .

أن هذه الصورة تكررت مع القانون الدولي لحقوق الانسان، فهذه الحقوق كما تدرس ألان أو كما هي موثقة ألان كقانون وضعي مجرد في المواثيق الدولية أو النصوص الداخلية للدول هي في الحقيقة قواعد قانونية ظهرت أول الامر في أوربا كممارسة . ثم قننت في مواد ونصوص قانونية وأقرتها أخيرا الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950 . ولعبت مؤسسات الاتحاد الاوربي وهيأته التشريعية والتنفيذية والقضائية دورا كبيرا في أقرار وتقرير قواعد هذا القانون ثم أخذت هذه النصوص بالانتقال الى الدول الاخرى وحاولت هذه الاخيرة ولازالت تحاول محاكاة الممارسة الاوربية نصوصا وتطبيقا وتفسيرا .

صحيح أن الفكر العربي الاسلامي له دور الريادة في اقرار هذه الحقوق للانسان ولكننا نتحدث هنا عن قواعد قانونية وضعية مقترنة بجزاء منظم يوقع على من يخالفها ومكفولة بسلطة قضائية تحرص على ضمان حسن تطبيقها . وليس مجرد تعاليم دينية توصي الانسان بوصايا عامة دون أن يعني ذلك نكران مما للاسلام من دور جوهري في التأسيس لقانون متميز لحقوق الانسان .

ولنسوق مثال على ذلك، أي مثال على ضرورة التمييز بين تعاليم الاديان السماوية والقاعدة القانونية الوضعية المطبقة من جهة ومثال على أن قواعد هذا القانون من نتاج الحضارة الغربية المسيحية وهو مثال واحد يبرهن الحالتين معا، ألا وهو ما يطلق علية ألان قاعدة الادعاء بحقوق الانسان أذ تبيح هذه القاعدة لأي من مواطن من مواطني الاتحاد الاوربي أن يرفع دعوى قضائية امام القضاء المختص ضد أي من حكومات الاتحاد الاوربي يعتقد هذا المواطن أن هذه الحكومة عاملت مواطينها بخلاف القواعد المرعية في حقوق الانسان أو أنها انتهكت قاعدة من قواعد هذا القانون تجاه مواطنيها سواء أكان هذا الانتهاك في صورة تشريع أصدرته هذه الدولة أو تعليمات أو أمر قضائي مستنفذ طرق الاعتراض القضائي وحتى لو كان مواطني تلك الدولة يعتقدون أن حكومتهم لم تنتهك حقوقهم .

ونتسأل ألان هل أن هذه القاعدة منصوص عليها في مواثيق المنظمات الدولية الاخرى التي تسمى نفسها وحدة أو اتحاد ؟ أو منصوص عليها في دستور أي دولة أخرى غير دول الاتحاد الاوربي؟ أو هل طالبت بها هيأت محلية أو أفراد مجرد مطالبة في غير دول الاتحاد الاوربي؟ أن الاجابة بلا شك على كل هذه الاسئلة ستكون بالنفي . وهذا يؤكد كما يؤكد غيره من مئات الامثلة أن قواعد هذا القانون ظهرت وستظهر تباعا كنص وكتطبيق في الدول الاوربية كنتاج للحضارة والفكر المسيحي الغربي ثم تأخذ مديات أبعد بعد أن تتلقفها النصوص الدولية والاقليمية والدساتير الداخلية للدول . وعلى الجميع الاقرار بهذه الحقيقة الواضحة وأن لم تكن مرضية .

سابعا ـ أن هذه الحقوق اصبحت هي المعيار الحقيقي لديمقراطية أي نظام سياسي، فالديمقراطية لم تعد تعني حكم الاغلبية وحسب بل اصبحت تعني مفاهيم أوسع أولها وأهمها احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية خصوصا تلك الحقوق التي لاغنى عنها حتى للديمقراطية ذاتها . أذ لايمكن الاعتراف بهيمنة مبدأ الاغلبية على مفهوم الديمقراطية والتي تعني أن القرارات السياسية الجوهرية بما في ذلك قرارات تفسير الدستور يجب أن تتخذ استنادا الى رأى الاغلبية وعليه فأن حق التعبير عن الرأي أو حق الانتماء الى الاحزاب السياسية قد يتم تقييده او حتى حظره أذا ارتأت الاحزاب السياسية ذلك ووجدت أن مصلحتها تتفق مع اتخاذ مثل هذا الاجراء ولذلك يقترح بعض الفقهاء مفهوم أخر للديمقراطية يطلقون عليها الديمقراطية الدستورية وطبقا لهذه الديمقراطية فأن جميع أعضاء البرلمان متساوون وأن جميع الحقوق الاساسية مضمونة مثل حق التعبير عن الرأي وأن المحاكم ستكون واحدة من اكثر المؤسسات فاعلية لضمان حقوق الانسان وهي اكثر ملائمة من السلطة التشريعية للحفاظ على عدم انتهاك القواعد الخاصة وحقوق الانسان وبما يتوفر لديها من مقومات دراسة كل قضية تتعلق بهذه الحقوق وفق ظروفها ومعطياتها بغية الوصول الى قرارات اكثر عدالة .

بمعنى اخر أن القول بأن حقوق الانسان وحرياته الاساسية هي معيار للديمقراطية تترتب عليه نتيجتان اثنتان هما: ـ

الاولى: تراجع النصوص الدستورية التي تكرس حكم الاغلبية والتدوال السلمي للسلطة والعلاقات بين السلطات الثلاث وشكل الحكم امام النصوص الدستورية التي تكرس حقوق الانسان وتكرس الضمانات القانونية لها .

الثانية: حتى مفهوم الديمقراطية تراجع أمام مبدأ احترام حقوق الانسان وحرياته فالديمقراطية التي تعني حكم الاغلبية تستطيع أن تعلن الحرب وتعقد المعاهدات وتعدل الدستور ولكنها لاتستطيع أن تنال من النصوص المتعلقة لحقوق الانسان أو تحد منها .

ثامنا ـ أن نشر هذه الحقوق وترسيخها واشاعة الاذهان لها هو التزام يقع على عاتق الافراد المجرديين العاديين وعلى الهيئات والمؤسسات الغير حكومية، ويقع بشكل اساسي على طلبة العلم خصوصا على طلبة الجامعات الذين يجب أي لايدخروا جهد وأن لا يؤلوا متسع من القدرات في نشر قواعد هذا العلم وممارستها وتطبيقها وحث الاخرين الافراد والمؤسسات على العمل بها ومراعاتها وعقد الندوات واصدار النشرات التي تؤسس لثقافة حقوق الانسان منطلقين من اكثر من منطلق:-

أو لها - قانوني -قائم على اساس أن قواعد حقوق الانسان هي قواعد دستورية وبالتالي فهي تتربع على قمة الهرم القانوني للدولة وتجب ماغيرها .

وثانيها- اجتماعي- أذ أن الامن المجتمعي لايمكن ان يستتب ألا بتوفر هذه الحقوق وعدم الانتقاص منها أو تطبيقها تطبيقا مشوها.

وثالثها- تنموي- فلا يمكن أن نتصور ارساء اسس التنمية في أي مجتمع بدون دعائم حقوق الانسان التي توفر المرتكزات الصحيحة للتنمية المستدامة .

تاسعا ـ أن هذه الحقوق والنصوص القانونية التي تتضمنها سواء اكانت نصوص دستورية أم تشريع عادي تعاني من مشكلة التنفيذ وتبرز مسالة وضع اليات التنفيذ على المستوى الدولي اكثر من بروزها على المستوى الاقليمي أذ أن بعض الاتفاقيات الاقليمية تضمنت أليات تنفيذ تكفل وضع موادها ونصوصها موضع التنفيذ بيسر وسهولة . فالاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950 تضمنت مواد خاصة بتنفيذ بنودها تمثلت في ايجاد لجنة اوربية لحقوق الانسان ومحكمة حقوق اوربية لحقوق الانسان يستطيع الافراد اللجوء اليها لمطالبة حكوماتهم بتنفيذ النصوص الخاصة بحقوق الانسان . وكذلك الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لسنة 1978 حيث انشأت لجنة ومحكمة امريكية لحقوق الانسان وتأخر الميثاق الافريقي حتى سنة 1981 ليقرر أليات تنفيذ البنود الخاصة بحقوق الانسان ولكنها جأت متأثرة بالمفهوم الافريقي لحقوق الانسان الذي يصور هذه الحقوق تصورا جماعيا وبالتالي ينص على أن ضمانات هذه الحقوق ومن ثم أليات تنفيذها تتم بصورة جماعية (هيئات، مجموعة افراد) ولم تركز على الافراد بوصفهم افراد ولذلك فلم تحقق أليات تنفيذ بنود هذا الميثاق مثلما تحققت في الاتفاقيتين الاوربية والامريكية، وكذلك الحال مع اتفاق هلسنكي لسنة 1975 الذي تضمن نصوص لحقوق الانسان وضماناتها ولكن الميثاق برمته لم يكن ملزما قانونا لاطرافه . اما اللجنة العربية لحقوق الانسان لسنة 1969 فأنها قد احرزت تقدما طفيفا ولعل هذا يرجع ربما الى أن هذه اللجنة قد وضعت هذه الحقوق في اطار الحقوق الجماعية بمعنى أنها قررت اسبقية حقوق المجتمع كمجتمع على حقوق الفرد كفرد .

 

ا.د. محمد ثامر السعدون

....................

Peter malanczuk،Akehurst s modern introduction to international law،seventh ed،Routledge،London،1997،P209 .

في المثقف اليوم