قضايا

عباس فرحات مسيرة كفاح .. من جزائر المقاطعة الفرنسية إلى جزائر الجمهورية الجزائرية المستقلة (1)

بداية نقول بأن عنوان هذا المقال قد استقيناه من مشروع فرحات عباس ذاته ففي مرحلة الشباب نجده يقول: " إن الجزائر أرض فرنسية، وإننا فرنسيون لنا نظام إسلامي لأحوالنا الشخصية المرغوب هو السير من المستعمرة إلى المقاطعة " ولكن الرجل لم يتجمد عند هذا الطرح بل هو قد تجاوزه إلى مشروع الجمهورية الجزائرية المتحدة فيدراليا مع فرنسا وجاء هذا التطور في مواقفه كنتيجة حتمية لتك التغيرات الجذرية والتي طرأت على العالم وهذا على إثر قيام الحرب الكونية الثانية وما انجر عنها من نتائج قلبت العالم ككل رأسا على عقب وترجم هذا ما في قوله: " لا إدماجا ولا سيدا جديدا ولا انفصال بل غايتنا هي إبراز شعب فتي ... غايتنا هي إنشاء دولة فتية تقود خطاها الديمقراطية الفرنسية ... " ثم هو قد تجاوز هاتين الفكرتين معا إلى طرح أكثر راديكالية والمتمثل في الهجرة من ضفتيهما والانضمام إلى معسكر المطالبين بالاستقلال التام للجزائر . ونحن في مقالنا هذا سنحاول معرفة الجذور التي يستقي منها عباس فرحات مشروعه كما سوف نعرج على المبررات والخلفيات والروافد التي كانت تغذي مشاريعه وأطروحاته المختلفة خلال مشواره النضال الطويل ثم سوف نحاول التطرق إلى الأدوات التي اتخذها سبيلا لإنزال مشاريعه على أرض الواقع ومن أين استوحاها سواء ما تعلق منها بمشروعه الإدماجي أو بمشروع الحكم الذاتي الفيدرالي ثم سنحاول مناقشة تلك الانتقادات التي طالت الرجل حيا وميتا .

والرجل كان يمكن أن يكون مفكرا عملاقا لا يقل شأنا عن الأمير عبد القادر هذا الأخير الذي أبدع فكريا كما أبدع عسكريا لأن استسلامه وفي سن مبكرة نسبيا للاحتلال الفرنسي جعله يتفرغ وبصورة نهائية للعمل الفكري وهذا على عكس فرحات عباس والذي أوقف حياته على قضية شعبه وهذه الأخيرة هي من سرقت منا عباس فرحات المفكر والمبدع ونحن هنا لا نأسف على هذه السرقة لأن أولوية الأولويات قد كانت تتمثل في ما ناضل لأجله الرجل وها هو يخبرنا بأنه: " يوجد سبعة ملايين ينتظرون نصيبهم في وطنهم بعد قرن من الحيرة والقهر، ومن أجلهم دخلنا النضال السياسي " أجل إن الأولوية قد كانت تتمثل في استعادة ما سُلب وصُودر من شعبه من حقوق مادية ومعنوية ومن بعدها يأتي الجانب الفكري .

وعليه فإننا نرى بأنه ومهما كُـتِـبَ عن عباس فرحات فسوف تبقي دوما هناك قضايا تثار حول الرجل وسوف تبقي دوما هناك نقاط ظل بحاجة إلى تسليط الضوء عليها أو إعادة قراءتها وقراءة للرجل من جديد ففي الماضي القريب منا كنا نضن بأن رواد المدرسة التاريخية الجزائرية كشيخ المؤرخين أبي القاسم سعد الله ومحمد العربي الزبيري مثلا قد قالوا كل شيء في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية ولكنه ومع توسع أفق الواحد منا التاريخي يدرك أنه لم يكن بإمكانهم قول كل شيء وهذا نظرا للثراء وللتنوع العجيب والكبير والفريد في مسار تاريخ الجزائر في الفترة الممتدة ما بين 1830 / 1962 وهذا ما يقر به أبو القاسم سعد الله ذاته في الجزء الثاني من كتابه الحركة الوطنية الجزائرية فهو يخبرنا صراحة بأنه لم يقل كل شيء فيما ألفه عن تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية وهو على حق في هذا فكل حدث وكل معلم تاريخي وكل شخصية تاريخية جزائرية هما بحاجة إلى دراسة أو دراسات مفردة له و لها وكل على حذا وهذا ما ينطبق على فرحات عباس فالرجل لم يكن خط سيره مستقيم كمحمد الصالح بن جلول مثلا أو كالعلماء فمسار هؤلاء معروف ولكن الرجل هاجر من ضفة إلى ضفة أخرى وفي كل مرة هناك مبررات لهذه الهجرة بقيت محل جدل ونقاش واسع بين أنصاره وخصومه وبين هؤلاء وبين من يقفون على الحياد تجاهه وهذا لكونه لم يكن يصارع في جبهة واحدة والمتمثلة في النظام الاستعماري البغيض فقط بل تعددت جبهات الرجل مما جعل له خصوم كثر من رجال دين وسياسة وفكر وكان من الطبيعي أن يكثر الكلام حوله وإلى اليوم وهذا نتيجة الاختلاف في زوايا الرؤى صوبه خاصة وأنه شخصية ثرية جدا ومشوار نضالي طويل كما نعلم جميعا ومن المستحيل أن يستطيع أي كان ومهما كان متمكنا من قلمه من أن يوفي الرجل حقه في مقال واحد أو دراسة واحدة .

وعليه فإننا وفي هذا المقال سنحاول أن نفكك الخلفية والبنية الفكرية والعقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي صاغت عباس قبل 1956 بتلك الصورة التي نعرفها عنه اليوم ثم سوف نعرج على أدواته في النضال ضد النظام الاستعماري ولِـمَا تطور فكره السياسي ليتحول من مطالب بالإدماج إلى مطالب بالاستقلال التام كما أننا سوف نحاول استعراض أسباب انضمامه إلى الثورة التحررية وهل انضم إليها عن قناعة أو خوفا من أن يلقى نفس مصير ابن أخيه علاوة عباس أي التصفية الجسدية ثم سنعرج على مواقف خصومه منه وهل من الحكمة أن نبقي وإلى اليوم نلوم الرجل أم لا . ونحن هنا لن ننصب أنفسنا لا كمدافعين ولا كخصوم للرجل وإنما نحن ندرس التاريخ بغية بناء الحاضر والمستقبل متجنبين بذلك أخطاء من سبقونا ومستلهمين منهم إيجابياتهم لما فيه خير الفرد والوطن معا .

بداية يمكن القول بأن هناك اليوم من يستغرب أو هو لا يتفهم كيف أن من بين الجزائريين المغلوبين قد نشأت فئة تعتقد بأن فرنسا وطنها وأنها جزء من الأمة الفرنسية ولذالك فهي قد أوقفت حياتها لأجل تحقيق غاية الإدماج التام والكلي للجزائر أرضا وشعبا في فرنسا الوطن الأم والبداية ستكون مع ما يخبرنا به المؤرخ بنيامين ستورا حيث يقول بأن: " فكرة الجزائر فرنسية " قد أصبحت حلم فرحات عباس و كذلك جميع أبناء العائلات الميسورة الحالمة بالنجاح في الإطار الفرنسي و في القوانين المدنية المستمدة من ثورة 1789 والتي تعني العدالة، والمساواة و الإخاء بين جميع الفئات السكانية في الجزائر الكولونيالية وإن زوال العنصرية والكراهية يمكن تحقيقها وحسب فرحات عباس في حالة تحرك فرنسا الجمهورية وفرض ديمقراطيتها وثقافتها المتنورة وإعطاء المسلمين حقوقهم المشروعة، إن الأخذ بأيدي الأهالي حسب منظور فرحات عباس وإدماجهم في الحضارة الفرنسية لا يتعارض تماما مع الإسلام والأحوال الشخصية الإسلامية وانتهي كلام بنيامين ستورا ونحن نقتبسه من مذكرة عباس محمد الصغیر فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية نعم إن عند عباس فرحات لا تعارض بين الإسلام والمواطنة الفرنسية فهو يقول في كتابه الشباب الجزائري: " لا يوجد في القران الكريم ما يمنع الشاب الجزائري المسلم أن يصبح فرنسي الجنسية فهو يملك أذرعا قوية وذكاء متفطنا وقلبا رحيما وواعيا بالتضامن " .

وانطلاقا مما سبق فإننا نجد جيل فرحات عباس وخلال فترة العشرينات من القرن الماضي قد كان يفكر في الإطار الفرنسي الذي يمكننا وصفه بالإطار المغلق، و كانوا لا يرون سوى الوجه الجميل لفرنسا الديمقراطية وقد يعود هذا إلى ولوع هذا الجيل ورغبته الجامحة في التطور ضمن القوانين الفرنسية ووصل بهم الحال أنهم يتغاضون عمدا عن الجوانب السلبية للنظام الكولونيالي ومن أبرز زعامات هذه الفترة محمد صوالح و الدكتور بن تامي و الربيع الزناتي و الشريف سيسبان و محمد الصالح بن جلول و بالطبع فرحات عباس الذي أراد مد الجسور بين الثقافتين الفرنسية والجزائرية مدعى التعايش و التجانس معتقدا أن ثقافة الأنوار و التسامح كفيلة بتحقيق جزائر فرنسية كما حلم بها هو وجماعته ونحن نقتبس من المرجع المذكور أعلاه دوما وهذا هو الإطار الذي كان يتحرك فيه الرجل ولازمه طوال حياته تقريبا .

وهذا ما يعبر عنه فرحات عباس شخصيا وهذا عندما يخبرنا بأنه من المستحيل بأن تقضي شبابك مع باسكال بليز Blaise Pascal وراسين Jean Racine وسان جوست Louis Antoine Léon de Saint-Just دون أن تمتلك الحس المدني والتعلق بهذا التعليم كما أنه يخبرنا بأنه قد بقي وفيا للثقافة الفرنسية خاصة وأنه بها حارب الإقطاعيات الاستعمارية ومن وقفوا ضد شعبه ودينه ولهذا فهو قد كان يؤمن بالمهمة الحضارية لفرنسا الجمهورية لا لفرنسا الاستعمارية فهو يقول بأن: " جميع الشعوب تصبوا إلى اقتفاء أثر أوروبا دون أن تضرب بمدنيتها عرض الحائط، أو التنكر لتقاليدها، لأن هذه الشعوب في حاجة إلى دولة أوروبية تكون لها بمثابة همزة وصل بين الماضي والحاضر " ونحن هنا لا نلوم عباس فرحات على وجهة نظره هذه فالرجل قد ولد في عام 1899 أي في فترة ذروة ازدهار الاستعمار الفرنسي في الجزائر كما كان هذا الأخير يعيش أوج عظمته في حين واقعيا الشعب الجزائري لمن يرى الصورة فقط وتغيب عنه الخلفية هو شعب غير موجود لأنه تحول من تلك القبائل الجزائرية القوية والشديدة البأس والتي كثيرا ما امتدح رواد الاستعمار الأوائل بسالتها وفروسيتها ونبالتها قد تحولت إلى شذر ومذر وأصبحت تكون شعبا مغلوبا على أمره مكبلا بأغلال العبودية والقهر وهذا ما انعكس على نفسية هذا الشعب فتحول من سيد إلى عبد ومن صنديد إلى جبان ومنحط وبائس وهذا طبعا من بعد أن تسلط عليه الاستعمار ونحن نقتبس هذا الوصف من كتابه ليل الاستعمار أما المجال الجغرافي للدولة الجزائرية فقد أدمج وبصورة فظة ونهائية في الدولة الفرنسية الأم أو المركز بالتعبير الاستعماري ومعها كنست فرنسا كل مظاهر السيادة التي تتبع بالضرورة وجود الأمة والدولة الجزائرية .

ثم إن الرجل قد تعلم في المدرسة الفرنسية والتي قد قامت بتشويه التاريخ الجزائري عن عمد وقصد وكلنا يعلم بأن الرجل ذو ثقافة فرنسية تعلم بأن وطنه هو فرنسا وأن الجزائر ما هي إلا أرض سائبة وامتداد طبيعي للوطن الأم – فرنسا - ولم تكن في يوم من الأيام دولة فهي تارة بيد الرومان وتارة بيد العرب وتارة بيد الإسبان فالأتراك وأخيرا جاء دور الفرنسيين لوضع أيديهم عليها ولا يمكن لطفل صغير نقوم بحشو دماغه بمثل هذه الأكاذيب والأباطيل أن ينسرب منها بسهولة ومما يزيد الأمر صعوبة هو أنه كان يعيش في ظل انعدام البديل وبصورة شبه كلية في حياته اليومية وهذا في ظل سياسة التجهيل التي اتبعها المستعمر الغاصب . ولذا فالرجل قد كان ضحية مغالطة وهو نفسه قد أقر وبصورة واضحة لا لبس فيها من أن تاريخ الجزائر قد تم تشويهه وتزويره وهذا ما نجده في كتابه ليل الاستعمار وهذا في معرض حديثه عن كتابة الدولة الاستعمارية لتاريخ المُـستَعْمَــرَة وهو يدعو صراحة إلى إعادة كتابة التاريخ الوطني الجزائري .

إن ما درسه عباس فرحان عن تاريخ الجزائر في المدرسة الفرنسية هو أن لا وجود للجزائر في التاريخ وإنما هي فقط أراضي يرثها سيد عن سيد سابق تم طرده منها وهي أراضي على الساحل البربري تؤول ملكيتها للمتغلب الأقوى فمن يد القرطاجيين إلى الرومان إلى الوندال فالبيزنطيين إلى الغزو العربي كما يسمونه كذبا وتزويرا للتاريخ إلى الإسبان فالاحتلال التركي بتعبير المدرسة الاستعمارية وخلفهم الفرنسيون ولا شيء اسمه الوطن الجزائري والذي لم يكن في الماضي لأن التضاريس حسبهم هي المسؤولة عن عجز المغرب على تكوين دولة دائمة وعلى التوصل إلى إقامة وحدة سياسية وهذا ما يذكره إميل فيليكس غوتيي 1864 – 1940 GAUTIERفي كتابه ماضي شمال إفريقيا وبالمختصر فإن الجزائر عندهم " لم تكن أبدا أمة ولا دولة في التاريخ " وهذا منذ العصور البربرية المبكرة والموغلة في الزمن وإلى غاية الحملة الفرنسية المشئومة عليها في العام 1830 وأن سكان الجزائر بدائيون وفرنسا قد جاءت لنشر المدنية والحضارة بينهم ولذا فقد نفوا عن سكان المنطقة وأسلافهم كل شكل من أشكال المساهمة في الحضارة الإنسانية وإنما نحن فقط كنا منفعلين لا فاعلين وإنما الدور الأخير هو منوط فقط وعلى الدوام بالإغريق والرومان وورثتهم من الفرنسيين .

وهنا يجب أن نقول بأن المدرسة الفرنسية في الجزائر المستعمرة كانت تتغذي من العقيدة ومن الأيديولوجيا الاستعمارية وهذه الأيديولوجيا لم تكن موضوعية في تناولها للمسألة الجزائرية ولا هي كانت تهدف إلى تدريس الحقيقة وإنما هي تنطلق من أحكام مسبقة سطرتها لذاتها لتبرر بها التواجد الاستعماري على أرض الجزائر وتمنحه شرعية ومصداقية تعطيه هي الأخرى حق الاستمرار في الزمن بالتالي فهي تزيف الحقيقة وفق ما يخدم مصالحها وهذا الوضع الشاذ والمشوه هو ما كان عباس فرحات ضحية له ومن جهة أخرى فتلك الأكاذيب كانت تهدف إلى القضاء على الأرضية الفكرية والتي تستند عليها المقاومة الجزائرية ومتى تم تحقيق النصر على منظومة القيم التي تـُـبقي جذوة المقاومة الجزائرية مشتعلة فقد تمكنت فرنسا من البقاء في الجزائر وإلى الأبد لأنها لن تجد من يهدد وجودها في الجزائر وهو نفس الهدف الذي تلتقي فيه المدرسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر مع سياسة التنصير والتي بدورها كانت تهدف إلى تثبيت الوجود الفرنسي في الجزائر وإلى الأبد وهذا عبر القضاء على البنيات الفكرية المنظرة والمحرضة والحاضنة للمقاومة وهذا ما نجده في قول بيجو robert bugeaut Tomas للأب بريمولت Premolot: " حاول يا أبت أن تجعلهم مسيحيين فإذا فعلت فلن يعودوا إلى دينهم ليطلقوا علينا النار " وهنا تتحالف كل من المدرسة والكنيسة لخدمة المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر .

 

وعليه فهدفها لم يكن تنوير الجزائريين ولا تمدينهم ولا تحضيرهم فالجزائريون في نظر منظري المدرسة الاستعمارية همج وبرابرة وغير قابلين للتمدن ولا يصلحون إلا أن يكونوا رعاة عند المستوطن الفرنسي وإنما الهدف من تعليم الجزائريين هو تحقيق التهدئة في الجزائر وبصورة نهائية أي تكملة عمل الفيالق العسكرية أو ما هي قد عجزت عنه وهذا ما نجده في ما تخبرنا به الأدبيات الاستعمارية من أن فتح مدرسة وسط الأهالي لهو: " أكثر جدوى في تهدئة البلاد من فيلق كامل من الجيش " أما شارل ديغول فيقول: " لقد صنعت لنا اللغة الفرنسية ما لم تصنعه الجيوش" وبالتالي فهم يريدون تحقيق نصر حضاري فكري على الجزائريين تكون فيه الغلبة للفكرة الاستعمارية ولكن هذا الهدف لم يتحقق أبدا وهذا نتيجة لقوة الفكرة الوطنية والتي تستند إليها المقاومة الجزائرية والتي ستبقيها حية وإلى غاية ثورة نوفمبر المجيدة وهذا ما يبرز في ما رد إيف لاكوست Yves Lacoste على من تساءلوا عقب اندلاع الثورة المباركة عمّـا كانت تفعله فرنسا طوال وجودها في الجزائر وكيف هي لم تستطع القضاء عليها فقال لهم: " وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا ؟ ".

كما أن المدرسين في المدارس الفرنسية الكولونيالية قد كانوا يخضعون لتكوين خاص في مدراس تكوين المعلمين Ecoles de formation de maîtres وهذا طبعا في إطار ما يقدمه منظرو المدرسة الاستعمارية من نظريات حول الأهالي وحول الأهداف المرجوة من وراء تعليمهم وهؤلاء المعلمين كانوا ينطلقون من أفكار الثورة الفرنسية الداعية إلى العدالة والمساواة والأخوة بين مختلف الأمم والشعوب وفي مقابل هذا فقد شوهوا كل فكرة تنتمي لغير الحضارة الغربية وصنفوها في خانة الأفكار البربرية وهذه هي الأفكار التي تمكنت من عقل وروح عباس فرحات وتغلغلت فيه لدرجة أنها أصبحت عقيدة له وهي ما يسميها بفرنسا الجمهورية والتي يسعي وبكل قواه لتجسيدها على أرض الجزائر وبقي وفيا لها حتى بعد استعادة الجزائر لسيادتها المسلوبة .

كما وأنه قد تغذي من أفكار المدرسة الكولونيالية " الاستعمارية " والتي كان روادها غوتي Gauthier وبوسكي Bosquet وهؤلاء قد أنكروا وجود الدولة والأمة الجزائرية قبل الغزو الفرنسي لها حيث تقول الأدبيات الفرنسية الاستعمارية بأن: " الجزائر حين وصل الفرنسيون لم تكن قطرا مستقلا " وهذا ما سنجد صدا له فيما كتبه عباس فرحات من نفي للأمة الجزائرية في العام 1936 كما أن الوطن الجزائري عندهم في العام 1830: " لا يشكل تاريخيا واجتماعيا أي شيئا " وهذه الفكرة هي أساس الخرافة القائلة بأن الجزائر هي أمة في طور التكوين والتي اعتنقتها النخبة الجزائرية وعلى رأسها فرحات عباس لا لشيء سوى لأن فرنسا هي من خلقتها ومنحت لها اسمها كما ادعى الجنرال كاتروGeorges Catroux في العام 1943 ونحن نقتبس هذا الكلام من كتاب الحركة الوطنية الجزائرية لأبي القاسم سعد الله الجزء الأول . أما الأمة الجزائرية فهي سراب ووهم حسبهم وهذا ما نجده كذالك عند الجنرال ديغول والذي يقول: " منذ خلقت الدنيا لم يعرف التاريخ وحدة للشعب الجزائري وبالأحرى سيادة له " وكأن التاريخ عرفها لفرنسا ولشقيقاتها اللاتينيات وحتى وإن كان عباس فرحات لم يأخذها عن هؤلاء السادة شخصيا فهو قد أخذها على يد تلامذتهم ممن تعلم على يديه لأن لكل مدرسة استمرارية في الزمن . وهذا الكلام هو ما تغذى به عقل عباس فرحات الطفل وأصبح له كمثل العقيدة بتعبير محمد حربي

أما الوطنية الجزائرية والمقاومة الشرسة للغزو الفرنسي فلم يكونا في نظر المدرسة الكولونيالية ينبعان من الروح الوطنية وإنما من التعصب والذي بدوره يتغذي من الخرافات أما تاريخ الجزائر الوسيط فهو تاريخ يشوبه حسبهم الغموض والأمير عبد القادر عندهم: " لم يكن بطل جنسية عربية في الجزائر لأنها لم توجد، ولم يكن سياسيا مجددا يهدف إلى إدخال الحضارة الأوربية على مواطنيه الذين كانوا نصف برابرة ولكنه كان مرابطا طموحا أراد أن يحل نفسه محل الأتراك . أما الشعب الجزائري فلا وجود له عندهم وإنما هو مجرد أهالي ورعايا للدولة الفرنسية وإن وجد شيء في الجزائر فهي أمة في طور التكوين .

نعم نحن أنصاف برابرة وفرنسا هي من جاءت لتحضيرنا وهذا هو الفخ الذي وقع فيه عباس فرحات وبقي سجينا فيه طوال حياته تقريبا . لأنه قد وقع ضحية للغزو الفكري الذي مارسته المدرسة الاستعمارية في الجزائر وجاء هذا الغزو خاصة من قبل المعلمين العلمانيين والذين تقبلهم المجتمع الجزائري لكونه قد أصبح مقتنعا بضرورة تعليم أبنائه لمصلحتهم كما هو حال والد عباس فرحات فغرس هؤلاء المعلمين حب الوطن الفرنسي في عقول هؤلاء الأطفال الغضة والنتيجة هي تكوين أجيال ترى أن لا مستقبل للجزائر خارج المجموعة الفرنسية ذلك أن تعليم الجزائريين من قبل فرنسا لم يكن بريئا أبدا بل كان يهدف لكسب أنصار بينهم لمشروعها الاستعماري وتحقيق الاختراق بين صفوف أبناء الشعب الجزائري وهكذا فمن بعد أن قام الجيش بغزو الجزائر أفقيا فقد جاء دور المدرسة لغزوها عموديا ولتكمل المدرسة عمل الكتيبة العسكرية .

وتلك الخرافات والأكاذيب التي كانت تروج لها المدرسة الاستعمارية قد تفطن لها عباس فرحات في مراحل متأخرة من حياته فها هو يقول في كتابه الشباب الجزائري: " إنني أقوم بالعودة إلى الوراء أيضا لأن الفرنسيين وبالخصوص أولئك الذين كانوا في الجزائر ما زالوا يعيشون وراء ستار من دخان الحقائق المقلوبة ... لقد كنا نحن ضحايا أسطورة وكانوا هم من جهتهم ضحايا خداع طويل "

وستار الدخان والحقائق المقلوبة والأسطورة يقصد بها عباس فرحات كل تلك الزيوف السابق ذكرها والتي روجت لها المدرسة الاستعمارية والمذكورة أعلاه أما كيف تمت عملية الخداع له ولزملائه من الشباب الجزائري فنجده في قوله: " لقد علموهم طوال ما يزيد عن قرن أن الجزائر الولاية الفرنسية ليست إلا امتداد للمضلع السداسي الفرنسي وعندما دقت ساعة الحقيقية ... شعروا أنهم ضحايا خيانة وحينئذ راحوا يقاتلون بشدة من أجل أن يستمر هذا الخيال المضلل ... " وعباس فرحات نفسه قد كان ضحية لتلك الخيانة ولتك الأسطورة والتي غرسوها في عقله الباطن وأصبحت تبدو جزءا من الحقيقة وهذا لفترة طويلة من الزمن غرسوها بقوة الحديد والنار وماذا يفعل صبي لا يمتلك أي نوع من الحصانة المعرفية ضد هذا الفكر المضلل . إن كثافة ذلك الستار من الدخان هو من حجب عن عقل عباس فرحات الصغير الحقيقة والنضال الجزائري المستميت والشجاع والأسطوري والذي توج بثورة نوفمبر المباركة هو من سوف يبدد خيوط ستار الدخان ذاك .

وعباس فرحات كان يعيش مشتتا بين عالمين عالم أصوله وجذوره وشعبه ومجتمعه الذي أصبح حطاما وذكريات غابرة وبين عالم فرنسي واقع ومهين يختطف القلوب قبل الأبصار فرنسا فيه هي شعلة الحضارة ومركزها بالنسبة له ولو إلى حين أي إلى سنة 1942 تاريخ الإنزال الإنجلو أمريكي وما يؤكد على تبعثره بين عالمين هو زواجه الثاني من فرنسية أي أن الرجل ومن خلال زوجته يكون قد ارتبط بالعالم الفرنسي الذي يريده ويدافع عنه للأسباب السابقة الذكر وفي نفس الوقت بقي متعلقا بشعبه وهذا من خلال الدفاع عنه وعن هويته وحقوقه وهذا ما نجده في اعترافاته المتعددة والتي لا يمكن الاستشهاد بها كلها في هذا المقال نظرا لغزارتها فهو يقول بأن: " ثقافتنا لم تفصلنا عن شعبنا بل بقي فكرنا دائما عالقا لاصقا بأولئك الذين بقوا وراء القافلة " من كتابه ليل الاستعمار كما يقول في نفس المرجع: " إنني أنتمي إلى طبقة فلاحية، وأن منصب والدي وإخوتي كان عرضيا، عشت وتربيت في أوساط الفلاحين الجبليين قضيت طفولتي في وسط هؤلاء البسطاء، أقوياء وكرماء، فمن الصعوبة أن أتخلى عنهم " وقضية هؤلاء هي من أدخلته في المعترك السياسي فهو يقول: " إن مأساة بلادي هي التي أدخلتني في وحل السياسية، لو أن فرنسا وجدت حلا معتدلا لمشاكلنا، لكنت من المحتمل أن أقوم بالعمل الفلاحي، ولكن كيف نستطيع أن نعيش واليأس واللاعدل أصبحا مشهدا يوميا في بلدي " والهدف من نضاله واضح وهو يتمثل في " ترقية هؤلاء الفلاحين فهو الهدف الأسمى لكل سياسية محترمة حلمي الوحيـد كان أن أرى الفلاح ينام في سريره بعد أن يأكل جيدا ويقرأ جريدته " . ولذا فالرجل يتمتع بحس أخلاقي نبيل يشكر عليه ويضعه في موضع تقدير واحترام مهما اختلفنا أو اتفقنا مع أفكاره .

ومن بعد أن تعرفنا على الخلفية التاريخية والفكرية والتي شكلت الرجل فإننا وفي هذا الجزء من مقالنا هذا سنحاول التطرق إلى الأدوات التي اتخذها فرحات عباس كوسيلة لنّضال ضد النظام الاستعماري من جهة ولتجسيد مشاريعه على أرض الواقع من جهة أخرى .

إن عباس فرحات وكما يخبرنا المؤرخ محمد العربي الزبيري في كتابه تاريخ الجزائر المعاصر الجزء الأول قد كان رجلا واقعيا وينطلق من الواقع ولذلك فهو يعرف جيدا بأن الرأي العام الفرنسي غير مهيئ لتقبل فكرة العمل المسلح ضد فرنسا ولذلك فقد اتجه صوب أسلوب مهادن للاستعمار في نضاله يعتمد على ضرورة تحقيق المساواة التامة بين جميع سكان الجزائر وعلى التربية والتعليم للجزائريين مع الأخذ بالتكنولوجيا الحديثة من قبلهم وللتوسع أكثر في هذه النقطة راجع محمد العربي الزبيري المرجع المذكور أعلاه ج 1 ص 107 وهو يعلم أيضا أنه وفي فترة العشرينات والثلاثنات من القرن الماضي لم يكن المجتمع الفرنسي مهيئا ومستعدا لقبول فكرة استقلال الجزائر وتصفية الإمبراطورية الفرنسية وعليه فما العمل في مثل هذه الظروف هل نترك الشعب يعاني في ثالوثه الرهيب أم نسير في الطريق الوحيد والممكن أذاك والمتمثل في التعايش مع النظام الاستعماري المرفوض ولو إلى حين . ولأجل ما سبق نراه يطالب بالمساواة التامة بين الجزائريين والفرنسيين مع ضرورة إلغاء جميع القوانين الاستثنائية كقانون الأهالي والمحاكم الرادعة والمساواة في الضرائب . والرجل قد ناضل لأجل تعليم الجزائريين إيمانا منه بأن التعليم سيجعل الضعفاء أو أولئك الذين تخلفوا عن القافلة على حد تعبيره يلتحقون بها لكون التعليم سيجعلهم ينهضون بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي وهذا النهوض سيفرض على الكولون احترام الجزائريين أو الأهالي كما يسمونهم لأن الجار لن يعامل جاره باحترام ما لم يفرض عليه هذا الأخير احترامه وهذا الكلام نقتبسه من كتابه الشباب الجزائري .

كما أن الرجل قد ناضل بقوة وبشراسة لصالح سياسة الإدماج وهذا في بداية مشواره السياسي وفكرة الإدماج هذه ليست فكرة مبتكرة من عباس فرحات وإنما يمكن تتبع أصولها في برامج أوائل الغزاة وعلى رأسهم الدوق دي روفيقو Général Savary, Duc de Rovigoوالذي صرح في العام 1832 من: " أن هدفنا هو أن تحل الفرنسية محل العربية بنشرها بين الأهالي عن طريق السلطة والإدارة " ثم ها هو الماريشال بيجو والذي قال في 1840: " بعد أن أخضعنا العرب يجب علينا نشر حضارتنا وقوانيننا في الأوساط الأهلي البربري " . ولكن الفرنسيين والذين أتوا من بعدهم لم يكونوا لا راغبين في هذه السياسة ولا هم قد كانوا متحمسين لها بل ناصبوها ومن البداية العداء وحاربوها بكل ما امتلكوا من قوة وأدوات لكونهم كانوا يخافون من مزاحمة الجزائريين لهم على خيرات البلاد ومن منافستهم لهم في حكمها .

وفكرة الإدماج الجماعي للجزائريين في فرنسا والتي طالب بها فرحات عباس قد كانت وعلى الدوام أحد أبرز مطالب برنامجه هذه الفكرة أيضا لم تكن مبتكرة منه هو شخصيا ففضلا على ما سبق فإن هناك من الفرنسيين أنفسهم وفي أواخر القرن التاسع عشر من سعى في هذا الاتجاه وعلى رأسهم النائبان ميشولان Michelinوكوتي Cotyواللذان طالبا في العام 1887 بضرورة منح الجنسية الفرنسية وبصورة جماعية للجزائريين وجاء بعدهم عدد لا بأس به من الساسة والذين ساروا في هذا الطريق من أمثال ألبان روزي Alban Rosieوجورج ليون George Lyonوما عجز هؤلاء عن تحقيقه تبناه فرحات عباس وحاول إكمال المسيرة ولكنه هو وهم قد اصطدموا بصخرة الكولون والتي أجهضت هذه المشاريع العادلة وهذه المطالب المشروعة في حينها .

كما أن عباس فرحات يتخذ من سياسة ألمانيا في مقاطعتي الألزاسalsace واللورينlorraine نموذجا يمكن تحقيقه في الجزائر أيضا فكما نجحت ألمانيا في ألمنة هاتين المقاطعتين يمكن لفرنسا أيضا فرنسة الجزائر والجزائريين وهذا عن طريق الدمج الكلي لهما فيها خاصة وأنه يري بأن الدين الإسلامي ليس ضد التجنس وليس ضد التعليم الفرنسي المدني التقني وهو هنا يستشهد بالمقدس قرآنا كان أم سنة نبوية شريفة وهو هنا أيضا يعول كثيرا على عنصر الثقافة في تحقيق هذا الهدف وهذا ما نجده في قوله: " لأن ألمانيا بثقافتها قامت بغزو روح الألزاسيين واللوريين عن طريق المدرسة ولغتها، وذلك إتماما لغزو الأرض، وبالتالي تمكنت من ضم الأرض والإنسان إليها، وأصبحا جزءا من إمبراطوريتها بدون تمييز بين جميع سكانها الذين تعتبرهم كلهم ألمان لهم نفس الحقوق والواجبات " وهذا الكرم نقتبسه من رسالة عز الدين معزة فرحات عباس ودوره في الحركة الوطنية ومرحلة الاستقلال .

وما شجع كذلك الرجل على تبنى مثل هذه الأفكار هو أنه قد وجد أصواتا فرنسية عالية ومنددة بسياسة فرنسا الاستعمارية بالجزائر وهي تدعو صراحة إلى ضرورة تغييرها وإلى ضرورة تعليم الجزائريين اللغة الفرنسية بهدف تحقيق الإدماج الكلي للجزائر فبعد إدماج الأرض لا بد من إدماج الشعب ولقد وجد عباس فرحات سندا قويا في هذه الأطروحات وأرضية يقف ويتكأ عليها وهي أطروحات كانت موجودة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر كما مر أعلاه واستمرت في التواجد خلال القرن العشرين وهذا ما نجده في كتاب الجزائر المئوية فصاحبه يدعو الفرنسيين إلى ضرورة الإسراع في: " فتح أبواب المساعدة الطبية الواسعة والمنظمة، وفتح المدارس في كل مكان، وخاصة مدارس البنات، وأن لا نفكر في التأخر، لنضع برنامجا من أجل تحقيق اندماج كامل للأهالي، وذلك لبناء جيل المستقبل " . أما مناداته بأن تكون الجزائر إقليما فرنسيا فهي مجرد وسيلة لا غاية وسيلة لغرض تحقيق تحرر الإنسان الجزائري المسلم من القهر والظلم والقوانين الاستثنائية ونحن نقتبس دوما من نفس المرجع المذكور أعلاه

كما أن الهدف من سياسة الإدماج عنده واضحة ففرحات عباس مؤمن بالمبادئ والقيم الثقافية التي حملتها الثورة الفرنسية في العام 1789 م وسعى إلى إيجاد وطن جزائري داخل الكيان الفرنسي، فكانت تنازعه ثنائية فكرية، أهلي مسلم وحداثي جمهوري، فبقدر ما كان يصبوا إلى الاندماج في الإطار الفرنسي، كان حرصه شديد على التعلق بوسطه الفلاحي ويحمل همومه ويتألم لحرمانه من أبسط الحقوق وهذا الكلام نقتبسه من عباس محمد الصغیر فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية وهذا لكونه قد كان يدرك مدى حاجته لقوة الجماهير الشعبية كما يدرك أنه بحاجة ماسة إلى الشعب الجزائري وهذا لتحقيق أهدافه والمتمثلة في القضاء على النظام الاستعماري وهذا ما نجده في قوله والمقتبس من نفس المرجع: " إن إلحاق الهزيمة بنظام قوي مثل النظام الكولونيالي وقصد تحويله وتحطيمه يتطلب الأمر أكثر من تجمع للمنتخبين، يجب توفير حركة شعبية تتكون من كل الجماهير، وهذا لن يتحقق إلا في إطار حزب " كما أنه قد كان مرتبطا وبصورة أسطورية بشعبه لدرجة أن الواحد منا يحتار في أية مقولة له سيستشهد بها وهذا لتعدد وكثرة كتاباته حول ما يشعر به تجاهه فها هو في إحداها يقول: "إنني من سلالة فلاحية ... وقضيت طفولتي كلها وسط مجتمع وضيع وساذج وكريم فتعذرت علي مفارقته وإن تعاطفي مع أولئك الفلاحين ليس عاطفيا فحسب بل هو حيويا يجري في دمي وعروقي " وهذا الكلام نجده في كتابه ليل الاستعمار

ولأجل كل ما سبق فعباس فرحات لم يحدث أبدا قطيعة مع شعبه ولم يكن يتبرأ منه أو يزدريه أو أنه يزدري ويحتقر حضارته وثقافته فها هو يخبرنا بأن الجزائريين وتحت ضغط الحاجة أو لملائمة اللباس الأوروبي لعملهم فإنهم يرتدونه ولكنهم يبقون دوما على غطاء الرأس المحلي كنوع من تأييد جنسهم وعقيدتهم وعباس فرحات ذاته كان يرتدي غطاء الرأس وهو دليل كاف على أن الرجل كان وطنيا ومن الدرجة الأولى ولم يتخل في يوم من الأيام عن عقيدته ولا عن حضارة وهوية شعبه . كما يخبرنا أيضا في كتابه الشباب الجزائري بأنه حتى وإن كانت الأغلبية تعامل كالبهائم فإن ذالك لم يجعلها تستسلم وهو جزء من تلك الأغلبية إذن فالرجل قد كان شجاعا وناضل لأجل أن يسترجع حقوق شعبه وفق ما يراه صالحا وممكنا من مشاريع .

وعباس فرحات وفي كتاباته يخبرنا بأسباب نضاله لأجل سياسة الإدماج فهو يقول في كتابه ليل الاستعمار ما يلي : " لنفهم لماذا جيلي، والذي سبقه ركضوا وراء فرنسا الجمهورية الليبرالية، ضد فرنسا المحتلة الظالمة اعتقدنا بأننا نحتاج فقط لإنارة الأولى لتضع حدا للمآسي التي خلقتها فرنسا المحتلة " نعم لقد كان يعتقد بأنه وبواسطة القوانين الفرنسية والتعليم والمدرسة يمكن خلق جزائر جديدة . كما كان يضن بأن ما سبق ذكره كفيل بالقضاء على طرح الجنس الأعلى والجنس الأدنى وعلى الإقطاعية وأن يحقق التطور والرقي لشعبه ويحقق المساواة بين جميع سكان الجزائر بغض النظر عن جنسهم ودينهم ولغتهم وعباس فرحات هو واحد من النخب الجزائرية والتي كانت وكما يخبرنا محفوظ قداش وذلك خلال العشرينات من القرن المنصرم: " تفكر داخل الإطار الفرنسي، بما في ذلك فيدرالية المنتخبين، وجمعية العلماء المسلمين. وقد عرفت هذه النخب بولائها ورغبتها في التطور ضمن القوانين الفرنسية فكانوا يسعون لتمتين العلاقات بالأوروبيين من أجل خير الأمة. " .

ومن ناحية أخرى يخبرنا صاحب هذا المقال عن أسباب توجهه صوب الأفكار الحرة الفرنسية كوسيلة للنضال ومرد هذا إلى أن الكولون قد اتخذوا من العنصرية مذهبا ومن الظلم دينا لهم جميعا وفي مقابل هذا لا يوجد بيد الجزائريين أية وسيلة لردعهم وهذا خاصة من بعد فشل المقاومات المسلحة وغطرسة النظام الاستعماري ومصادرته لكل الحقوق الإنسانية والمشروعة للشعب الجزائري فما كان منه أي عباس فرحات سوى النضال وبأدوات فرنسية علها تمكنه من استرداد حقوق شعبه المسلوبة وهذا عبر تنبيه فرنسا الحرة فرنسا الجمهورية إلى جرائم فرنسا الاستعمارية . وكذلك لإيمانه بأن التعليم الفرنسي يحمل في طياته بذور الحرية وأن التعاون بين الشباب الجزائري وبين أحرار فرنسا سيؤدي إلى ديمقراطية حقيقية وسوف يقضي على أكذوبة الجنس الأعلى والجنس الأسفل وهذا كله سيؤدي إلى ميلاد الجزائر الجديدة جزائر لكل الأجناس والأعراق تسير على خطى الديمقراطية الفرنسية ومتحدة معها . كما أن الرجل كان يعول كثيرا على نضال البروليتاريا prolétariat في فرنسا فإذا ما استطاعت هذه الأخيرة نيل حقوقها فسوف ينال الشعب الجزائري تلك الحقوق وبصورة آلية وهذا هو المشروع الذي نذر له فرحات عباس نفسه قبل العام 1956 .ويمكن القول بأن برامج عباس فرحات قد كانت تتغذي من المدرسة الفرنسية فهو حين يطالب بفتح باب التعليم أمام الجزائريين فهو يتماهي ويستكمل مشروع جانمير Janumeirهذا الفرنسي الذي كان يؤمن بضرورة تعليم الجزائريين ولذلك فتح باب التعليم الموجه لهم ولئن كانت الظروف في بداية القرن العشرين لم تسمح لهذا المشروع بأن يستمر في الزمن ويستكمل مسيرته فإن عباس فرحات يري كذلك في التعليم الأوروبي للشباب المسلم مخرجا للجزائريين من التخلف هذا التخلف الذي هو نفي استقلال الشعوب ومقبرة حرياتها كما يقول عباس فرحات ولذا وجب تعليم الجزائريين خاصة وأن هؤلاء قد اقتنعوا بالفرق الموجود بين التعليم المدني الفرنسي وبين التعليم الذي يقدمه المبشرون وبالتالي فالرجل يري في التعليم خير وسيلة لاسترداد ما سلب من الجزائريين من حرية واستقلال وطوق نجاة لخروجهم من حالي البؤس والشقاء اللتين نفي فيهما الجزائريين وبالقوة كما أن التعليم عند الرجل يمنع الاستبداد ويحرر الإنسان منه وبعد تحرير الإنسان تأتي مرحلة إنشاء المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتي بدورها ستنهض بالإنسان وتحقق له إنسانيته بعيدا عن وضعية البهائم التي أنزل المستعمر الفرد الجزائري إليها . وفكرة تعليم الجزائريين والتي تبناها فرحات عباس نجد أصولها وجذورها في مشروع جول فيري لتعليم الأهالي وهذا حينما أقر إجبارية التعليم لكل سكان الجزائر إلا أن الكولون استثنوا الجزائريين من هذا المشروع وصادروه لحساب أبنائهم وأبناء عملائهم من الجزائريين .

وقد يتساءل بعضنا ولما عباس فرحات قد توجه صوب هذه الأساليب السلمية بغية القضاء على النظام الاستعماري الجواب نجده فيما يخبرنا به هو نفسه في كتابه ليل الاستعمار وهذا حينما يقول بأن الاحتلال قد عم كل القطر الجزائري وهذا عندما بدأ الرجل نضاله السياسي واستطاع أن يقضي على كل المقاومات المسلحة: " ووضع الجزائريين كان مأساويا، لم تكن لهم القوة للدفاع عن أنفسهم واسترداد حقوقهم، كانوا يتألمون، ويموتون تحت عبء الاحتلال " وعليه فما دامت المقاومة العسكرية مستحيلة لاستحالة هزيمة هذا النظام عسكريا نظرا لتغوله وأمام حالة الجزائريين المستعجلة فلم يكن أمام الرجل من خيار سوى محاربة العدو وبأدواته ذاتها ريثما تتبدل الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية لصالح المغلوبين .

وعباس فرحات يطلق على نضاله هذا الثورة بالقانون وهي ثورة فاشلة لأن الاستعمار لا يفهم سوى لغة القوة وما زاد فرحات عباس إيمانا بما سماه الثورة بالقانون هو الوضع المخزي والمحرج للكولون هؤلاء الذين تعاونوا مع حكومة فيشي الموالية للألمان مما جعل عباس فرحات يعتقد بأنهم في وضع ضعيف خاصة وأن الحكم في فرنسا الأم قد آل إلى أعدائهم أي لمن قاوموا الاحتلال النازي لفرنسا وعليه فهو قد كان يعتقد بأن فرنسا الحرة ومعها الشعب الفرنسي والذي قد ذاق ويلات الاحتلال النازي لن يخذلاه وسوف يلبيان للشعب الجزائري مطالبه العادلة ولكن أما علم فرحات عباس بأن فرنسا الحرة والتي راهن عليها هي نفسها حكومة ديغول وهذا الأخير يعتبر موقفه من الجزائر هو عين الموقف للحكومات الفرنسية المتعاقبة وهذا منذ 1830 وإلى غاية نهاية ح ع 2 ومعه السواد الأعظم من الشعب الفرنسي والثورة بالقانون تلك كانت ستؤدي بالجزائر إلى وضعية جديدة مفادها أن: " لا إدماجا لا سيدا جديدا ولا انفصالا بل غايتنا هي إبراز شعب فتي يتكون تكوينا ديمقراطيا واجتماعيا ... غايتنا هي إنشاء دولة فتية تقود خطاها الديمقراطية الفرنسية " وبهذا فالجزائر ستتحرر من نظام السيطرة الاستعمارية وتندمج في الديمقراطية العالمية . ونحن هنا لم نأت بشيء من عندنا أو قمنا باستنتاجه وإنما كلامنا السابق هو ما صرح به الرجل في كتابه ليل الاستعمار ودوما كانت مشاريعه تتكسر فوق صخرة الكولون الرافضون لأي إصلاح لصالح الجزائريين لكونهم لا يرون أي مستقبل لفرنسا وللجزائر إلا في ظل النظام الاستعماري حيث أنه من الممكن أن نبرئ مريض بالسرطان ولكنه من المستحيل أن نبرئ المستعمرين من داء الاستعمار وهذا كما جاء في كتابه ليل الاستعمار دوما .

وعباس فرحات وإلى غاية 1956 قد كان أسير ما لقنه له أساتذته في المدرسة الفرنسية فكان وكما يخبرنا هو في كتابه ليل الاستعمار أسير سلطان شيطانه فهو قد كان يضن بأن الجزائر على أهبة ثورة تماثل ثورة 1789 تلك التي حدثت في فرنسا لتطابق وضع القطرين فإقطاعيي فرنسا ما قبل الثورة تمثلوا أمامه في الكولون أصحاب الضياع الواسعة ومعهم أعوانهم من الجزائريين كالقياد والبشاغاوات ولكن هذه الفترة من حياة الرجل قد أطلق عليها فيما بعد تسمية عهد الأوهام لأن فرنسا الجمهورية كانت تعلم مدى قسوة النظام الاستعماري ولكنها لم تفعل شيئا لإصلاحه فضلا عن إنهائه ولهذا فقد خاب أمل الرجل فيها وطلقها في مرحلة لاحقة من حياته .

كما أن الرجل كان يضن بأن الجزائر سوف تنال حقوقها كما نالتها بولندا والمجر ودول البلقان وهنا يمكن القول بأن عباس فرحات قد كانت خافية عليه الخلفية التي تقف وراء تكوين تلك الدول والمتمثلة في كون كل من فرنسا وبريطانيا أرادتا تكوين حزام من الدول لمحاصرة ألمانيا من الشرق والإتحاد السوفياتي من الغرب ومنعهما من التوسع وبالقوة خدمة لمصالحهما وما كانت الجزائر تدخل ضمن دائرة تلك المصالح ولو علم فرحات عباس بتلك الخلفية لما سار في ذلك الطريق مطلقا وكان يجب عليه أن يعرف ومن البداية بأن الاستعمار الفرنسي لا يفهم إلا لغة القوة ولكن ما كان يدفعه إلى السير في طريق الإدماج هو حنقه على النظام الاستعماري وتلهفه وحماسه الشديدين لتغيير أوضاع شعبه والذي قد أصبح لا فرق بينه وبين البهائم وهذا كما يصفه في كتابه ليل الاستعمار وكذلك لرغبته في تطهير الأرض من المعمر الخناس كما يصفه هو .

وعباس فرحان كان وبقي يؤمن بأنه من المفيد للجزائر أن تتعايش فوقها الكتلتان بسلام لأن هذا فيه خيرها وثراؤها وهو يخبرنا بأنه لو حدثت مصالحة حقيقية بين الكتلتين لما كانت حرب الجزائر لتحدث ولكنه يحمل النظام الاستعماري كل نتائج ما حدث ولذلك فهو قد كان يرى بأنه قد كان من الممكن أن تستقل الجزائر عن فرنسا كما تنفصل الثمرة الناضجة عن الشجرة وهذا في إطار الجزائر الجزائرية والتي كان يؤمن بها جزائر لكل الأعراق والمجموعات اللغوية والدينية جزائر مختلفة عن جزائر ما قبل 1946 ولا يمكن هنا أن نقول بأن عباس فرحات قد كان يتمنى بأن يكون للتاريخ مجرى آخر غير الذي قد كان، مجرى تحدث فيه المصالحة الحقيقية بين الجزائريين والأوروبيين وإن كان الواحد منا يقرأ هذا بين السطور التي كتبها ولكن طالما أن الرجل لم يعلن هذا الأمر صراحة فليس من حق أي إنسان أن يُقَـوِلـَهُ شيئا لم يقله خاصة وأنه كان قد تبنى طرح الاستقلال التام عن فرنسا بعد العام 1956 وإن كان يأمل أن لا يغادر الكولون الجزائر بعد الاستقلال لحاجة الأخيرة لهم في عملية إعادة الإعمار والبناء ولا حتى جبهة التحرير الوطني قد كانت تنوي طردهم أصلا .

كما أنه قد كان يعول كثيرا على الثورة الاجتماعية الناعمة والمسالمة في استرجاع حقوق الجزائريين عبر حكام فرنسا في باريس وليس عبر المستوطنين في الجزائر وهذا لأن النخب الجزائرية على عهده قد كانت ضعيفة لأنها هي الأخرى تستند إلى شعب معوز وضعيف ولذا فلم يبق أمامه أي عباس فرحات سوى القانون الفرنسي كسلاح يدافع به عن نفسه وعن الشعب الجزائري وكان يضن أنه وبهذا الأسلوب سيهزم أنصار المعمرين ومن يُـنَـظّـرْ لهم سياساتهم في الجزائر من علماء قانون وعلماء نفس واجتماع فهو يريد أن تهزم فرنسا حقوق الإنسان والحرية فرنسا الاستعمارية وتكون الجزائر بلد للجميع أي كما يقول الفيدرالية في إطار احترام الجنسيات على نموذج الكومنزالث البريطاني كما أن تفسير سبب اتجاهه صوب هذا النوع من الثورات الناعمة من أن الرجل ذا طبيعة مسالمة ولذلك فقد كان يبحث عن حل توافقي تراعي فيه مصلحة الطرفين الجزائريين والمعمرين وربما هذا الميل إلى المسالمة جاء من كون الرجل يستند إلى خلفية علمية وثقافية فذة جعلته يقترب من الرجال المصلحين أكثر من قربه من الرجال الثوريين . كما لا يجب أن ننسى سببا آخرا جعله يسير في هذا المسلك وهذا باعترافه هو شخصيا فهو يخبرنا بأنه يعرف التاريخ الدموي للاستعمار وذكريات الحزن والدموع والدماء النازفة طوال القرن ال 19 لا تزال حية وماثلة أمام العيان وهو لا يريد أن تعود تلك الأيام السوداء وعليه وخوفا منه على شعبه وفي ظل عدم توازن القوى بينه وبين المحتل فإن أي ثورة فهي بمثابة سوق الشعب إلى المسلخ وإلى المجازر الجماعية كما هو الحال في 08 ماي 1945 .

كما أن عباس فرحات أراد أن يحتج على الاستعمار وبأدواته ويدينه بها بهدف وضعه أمام الأمر الواقع ولتوضيح هذه النقطة فإننا نقتبس هذه الفقرة من كتاب عز الدين معزة فرحات عباس ودوره في الحركة الوطنية ومرحلة الاستقلال والتي جاء فيها: " كيف يمكن للاحتلال أن يواجه رجلا مثل فرحات عباس كونه في مدارسه، حاملا لمبادئ الثورة الفرنسية، ومتشبعا بثقافتها، يكره العنف والظلم، أي أنه يحارب الفرنسيين بفكرهم الذي يفتخرون به، يجادلهم ويناقشهم من خلال تاريخهم السياسي، وفلسفتهم الاجتماعية التي كانوا يفتخرون بها في كتبهم، وخطبهم، وجرائدهم، فالاحتلال إدعى أنه جاء لتحضير شعب همجي يسكن في الجهة الأخرى من البحر، فقتله أحيانا ضروري في نظره لتخويف الآخرين وإذلالهم، لأن هذا الشعب رفع السلاح ضده. فما العمل إذًا مع من يرفع مبادئ فرنسا الليبرالية، وينادي بتطبيقها على كل سكان الجزائر بدون تمييز، لا في الجنس ولا في الدين ؟ هل يقال عنه أنه متوحش ؟ تلك إشكالية واجهتها إدارة الاحتلال " .

ولنفهم أكثر ما سبق نقول بأن عباس فرحات قد كان يفرق بين فرنسا الاستعمارية وبين ثقافتها فهو يخبرنا بأن هوشي منه وفي آخر أيامه كان يطالب بأن يسمعوه أغاني موريس شوفالي Maurice Chevalier ولذا يمكن للفرد أن يكون العدو اللدود لفرنسا الاستعمارية ويبقي الصديق المخلص لثقافتها ونحن نعتقد بأن عباس فرحات قد كان يعتنق هذا المبدأ وهو يتحدث عن ذاته انطلاقا من هوشي منه ونحن هنا لا نقدم استنتاجات أو قراءات شخصية وإنما نحن ننقل وبأمانة ما قاله الرجل فهو يخبرنا بأنه قد بقي وفيا للثقافة الفرنسية وهذا لعدة اعتبارات منها أنها منحته حسا رفيعا وبها حارب إقطاعيات المال في الجزائر هذا الكلام نجده في كتابه الشباب الجزائري ولذا يمكن القول وبكل اطمئنان بأن الرجل من جهة قد كان يعادي فرنسا الاستعمارية ولذالك فهو يطالب بضرورة تصفية الاستعمار والذي ما هو إلا استعباد جماعي للشعوب ومن جهة أخرى فهو يطالب بجمهورية مستقلة مترابطة بروابط فيدرالية مع جمهورية فرنسية جديدة مناوئة للاستعمار ونحن هنا ننقل من كتابه ليل الاستعمار لأن الرجل كان يفرق بين فرنسا الاستعمار والتي كانت هي المنتصرة وإلى غاية نهاية الحرب العالمية الثانية وبين فرنسا شعلة الحضارة كما يصفها وفرنسا الثورة والجمهورية وحقوق الإنسان وهي من يجب أن تقوم على أنقاض فرنسا الاستعمارية وهذا هو الإطار الذي كان الرجل يناضل فيه ولأجله وهذه هي نقطة الاختلاف بينه وبين المحافظين ودعاة الاستقلال خصوصا ولذلك فقد كان هناك توافق وانسجام نفسي بين عباس فرحات من جهة وبين الثقافة الفرنسية من جهة أخرى ومعتقده هذا هو من سيجعله يتصادم مع الرئيس الأسبق السيد أحمد بن بلة والذي يقال بأنه قد كان مقربا من القاهرة وتوجهه قومي عربي ثم سيجعله يتصادم مرة أخرى الرئيس هوارى بومدين نظرا لتوجهات الأخير الاشتراكية في حين عباس فرحات كانت توجهاته ليبرالية .

 

خلف الله سمير / بن امهيدي

الجزائر / الطارف

في المثقف اليوم