قضايا

العراقيون .. بين ذكائهم وعقدة خلافهم

qassim salihyأقولها على مسؤوليتي .. ان العراقيين هم اكثر شعوب المنطقة في خلافاتهم مع الآخر. ففي تاريخهم الحديث .. لم يتفقوا على ملك من بينهم عند تشكيل دولتهم، فاستوردوا لهم ملكا من الحجاز. حتى بعد ان صار العراق ديمقراطيا .. لم يتفقوا .. بل ان احدى حكوماته تأخر تشكيلها تسعة أشهر .. وصولا الى المتظاهرين الذين لم يتفقوا على ممثلين لهم مع ان مطالبهم تخص الناس والوطن.

ويفيد التحليل السيكولوجي لهذه (العلّة) بوجود ثلاثة اسباب:

الأول:ان العراقي ورث عن جده السومري تعلقه بالدنيا. فالتاريخ يشير الى ان اسلافنا العراقيين كانوا دنيويين أكثر مقارنة بالاسلاف المصريين الذين كانوا آخرويين أكثر. وهذا يعني سيكولوجيا ان الانسان الآخروي يميل اكثر الى الزهد بالدنيا والتسامح مع الآخر، فيما الانسان الدنيوي يميل الى الخلاف مع الآخر لاسيما اذا تعلق الامر بالسلطة والثروة.

والثاني، ان العراقي تتحكم بشخصيته عقدة "تضخّم الأنا" .. في "توليفة" تجمع صفات من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية. فهي، لاسيما شخصية السياسي، تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب .. أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء، فيما تأخذ من الشخصيتين التسلطية والاحتوائية حاجتها الى ان يكون لها اتباع مطيعون، واحتواء الآخرين ماديا وفكريا.

والثالث، عقدة التعصب للهوية. فبعد ان كان العراقيون في العهدين الملكي والجمهوري الاول تجمعهم (الهوية الوطنية) والشعور العالي بالانتماء للعراق، صاروا اليوم موزعيين على هويات فرعية: مذهبية، عشائرية، قومية، دينية، وحتى جغرافية.

المفارقة، وهذا ما يفرح، أن العراقي .. سريع التعلم .. وان العراقيين، وفقا لدراسة بريطانية حديثة، هم اكثر شعوب المنطقة ذكاءا!. ولها نضيف ان الشخصية العراقية هي الأكثر قدرة على التحّمل، ليس على صعيد المنطقة .. بل على صعيد شعوب العالم، بدليل لو ان ما حدث لها على مدى (35)عاما من حروب وكوارث وفواجع وفقدان أحبة .. حدث لأي شعب آخر في العالم لكان في حال آخر .. فيما العراقيون واصلوا الحياة وتحدوا ما يعدّ مستحيلا وتحمّلوا ما يعدّ لا يطاق في مفاهيم الانسانية .. بل انهم قدموا انموذجا معاصرا لعلماء النفس يضيف ما هو جديد الى نظريات الشخصية.

في ضوء هاتين الحقيقتين المتضادتين في الشخصية العراقية(الخلاف مع الآخر، والذكاء وسرعة التعلم) .. كيف لنا ان نتعامل معهما بعد انتصارات أطاحت باليأس واحيت الأمل واشاعت التفاؤل بين الناس؟

ثلاث جهات تتحمل هذه المسؤولية .. السياسييون باشاعتهم قيمة المواطنة واحياء الشعور بالانتماء للوطن والكف عن استخدام مفردات الهويات الفرعية(المذهبية والعشائرية والمناطقية)، وخطباء الجوامع والمساجد بتغليب خطابهم الديني لغة التسامح واعلاء القيم الدينية التي تساوي بين الناس وتفاضل بينهم على اساس العمل الطيب وتقوى الله ومخافته، ووسائل الاعلام .. باحيائها القيم الأصيلة في المجتمع العراقي واشاعتها بين شباب الجيل الذين ولدوا في زمن الحروب وما افرزته من قيم سلبية .. اقبحها العنف والكراهية، ولكونهم يشكلون النسبة الأعلى والمؤثرة في المجتمع.

ان الرهان على الشخصية العراقية بتجاوز عقدتها النفسية في خلافها مع الآخر، سيكون مضمونا ان استثمرت هذه الجهات الثلاث ذكاء العراقيين وسرعة تعلمهم. ونحن على يقين بأن ما احدثته التظاهرات من وعي جماهيري، وما حققه العراقيون من انتصارات في جبهات القتال ضد الارهاب .. سيدفع النفوس الى ان تغتسل من عقدة الخلاف مع الآخر لتلتقي بقلوب نظيفة تشيع الحب والجمال بين الناس وتصنع السلام للوطن.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم