قضايا

علي الوردي (37): رفض مدرسة "الفن للفن" والتأكيد على الدور الاجتماعي للأدب

husan sarmakالوردي يرفض مفهوم الفن للفن: إن دعوة الوردي في مجال دور الأدب في الحياة وصلته بالمجتمع، والتي لم تُسمع وتُستوعب بصورة صحيحة، تقوم أساسا على ركيزة مهمة وهي إخلاص الأديب لدوره الاجتماعي . لقد رفض الوردي صراحة مبدأ الفن للفن، وأعلن دهشته ممن يدعون الناس إلى تأمّل مواطن الجمال في شعر "تأبّط شرّا" بينما الشرّ قد تأبطهم من كل جانب كما يقول:

(إنهم يريدون أن يكون الفن للفن ذاته . ومعنى هذا أن الأديب يجب أن لا يشغل نفسه بتلك المشكلات الاجتماعية التي ينوء بعبئها الناس، فهي في نظرهم تربك ذهن الأديب وتضعف فيه موهبة الإبداع) (263) .

والأدهى أن الحكومات آنذاك كانت تعمل وفق قاعدة مشوّهة تقوم على أساس الاهتمام بالمظاهر الثقافية الضخمة التي تجاري فيها الغرب، في الوقت الذي يتضوّر الشعب فيه جوعا . يقول الوردي:

(يُقال أن الحكومة - مثلا - تنوي أن تشيد دارا للأوبرا تكلّف بضعة ملايين من الدنانير . وأرجو أن لا يصحّ هذا الخبر، لاسيما ونحن نعلم أن في البلد ملايين الكادحين الذين يحسبون الأوبرا نوعا من "البقلاوة"، وهم يدعون الله أن يطعمهم إياها في الدنيا قبل الآخرة) (264) .

 

الكتّاب هم ورثة الأنبياء:

والوردي لا يكتفي بالدعوة إلى إحكام الصلة بين الأدب وهموم المجتمع ومشكلات الطبقات المسحوقة فحسب، بل يدعو إلى دور ثوري يضطلع به الكاتب . إنه يعتبر الكتّاب ورثة الأنبياء !! فخلال العصور القديمة كان الأنبياء والرُسُل هم الذين يقودون الناس في الثورة على الطغاة والحكام المترفين . ولكن بعد أن انقطعت النبوة بعد النبي محمد (ص) ظهر الكتّاب الذين يحرّكون عقول الناس ويوجهونهم ضد الطغاة وينشغلون بالمشكلات التي يعاني منها الناس . ويضرب الوردي مثلا عن الأديب الفرنسي "جان بول سارتر":

(يقول سارتر الأديب الفرنسي المعاصر: "أينما حلّ الظلم فنحن الكتّاب مسؤولون عنه . وعلى الكاتب أن يسمّي الشيء أولا، لأن اللغة توحي لنا الفكرة . وتسمية الشيء تُوجد هذا الشيء وتجعله حقيقة . فمثلا اضطهاد السود في أمريكا ليس شيئا ما دام ليس هناك كتّاب يقولون إنهم مضطهدون . وقبل أن يكتب أحد عن اضطهاد العبيد، ما كان أحد ليفكر أنهم مضطهدون، بل العبيد أنفسهم لم يكونوا يفكّرون في ذلك " .

إن هذا قول يؤيده علم الاجتماع تأييدا كبيرا، وقد دلّ التاريخ أن الظلم في حد ذاته لا يؤدي إلى أية حركة اجتماعية لدى من يعانون منه، إذ أن الإنسان قد يتحمل الظلم وهو ساكن راضخ يعتقد بأن ذلك مكتوب عليه في لوح القدر، وأن الدنيا فانية لا جدوى من الكفاح فيها . إن وقوع الظلم لا يحرّك الناس إذا لم يكن مصحوبا بالشعور الواعي وبالتذمر . وهنا تتضح وظيفة حَمَلة الأقلام، إذ هم يسمّون الأشياء بأسمائها ويضعون النقاط على الحروف . إنهم يقولون للمظلوم أنك مظلوم . ويكرّرون عليه ذلك مرّة بعد مرّة، حتى ينتفض الإحساس الخامد فيه . وبهذا يتحرك التاريخ ويسير في طريقه العتيد " (265) .

 

د. حسين سرمك حسن

 

في المثقف اليوم