قضايا

يأن المثقف تحت ثقل السياسة في العراق

emad aliليس المثقف ببعيد عن السياسة كما نعلم، ولا يمكن ان يعيش المثقف وان كان مستقلا حزبيا بعيدا عن الفكر والفلسفة والمواقف ازاء ما يحدث ويمسه. هل يمكن ان نصنف المثقف وفق ثقافته او خصوصيته الفكرية او انتماءاته المختلفة ومنها العائلية والدينية والحزبية والمذهبية والوظيفية او المهنية بشكل عام. الكاتب، الفنان، السياسي، المفكر، العالم، الاكاديمي، ويمكن ان نضيف الوجه الاجتماعي في العراق الان الذي له التاثير المباشر على الوعي والراي العام بعد اجتياح المصلحة الحزبية وسيطرتها على الاكثرية.

ما نعيشه في هذه المرحلة هو عسكرة المجتمع عدا ما تمكنت الجهات بسرعة غير مسبوقة من تسييسه بنسبة كبيرة او بشكل ربما نقول مطلق ان ابعدنا المنعزلين والمرتكنين في زوايا منسية، اصبحت السياسة التي لم تفد العراقيين بشيء عائقا وثقلا على عاتق المثقف وان كان مستقلا حزبيا .

كان بالامكان من تخفيف العبا الملقى على عاتق المثقف بدعمه من كافة الجوانب وتسهيل طريقه لايصال منتوجاته الفكرية الثقفاية بشكل عام الى المجتمع ويمكنه من تغيير الواقع بشكل سلس بموقفه وخطواته وتنظيراته وعمله على ارض الواقع . لكن ما نلمسه ليس الا التراوح في احسن الاحوال ان لم يكن التراجع اصلا . الوضع السياسي المتازم اضيفت اليه الازمة الاقتصادية والقلق من المستقبل القريب، وعدم راحة البال بعدما عانى كثيرا وتنفس الصعداء قليلا ولفترة قصيرة جدا . تدخلت الايادي العديدة في اثارة الفوضى التي نراها من الناحية الثقافية المجتمعية كانت ام النخوبية . لم اصدق عندما قرات ورايت واحتكت بنفسي بما هو المثقف عليه من التوجه والعقلية والنظرة الى المواضيع العامة والواقع والذي صدمني بعدما تاكدت من خلال البحث والتلاقي مع الكثيرين وتاكدت بانه مؤثر على الثقافة والمثقفين بشكل عام وليس بتوجهات فردية او شاذة كما كنت اعتقد من قبل .

هل من المعقول ان تؤمن انت المثقف البارع الكاتب المعتبر صاحب عقلية تنويرية بامور خرافية، لا بل تنصب كل جهودك من اجل تثبيتها وترويجها؟ اليس هذا ما يثير الشك في ثقافتك ونتاجاتك حتى الابداعية؟ اليس من المجحف ان تخلط بين عقيدتك العائلية والمجتمعية الدينية والمذهبية بثقافتك وترتبط بما يصدره المحيط اكثر من ايمانك انت بنفسك بما تقوم به؟ هل هذا خداع الذات ام العيش في فراغ ثقافي فرضته الظروف الخاصة او المصالح؟ فهل يمكن ان ننتج جيلا قارئا بما لدينا من الكتاب؟ اهل من المعقول ان يهتم الفنان بما لا يقبله العقل من الامور اليومية العامة؟ اليس من المفجع ان يعيد المفكر العالم ما يردده رجل الدين لاغراض دعائية دينية مذهبية لا صلة لها بالثقافة وا لعلوم؟ هل يصح ان يسير الاكاديمي كما المواطن البسيط في توجيهاته اليومية والتربوية لما له من احتكاك مباشر مع الاجيال؟ انه حقا الفوضى التي لا يوجد مثيلها في اية بقعة في العالم . ما السبب؟

باعتقادي المتواضع، ان السياسة والتحزب والمصلحة التي فرضت نفسها على العقيدة والاخلاق لم تدع استقلالية التفكير والتوجه والتعامل مع الحياة، وما فرضته التدخلات الخارجية من تغيير مسيرة الشعب الاقنصادية السياسية العامة، والتدخلات المباشرة في شؤون المواطن الخاصة اينما كان، ولم يفرقوا بين المثقف وغيره، ولاغراض شتى سواء بهدف افراغ العراق من الموجود الثري للثقافة او تسليبه بالطريقة التي سنحت لهم العمل عليه بسهولة ، وبالتالي فرض التغيير في عقليته وسلوكه بما يمكن ان يوصله الى حالة الحيرة بين الذات وا لواقع الذي يعيشه، وما يفرضه عليه من الاسلوب والتفكير المغاير لما يؤمن اصلا، وعليه تصديق ماهو غير الحقيقي والتضليل المسيطر، الى ان يصل الى مستوى من التغيير الذي لا يمكنه ان يعود الى حقيقته ويسير على المشوٌه مصدقا ما هو فيه وليس هو بمن هو الان ولا كما كان، وانفرطت حاله الثقافي والاجتماعي، وليس هناك ما يؤشر الى عودته سالما مسالما عقليا وثقافيا على الاقل الى ما كان عليه، وانه اصبح في مستوى لا ينتج الا ما فرض عليه خارجيا اي غير ملائم مع طبيعته وبيئته دون قناعة ذاتية،هذا بشكل عام .

اذا، السياسة في العراق بدلا من ان تكون يدا مساعدة لتجسيد الثقافة الحقيقية وما ورثه العراقيون من حضارتهم العميقة، فانها غيرتهم الى ما لا يقبله العقل في امورهم الثقافية . وهنا لا اتكلم عنهم بشكل مطلق ولكن عموما ارى واتعامل مع ما اكتبه واتاكد بشكل عملي .

هل من المعقول ان يقرا القاريء القليل العدد الموجود لحد الان المطبوعات المسلية الترفيهية غير المؤثرة اكثر من الكتابات الجدية من كافة النواحي؟ من جانب اخر، لم نر في العالم الراسمالي ابداعا الا وكان مدعوما من الاثرياء الذواقة والاغنياء المثقفين او من قبل الدولة في المناطق الاخرى، ولكن ما لدينا من اصحاب الاموال والاثرياء ليسوا الا رجال الحزب والعتبات والافكار التشويهية التي دخلت العراق في الاونة الاخيرة وفي اخر ايام الدكتاتورية، وكما نرى الدولة مشغولة باي شي لا صلة له بالثقافة والعلم والمعرفة، وما يدع المبدع ان لا يهتم باختصاصه وهو يعمل وفق ما فُرض عليه والذي لا صلة له بالثقافة والمثقفين. فهل من امل في العودة على الاقل واعادة دور المثقف ودعمه ومن ازدياد عدد القراء في هذا العصر الذي يؤثر عليه التقدم التكنولوجي والاتصالات، وهو ما يشغل اجيالنا اكثر من اي شيء اخر . اي، اضافة الى التراجع في مستوى الثقافة كما هو حال بلدان المنطقة بشكل عام نتيجة الظروف الموضوعية التي تؤثر عليهم فان العراق وصل لمستوى لا يمكن مقارنتها بهم ايضا ويمكن ان نوقل انه وصل الى الحضيض، وهذا ما ينذر الخطر لمستقبل اجيالنا ، فاين نحن من المرحلة الذهبية التي كانت الاجيال المثقفة الموجودة تقرا والاخر يطبع ويؤلف، عدا ما كانت الاقلام العراقية المبدعة هي كانت تؤلف بشكل متميز ايضا . اين الفنانين الذين يُشار اليهم بالبنان ولازالت نتاجاتهم فريدة . اين المبدعين من المفكرين والفنانين والعلماء الذين زودوا المنطقة بنتاجاتهم اكثر من اي دولة اخرى ؟ للنتظر ما يزيح المعرقلات، وهل يمكن التفاؤل بالشعب العراقي، وهو يملك تراثا كبيرا وغنيا ان ينفض الغبار عن عقله وفكره بحركة ابداعية ناتجة من العقلاء المبدعين الذي لازالوا منعزلين . هل تحين الفرصة لبروزهم ولاشغال هممهم ويبينوا حقيقة هذا الشعب وتاريخه .    

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم