قضايا

دموعنا على الحسيـــن .. وضوء للأصلاح

qassim salihyملايين تحيي اربعينية الحسين .. من العراق ودول عربية واسلامية وعالمية. وملايين صارت تمعن فكرها الان وضميرها الاخلاقي في معاني ثورة الحسين وفي هدفها النبيل الذي اوجزته مقولته الخالدة: (ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر). وهي المرة الاولى التي تحدث فيها اربعينيته وعيا اعمق وانضج في العراقيين يوجههم نحو اصلاح حال بلد الأنبياء والمقدسات.

ان التحليل الدقيق لمقولات الامام الحسين يجعلنا نستنتج انها تضمنت، وقبل اربعة عشر قرنا!، نفس القيم التي تبنتها حديثا منظمات حقوق الانسان المتمثلة بـ (العدل - والاخلاق - والحريات - والحقوق – والواجبات) .. ونفس التحذير الذي وجهته الامم المتحدة حديثا بان انتهاك حرية الانسان وكرامته يجر الى مآس واحتراب يلحق الخراب بالوطن ويشيع الكراهية والعنف بين مكونات المجتمع.ونفس الهدف الذي تبنته الدول المتحررة في دعواته الإصلاحية إلى صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية .. وتحديه الذلة التي يريدها الطغاة للأحرار، وتوعية الناس بدورهم الاخلاقي والاجتماعي والديني في الاصلاح، وتحذيره لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وفي اربعينيته هذه تجري، وللمرة الأولى ايضا، التوعية من قبل رجال الدين بأن الهدف الرئيس لثورة الأمام الحسين هو الدعوة الى اصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية من خلال توعية الناس بمواصفات الحاكم العادل الذي يحكم بالحق ويحترم آراء الناس ومعتقداتهم ويجعل القانون معيارا لهيبة الدولة ومشروعية حكمه، باعتماد مقولته (ع): (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله). وتوكيده على الحاكم ان يعمل بتعاليم الاسلام التي تؤكد على قيم العدالة بين الناس في امورهم المعيشية والخدمية وعدم معاقبتهم في ارزاقهم، وان لا يفرّق بين احد من الرعية على اساس القرابة او الطائفة او العشيرة فيكرم من يشاء ويحرم من يشاء، ولا يعتبر ما يجبى من زكاة وخراج (ثروة الوطن) ملكا خاصا به .. يشتري بها الضمائر والذمم ويسخرّها لمصلحته، وينفقها على ملذاته واشباع رغباته الدنيوية الزائلة.

وما لا يدركه كثيرون ان شرط الكفاءة والنزاهة الذي ندعو الآن اليه بوصفه احد وسائل الاصلاح، كان الامام الحسين قد تبناه بقوله: (إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله). مذكّراً بان دعواته الإصلاحية ما كانت للتنافس على الخلافة وإنما لإيجاد أرضية لعمل الحق مقابل الباطل بقوله: (اللهم إنك تعلم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك). ومن هنا جاءت ثورته من اجل حرية الناس وصيانة كرامتهم الإنسانية، ورفض الذلة التي اتبعها الطغاة وأتباعهم في تعاملهم مع الناس.

والحسين لم يحمّل الحاكم وحده مسؤولية ما يصيب الوطن من خراب بل والناس ايضا بقوله (ع): (ولكنكم مكنتم الظلمة في منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، إقتداءً بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس".

سلاما على فكرك النيّر سيد الشهداء ودعوتك الصادقة للآصلاح، وعهدا لك منّا نحن العراقيين .. ان دموعنا في اربعينيتك ياسيدي سنتوضأ بها نحن الذين عقدنا العزم على الاصلاح .. وتغتسل بها النفوس التي استوطنها اليأس.

 

د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم