قضايا

وحدة المعنى الإنساني!!

المعنى الإنساني المُعبّر عنه بالكلام والسلوك، وحتى الوقفة وطبيعة النظرة والإحساس والشعور، وأساليب التفاعل الخفية والظاهرة، ترى كيف يتآلف، وهل أنه حالة منعزلة أم متفاعلة مع مفردات وعناصر المحيط الكوني المتواشج مع المخلوق؟

لو أخرجنا الإنسان من كيانه البدني، ورأيناه ضمن الصورة الكونية الكبرى، لتبين بأنه تكثيف متناسق لنبضات الوجود الحي المتكامل المتفاعل الدوّار.

إنه محتوى مختصر لصيرورة أزلية أبدية، نابضة بالمستجدات الخصبة الواعدة بمطلق الولادات.

هذا المحتوى الكثيف يمثل حركة تفاعلية، ذات غايات ومنطلقات كامنة وخفية، قد يدركها أو يتصورها أو يتحسسها أو يجهلها أو يحسب أنه لعبة في يديها.

وحقيقة ما يبدو من الإنسان ، كالذي يبدو من جبل الثلج في مياه المحيطات، نرى شيئا منه ولا نراه، فنغنم بما يمكننا منه ولا نغنمه.

ووفقا لإمكانيات التواصل مع ذلك الجزء المرئي، بقدراتنا المعرفية ومناظيرنا الإدراكية، تكون الصورة ويتحقق التواصل، الذي يؤدي إلى نظريات وإستنتاجات تبدو وكأنها صحيحة وصائبة.

وكلما تمكن أحدنا من الغوص أكثر وتلمس حجم الموجود الفاعل، إزدادت قدرته على إستحضار رؤية أخرى، وإتسعت آفاق معرفته وتزعزعت أمامه ركائز نظريات طافية على وجه مياه المجهول.

ولهذا فأن النظريات لا تعرف الثبات، والصياغات تتجدد لسبر أعماق الذات والعقل والسلوك الإنساني.

وعندما يضاف إلى عناصر كينونته الطاقات الروحية، ومعارج المدارك العلوية، وسرعة الدوران البرهاني، والتجلي اليقيني، تصبح الصورة أبعد من قدرات الإنسان على وعي الإنسان.

وهذا يعني أن الإنسان قاصر عن الوصول إلى حقيقة الإنسان، فالذي يدرك الخفايا وطبائع الأعماق هو الذي أوجدها وصانعها، فالمخترع أدرى بما إخترعه، والصانع يعلم أسرار المصنوع، ولا يوجد فرد حي صانع، فكل ما يُصنع نتاج تفاعل عقول وعقول.

ولكي تدرك ما لم تصنع تحتاج إلى جمهرة عقول، ترى من زوايا ذات درجات معرفية معينة،

ومع هذا التفاعل لا يمكن الخلاص إلى حقيقة المعنى، وإدراك جوهر الكينونة الذاتية والروحية والنفسية والعقلية للإنسان.

وفي هذا المعترك الصاخب، يقف المخلوق البشري متحيرا وساعيا إلى علياء الرؤى، وأنوار الإشراقات المتلألئة في مشكاة علم اليقين.

 

ولذلك فأن معارفنا قاصرة، ونظرياتنا نسبية، ومتفقة مع ما في أوعية مداركنا من معارف وعلوم. ومهما توهمنا المعرفة، فأن فوق كل ذي علم عليم، وأن البحر مداد الحروف المطلقة، التي لا يكفيها عطاءات السماوات أجمعين مهما تعاظم مدرارها الغزير.

فقل ربي زدني علما، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا!!

وأن الإنسان لمعجزة كبرى، والعقل لكون مطلق فسيح!!

فاسْألِ الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ويتساءلون عن كنه السر الأعظم، ويبحثون في جوهر المعنى الأكبر!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم