قضايا

قصة عيد الشكر و فروة الرأس وقصص أخرى لتاريخ دموي

saieb khalilيحتفل الأمريكان هذه الأيام بـ "عيد الشكر".. لكن ليس جميعهم! السكان الأصليين لا يحتفلون، ولا يشكرون الله على مجازر إبادتهم! عيد الشكر بالنسبة لهم ليس مناسبة إنسانية دينية، بل مثل معظم مناسبات تلك الدولة، ذكرى مذابح ودماء ووحشية تفوق الخيال.. هم يحاولون طمسها، لكن الحقيقة هي إنها ليست سوى قصة أخرى من تاريخ غارق بدماء البشرية حتى أذنيه!

 

قصة عيد الشكر

نزلت في عام 1614 عصبة من المستكشفين الإنكليز في جوار خليج، ماساشوستس، وعندما عادوا الى الوطن اخذوا معهم بعض العبيد من السكان الأصليين وتركوا لهم الحصبة والجدري لتفتك بهم وتكاد تبيد سكان نيو انكلاند لعدم مناعتهم ضدها.

كان البيورتانيون متطرفين دينيين دفعوا الى الرحيل خارج انكلترا، فانشأوا مستوطنة في اميركا اسموها "مزارع بلايموث" قرب اطلال قرية للسكان الأصليين المبادين من الـ "باوتوكسيت". من تلك القرية كان قد بقي على قيد الحياة رجل واحد يدعى "سكوانتو" كان قد قضى بعض حياته كعبد للإنكليز، لذا كان يعرف الإنكليزية بدرجة ما.

عانى البيورتانيون الجوع والمرض حتى كاد يقضي عليهم، فجاء سكوانتو لإنقاذهم وعلمهم اين وكيف يصطادون السمك واي النباتات والفواكه والأعشاب تصلح غذاء. كذلك قام بالمفاوضة لإنقاذ البيورتانيون من قبيلة الـ "وامبانواك" الكبيرة وعقد سلام معها، واثمر ذلك عن 15 عشر عاماً من الوئام للبيورتانيون مع محيطهم الجديد. في السنة الأولى لحياتهم بعد ان كانت مهددة بالموت جوعاً، اقام البيورتانيون حفلاً لتكريم سكوانتو واصدقائهم الوامبانواك، اعقبه ثلاثة ايام من "عيد الشكر".

حين وصلت اخبار الحياة الجيدة للبيورتانيون الى انكلترا تكاثر القادمون منهم في السنوات التالية وارادوا بالقوة فرض نظامهم على الهنود الحمر الذين كانوا يعيشون في مشاعية لا تعرف الملكية الخاصة للأرض والماشية، فساروا يحتلون الأراضي في الداخل بعيدا عن الشاطئ مسلحين بالعنف وبمقولات انجيلية اهمها(Psalm2:8 )

"إن تطلب مني، منحتك الملحدين ميراثاً واطراف الأرض امتلاكاً"(*)

حتى التقوا بقبائل "البيكوت" شديدة البأس.

يكتب المؤرخ فرانسيس جننكز: اقترح ماسون تجنب مهاجمة محاربي هنود البيكوت الأشداء وفضل تدبير مذبحة. حاصر المستوطنون قرية البيكوت المحصنة الواقعة على نهر مايستك، وفي الفجر حين كان الهنود يغطون في نومهم احرق البيوريتانيون البروتستانتيون القرية.

كتب وليام برادفورد، حاكم بلايموث:"الذين تمكنوا من الهرب من النار ذبحوا بالسيف، وتم تقطيع بعضهم الى اشلاء.(....) كان منظرا مخيفا حين كانوا يشوون بالنار، وكانت رائحة الشواء فضيعة، لكن النصر كان لذيذا، وقدموا (المستوطنون) الصلوات من اجله لله الذي وقف معهم. وبعد مراجعة الكتاب المقدس : ليفيتكوس 24: 44، وجد المستوطنون فيها التبرير لقتل معظم رجال البيكوت واخذ نسائهم واطفالهم سبايا وعبيد.

كتب ماسون عن ذلك قائلاً: "يسأل احياناً الا يفترض بالمسيحيين ان يكونوا أكثر رحمة وتعاطفاً؟ ولكن.. احياناً ترشدنا النصوص (الدينية) ان على الأطفال ان يفنوا مع آبائهم، وقد كان لدينا ما يكفي من النور من كلمة الله لما قمنا به." (1)

تعاون الهولنديون والبيورتانيون لإبادة جميع سكان نيو انكلاند الأصليين، وعقب مذبحة "ناجحة" بشكل خاص في ما يسمى اليوم "ستانفورد" في كونيكتيكوت، اعلنت كنائس مانهاتن يوم "عيد الشكر" انتصاراً على "المتوحشين"، وكان هذا ثاني احتفال بـ "عيد الشكر". وفي الاحتفالات لعب المستوطنون الكرة في شوارع مانهاتن برؤوس الهنود التي قطعوها في المعارك. كذلك قام المستوطنون بقطع عضو الذكر لأسير هندي وخصيتيه، ثم تم سلخه حياً واجبر على تناول قطع من لحمه بينما كان الحاكم الهولندي "كيفت" يتفرج ويضحك. أثارت الإحتفالات الرغبة العارمة بالقتل حيث كان يحتفل بـ "عيد شكر" كلما تم انجاز مذبحة جديدة للهنود الحمر من البيكوت، وحتى قبيلة الـ "وامبانواك" المسالمة لم تسلم من المذابح، فقطع المستوطنون رأس زعيمها ووضعوه على رأس عمود في "بلايموث" حيث بقي لمدة اربعة وعشرين عاماً!

استمرت الحال وكانت كل مدينة تقيم "اعياد الشكر" الخاصة بها كلما حققت نصراً على السكان الأصليين حتى قرر جورج واشنطن ضرورة وقف الفوضى وحدد يوماً واحداً تحتفل به الأمة الأمريكية كـ "عيد الشكر".(2)

 867-SAEB

جائزة فروة الرأس

في عام 1641 عرض "كيفت"، الحاكم الهولندي في مانهاتن لأول مرة "جائزة فروة الرأس" (scalp bounty) حيث تقدم الحكومة مبلغاً من المال لكل من يجلب لها فروة رأس رجل هندي، ونصف المبلغ لفروات رؤوس النساء والأطفال. (2)

عرض الحاكم موريس الأسباني عام 1756، مبلغ 130 دولار اسباني مقابل فروة كل هندي ذكر يزيد على الثانية عشر وخمسين دولاراً لفروة كل امرأة هندية.

بالرغم من ان الجيش كان قد اكمل ابعاد الهنود، الا ان مكافأة فروة الرأس شجعت المستوطنين على القيام بغارات على القرى الهندية كلما سنحت لهم الفرصة. في 1703 دفعت ماساشوستس 12 باوند لكل فروة رأس هندي، وفي 1723 وصلت الجائزة إلى 100 باوند.

اما الفرنسيون فقد استعملوا طريقة جائزة فروة الرأس للقضاء على قبيلة مسالمة في "نيوفوندلاند"

 

كريستوفر كولومبوس:

وصف كولومبوس سكان الإنديز الغربية الأراواكس بانهم قوم خجولين بسطاء احرار وكرماء. ثم جازاهم بالموت والعبودية. بفضل رحلته الثانية الى الأمريكتين حصل على لقب ادميرال البحر المحيط، وراح يطلق العنان لفترة من الإرهاب لم ير العالم مثلها قبل ذلك. وعندما انتهى من عمله كان ثمانية ملايين من الـ اراواكاس، ويمثلون تقريبا مجموع سكان هسبانيولا، قد ابيدوا عن اخرهم بالتعذيب والقتل والسخرة والموت جوعا والمرض واليأس.

 

المستعمرون والهنود

في عام 1606 اعطى الملك جاكوب الأول شركتين انكليزيتين حق استعمار اميركا الشمالية بين خطي العرض 34 و 45، واسست الشركتان مستعمرة "جيمستاون" واسموا المنطقة المحيطة "فرجينيا"، التي وصفها قائد المستعمرة الإنكليزي قائلاً: "لم يسبق ان اتحدت الأرض والسماء بهذا الإنسجام المتكامل لتمنح سكناً رائعاً للبشر". المشكلة ان المكان كان محل سكن جماعة اخرى، عبارة عن اتحاد هنود "البوهاتان".

بعد حوالي سنتين اصابت المستعمرة مجاعة في شتاء 1609- 1610، ولم يبق من المستعمرين الـ 600 غير 50 شخصاً، اما الباقي فمات اكثرهم ولجأ اخرون الى البوهاتان من اجل الطعام. وحين طلب المستعمرون طرد اللاجئين اليه منهم، رفض بإباء فقتل المستعمرون 15 هنديا واشعلوا الأكواخ ودمروا الحقول. ثم امسكوا زوجة الزعيم وطفليها وساروا بهم في قارب تجديف، ثم القوا بالطفلين في الماء واطلقوا النار عليهما امام عين امهما، التي قتلوها بعد ذلك بالسكين.

لم ينجر البوهاتان الى الحرب إلا بعد عقد من السنين حيث هاجموا المستوطنين وقتلوا المئات منهم عام 1622.

 

وصف الرحالة الإسباني دي لاس كاساس

كتب باري لوبير ملخصاً وصف الرحالة الإسباني دي لاس كاساس لمشاهد الرعب والقتل فيقول: "في احد الأيام، قام الإسبان امام عيني كاساس، بتقطيع اطراف ورؤوس واغتصاب لـ 3000 الاف انسان" يقول كاساس: "لقد كنت شاهد عيان على مثل هذه الوحشية واللاانسانية، التي لا تقارن بجرائم اي عصر، فقد قام الإسبان بقطع ارجل الأطفال الذين كانوا يفرون امامهم ويصبون على الناس الصابون المغلي. كانوا يتراهنون من يستطيع بضربة سيف واحدة ان يشطر الإنسان الى نصفين، ويطلقون الكلاب التي تندفع لتلتهم الهنود كالخنازير بمجرد رؤيتهم وبلحظة واحدة. لقد استعملوا الأطفال الرضع طعاماً للكلاب.

 

البريطانيين:

من البداية اعتبر الإسبان السكان الأصليين في اميركا كعبيد طبيعيين، حيوانات حمل، ونوع من الغنائم. وعندما كان اجهادهم بالعمل حتى الموت اكثر اقتصادية من معاملتهم بشكل انساني، كانوا يجهدونهم حتى الموت. اما الإنكليز فلم يجدوا اية فائدة للسكان الأصليين. لقد كانوا ينظرون اليهم كعبدة الشيطان، متوحشين الى درجة لا تستطيع الكنيسة معها ان تعدلهم، فصار استئصالهم سياسة مقبولة بشكل متزايد.

 

الأمريكان:

في اوائل القرن الثامن عشر، حفزت ولايات ماساشوستس، كنيكتيكت ونيوجرسي التصفية العرقية لسكان الولايات الأصليين باقرار "بدل فروة الرأس" للهنود القتلى. ففي عام 1703، دفعت ولاية ماساشوستس 12 باوند لكل فروة رأس هندي وفي عام 1723 تضاعفت الجائزة الى 100 باوند.

قارن جورج واشنطن الهنود الحمر بالذئاب "وحوش مفترسة" ودعا الى القضاء التام عليهم، وفي عام 1814 اشرف اندرو جاكسون على عملية تقطيع اوصال 800 او اكثر من جثث هنود الـ "كريك"، والذي كان جنوده قد قتلوهم

أترككم اخيراً مع هذه الأغنية الفرنسية التي تحكي قصة الحضارة الأمريكية التي قامت على أنقاض الهنود الحمر.(3)

 

.........................

(*) ترجمتي عن الهولندية:

Eis van Mij، en Ik zal de heidenen geven tot Uw erfdeel، en de einden der aarde tot Uw bezitting.

ملاحظة: نشرت هذه المقالة تحت عنوان "الهنود الحمر يجيبون وفاء سلطان" في عام 2007

(1) http://irelandsown.net/nativeblood.html

(2) http://www.aaanativearts.com/article937.html

(3) - ‫الأغنية الفرنسية التي لا يحبها الأمريكيون - الهندي

- https://www.youtube.com/watch?v=qbYmw19yzdw&feature=youtu.be

في المثقف اليوم