قضايا

بناء الإنسان يظهر أبنيته النفسية!!

asaad alemaraالبناء النفسي للإنسان يعكس شخصيته، بل يظهر أبنيته النفسية، من هو هذا الإنسان؟ هذا السؤال يكشف عن أعمق أحوال الإنسان وقدره المصنوع بصنعه!

أن السلوك الذي يتعامل به البعض منا يكشف حقيقة الشخصية، ليس في ضبطه وسيطرته على نفسه فحسب، بل في هفواته وزلاته، والأغرب من ذلك محكات الحياة العديدة التي تظهر تلك الحقيقة. فالملل حينما يتسرب يكشف لنا حقيقة ما بدواخلنا، والأزمة النفسية التي تعصف بنا ويكون القلق هو ديدن حضورها ووجودها، له الوقع الكبير على دواخلنا، فضلا عن الأزمة العصبية وهي البضاعة الأكثر رواجًا في عصرنا، عصر التحضر والتطورات السريعه، عصر العالم الافتراضي، عالم المجتمع الأوسع على الاطلاق، العالم الافتراضي بكل مؤسساته، أنه عالم بلا قيود ولا ضوابط، وبدونه اليوم سيسقط الملايين في بؤرة الاكتئاب العميق، لو أفترضنا وحذف هذا العالم من الوجود وحظر التعامل به بين ملايين البشر، لكشرت كل الاضطرابات النفسية والعقلية عن انيابها في أفتراس الناس، لا في العالم المتحضر فحسب، بل في العالم غير المتحضر الذي أخترقته هذه الأوبئة أيضا، عوالم الافتراض.

أليس الكثير منا عصف به القلق في لحظات جعلته يفقد السيطره على نفسه فيلوذ إلى عالمه الخاص وهو عالم المجموعات "الكروبات" في التنفيس عن ما تشعر به النفس وعن ما يلوج في حناياها!!

أن بناء الإنسان لم يعد قويًا كما نعتقد، ولا يمكن مقارنته ببناء الأبنية والمنشأت الكونكريتيه، أو ناطحات السحاب أو الابراح الشاهقة التي تخترق السماء، أو الشوارع الجميلة المرصوفه بأنواع الزهور أو التماثيل أو الاعمدة أو كل ما هو جميل، وهي رغم ذلك من صنع عقل الإنسان وما تموج به دواخله من متاهات للأفكار وإبداعات لا تنتهي، ولكن يبقى بناء الإنسان هش، وما صنعه بيده في الواقع صلب من أبنية مادية، ومباني عظيمه تبهر من ينظر إليها، ولكن دواخلنا هي التي لا نستطيع أن نضمن متانتها، ولدينا الدليل القاطع على ذلك، فحينما ينزل القلق بوصفه ضيفًا ينزل علينا من حيث لا ندري فنستقبله أحيانا بقدر من المضض لأنه نذير بخطر لا نعرف مصدره، فيردنا إلى حال من تدهور سريع إن لم نصده ونوقفه، إن استطعنا، فسوف يزلزل الكيان النفسي والعصبي فنستشعر بعدم جدوى هذا الكون في نظرنا، فتسوء أحوالنا وتذيع في قلوبنا الرعب من القادم الذي قد يضرب أحشائنا، ويمكنه أن يمزق هذا النسيج الجميل من الفرح ويأخذ البعض منا إلى الكآبه، والبعض الآخر إلى الوساوس، ومنا من يقوده إلى الهذاءات أو التفكير بصوت مسموع، وما أكثرهم في عالمنا اليوم، نشاهدهم بيننا وقد عصف بهم تهدم ركن واحد فقط من البناء النفسي للإنسان، وهو عقله!! ما أفظع الإنسان وهو قوي، وما أضعفه وهو واهن ضعيف، بدون مرض واضح، لكنه أنهار تحت وطأة ضربات العالم الخارجي، أو حتى الداخلي، فسقط صريع أفكاره.

يقول استاذ الاجيال البروفيسور"مصطفى زيور" إن القلق الشديد يولد الاغتراب وما ينشأ عنه من رهاب أو هذيان وظيفتهما أن يعيدا إلينا المكانية والزمانية. ونقول أن قوة بناء الإنسان تقوم على ادراك الإنسان لثلاثية الوجود الحتمية وهي الإنتماء إلى المستقبل والماضي والحاضر، هذه الثلاثية هي نسيج الحياة، ونسيج البناء النفسي للإنسان.

لو أخذنا هذه الثلاثية كمتغير يحرك معنى الحياة عند أجيالنا لوجدنا أن شعوبنا تفتقد لهذه الثلاثية، لا الحاضر مريح، ولا المستقبل مضمون، أما الماضي فلدى البعض جميل ورائع، ولدى البعض مليء بالمآسي والآزمات التي ما زالت مستمره، وهو مرشح قوي لأن يسقط إلى أسفل الهاوية في هذا المخاض غير المنتهي في صراع الحياة، متى يأتي الآمل؟ متى يخف هذا الصراع؟ متى أكون كما أريد؟ هي الأسئلة المحيرة التي يعيشها إنساننا اليوم، لا الهروب بالهجرة، خففت وطاة الإغتراب، ولا إمتلاك بيت أو سياره أو شهادة أو عمل ثابت، خفف وطأة هذا الصراع غير المنتهي؟ أنه الإنسان المعاصر وآزماته وأبنيته التي وضع أسسها بنفسه، وصنع نفسه بنفسه، ولا ندري هل يقول أن ذاتي التي كانت لي فيما مضى تجري بعيدًا ويستحيل عليّ أن الحق بها، ولا يفارقني الشعور بأنني لست أنا، بل شخصًا آخر.

 

د.أسعد الاماره

استاذ جامعي وباحث نفسي

 

في المثقف اليوم