قضايا

التأريخويّه!!

هي الهوس الإنفعالي المنحرف بتأريخ متصوّر وفقا لما يُراد له أن يُرى، وهي أشبة بالوهم الإدراكي الذي يعيق التبصر، ويمنع الفهم والمعرفة ويرفض التجدد والرؤية العقلانية العلمية، التي تصنع منطقا وفهما مقبولا ومتفقا مع معطيات عصره.

وهذه العاهة تتسبب بتداعيات سلوكية خطيرة تدمر البنية الإجتماعية في أي مجتمع، وتأخذه إلى مسارات ماحقة لذاته وموضوعه.

وتتحقق وتدوم وتتعضل بالتكرار المرير للإنحرافات التصورية، المشحونة بطاقات إنفعالية ذات مردودات سلبية على الحاضر والمستقبل.

وهي عاهة مستوطنة ومستفحلة في بلاد العرب أوطاني، أدّت إلى ما هو قائم في حياتهم اليوم من المرارات والنكبات والويلات المتصاخبة، والمحكومة بطاعون التأريخيويه.

فما أن تجتمع مع إخوانك وأصدقائك من بقاع البلاد العربية حتى تشم رائحة التصورات التأريخية، فتستمع لرؤاهم المعتقة بأقبية الغابرات الظلماء، ويشتد ما بينهم النقاش على موضوعات أكل عليها الدهر وشرب ألف مرة ومرة، وعندما تريد أن تأخذهم إلى عوالم أخرى معاصرة تستشعر قوة إنغماسهم بما مضى وما إنقضى، وتمترسهم بترس التصورات التأريخية المطعمة بخمور الإنفعالات والعواطف الحامية جدا.

وكأن المجتمع العربي يعيش في عالم آخر، ومنقطع عمّا حوله وفيه، ولا يريد أن يرى إلا ما كان وكيف يجب أن يكون عندما كان، فالمتحدث يجب أن يُقرّ بأن ما حدث كان عليه أن يحصل كما تمليه التصورات التاريخية المحشوة فيه، وعندما تتساءل عن كينونة الحاضر والمستقبل، يكون السؤال مرفوضا وكأنك تتعدى وتُهين الحاضرين.

وتكشف وسائل التواصل الإجتماعي هذه العاهة بأعراضها وعلاماتها ومضاعفاتها ودرجات إزمانها، وآليات الإدمان عليها، حتى لتشعر بالقرف والتقيؤ مما يتم تداوله من ضلالات وهذيانات وإنحرافات، وعاهات مولود من رحم العاهة الكبرة.

ويغيب الشعور بالعيب والخجل من تناول موضوعات ضارة لا تنفع أحدا، وإنما تتسبب بأوبئة سلوكية ذات مخاطر جسيمة وخسائر كبيرة وتفاعلات وخيمة، تجمعها الشراسة والعدوانية والأساليب العنيفة المُهلكة.

فهل من قدرة على الشفاء من عاهة التأريخوية، والتفاعل مع مفردات العصر، والنظر بقلب سليم وعين عقل عليم؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم