قضايا

الجريمة دينها الإجرام!!

الجريمة تؤمن وتعتقد وتدين بالإجرام، ولا دين عندها إلا الإجرام، ولا يمكن ربط الجريمة بدين غير الإجرام.

فأول جريمة عرفتها البشرية - كما مدوّن في موروثها- تحققت وعدد البشر ستة فقط، والستة من دين واحد وذوي قرابة جينية قوية جدا، لكن الجريمة عندما حصلت بقتل قابيل لأخية هابيل، أوجد القاتل ما يبرر ويعزز قيامه بقتل أخيه، ومنبعه إرادة النفس الأمّارة بالسوء، التي تأججت بفعل رغباته ونزواته وتطلعاته الغريزية المنفلتة، فأذهبت حكمته وشوشت بصيرته ورغّبته بسفك الدماء.

وهذا ينطبق على أية جريمة حصلت وتحصل منذ ذلك اليوم الأليم، وهو ذات المنطلق الإجرامي الدائم الإنصباب في نفوس المجرمين أجمعين.

ومن المعروف في علم الإجرام أن المجرم يجرّد ضحيته من حقها في الحياة، ويحسبها تستحق الموت، ويُراكم المسوغات الكفيلة بقتلها، وعادة ما يربط ذلك بإرادة قِوى عُليا أو توجّه حقق فيه طاقات إنفعالية ذات قدرات عمياوية وتصندقية، وتمترسية في غياهب أوهامها وضلالاتها العدوانية، فيندفع نحو جريمته بقوة وقناعة، وحتى بعد أن يقترف فعلته، تراه يدافع عن نفسه ويتهم الضحية بأنها هي التي دفعته لقتلها وبأنها تستحق العقاب لا هو.

فعلها هولاكو ومَن سار على نهجه من قبله وبعده، ومَن إتخذوا طريقه سبيلا لتبرير جرائمهم الكبرى ضد الإنسانية والأخوّة الآدمية السمحاء، وقد كان هولاكو يبرر ما يقوم به من شنائع وفظائع بأنها تعبير عن إرادة ربه، الذي سلطه على رقاب الناس ومصائرهم لينفذ حكمه فيهم.

وجرائم القتل بأنواعها سواءً قتل النفس أو قتل النفس والآخر أو قتل الآخرين، لا يمكنها أن تحصل إلا عندما يتجسد في وعي المجرم أن الهدف يستحق القيام بما سيقوم به من الإجرام نحوه، وأسهل السبل التي يميل إليها هو أن يدّعي إنتماءً ما، وفقا لتأويلاته ورؤاه، يؤهله ويتوافق مع النوازع الإجرامية المتأججة في دنياه، فتراه يميل للتطرف والإنحراف والإنتساب لأحزاب وجماعات تساهم بتعزيز رغباته السيئة، وتضفي عليها ما يؤهلها للإنفلات.

فالأديان والمعتقدات والأحزاب وجميع الإنتماءات الأخرى، وبلا إستثناء، يمكن إمتطاؤها للقيام بأبشع ما يمكن القيام به من الفظائع البشرية.

حصل ذلك في القرون السابقة وحتى القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين تأكد في ألمانيا وجيرانها والصين والإتحاد السوفياتي سابقا، وغيرها من الدول والمجتمعات، والفرق القائم اليوم هو أن قدرات التواصل الإجتماعي في عصرنا، ذات إمكانيات فائقة على نقل ما يحصل في أي مكان بأسرع من البرق، حتى ليتوهم الناس بأن الدنيا على شفا جحيم ومضطرب لا مثيل له من قبل.

فعلينا أن نتيقظ ونتنبّه ونعي الواقع والوقائع، ونقرؤها بعيون عقلانية علمية بحثية مجردة من الإنفعالات، والتأجيج العاطفي المحسوب والمطلوب لتحقيق أغراض ونوايا خطيرة كامنة في نفوس مريضة ساعية لجحيمات الضياع والخراب المقيم.

فالإجرام عالم قائم بذاته ولا يمكن إقرانه بدين، بل هو أسبق من جميع الأديان، ويجب أن يُحاسب المجرم وفقا للقانون، ومن الظلم أن يؤخذ الآخرون بجريرته وإثمه، ومن الواجب أن تُدرس الأسباب المؤدية للجريمة، وتبتكر الحلول والمقترحات اللازمة لمنع تكرارها، ووقاية الأجيال من أضرارها وتأثيراتها المدمرة للمجتمع.

وعلينا أن نتذكر دائما أن دين المجرمين هو الإجرام وحسب، وإدّعاء المجرم بأي دين آخر جريمة كبرى ضد ذلك الدين!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم