قضايا

بقاء التاريخ مرتبط ببقاء الصراع الطبقي

emad aliما اعنيه هنا بالتاريخ هو ما نعيش فيه وما يتصف به العالم من الناحية الفكرية الفلسفية الانسانية وما تراكمت جراء مساره والزمن الذي استقره، وليس مسير التاريخ بشكل مجرد كما يعتقد البعض انه يصل الى نهايته بعد الوصول الى وضع وواقع لا يجوز ان يكون هناك دافع للصراع الطبقي، والذي اعتمده صاموئيل هنتغتون في صراع الحضارات واختزله فوكوياما في نظام ليبرالي براغماتي، لانه اعتقد ان الحياة وصلت الى افضل حالها، وهي الخيار الاخير ونهاية الصراع المحتدم بين القوى الكبرى. وكما بيّنه ووضحه فرانسيس فوكوياما وفق نظريته ونظرته الى العالم الراسمالي الليبرالي وبين ندمه الى حد ما في كتابات اخرى فيما بعدها، ووفق ما ذهب اليه انه يعتقد اننا نصل الى تاريخ لا داعي لتسجيله، لانه سيبقى على حال لا يمكن التفريق بين يوم واخر او التمييز بين مرحلة واخرى على طول مساره الطويل الى مالانهاية. اما هذا اعادة لعقارب الساعة باعتماد على مفهوم مشابه وقصة مثيرة للجدل في السابق، واثبتت خطاها، الا انه من الممكن ان يحدث ذلك قبل نهاية التاريخ وهو نهاية الصراع الايديولوجي عند تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وعيش بالامان والسلام والتوصل الى حلول بالحوارات وضمان العيش الرغيد للمجتمع الانساني وو تكافؤ الفرص للجميع في حياتهم المعيشية . ولا يحدث هذا طالما كانت هناك طبقات مختلفة عن بعضها من كافة النواحي سواء من جانب امكانياتهم ااتية او في وجودهم على البنى التحتية المختلفة عن بعضها او حملهم واعتناقهم وايمانهم ببنى فوقية مختلفة ايضا، وهذا يحتاج الى الاف السنين وربما الملايين لتسويته. ومن بعد ذلك يمكن ان نعتقد بان الحياة يمكن ان تسير على نمط واحد هاديء بعيد عن التخلخل والفوضى.

استعجلت امريكا في عمل مطابخها الخلفية من عملية نضج فكر او ايديولوجيا باسم من اختارتهم مخازنها الفكرية الاستراتيجية العاملة لفرض فكر فوقي كما فعلت من الناحية السياسية العسكرية، سواء غير عالمة بانه ليس بمقدورها تصدير فكر او فلسفة غير حقيقية مقارنة بسياسة او توجه . فاصطدمت بواقع مغاير وانكشف زيف ادعاءات نهاية التاريخ وسيطرة الليبرالية البراغماتية، وواجهت عراقيل لا حصر لها في اثبات احقيتها .

و هذا امر طبيعي، لا يمكن ان يصح الحقيقة في اي امر فلسفي باجحاف او فرض فوقي، وان تمكنت لمدة معينة فانه سينكشف امره في النهاية . طالما نحن نعيش في عالم فيه من الصراعات الطبقية اللامحدودة لها، وتشهد كل بقعة صراعا واحتداما، ولم تصل الانسانية الى ما يعتقد الانسان بانه في افضل حالاته، فلابد ان يستمر الصراع وتدوم المنافسة وهذا يعني لانهاية للتاريخ في المستقبل المنظور

اما ما خططته مراكز الفكر المجتهدة لدى امريكا، لم كن في وقته او موقعه، وانما جاء نتيجة انبهارها وسعادتها المبالغة من انهيار الاتحاد السوفيتي، ومحاولة الدوام في الضربات بعد ذلك من اجل الضربة القاضية للعالم الاشتراكي بشكل نهائي، معتقدة بانها ستتمكن من خدع العالم بتضليلات فكرية خارجة من مافع ومصالح ذاتية فقط .

و من الاختلافات الموجودة بين عامة الناس، بحيث تقف الطبقات، على مسافات مبتعدة عن البعض وهي تصارع من اجل مصالح ذاتية، لابد ان تنتج عنها افكار متوائمة مع الواقع، اي كلما تغير الواقع او حياة الناس انبثقت افكار مخالفة لما قبلها وتنبثق منها بالتالي عوامل تغيير تدفع الى مرحلة مغايرة، ومن هنا يمكن ان نجد ما ينبثق من فكر وايديولوجيا جديدة مستند على فلسفات مغايرة نتيجة تغيير الثقافات وسعة فهم الناس لما هو المتغير حتما لما قبله . ونستدل من هذا كيفما اسدل الستار عن ترويج نهاية الايديولوجيات من قبل سيكون مصير نهاية التاريخ للمرحلة الحالية كما هي، وبه ستكون اداعاءت فوكوياما مجرد تمنيات وراءها قوى وافكار راسمالية امريكية بحتة وتدفعها مصالح وطمع وجشع امريكي لاهث وراء التسلط على العالم بكل ما تملك، وكما نرى فشلت في ذلك في اقصر مدة .

فان ادعاءت نهاية التاريخ وسيطرة العولمة فكرا وثقافة جوبهت بما هو الراسخ من الحقيقة على الارض، من ان ما تدفع اليه امريكا والعالم الراسمالي ليس الا اضغاث احلام وسعي اناني لانهاء واخراج فكر اليسار والشيوعية من اذهان الناس، غير انهم لم ينتبهوا الى الحقائق على الارض التي تمنع التضليل والتلفيق الفكري الفلسفي، وان نجحت حامليه باساليب ملتوية مقنعة للعموم الناس او السذج منهم الى حد معقول، والاهم هو عدم امكان اي احد من اختزال التاريخ في فكر معين مصلحي، او دفعه الى زاوية من انعكافه على تقبل فكر واحد ذات اتجاه واحد وان كان غير حقيقي وبعيد عن الواقع .

فان تشدقت امريكا بانتهاء التاريخ مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وما وصلت اليه اعتقدته كاهم عوامل اعلانها لنهاية التاريخ وسيطرة العولمة على الناس، فماذا تقول اليوم من بروز قوى مختلفة في العالم لا تؤمن بنهاية سيطرة امريكا، بل اصبحت امريكا طرفا ضعيفا في الصراع التاريخي المحتدم، وهي تسيَر الامور بمساعدة من يتبعها من جهة او من يخاف بروز روسيا او الاخرين من جهة اخرى. فلا يمكن ان يبقى العالم منتظرا امريكا لتفرض ما لديها، بل الصراع الطبيعي الجاري نتيجة المصالح المتداخلة ستبرز قوى لها امكانية ان تبرز صدرها وتنبثق من جراء فعاليتها ما يضع فكر نهاية التاريخ من الماضي، اي طالما بقت قوى ودول ذات امكانية والطبقات المتباعدة مع البعض، لا يمكن الخضوع لكل ما يصدر من امريكا بدوافع مصالحها وما يهتم به نظامها السياسي الاقتصادي وما يهم شعبها فقط .

ونهاية التاريخ في نهاية الطبقات، وبداية التاريخ الجديد هو ما نراه عند تضيق الاختلافات من كافة النواحي، اي بروز بداية مرحلة المساواة والشيوعية كمرحلة نهائية للصراع الطبقي، وعندئذ، اي بعد ان تعم المساواة بشكل طبيعي وعفوي في العالم، لا يمكن ان نقول بان التاريخ يشهد تفاوتا ومنحنيات كما يشهده اليوم، ويمكن ان يحمل وضع التاريخ تسمية او مفهوما اخر غير نهايته.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم