قضايا

حرب الإبادة الجماعية الفرنسية ضد الشعب الجزائري إبان الليل الاستعماري الطويل (1)

"السعوا أول من ترونه واستمدوا حياتكم من موته" أرسطوفان الزنابير 422 ق م01 هذا هو دين المستعمر الفرنسي في الجزائر طوال وجوده فيها .

بداية نقول كم يا ترى قد قتل الاستعمار الفرنسي من الجزائريين وهذا منذ دخوله إلى الجزائر على إثر اعتداء 1830 وإلى غاية خروجه منها في العام 1962؟ المؤرخ الفرنسي الشيوعي جاك جوركي Jacques jurguet يخبرنا بأن فرنسا قد قتلت 10 ملايين جزائري خلال حقبة ليلها الاستعماري الطويل 02 . وإننا لنجد بأن رقم 10 ملايين شهيد يمثل فقط العدد الظاهر ممن قتلتهم فرنسا من أبناء الشعب الجزائري . ونحن هنا من حقنا أن نتساءل ترى لو أن هذا الرقم المهدور قد بقي على قيد الحياة ونما نموا ديمغرافيا طبيعيا بعيدا عن الثالوث الأسود والذي نشره الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمتمثل في الجوع والمرض والجهل والذي قتل هو الآخر من الجزائريين مثل ما حصده رصاص وسيف جنود فرنسا الاستعمارية , نقول ترى كم كان سيكون عدد سكان الجزائر في العام 1962 وهذا لو بقي نمونا السكاني يسير بوتيرة طبيعية ومنتظمة؟ الشيء الأكيد أنه لن يكون بين 9 و 10 ملايين نسمة وإنما هو حتما كان سيكون قرابة الخمسين مليون نسمة كأقل تقدير ونحن هنا نعتمد النمو السكاني الطبيعي في الجزائر كمعيار لنا في تقديراتنا هذه وبدلا من الأربعين مليون اليوم ( 2015 ) فالعدد حتما كان سيكون قرابة التسعين مليون نسمة . وعليه ففرنسا الاستعمارية قد قتلت وأبادت من الجزائريين أكثر من 50 مليون نسمة وهي جريمة لا نستطيع أن نتصور كيف يستطيع الفرنسيون تحمل تبعاتها الأخلاقية وكيف سيستطيع ضميرهم اليوم وغدا تجاوزها والتعايش معها ومع ذلك الماضي الأسود لبلادهم؟ .

وسوف نتناول في دراستنا هذه العناصر التالية:

فرنسوا هولاند وموقفه من سياسة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر

جريمة الإبادة في القانون الدولي

هدف فرنسا الاستعمارية من وراء انتهاجها لسياسة الإبادة الجماعية ضد الجزائريين

مبرر فرنسا الاستعمارية في إبادة الجزائريين

خلق الظروف الملائمة من قبل الإدارة الاستعمارية لإبادتنا

سياسة الأرض المحروقة ومسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للجزائريين

نماذج من عمليات الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر

وماذا عن الإبادة الحضارية لشعبنا؟

وأخيرا لماذا لم يبدونا؟

 

فرنسوا هولاند وموقفه من سياسة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر

إن السيد فرانسوا هولاند François Hollande يقول بأن الفرنسيين في الجزائر لم يكونوا ينوون إبادة الشعب الجزائري وإننا لنجد هذا الكلام مزاح ثقيل جدا يماثل النكتة القائلة بأن الأوروبيين في أمريكا لم يكونوا ينوون أبدا إبادة الهنود الحمر والذين ماتوا وحسب أدبياتهم طبعا فذلك الموت قد كان قضاء وقدرا ولئن صدقنا هذه المغالطة المفضوحة فإننا نصدق أيضا ما يقوله الفرنسيون أيضا فيما يخص سياسة الإبادة الجماعية في الجزائر .

إن السيد فرانسوا هولاند يغالطنا وهذا عندما يدعي بأنه لم تحدث حرب إبادة في الجزائر . سيدي الكريم إن الفرنسيين ومن بعد سقوط مدينة الجزائر بأيديهم قد قرروا الاحتفاظ بالجزائر ككل كجزء من ممتلكاتهم فيما وراء البحار وأن يجعلوا الجزائر مقاطعة فرنسية . ولذلك فقد شرعوا في استقدام المستوطنين الأوروبيين إلى الجزائر وتقرر الاستيلاء على أراضي الجزائريين ومنحها لهم ونحن لا ننتظر بأن يتنازل الجزائريون عن أراضيهم وعقاراتهم عن طيب خاطر لهؤلاء الدخلاء . ومن هنا تقرر إفراغ الجزائر من أهلها حتى يتسنى لهم توطين الأوروبيين في مكانهم . ولقد كان من أبرز المتحمسين لتك السياسة الجنرال كلوزيل Bertrand Clauzel والذي عاش لفترة في أمريكا الشمالية وتوهم أن سياسة التهجير والإبادة الجماعية التي مارسها الأوروبيون هناك ضد الهنود الحمر ستنجح أيضا في الجزائر 03 . ولكن هذه السياسة الخرقاء قد لقيت معارضة من قبل بعض الفرنسيين أنفسهم مثل الإمبراطور نابليون الثالث والذي أعرب عن رأيه في رسالة بعث بها إلى الحاكم العام مكماهون Edme Patrice Comte de Mac-Mahon في العام 1865 والتي جاء فيها بأنه لا يمكن الفضاء على ثلاثة ملايين من الجزائريين أو رميهم في الصحراء كما فعل الأمريكان بالهنود الحمر 04 . وهذا طبعا لأنه قد كان على علم تام بنوايا الفرنسيين تجاه الجزائريين وأنهم عازمون على إفنائهم وإبادتهم . تلك النوايا التي ترجمها المستعمر على أرض الواقع ورآها ذلك الإمبراطور متجسدة فيما ارتكبته جيوش فرنسـا من أعمـال التقتيل والتخريب والحرق والنهب والسلب والتشريد وقطع الرؤوس ما لا يمـكن وصفه 05 .

نعم يا سيدي الرئيس إن ما حدث في الجزائر لم يكن حربا كما تدعى أنت فالحرب تكون بين جيش وجيش أما أعمالكم أنتم فقد كانت أعمال عصابات ومجرمين وقطاع طرق كما سنراها فيما بعد ضد سكان عزل أمنين ذبحتموهم كالخرفان نساء وأطفال وعجائز ورجال مسالمين وهذا بشهادة جنودكم وقادة جيوشكم من د يبرمون Louis Auguste de Bourmont وإلى غاية الجنرال ديغول فهم يؤمنون فقط وكما يرى الدوق دي روفيقو Jean Marie duc de Rovigo بأن: " كل الضربات مباحة مع الأهالي " 06 . نعم إن جيشكم يا سيدي الكريم قد كان معتديا وقاد حربا غير مشروعة في الجزائر لتحقيق أهداف استعمارية لا علاقة للجزائريين ولا لشرفاء وأحرار فرنسا بها . ومن بينها حلم أخرق مضمونه خرافة استعادة الكاثوليكية لمجدها في شمال إفريقيا . ونحن هنا لسنا ضد الديانة المسيحية ولكن أن تتحالف مع المجرمين وقطاع الطرق والقتلة ممن واكبوا عملية غزو الجزائر فهنا القضية لا بد من أن يتخذ منها الواحد منا موقفا محددا . سيدي الكريم وهل مجازركم في الثامن ماي 1945 وقتلكم للمدنيين العزل كانت أيضا أعمال حربية لجيش ضد جيش؟ أم أنها قد كانت انتقام الجبناء والعبد الذي أصبح سيدا وهذه هي الحقيقة المرة والتي عليكم طال الزمن أم قصر أن تواجهوها وجها لوجه وتعترفون بها .

ألا يعلم السيد هولاند بأن الجيش الفرنسي العامل في الجزائر كان يريدها حربا مفتوحة ومتواصلة في الجزائر وهذا لكي يضمن وضع يده على المزيد والمزيد من الأراضي الزراعية الخصبة والتي يحتاجها لتوطين فيالق المعمرين المتدفقين على الجزائر ومتى انتهت حالة الحرب انتهت معها عمليات مصادرة الأراضي وتحويل ملكيتها لهؤلاء الغرباء القادمين بحثا عن الثروة والثراء السريع في الجزائر ولهذا وجب وكما يقول بيجو Thomas Robert Bugeaud وضع الجزائر في حالة حرب دائمة لتستمر معها عمليات التسابق لنيل المجد والمرتبة والترقية والأرباح العاجلة 07 وعليه وجب أن تكون الحرب في الجزائر دائمة ويفتعلها الجيش الفرنسي ولهذا وجب كذلك نقض الصلح وإعلان الحرب في كل لحظة لتحقيق غاية يخبرنا بها الجنرال بيجو وهذا حينما يقول: " فمن أراد أن يكون ظالما عليه أن يكون قويا وقد كتب علينا أن نكون ظالمين في إفريقيا – الجزائر – لكيلا نكون مظلومين في فرنسا " 08 وبعد هذا ترى من هو المعتدي والظالم في الجزائر ومن هو المعتدى عليه والمظلوم يا سيد فرانسوا هولاند؟ .

كما أنه يبدو بأن السيد فرانسوا هولاند لم يقرأ ما خطه رؤساء الحرب الفرنسية في الجزائر بخط يدهم عن أعمالهم والتي لا علاقة لها بالحرب ولا بقوانينها وإنما هي أعمال لصوص وقطاع طرق ومجرمين ومرضى نفسانيين . تري أين هو الدفاع عن النفس في إبادة القبائل الآمنة وقتل الآمنين والمسالمين والنساء والأطفال والشيوخ وها هو لاموريسيير Louis Juchault de Lamoricière يقول: " رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد هو الإحراق والقتل والتدمير والتخريب ولكننا نطارد من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب " 09 . وأين هي مظاهر الدفاع عن النفس في مثل هذه الجرائم يا سيد هولاند؟ أهي في ذبح الأطفال والنساء وفي أعمال السلب والنهب؟ . وهذه الأخيرة وبشهادة سانت ارنوا Armand Jacques de Saint-Arnaud لم تبق مقتصرة على الجنود فقط بل أصبحت أيضا المهنة المفضلة للضباط ولجيشهم والذي أينما حل إلا وأصْلى المنطقة نارا حامية كتخريب مدينة معسكر في العام 1835 10 . ترى أين هؤلاء المعتدون الأشباح والمفترضين على الجيش الفرنسي إلا في مخيلة السيد فرانسوا هولاند؟ وأين ومتى هم قد اعتدوا على الجيش الفرنسي الغازي؟ . سيدي الكريم إنه ومن أسماء فرقكم العسكرية نستنتج بأنها فرق هجومية لا دفاعية فمونتياك يسمي فرقه بمشاة الموت لا الدفاع وبيجو يسميها بالطوابير الجهنمية 11 . يا سيدي الكريم إن جيشكم قد قتل الجزائريين عن عمد ليتحصل على مجد زائف وعلى ترقيات كاذبة على أشلاء الأبرياء . فها هم أسلافك من الاستعماريين يعترفون ويقرون بأنه ومن بعد أن: " قضينا على حكم عبد القادر وشتتنا جيشه كان لزاما علينا أن نستولي على الأموال والأرزاق وأن نتلف المحاصيل الزراعية لكي نرغم القبائل على الاستسلام " 12 ولئن استسلمت القبائل فسوف يرغمونها على أن تحاربهم مجددا وهذا لاعتناقهم لفكرة الحرب لأجل الحرب والتي أصبحت من الفنون الجميلة عند الفرنسيين 13 وبعد كل هذا نسمعهم يتحدثون عن الحرب الدفاعية . ولعل السيد هولاند تشابهت عليه الأمور كما تشابه البقر على بني إسرائيل فأصبح يعتبر محاربة: " قطعان الماشية والمستضعفين من السكان العزل الواقعين تحت وطأة الجوع والشقاء " وهذا كما يخبرنا بذلك المارشال دي كاستيلان Le Maréchal de Castellane في العام 1843 14 أعمالا عسكرية دفاعية مشروعة وهنا لا بد أن نوقف النقاش فورا لأننا نكون بهذا قد دخلنا في العبثية ذاتها .

كما أن السيد هولاند يقول بأنها لم تكن إبادة فقط لأنهم لم يقتلوا كل الجزائريين ونحن هنا نرفض الكيل بمكيالين ونقول له وهل البيض في أمريكا قد أبادوا كل الهنود الحمر الجواب الأكيد هو لا . وهل الأتراك هم الآخرون قد أبادوا كل الأرمن الإجابة هنا أيضا بلا، هذا طبعا إن كانوا أصلا قد ارتكبوا ضدهم حرب إبادة جماعية . وهل هتلر Adolf Hitler قد أباد هو الآخر كل اليهود الجواب هنا أيضا بلا . فلماذا إذن تعتبرون ما حدث للأرمن إبادة وما حدث للهنود الحمر ولليهود أيضا إبادة وأين عدد من قتل من الأرمن مقارنة بمن قتل من الجزائريين فلماذا إذن التباكي على كل هؤلاء وعندما نصل إلى إبادة الجزائريين نتعامى عن الحقيقية ونحاول التحايل عليها وطمسها وتجاوزها وإيجاد مبررات لها؟ والتحايل حتى في تسميتها . لا يا سيد هولاند فكلامك هذا مردود عليك ذلك أن جريمة الإبادة الجماعية وحسب القانون الدولي لا تحصل فقط عند إبادة لكل الشعب أو لكل الأمة أو لكل المجموعة البشرية وإنما تحدث عندما ينكر على ما سبق ذكرهم وهذا إما بصفة جماعية أو على بعض أعضائها الحق في الحياة وهذا ما حصل في الجزائر إنكم قد أنكرتم علينا حقنا في الحياة وبصورة جماعية كأفراد أو كجماعات وهذا حسب المناسبات ثم شرعتم في عملية إبادتنا قدر ما تستطيعون والتاريخ شهد على هذا ولا يمكنكم تغييره أبدا .

نعم إن ما حدث في الجزائر أحببنا أم كرهنا يدخل في إطار الإبادة الجماعية لأنه لا يشترط فيها قتل كل السكان حتى نقول بأن هناك إبادة قد حدثت بحقهم فهتلر وكما مرّ أعلاه لم يقتل كل يهود أوروبا ومع ذلك تم توصيف أعماله بأنها إبادة لليهود في أوروبا أو ما يعرف بالمحرقة النازية وهي تعبير يستخدم كمرادف لمصطلح الإبادة . وكذلك الحال فقد استخدمت اللفظة في وصف عمليات التقتيل الوحشية والتي حدثت بحق سكان البوسنة Bosnie من قبل الصرب في العام 1995 أو ما حدث في رواندا Rwanda في العام 1994 وهذا حينما تم قتل الآلاف من قبيلة التوتسي Tutsi والأمثلة كثيرة ومتنوعة ولماذا فقط قتل الآلاف من البشر والتي هي جريمة غير مقبولة ومهما كانت مبرراتها ومن العار أن ننصت حتى لمن يقدمها ذلك أن هذا العمل الإجرامي أي قتل آلاف البشر يدخل ضمن خانة الإبادة الجماعية المقيتة . وعندما يقتل الملايين من الجزائريين نقول بأن كل ما في الأمر أن هناك عمليات حرب وليست إبادة . إن هذا لهو منطق القوى فهو من يحدد طبيعة ما يفعله فالقوة تقلب الحق باطلا والباطل حقا ولكوننا جزائريين فأرواحنا لا تتساوى مع أرواح الإنسان الأعلى وهي ليست أهلا للاحترام والتقدير وعلية فلا مشكلة هنا في ممارسة النفاق القانوني والكيل بمكيالين تجاههم هم وتجاهنا نحن . أم أن تلك القوانين الدولية تراها قد وُضِعَـتْ فقط لما كانوا هم ضحايا لسياسة الإبادة الجماعية وبالتالي فقد وضعوها لمعاقبة أعدائهم ولحماية أنفسهم في المستقبل لا أكثر ولا أقل من هذا أما باقي الأجناس الأخرى فهي أعراق دون البشر ولذا فلا مشكلة في إبادتها .

ثم لماذا يتباكى البعض على مجازر الأرمن وعلى المحرقة اليهودية وعلى مذبحة سربرنيتشا Srebrenica وعلى مذبحة حماة وعلى عمليات الأنفال وعلى عمليات الإبادة الجماعية في رواندا وعلى هيروشيما Hiroshima ولكننا لا نجد أية إشارة ولو يتيمة إلى إبادة الجزائريين من قبل الفرنسيين والجواب هنا بسيط فالحق وكما مرّ أعلاه وكما يعلمه الجميع يصنعه الأقوى وفق ما يخدم مصالحه هو ولذا فإن سياسة اللاعقاب مع البعض واعتبار ما حدث قد حدث وانتهي الأمر ويجب أن لا يتكرر وفقط هي القاعدة المستخدمة مع الأضعف . في حين أن نفس الأمر إذا ما حدث مع مجموعة أخرى فإنه أمر لا ينسى ويجب معاقبة مرتكبيه لأنه حق وجريمة لا يسقطان بالتقادم وأي عنصرية أكبر من هذا؟ وأي مصداقية تبقي للهيئات والمؤسسات الدولية بعد هذا؟ .

والرئيس فرانسوا هولاند هنا إما هو جاهل بالقانون الدولي أو هو يحاول مغالطتنا وليس من حقنا أن نقول عنه هذا أو ذاك لأنه ليس من حقنا أن نحكم على نوايا الآخرين ولكنه من حقنا أن نذكّـره بأن مصطلح الإبادة الجماعية يستخدم في القانون الدولي للدلالة على: " الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية " ويدخل تحت هذا الإطار القتل الممنهج لمجموعة سكانية أو تهيئة الظروف والتي ستؤدي لا محالة إلى إبادتهم وبصورة كلية أو جزئية كسياسة التجويع مثلا . إضافة إلى ما سبق فالقانون الدولي واضح فيما يخص هذه المسألة فيدخل تحتها أيضا زيادة على الإبادة الجماعية لمجموعة سكانية عنصر: " التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية ؛ والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ؛ ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية ؛ والتواطؤ في الإبادة الجماعية . " وأن تكون تلك الجريمة مرتكبة من قبل حكومة بلد ما ولذلك فإننا هنا نجد بأن كل أركان جريمة الإبادة الجماعية متوفرة فيما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم ضد الإنسانية في الجزائر وهو ما حدث وبصورة جلية لا لبس فيها . ففيها تمت عمليات القتل الجماعي للجزائريين كما حدث في مختلف الجرائم المرتكبة في حق القبائل الجزائرية كقبيلة العوفية وأولاد رياح وبني صبيح والزعاطشة . أو في تلك السياسة والتي انتهجها المستعمر من خلال مصادرة أراضي الجزائريين ومنعهم وبالقوة من فلاحة أرضهم مما ترتب عنه مجاعات سنوات 1866-1867-1868-1869 والتي راح ضحيتها نصف مليون جزائري . وكل هذه الحقائق تتطابق مع تعريف مصطلح الإبادة الجماعية في القانون الدولي فكيف يأتي السيد هولاند ويستحمرنا بعد كل هذا؟ .

نعم لقد جانب فرانسوا هولاند الصواب وهذا عندما ادعى بأن أعمال الجيش الفرنسي العسكرية في الجزائر هي عملية دفاع عن النفس نتيجة لاعتداءات الجزائريين على الجيش الفرنسي النبيل والذي لا يمكن لأحد أن يزايد على أخلاقه وعلى احترامه لقوانين الحرب وعلى الكولون المسالمين وهو هنا يغالطنا وبصورة مفضوحة . فالمعتدي هو الجيش الفرنسي الغازي والذي أباد قبيلة العوفية بكاملها وفي ليلة واحدة مما حفز روح المقاومة لدى الجزائريين وهذا بهدف الدفاع عن أرواحهم وعن أعراضهم وعن ممتلكاتهم والتي تزهق وتنتهك وتنهب . وهذا الوضع أي دفع الجزائريين صوب الثورة هو ما يبحث عنه الاستعمار ليجد مبررا لمصادرة أراضيهم وإبادتهم وهي خطة قديمة وليست بالجديدة أبدا يستخدمها كل محتل وكل غازي فها هو الكاردينال خمينيسFrancisco Jiménez de Cisneros قد دفع بالمورسكيين Les Morisques إلى الثورة ليجد مبررا ليتحلل مما بقي من العهود ومن المواثيق التي أعطيت لهم وهي نفس الخطة الدنيئة تتكرر مع الجزائريين ليتنصل المستعمر من آخر ما تبقى من عهود ومواثيق يكون قد أعطاها للجزائريين والتي سماها كلوزيل clozel مجرد لعبة حرب 15 وهذا في إشارة منه إلى اتفاق الداى حسين ودي برمون ولكي يكشف وبصورة نهائية عن حقيقة أهدافه من وراء غزوه للجزائر وعن حقيقة وجهه الاستعماري القبيح .

إن السيد هولاند وبكلامه السابق يريد أن يوهمنا بأننا نحن المعتدون وهم الضحايا أي أنه يجعل المنطق مقلوبا كما يقال فكأننا نحن من غزونا مارسيليا وباريس ونحن من شردنا شعبهم ودمرنا بلادهم . إنه منطق جنون العظمة والأستاذية الفارغة ولئن صدقنا كلامه هذا فعلينا أن نصدق أيضا أكاذيب الو م أ حول إبادة الحمر ومن أنها هي الأخرى قد كانت في حالة دفاع عن النفس . فمن عدد 12 م نسمة أنزلوا تعدادهم إلى واحد مليون فقط وهذا الواحد مليون هو من أشعل نار الحرب ضد المستوطنين الأوائل فاحترقوا بالنار التي أشعلوها ومن مات منهم خارج حروبهم العدوانية هذه فقد مات بالأمراض المتنقلة عن غير قصد من الأوروبيين البيض وبهذه الشقلبة البهلوانية أصبح الغزاة ضحايا والضحايا مجرمين وهو نفس منطق السيد فرانسوا هولاند .

إن مقاومتنا للاستعمار الفرنسي لم تكن أبدا اعتداء على جيش الغزو المسالم وعلى هؤلاء المستوطنين الطيبين طيبة الحواريين والملائكة وإنما مقاومتنا وكما يخبرنا عنها المؤرخ الكبير أبو القاسم سعد الله ما هي إلا رد فعل طبيعي على إجراءات الاستعمار التعسفية وعلى جملة الأضرار البليغة والتي مست الجزائريين وعلى جور الفرنسيين واستهتارهم 16 وكل هذه السلبيات تأتت لأن الفرنسيين كانوا يهاجمون الجزائريين هجومات عدوانية لا هم يدافعون عن أنفسهم كما ادعى السيد هولاند . والذي يدافع هو من يدافع عن أرضه لا أن يغزو أراضي غيره ويعتدي عليها كما هو حال الجيش الفرنسي العامل في الجزائر والذي مارس سياسة القهر والعنف ضد الجزائريين وسياسة الحرب والإبادة ضد المقاومة حتى أنه من الصعب ذكر تفاصيل عهده المظلم في هذا المجال وهو هنا أي أبو القاسم سعد الله يقصد السفاح بيجو وفترة حكمه للجزائر في الفترة ما بعد 1841 17 وعملياته الحربية والهجومية تلك هي ما اصطلح عليها بالرزاياrazzia والتي ما هي إلا أعمال إجرامية على شكل هجومات كان يقوم بها الجيش الفرنسي لتقتيل وتشريد الجزائريين وبث الرعب بينهم والاستيلاء على ممتلكاتهم على شكل غنائم .

يا سيد هولاند أين هو عنصر الدفاع عن النفس في اقتراف جرائم إبادة في حق الجزائريين بهدف التسلية والترفيه عن النفس كما يخبرنا به العقيد ديمونتنياك Demonitagnac والذي يقول بأنه قد يقطع الرؤوس لطرد الخواطر المحزنة التي تساوره أحيانا 18 . وهو ليس وحده في إتيان هذا العمل المخزي بل يشاركه فيه أيضا الجنرال شانغارنييه Général Changarnier والذي يتحدث عن جنوده بالقول: " لقد وجدوا خير تسلية لهم في الغارات التي كنت أشنها في الشتاء ضد القبائل المناهضة لنا فيما بين الحراش وبوركيكة " 19 . ولهذا فقد أصبحت الحرب عندهم من الفنون الجميلة كما يخبرنا بذلك مصطفي الأشرف في كتابه الجزائر الأمة والمجتمع . وهنا يمكن القول بأنهم قد رجعوا إلى أحلك أيام الرومان همجية والموغلة في الممارسات البربرية والوحشية والتي لا تأتيها حتى الضباع فما بالك بالأسود نعم فحتى الضباع لا تقتل لأجل القتل وكفي وإنما تقتل لأجل ضمان استمرار وجودها فأي هدف إنساني نبيل في قتل إنسان لأجل الترفيه عن النفس؟؟ وبعد هذا لا يستحي السيد فرانسوا هولاند ويتحدث عن عمليات دفاع عن النفس وأي مسخرة أكبر من هذا؟؟ .

يا سيد هولاند إن تلك الحرب الوحشية والتي شنتها بلدكم على الجزائريين لم تكن أبدا حربا للدفاع عن النفس وإنما كانت حربا عدوانية على الأبرياء وعلى العزل وعلى الضعفاء الهدف منها هو ما يخبرنا به الجنرال كافينياك Général Cavaignac والذي يقول بأن: " الغارات والحرائق ما كانت في نظره إلا من بين الأساليب الوحشية التي هو مضطر ومكره على استعمالها من أجل القضاء على المقاومة وجمع الغنائم لمكافأة الأصدقاء والأوفياء له أو التعويض عما خسره " 20 ولتحقيق تلك الغايات النبيلة عندهم فخطتهم هي ما نجدها عند ديمونتنياك هذا والذي اشتهر كقاطع للرؤوس، فهو يقول في كتابه رسائل جندي: " أننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق والقتل والتدمير والتخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا، إن بعض القبائل لازالت تقاومنا لكننا نطاردها من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب 21 وعلى السيد هولاند أن يخبرنا على ما يسميه هو بالدفاع عن النفس في كل ما سبق ذكره .

ثم هو يقول بأن ما حدث كان من ضرورات الحرب وعن أي ضرورات للحرب يتحدث الرئيس الفرنسي هولاند وهذا عندما تباد قبائل بأكملها وهي نائمة ليلا كقبيلة العوفية مثلا في شهر أفريل من العام 1832 . وأي ضرورة للحرب في قتل النساء والأطفال الرضع وهم ملتصقين بصدور أمهاتهم وهذا بهدف سلب الحلي والأقراط وأي ضرورة للحرب في إبادة قبيلة بكاملها بالدخان داخل كهف؟ وهذا من بعد استسلامها وقبولها لكل شروط المعتدي الغازي . ثم هو يقول بأن الجيش الفرنسي قام بعمليات عسكرية في الجزائر دفاعا عن نفسه ترى من قدم دعوة لذلك الجيش لاحتلال الجزائر؟ وماذا كان ينتظر من الجزائريين وأغراضهم تنتهك فحتى العجائز لم يسلمن من الاغتصاب وهذا بشهادة رواد الاستعمار الأوائل وماذا كان ينتظر منهم وأراضيهم تصادر لتمنح لشذاذ الأفاق وديارهم يسلبها منهم الأعداء ويستقروا فيها . وماذا كان ينتظر وسانت أرنو Jacques Leroy de Saint-Arnaud وغيره من مجرمي الحرب في الجزائر يقترفون كل تلك الفظائع هل كان ينتظر أن يستقبلهم الجزائريون بالورود؟ . ثم هو هنا يرتكب مغالطة كبرى ترى من كان في حالة دفاع عن النفس هل هو الجيش الفرنسي الغازي والمحتل والمغتصب والمعتدى أم هم الجزائريون المعتدى عليهم من قبل الجيش الفرنسي في الجزائر والذي لم يكن يدافع عن نفسه بل كان في حالة عدوان سافر على شعب آمن ولئن يدعي بأنه عدو الأتراك فالأتراك قد رحلوا فما هو مبرر بقائه في الجزائر ولا مبرر سوى الغزو والنهب والسلب .

وعليه فمن الواجب وضع الأعمال الإجرامية والتي قام بها الجيش الفرنسي في الجزائر في سياقها التاريخي الحقيقي حتى تتضح الرؤية أهي أعمال دفاعية أم أعمال إجرامية وعدوانية والفيصل هنا هي هذه الفقرة والتي جاء فيها: " وكانت هناك عمليات قتل انتقامية ووقائية وأخرى جماعية فالتقتيل الانتقامي تحت اسم التهدئة، فبعد كل انتفاضة متفرقة لأشخاص يطلبون الثأر لشرفهم أو ما لحقهم من ظلم والتقتيل الوقائي لمنع الانتفاضات، بهدف ردع وٕإرهاب السكان، والتقتيل الجماعي بشن عمليات الرزايا لتجويع وتشتيت من بقي على قيد الحياة من الأطفال والنساء " 22 وأين هو الدفاع عن النفس في كل ما سبق ذكره في هذه الفقرة؟ .

وكيف لا نسمي ما حدث حرب إبادة جماعية وها هو العقيد مونتانياك يقول بأن بعض الجنود قد أخبروه بأن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب، كل العسكريين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا ولذلك فكل من يقع بين أيديهم من الجزائريين فقد كان يذبح وعلى الفور وتحمل رأسه على مدك البندقية 23 والسر القائم وراء هذه الهمجية والبربرية معروف ونجده فيما اخبرنا به ألكسيس دو طوكوفيل Alexis de Tocqueville والذي يقول: " إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم ... لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع " 24 وهم هنا ليسوا بجيش فاتح وإنما هم عبارة عن مجموعات من اللصوص ومن قطاع الطرق والمجرمين يمتلكون قوة عسكرية مكنتهم من تجسيد أعمالهم الشريرة والشيطانية على أرض الواقع ضد الأبرياء والعزل من السلاح وضد النساء والأطفال والعجزة نقولها ونرددها وهذا ليس تجنى عليهم فهو ما يصادفنا أينما وجهنا أنظارنا في كتاب مطاردة الإنسان للكونت ديريسون d’hérisson . ترى أي مجد عسكري في كل ذلك الإجرام؟ وأي مجد عسكري لبيجو والذي راح: " جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع " كما يخبرنا بذلك الجنرال شانغا رنييه نفسه . 25 علما بأنه لم يكن هذا شأن العسكريين فقط بل يشاركهم في ارتكاب هذه المجازر الكريهة الرائحة والمرة المذاق المدنيون من الكولون فها هو الجنرال دوفيثي de vithy يخبرنا وهذا في العام 1842 بأنه: " حين تتعالى الأصوات التي تدعو إلى الفتك بالمسلمين وتنذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور فكأننا نسمع زئير الأسد والضباع النهمة الجائعة تطوف حول معسكراتنا " . 26

ومما سبق نستنتج بأن السيد هولاند يريد وفي محاولة عبثية تغيير مجرى الأحداث والذي يأبي التاريخ إلا أن يكذبه لأن الحقيقة لا نستمدها من لسانه وإنما من وثائق الأرشيف ومن كتب التاريخ والتي تؤكد كلها حدوث الإبادة الجماعية للجزائريين ككتاب رسائل جندي لمنتنياك وكتاب مطاردة الانسان للكونت ديريسون المذكور أعلاه . نعم يا سيد هولاند إن ما حدث ليس حربا بل سمها ما شئت فلا احترام لقوانين الحرب فيها حيث تم قتل الأطفال والنساء والعزل من السلاح ومجزرة البليدة في العام 1837 نموذجا على هذه الجرائم . وبعدها يتشدق البعض بأن الجزائريين لم يكونوا يحترمون القوانين الدولية وصدقت العرب قديما وهذا عندما قالت رمتني بذنبها وانسلت وصحيح أيضا يا سيد هولاند فالعاهرة تستطيع أن تدعي العفة وكما تشاء ولكن عليها أن تبحث على من يصدقها إن استطاعت طبعا تبييض صفحة تاريخها الأسود .

وفي آخر هذه النقطة يمكن القول بأن فرنسا التي تدعي بأن الجزائريين ما هم إلا لصوص بحر وقراصنة ولا يحترمون القانون الدولي ولذلك فهي آتية لتأديب الداى على تجاوزاته في حق ذلك القانون . وهنا نقول ترى هل احترمت هي القانون الدولي فيما يخص الحرب القذرة التي شنتها على الجزائريين يا سيد هولاند؟ وأي حرب هذه التي لا تحترم فيها المواثيق والعهود كقتلهم لأناس يحملون تصاريح مختومة بختم قادتكم وقتلهم لأناس أعطوهم عهود الأمان كالشيخ الربيعة شيخ قبيلة العوفية؟ وأي حرب هذه التي تغتصب فيها حتى العجائز قبل النساء والفتيات ثم يتم قتلهن؟ وأي حرب هذه والتي يقتل فيها الأطفال وينكل بهم بوحشية تفوق وحشية الضواري؟ أي حرب هذه التي تباد فيها قبائل بأكملها بمجرد الشبهة؟ ثم يأتون بعد هذا ويتحدثون عن القانون الدولي .

نعم يجب تطبيق القانون الدولي وبكل صرامة عندما يتعلق الأمر بالأرمن وبالغجر وهم مسيحيون وعندما يتعلق الأمر أيضا باليهود وكل هؤلاء بشر فوق البشر . فقتل فرد واحد منهم حرب إبادة لا تغتفر وهي حقيقة فليس من حق أي كان أن يحجب حق الحياة على أي كان ونحن معهم في هذا وندينه وننادى بضرورة معاقبة من يقومون بهذا الفعل الهمجي والدنيء ضد أي كائن إنساني ومهما كان لونه وعرقه ودينه ولسانه . ولكن وفي مقابل هذا وعندما يباد ملايين الجزائريين فالكل يسكت ويتجاهل الأمر فهم لا يرضون أن تكون هناك ضحية أخرى غيرهم والسبب هنا بسيط للغاية لأن وضع الضحية يعطيهم امتياز ابتزاز الطرف المتهم بارتكاب فضائع في حقهم وما ينجر عن هذا من تعويضات مادية ومعنوية لا حصر لها كما هو حال اليهود مع ألمانيا عقب ح ع 2 هذه هي الحقيقة يا سيد هولاند وما دونها فهي أوهام كأوهام ماركس تماما .

جريمة الإبادة في القانون الدولي

تنص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 9 كانون الأول / ديسمبر 1948 على أن الإبادة الجماعية هي أي من الأفعال التالية والمرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه:

- أ - قتل أعضاء من الجماعة وهذا لا يحتاج منا دليلا على أنه قد وقع في الجزائر فالمستعمر الفرنسي الغاصب ومنذ أن دخل وهو يقتل ويقتل في الجزائريين إلى أن أجبر على الرحيل

- ب - إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة وجريمة البراميل المملوءة بالآذان والمذكورة في هذا المقال خير دليل على توثيق هذه الجريمة في حق الجزائريين

- ج - إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وما مصادرة الأراضي وسياسة التفقير الممنهجة وطردنا إلى المناطق القاحلة والجبلية إلا دليل على حصول هذا الجانب من جريمة الإبادة الجماعية في الجزائر .

- د - فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة وهل الثالوث الأسود الذي نشرته فرنسا بين الجزائريين كان عاملا يساعد على الإنجاب أم يحول دونه الشيء الأكيد هو أن كان يحول دون تجدد الأجيال مما يسببه من خسائر بالغة في الأرواح .

- هـ - نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى . التعميد القصري للأطفال بهدف نقلهم إلي جماعة أخرى وهذا أيضا قد حدث في الجزائر وتجسد في تلك الحملة التنصيرية الشرسة والتي مورست ضد الجزائر بهدف تغيير هويتها الدينية سواء كان التنصير بصورة فردية كما هو شأن قضية تنصير المرأة المدعوة بعائشة بنت محمد 27 وأمثالها ممن وقعنا فريسة للتنصير بصورة فردية وهم بمئات الآلاف أو ممن نصرهم الكاردينال لافيجري Charles Martial Lavigerie من آلاف الأطفال اليتامى بالغصب والقوة وهذا على إثر مجاعة 1868 - 28 - فكيف يأتي من يدعي بأنه لم تحدث حرب إبادة في الجزائر وحتى وإن لم تبيد فرنسا الاستعمارية كل الجزائريين فيكفي أن نية الإبادة كانت متوفرة لديها عن سبق إصرار وترصد .

كما تدخل فيها أيضا سياسة الاضطهاد التي تؤدي إلى حدوث إبادة بصورة كلية أو بصورة جزئية وبصورة عمدية ولن نتحدث هنا عن مظاهر الاضطهاد الفرنسي في الجزائر لأنه وأينما حل الاستعمار حل معه الاستعباد والاستغلال للشعوب ووضع قوانين تقنن تلك الممارسات الإجرامية والشاذة وأما يوميات الشعب الجزائري فهي كلها اضطهاد في اضطهاد من 05 جويلية 1830 وإلى غاية 05 جويلية 1962 ولا شيء غير هذا .

هذه هي الإبادة الجماعية في القانون الدولي يا سيد هولاند ومن لف لفك إنها وبكل بساطة إنكار حق البقاء ولمجموعات بشرية بأكملها وهذا ما حصل بالفعل في الجزائر عربا كانت تلك المجموعات البشرية أو طوارقا أو شاوية أو قبائلا من بلاد زواوة وهذا لأننا كنا في نظرهم مجموعات بشرية غير ذات أهمية وبالتالي يحق لهم إبادتنا لكوننا غير ذوي نفع حسبهم للعائلة البشرية ككل وللحضارة الأوروبية بصورة خاصة تلك الحضارة المؤمنة بالمركزية الأوروبية في القرن التاسع عشر . فلماذا يأتون اليوم ويجحدون هذه الحقيقة المرة والتي عليهم أن يواجهونها طال الزمن أم قصر وهذا لكي تحدث مصالحة حقيقية بين فرنسا الاستعمارية وبين الشعب الجزائري . ولماذا فرضوا هم على ألمانيا أن تعترف بكل جرائمها التي ارتكبتها النازية في حين يحجبون هذا الحق علينا؟ .

والحق يقال وحتى لا نكثر الكلام فإننا نرى بأنه اليوم لا يمكن أن يوجد جدل حول ما وقع في الجزائر من أنها إبادة جماعية ولكن ومع هذا فإننا سنتذكر مع بعضنا البعض إضافة إلى ما سبق ذكره مفهوم جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي وما هي أركان قيامها حتى نرى هل حقا ما حدث في الجزائر يرقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية أم لا وهذا لكي لا نظلم حتى أعدائنا الاستعماريين بالأمس القريب منا . نعم إن ما حصل قد حصل وعلى الجميع أن يتحمل التبعات من فرنسا الرسمية والشعبية ومن جزائريين نقولها وبكل أسف كانوا هم عونا للجلاد وللقاتل في إبادة إخوانهم كما هو حال مع عائلة بن قانة ومساهمتها في إبادة واحة الزعاطشة فيما بين عامي 1848 و 1849 . نعود ونقول بأن الإبادة الجماعية هي كل عمل منظم يرمي إلى القضاء على البنية الاجتماعية وعلى الكيان السياسي والثقافي والاقتصادي والديني لجماعة من الأفراد أو الأمة بكاملها هكذا يعرفها فقهاء القانون الدولي فهي عندهم كل فعل يرتكب بقصد القضاء كلا أو بعضا على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية 29 . أو هي كل التعدي بالقتل على أمة أو على جنس أو على جماعة معينة ومحاولة استئصالها بإتباع عملية القتل الجماعي لأعداد كبيرة من افرادها في إطار سياسة القتل العمدي والمنظم " 30 وكل هذه الأعمال قد مارسها المستعمر في الجزائر وهي أعمال موثقة وسوف نحاول أن نستعرضها في الأجزاء اللاحقة من مقالنا هذا .

 

خلف الله سمير

بن امهيدي الطارف الجزائر

في المثقف اليوم