قضايا

فوضى الاعلام وسيكولجيا الجمهور

qassim salihyيزدحم الفضاء العراقي بما لا يحصى من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة .. المحلية منها بشكل خاص، والقنوات الفضائية بشكل اخص التي زاد عددها على الخمسين. فلدى متابعتنا لعدد منها وليومين فقط خرجنا بثلاث نتائج:

الأولى: ان ما تبثه من اخبار ينطبق عليها المثل العراقي (شي ما يشبه شي)،

والثانية: ان المشاهد في سعيه للحصول على حقيقة المعلومة منها تنطبق عليه اغنية داخل حسن ووحيده خليل (ادور على الصدك ياناس .. ضاع وبعد وين الكاه) .. فهذه القناة تؤكد المعلومة وتلك تنفيها وثالثة تحرّفها ورابعه تدس الفتنة فيها وخامسة تصوغها بخباثة على طريقة (حق يراد به باطل).

والثالثة: ان من يتابعها يصاب بالدوار من فوضى اعلامية ما شهدها العراقيون منذ دخول التلفزيون اليهم عام 1956.

ان الوظيفة الاساسية للاعلام هي نشر وتقديم معلومات صحيحة وحقائق واضحة واخبار صادقة ووقائع محددة وافكار منطقية واراء راجحة.ومهمته انه يخاطب عقول الجماهير وعواطفهم السامية ومناقشة الافكار والحوار والاقناع وتفسير الاحداث التي تهم الناس وتوضيح اسبابها والارتقاء بمستوى الراي العام، فضلا عن دوره في عملية الارشاد والتوجيه والتنشئة الاجتماعية وتزويد الفرد بثقافة الحياة وما يجري فيها من شؤون وما يطرأ عليها من تغيرات وتطورات، والتقريب بين مكونات المجتمع بما يربط افراده بعلاقات وثيقة، والترفيه الهادف والتسلية الممتعة واشاعة التفاؤل بين الناس.

فأين اعلامنا العراقي من هذه الوظائف والمهمات؟

اذا استثنينا بعض الجرائد التي تستقطب كتّابا مرموقين وبعض الاذاعات التي تقدم برامج ثقافية وترفيهية، فان معظم الفضائيات العراقية، بعيدة عن تلك الوظائف والمهمات المعرفية والاخلاقية والاجتماعية والترفيهية .. بل على الضد منها تماما، سيما وأن متابعي الجرائد والاذاعات (نهاريون) قليلون، ومتابعي الفضائيات (ليليون) كثيرون.

ومع ان كل قناة تسعى الى ان تستقطب اكبر عدد من الناس، فانها تنسى ان للجمهور سيكولوجيته الخاصة في متابعة ما يريد .. وهو في مجتمعنا العراقي على انواع .. فهنالك جمهور مأزوم طائفيا (يقفل) كل ليلة على مشاهدة قناته (الطائفية)، وجمهور يهرب من الفوضى ويسعى لراحته النفسية فـ(يقفل) على قناة يعتبرها افضل الموجود، وجمهور محايد يتنقل بين هذه وتلك .. ويكون بين حالين: يوازن بين ما يسمع ثم يقرر .. او يلعنها جميعا، وجمهور علمي يمر على بعضها مرور الكرام ويتوجه الى قناة عربية او اجنبية يرى انها تتمتع بالمصداقية وتزيده معرفة ومتعة ترفيهية.

وبلغة السيكولوجيا، فان في الفوضى الاعلامية التي نعيشها الآن .. هستيريا تثير انفعال الكراهية واشاعة اليأس بين الناس مع انهم يعيشون محنة لا يمكنهم الخلاص منها الا بالمودّة واشاعة التفاؤل. وستبقى هذه الفوضى ما دام اصحاب الشأن من مسؤولي الأعلام متمترسون في خنادقهم.

وانطلاقا من افتراضنا بتوافر حسن النوايا لدى الجميع، فاننا نقترح على لجنة الثقافة والاعلام في البرلمان دعوة ممثلين عن تلك الفضائيات لعقد ندوة بعنوان (نحو اعلام عراقي يوحّد الموقف ويخدم الوطن). وسنكون على استعداد لتقديم ورقة عمل لانجاز انبل مهمة تحقق هدفين مثاليين: اعادة توجيه المسؤولين نحو اعتماد وظائف الاعلام ومهماته بالمواصفات التي ذكرناها، واشاعة التفاؤل بين العراقيين واحياء فكرة اننا مهما اختلفنا .. فاننا في حب العراق .. موحدّون.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم