قضايا

كوردستان ومراكز العبادة

emad aliلاشك في انه لا يمكن حصر عدد المساجد الموجودة في كوردستان مقارنة باماكن عبادة اخرى , واربيل اكثرهم ثراءا بهذا، عددا ومساحة وتفننا ببناءها من حيث الشكل والزخرفة وما يحتوون . اما الكنائس محدودة وفي اماكن خاصة بوجود المسيحيين وفي المدن الثلاثة عدا كركوك وبعض الاقضية ككويسنجق وشقلاوة ،وما في خانقين التي تركت ويقطنها النازحون الان، وهي منهكة ومترهلة ومتساقاطة دون ان تصلها يد الترميم . اما عتبات الايزيديين ومساجدهم ومزارهم فهي موجودة في اماكن محدودة خاصة بهم كالشيخان والسنجار ولم نجد لها مثيل في المدن الكوردستانية الكبيرة في الوقت الحاضر .

من الملاحظ ان عقد التسعينات والعقد الاول من القرن الواحد والعشرين، كانت مرحلة المنافسة بين الاثرياء والمستفيدين في بناء المساجد سواء كان ايمانا منهم لاهميتها في اعتقادهم بانه يفيد اخرتهم ويمسح لهم ذنوبهم، او ما استفادوا من وراء بناء المساجد من استيراداتهم المختلفة من المواد التجارية باسم المساجد وربحوا الى جانبها اكثر من تكليف المساجد بعشرات المرات ، والوضع الاجتماعي الاقتصادي كان مشجعا لمثل هذه الافعال لمن كان يعتبر نفسه وجها اجتماعيا او سياسيا، كي يثبت اركانه وقوة وجاهته في المجتمع لمصالح ونوايا اجتماعية اقتصادية سياسية خاصة بهم ، سواء من قبل الاحزاب السلطة المتنفذة من الحزبين في كوردستان، او احزاب السلام السياسي وما لهم من الاهدافهم المخفية اكثر من المعلنة .

واخيرا افتتح معبد للديانة الزرادشتية في ميدنة السليمانية التي تعتبر مدينة الانفتاح والتعددية على واقع الارض وتختلف من كافة الجوانب عن المدن الاخرى من حيث الوعي والمستوى الثقافي، ومن حيث نظرة اهله الى الامور الاجتماعيةا السياسية الثقافية الدينية العامة، وما تدفع الى الابداع هي ثقافتهم وحياتهم المعيشية الخاصة . فانه ربما انتقد هذا العمل من قبل المتطرفين واصحاب الاجندات من المنتمين الى احزاب الاسلام السياسي، الذين يعتبرون مضايقة لمساحة تحزبهم وادعائاتهم ودعواتهم لتنظيم الناس الى احزابهم سياسة ودعوة دينية التي لا يميزون بينهما في افعالهم ونشاطاتهم الحزبية السياسية .

و عليه، اننا نجد من الافكار والتوجهات التي لا تعد ولا تحسب من مختلف الناس الموجودين البعيدين عن البعض، وخاصة في مدينة السليمانية التي هي غني بما تمتلك من الارضية الثقافية الملائمة والنظرة الثاقبة الى امور الحياة الدقيقة من حيث الخلفية المادية اوالمعنوية البرازة لهم؛ اي بعبارة اخرى من حيث الفكر المادي او المثالي الذي ينتشر بمساحات واسعة في هذه المدينة ويلتزم به المتميزون والنخبة منهم وهم كثيرون نسبة الى المدن الاخرى .

لعلني لم اخطيء ان اقارن بدايات نشر الاسلام بفارق تخلف المعيشة انئذ من حيث الوسائل الخاصة بالناس وملتزماتهم ووسائلهم الخاصة، والفرق بين المرحلتين، الا ان ما اقدم عليه محمد في دعوته التي دمج بها الديانة والسياسة والتجارة والوضع الاجتماعي بالديني، اي التزم بالجانبين المادي والمثالي في تحركاته، نراه بشكل اخر في السليمانية، ولكن لم نسمع عن دعوة كبرى كما كانت في وقت محمد، بل بروز الدعوة الزردشتية بهذا الشكل السريع والانتماءات الكثيرة من مختلف الفئات والثقافات والامكانيات واصحاب المهن ومن حتى النخبة، فيمكن ان نعيدها الى اسباب مختلفة منها؛ ياس الكثيرون من دعوات الاديان غير الكوردية في تنظيم حياة الناس في المجتمع الكوردستاني، ولم يجدوا احزاب الاسلام السياسي مختلفة عن العلمانيين في اي شيء من جهة، وايمانهم باصالة الدين الزردشتي لدى الكورد قبل مجيء الاسلام والفتوحات التي تمت بقوة السيف ونصرته وهداية القران بلغة لم يفهمومها على اساسها وما هي عليه، هذا ما دفعهم الى النجاة من المتاهات التي وقعوا فيها لقرون .

من خلال متابعتي للذين ينتمون الى الدين الزردشتي، انني لم اجد فيه من الاثارة او التحفيز المادي وخضوع الناس للخدعة المادية المصلحية المنفعية الحياتية اليومية باسم الدين من جهة، ولم اجد ما يفيد المنتمي في وضعه الاجتماعي، بل يمكنني ان اقول ربما يتاثر سمعته بين الناس بشكل لم يطيقوهم في بداية الامر، ولا اريد ان اقول ان المصلحة السياسية او ماورائه ليس موجودا بشكل قطعي . فان العودة الى الاصل والسلف كما يدعون ومن يقوم عليه ويشرف على ممارساته من اهم نقاط دعوتهم، اي العودة الى الاصل الصحيح الحقيقي للشعب الكوردي في السير على ديانته الخاصة به مع قوميات اخرى في المنطقة، بعيدا عن الدين الوارد اليه من الجزيرة العربية الخاصة بظروف وخصائص وثقافة وواقع تلك الجزيرة، التي كانت على حال الجفاء والخشونة والتخلف وانعدام الموارد والانكانيات والحاجات المعيشية في الصحراء القاحلة كاساس مادي، وما كان مسيطرا عليه من الغزوات وا لسبي والغنيمة قبل الاسلام ولم يلغها السلام لحد اليوم كاساس معنوي، وهي صفات كانت منتشرة في القبلئل العربية التي سماه محمد بالعصر الجاهلي قبل مجيئه بدينه، وما ناضل من اجل نشره لينقذ قومه يعليهم وينقلهم من مرحلة التعددية الدينية الوثنية الى دين التوحيد فكرا وسياسة، ومن النواحي الاجتماعية والثقافية . واحدث بنهضته وسياساته وتوجهاته وافكاره وسلوكه وغزواته وتنيراته تغييرا سياسيا فكريا اقتصاديا اجتماعيا فيهم، لا يمكن لاحد ان يحدثه في تاريخ العرب ابدا.

اما ما نحن فيه الان في اقليم كوردستان وما نتكلم عنه من الموضع الاساسي في بناء المساجد في عصر التقدم والحداثة يتحمل بحوث واسعة وعديدة لبيان ما يمكن ان يبرز منها .

اذن، ان بناء المساجد بهذا الشكل المبالغ فيه في كوردستان ان كانت ورائه منافع اجتماعية اقتصادية اكثر من الدينية، الا انه من حيث الهدف يمكن ان تضر اكثر من ان تفيد ما تستعمله الناس لاغراض شخصية يومية خاصة بهم .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم