قضايا

عندما نجعل من الإسلام حصان طروادة لنأكل باسمه الدنيا (2)

إن الحجة التي يستدل بها معارضو اللباس الغربي هي أنه لباس كفار وهي تدخل في باب التشبه بهم وولايتهم وفي باب إعانتهم اقتصاديا وهذا عبر شراء ألبستهم مما يقويهم على العالم الإسلامي فيبقي تحت رحمتهم ومتسلطين عليه وناهبين لخيراته ومستغلين لمجاله الجغرافي وهذه حجج يجب مناقشتها . أولا التحجج بأنها لباس كفار هذا الكلام فيه نظر ذلك أن القرآن الكريم يخبرنا بأن طعام أهل الكتاب حل لنا وهذا ما تخبرنا به الآية 05 من سورة المائدة قال جل من قال: " لْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ " وما يصدق على الطعام يصدق على اللباس فكل منها منتج ثقافي يتغلب به الإنسان على الصعوبات التي تقابله في معاشه اليومي ويُـقـَوّم به حياته اليومية وكما أن طعام أهل الكتاب يدخل في نطاق الطيبات التي أحلت لنا كمسلمين فكذلك الأمر مع لباسهم لكون اللباس منتجا بشريا ولا علاقة له بأصول الدين وإلا لكان الأولي بنا اليوم عدم أكل منتجات العالم الجديد أي أمريكا كالبطاطا والطماطم والذرة لأنها منتجات خاصة بالكفار حيث كان ينتجها وثنيون أي الهنود الحمر ثم جلبها كفار أيضا متمثلين في الإسبان والبرتغاليين ومن بعدهم مختلف الأمم المسيحية الأخرى هذا أولا وثانيا إننا لم نسمع بأن بأي مشتغل بحقول الدين في العصور الإسلامية الأولى قد حرم المنتجات الغذائية الخاصة بالأمم المفتوحة اللهم إلا ما تعارض منها صراحة مع التشريع الإسلامي فيما يخص المحرم والمحلل من الأطعمة وهو نفس الأمر مع الألبسة فلم نسمع مطلقا بأن أمة دخلت الإسلام وأحدثت قطيعة مع لباسها السابق وإلا لما كنا نرى اليوم هذا التنوع وهذا الثراء المدهش فيما يخص اللباس في العالمين العربي والإسلامي . وكما كيَّــف من سبقنا اللباس مع المعايير الإسلامية العامة والخاصة بالملبس فأين المشكل في أن نـُـكَـيّـف نحن كذلك اليوم ما يعرف باللباس الغربي وفق ما تنص عليه مبادئ الإسلام السمحة وهذا نتيجة لضرورة مناخية أو لمصلحة عملية ولا أحد يقول لنا بأن اللباس العسكري الأوروبي اليوم أقل فعالية من اللباس العسكري العثماني أو الأموي أو العباسي فهذا الزى كان عملي في لحظته التاريخية ولكن الزمن قد تجاوزه كما تجاوز الأسلحة التي كان يستخدمها الجندي المسلم في العصور الوسطى مع تحفظنا على هذا المصطلح .

كما أننا نتعجب من تفاخر البعض منا بأننا بنينا حضارة عظيمة وأننا كنا أساتذة العالم ولمدة ألف عام وكأننا نحن من أوجدنا المعارف والعلوم من العدم وهذا التبجح الفارغ ينم ويوشي بجهل صاحبه فالحضارة العربية الإسلامية في شقها المعرفي المادي والمعنوي لم تكن سوي استمرارية لمنتجات العائلة البشرية مرورا بمصر القديمة فبلاد الرافدين فاليونان القديمة والرومان ثم استلم المشعل العرب والمسلمون وهم بدورهم تقدموا به خطوات وسلموه لغيرهم من الأمم والشعوب وهكذا تتقدم البشرية بما تعارفت عليه وليس الوقوف عند نموذج يتيم يتجاوزه الزمن فيصبح عقيما فيقذف أصحابه في جحيم الفقر والجهل والجهالة والتخلف كما هو حال المسلمين اليوم .

سيدي الكريم ألا تعلم بأن حضارتك التي تفتخر به اليوم قد استعارت الفكر الفلسفي من قدماء اليونان وهذا لضرورة ملحة متمثلة عن الدفاع الدين الإسلامي ذاته والذي هاجمه الزنادقة بسلاح جديد لم يصمد أمامه سلاح النقل فكان لا بد من سلاح النظر العقلي بهدف الدفاع عن العقيدة الإسلامية وهذا ما تم فعلا فما مصير عقيدتك إن لم يقتبس الأوائل سلاح النظر العقلي للرد على من يهاجمها من الزنادقة وبقي رجال الدين عاجزين عن مقارعتهم الحجة بالحجة ؟ وهكذا نشأت الفلسفة العربية الإسلامية منطلقة من جذورها وأصالة بيئتها ومتلاقحة مع ما عند الآخرين ولقد قام أسلافنا بترجمة الفكر الفلسفي الذي كانوا يحتاجونه لأن حاجيات الإنسان ليست فقط تتمثل في المأكل والمشرب والتناسل وإلا تساوينا مع الحيوان . نعود ونقول بأنهم قاموا بترجمة ما لا يتعارض مع عقيدتهم وأعرضوا على ما لا يحتاجونه كترجمة الشعر الإغريقي القديم مثلا لأنهم لا حاجة لهم به . وهكذا أصبحت لفظة الفلسفة اليونانية بنت المعجم العربي واستحدثت منها اشتقاقات مختلفة وأضحت شأنها شأن أي لفظة عربية أصيلة ولولا هذا العمل لما كنا عرفنا شيئا اسمه الحضارة العربية الإسلامية أصلا ونفس الأمر يصدق على مختلف التنظيمات الإدارية والعسكرية التي اقتبسها العرب المسلمون من الفرس والروم كنظام الدواوين الفارسي ومعه عملة الدينار والمنجنيق البيزنطيين ومع كل ذلك أساليب إدارة المعارك العسكرية والتي لم يكن للعرب سابق معرفة بها لاعتمادهم أسلوب الكر والفر وغير هذا مما اقتبسه العرب من كفار فارس وبيزنطة بتعبيرك أنت كل هذا تتعامى عليه ورأيت فقط اللباس وجعلت منه قضية القضايا ولئن أردت أن تؤسس دولتك اليوم فلن تجد قاعدة واحدة ترفع بنيانها فوقها لأن كل البناء العربي الذي تفتخر بأنه ميراثك لهو مقتبس من كفار والبقية مطعمة بمنتجات الكفار بحسب تعبيرك أنت . نعم إنه ليس لك أي شيء ولك كل شيء في آن واحد إذا ما اعتمدت سنة التعارف والتدافع القرآنيتين . فلماذا نقبل من أسلافنا كل تلك الاقتباسات ونفتخر بعملهم ذاك في حين نلوم معاصرينا اليوم على اقتباسهم من الغرب اللباس الغربي والذي هو الآخر ضرورة بيومنا هذا وعلى رأسه الزى العسكري وإلا فما عليك سوى قيادة الطائرة والمركبة الفضائية والغواصة بزيك الغير مناسب لهذه الآلات وعندها سنرى هل ستنجح حتى في الدفاع عن ذاتك فضلا على أن تكون نموذجا لغيرك . وهنا نقول لماذا يريد البعض منا التحجر عند نموذج تجاوزه الزمن والنتيجة هي تكريس الضعف والجهل والتخلف وعلى جميع الأصعدة .

سيدي الكريم إن الأمم تتقدم بما تعارفت عليه عبر مسيرتها التاريخية وهنا نستحضر العبارة القرآنية الرائعة والواردة في الآية 13 من سورة الحجرات: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " لنتعارف على ماذا على كل ما أنتجته العائلة البشرية الكبرى مع تكييف التفاصيل وفق ضرورات المناخ والثقافة السائدة وهذا ما يجب أن يخضع له اللباس أيضا وإن اللذين يعارضون اللباس الغربي اليوم لهم هنا يريدون أن يخبروننا بأنهم الحراس المستأمنون على الشريعة وعلى هوية شعوبهم القاصرة حسب نظرهم أو فاسدة الذوق نتيجة لعوامل الغزو الخارجي ودعايته المضللة . ولكن حقيقة الأمر هو أنهم يعيشون في صدمة ثقافية عجزوا عن تجاوزها والتكيف معها وتبني مثالية زائفة في محاولة منهم لتعاطي معها. إنه الهروب بدل المواجهة وهذا للعجز المطلق في التعاطي مع الصرح العلمي والثقافي المعجز والذي بناه اليوم الغرب وتوابعه في آسيا وفي أمريكا فكانت النتيجة هي الهروب عبر تبنى نموذجا ميتا وزادوه هم هلاكا بتخريجاتهم الجاهلة والعبثية فكانت النتيجة مهرجا يريد من جهابذة أكسفورد التخلي عن منهجهم العلمي الصارم لصالح ألاعيبه الصبيانية ومشعوذ يريد إيقاف حاملة الطائرات بتمائمه ودجال يريد شفاء أمراض الناس النفسية والعضوية والاجتماعية بخطاب مزيف استعاره من كهنة هيكل آمون ويريد بخرافاته هذه أن ندخل عصر الحداثة وما بعدها وأن نقف الند للند مع العقل الحديث الذي يقود ويسوس اليوم العالم أي مصيبة هذه التي ابتلينا بها دون غيرنا من أمم وشعوب العالم . وقد يقول قائل منهم بأننا نريد خير المسلمين اليوم ونحن لا نشك أبدا في نيته هذه ولكن المشكلة هل أنت تملك حقا الدواء الشافي لكل أمراضنا وأسقامنا فالنية الصادقة وحدها لا تكفي يا سيدي الكريم فنية دُغَة والتي يضرب بها المثل في الحمق كانت أيضا صادقة وهذا عندما شقت رأس ابنها بسكين واستخرجت منه دماغه معتقدة بأنه زائدة تمنعه من النوم فقتله بعملها هذا وأخشى ما نخشاه أن تكون أنت ومن لف لفك على نموذج هذه المرأة فتكون نهايتك ونهايتنا جميعا على يديك ولذا وجب منا جميعا التصدي والوقوف في وجهك حتى ولو كان ما عندنا مر وصعب عليك ابتلاعه والترياق الشافي دوما يكون مرا وإن غلفناه بطبقة رفيعة حلوة المذاق .

والمعضلة الكبرى هي في مفهوم كل واحد للدين والاختلاف في وسائل تنفيذه فليس شرطا ما نراه خيرا هو حقيقة خير ولا ما نراه نحن مصلحة هو حقيقة مصلحة لغيرنا هنا المشكلة هي في من فوضك حتى تقرر مصير غيرك ومن أعطاك الشرعية لتتولى هذا المنصب؟ كما أن المشكلة ليست في الدين ولا في نصوصه وإنما المشكلة في كيفية تفاعلنا معه ومعها وهل نحن قادرون حقا على التفاعل الحقيقي مع جوهر الدين والوصول إلى كبد التأويل الحقيقي له؟ أم أن مفهومنا سطحي وقاصر وعليه فمن حق الآخر أن يرفض مشروعنا لأنه ليس كل من تحدث باسم الدين نسلم له زمام أمورنا حتى ولو كان دجالا وجاهلا وهل مشروعه من القوة بحيث يستطيع أن يتأقلم مع الفتوحات العلمية الحديثة والمعاصرة وخصوصا الفلسفية منها والتي يكون محورها الإنسان وهل خطابك يستطيع أن يتحداها أم أنها منظومة ميتة تريد فرض ذاتها بالقوة على الناس وهي معاندة للمنطق ولروح العصر والقوة لم ولن تكون أبدا هي معيار الحقيقة وميزانها .

ومن بعد كل ما سبق من حقنا أن نتساءل هل الرسول الكريم محمد ص قد ارتدى طوال عمره زيا رسميا خاصا به حتى يكون لنا هذا نموذجا لا نحيد عنه وقاعدة دينية يجب الإلتزام بها . إن الشيء الأكيد هو أن الرسول الكريم ص قد ترك لنا قواعد عامة فيما يخص المأكل والمشرب والملبس يجب التقيد بها أما التفاصيل فهي شأن خاص بنا فالرسول الكريم ص لم يرتدي طوال حياته زيا واحدا ووحيدا إذا ما تمزق استبدله بآخر نسخة طبق الأصل منه وإنما محمد ص قد ارتدى عدة أنواع من الملابس والمختلفة الأشكال والألوان ولأمم غير مسلمة كانت تعاصره كالروم البيزنطيين . فكذلك نحن اليوم فمن حقنا كبشر أن نرتدي ما نريد بشرط عدم الخروج عن القواعد العامة التي حددها الإسلام فيما يخص اللباس . فالرسول الكريم لباسه في المدينة المنورة غير لباسه في مكة فهو قد ارتدي لباس أهل يثرب لما هاجر إليها أي إلى المدينة المنورة وكذلك فعل صحابته رضوان الله عليهم ولا أحد يقول لنا بأن لباس أهل يثرب الذي ارتداه النبي الكريم ص كان مخاطا انطلاقا من تعاليم الوحي السماوي لأهل يثرب وإنما هم تعارفوا على لباسهم ذلك نتيجة لضرورات مناخية وأخرى اجتماعية قبل هجرته إليهم عليه الصلاة والسلام .

كما أن الرسول الكريم ص قد ارتدى الحبرة وهي وكما تقول كتب التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية من برود اليمن ومنسوجة من القطن تغطي كل البدن كما هو حال المعطف بيومنا هذا ولونها أخضر مخطط علما بأن التحبير في اللغة هو التزيين وتخبرنا كتب السيرة والتراث أيضا بأن الحبرة كانت من أشرف الثياب عند أهل اليمن على عهد الرسول ص ولا أحد يمكن له أن يزايد هنا على الرسول ص فهو قد ارتدى شيئا من إنتاج كفار اليمن فليس هذا معناه أنه قد تشبه بهم أو أنه يتولاهم في مسعاه هذا وهو نفس الأمر مع من يرتدي اللباس الغربي اليوم في عملية قياس بسيطة . أم أن كفار اليمن حلال ألبستهم وكفار الغرب حرام ارتداء ما ينسجون مع تحفظنا على استخدام لفظ الكفار ونحن نستخدمه كمصطلح يتداوله بعض أبناء التيار الإسلامي لتقريب المعاني فقط لا لكوننا نتبناه بهدف الاستدلال به على مجموعة بشرية محددة . كما أن الرسول الكريم ص قد ارتدى اللباس المفصل مثل الجبة والقباء الضيق الأكمام لبسه في السفر والحرب كما ارتدى العباءة والرداء والإزار كما ارتدى الملابس المختلفة الألوان كالصفراء والخضراء والسوداء والمخططة بالأبيض والأسود وكل هذا الكلام موثق في كتب الفقه والحديث والسيرة النبوية المطهرة .

وما كان يرتديه الرسول ص لم يكن أبدا من أركان الإسلام الموثقة والمحددة في الكتاب والسنة والتي لا يدخل أبدا في إطارها اللباس وإنما أركان ونواهي وأوامر الإسلام معروفة ولا أحد يزايد فيها على أحد والرسول الكريم ص لباسه كان وفق ما تعارف عليه قومه ولم يكن أبدا ضمن العبادات فالصلاة والزكاة والصوم مكانها القلب لا الثوب وهي تصح في ملابس الهنود الحمر والإسكيمو وفي ثياب الساموراي اليابانية أو في ملابس سكان جزر المحيط الهادي طالما هي تراعي القواعد العامة الخاصة بستر العورة في الإسلام . ولا أحد يقول لنا بأن كل هذه الأنواع من الملابس والتي قد ارتداها الرسول الكريم ص نزل بها الوحي الإلهي عليه ص وإنما هي تدخل في جملة أنتم أدري بشؤون دنياكم وهذا حسب الظروف المناخية والبيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة للمسلمين أفرادا أو جماعات وفي مختلف الأزمة والمواضع . وإلا وعندما يستوطن الإنسان القمر والمريخ والكواكب الأخرى عليه كذلك أن يرتدي ما يسمى تدليسا على الناس باللباس الشرعي ومعه طبعا رواد الفضاء اليوم فعليهم ارتداء هم الآخرون اللباس الشرعي وليغزوا الفضاء الخارجي وأي مسخرة وأي فضيحة أكبر من هذا ؟ إنه الجهل والعجز هما من يجعلان صاحبهما يهتم بتوافه الأمور وونحن لا نسلكه على مسلكه هذا فليس في جعبته غير هذا لأن كل إناء ينضح بما فيه .

أيها السادة الكرام إن الرسول الكريم يخبرنا بأن: " الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ " لا إلى ألواننا أو إلى شكل ثيابنا لأنه يعلم بأن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل . وهل عندما أرتدي ما يسمى باللباس الشرعي سأضمن تذكرة دخول الجنة وصك الغفران لسابق ولاحق أعمالي؟ أي ضحالة فكرية هذه وهل سندخل غدا الجنة بأثوابنا أم بأعمالنا وخير الناس وكما مر أعلاه هو من كان أنفعهم للناس وليس مرتديهم للباس الشرعي . إن كان هناك أصلا لباسا شرعيا وآخر غير شرعي . إن الرسول الكريم يدعو ربه ويقول: " اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْهَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ " فهو هنا لم يحدد طبيعة الثوب لا من حيث الاسم ولا من حيث الشكل وإنما جاء كلامه عاما ليشمل كل أنواع الألبسة بغض النظر على الكيفية التي توجد وتفصل بها ولو أنه ذكر لباسا معينا لكان ذلك حجة علينا من حيث كونه يوجهنا صوب هذا النوع من اللباس دون غيره لأن دينه ذو أبعاد إنسانية ولكل البشر ولو حدد أصحاب زى دون غيرهم لكان دينه دينا عنصريا خاصا وليس دين عاما للبشرية جمعاء . كما أنه يخبرنا بأن أفضل الألوان البياض وهذا كما جاء في الحديث النبوي الشريف: " البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم " ولكن الكيفية التي نفصله بها والمتجر الذي نشتريه منه وديانة التاجر فهب أمور متروكة لنا لأنها من أمور دنيانا والبشر أدرى بشؤون دنياهم كما يخبرنا بهذا الحديث النبوي الشريف: " أنتم أعلم بأمور دنياكم " . ولو أن الرسول قد حدد هذه الأمور لأصبحت نصوص الدين الإسلامي مغلقة كنصوص التوارة والإنجيل ولأصبح معها الدين الإسلامي دينا ميتا هو الآخر وهنا يكمن سر الإسلام الخالد والمتجاوز للزمان وللمكان ولكن ومع كل أسف يريد البعض اختطافه وأسره في حقبة زمنية تمثل تفاعل الإنسان مع النص المقدس وفق ما سمحت به إمكاناته وتعميمها على كل البشر وعلى كل الأزمنة واعتبارها هي جوهر الإسلام وهذا هو عين الخطأ والخطيئة التي يجب أن نتوب منها ونفيء إلى رشدنا .

إن التطور لهو سنة كونية فالذي يقرأ عن لباس وزى أهل الأندلس لا يجد أي علاقة تقريبا تربطه بلباس المسلمين الأوائل اللهم إلا الشكل العام له . فأهل الأندلس قد ارتدوا بدل العمامة ما يشبه قلنسوة أهل قشتالة المملكة المسيحية المجاورة لهم وكذلك هم قد ارتدوا الأردية الإفريقية والمقاطع التونسية، والمآزر المشفوعة فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتحة في البطاح الكريمة تحت الأهوية المعتدلة وهذا كما يخبرنا بذلك لسان الدين ابن الخطيب في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة وقس عليهم لباس باقي أنحاء العالم الإسلامي الأخرى وعليه فلباس أهل قرطبة ليس هو لباس أهل بغداد حاضرة الرشيد ولباس تيهرت عبد الرحمان بن رستم وأولاده ليس هو لباس سكان جزر المالديف المسلمين ولكن الكل يبقى مسلما . وهذا التنوع هو الذي خلق عظمة الجانب الثقافي في الإسلام وشق من الموروث الحضاري الإسلامي . ومن يرفض اليوم ارتداء اللباس الغربي لأنه تشبه بالكفار فكذلك يجب عليه عدم استخدام كل المنتجات الحضارية المادية والمعنوية التي أنتجها الغرب الكافر أو الشرقي أي جنوب شرق آسيا البوذي والهندوسي والكنفوشيوسي وهذه حماقات أناس معاقين ذهنيا وفكريا مكانهم حدائق الحيوان وليس العيش مع وبين البشر . ألا يعلم هؤلاء بأن العالم اليوم قد تداخل وبشكل رهيب وتكاد الحدود تنتفي فيما بين الأمم والشعوب ولم تعد هناك ديار كفر وديار إسلام فالإسلام في كل مكان والكفر هو الآخر في كل مكان وما بقي هو دفع المضار وجلب المنافع ولا شيء أخر وهذا ما يجب أن يكون .

إن الملابس والتي نراها اليوم ما هي إلا نتاج تطور طبيعي في الأزياء مرورا بالعصر النبوي فالأموي فالعباسي فالأندلسي وأخيرا العثماني . كما أن هذه الألبسة ما هي إلا نتاج تلاقح حضارات مختلفة ومستحيل أن تكون كلها بنت البيئة العربية أو المسلمة الخالصة وخصوصا ما انحدر لنا من العهد العباسي والذي سادت فيه مظاهر الحضارة الفارسية والتي ورثتها الحضارة العربية الناشئة فلا يمكن أن تمسح الثقافة العربية الميراث العريق للحضارات السابقة عليها والتي ورثتها جغرافيا وبشريا وثقافيا . فالذي اخترع المحراث الخشبي ثم الآلي ثم الإلكتروني ليس مسلما وكذلك من اخترع العجلة والدولاب ودفة السفينة وشراعها وصاريتها ونفس الأمر يصدق على اللباس فكيف تأتي أنت وتحاول تغيير مجرى الحقيقة من أخوة إنسانية إلى عداوة وتصادم حضاري الخاسر الأول والأخير فيه هو أنا وأنت ونحن جميعا .

إنك اليوم تفتخر بفتوحاتك الإسلامية وبالمتوسط الذي كان في يوم ما بحيرة إسلامية وهنا نقول لك هل أنشا بنو أمية تلك الإمبراطورية الممتدة الأرجاء بسيوف عرب الجاهلية وبجمال شبه جزيرتهم ونحن هنا لا نسخر من أي أحد أو نقلل من قيمته وإنما الموقف يتطلب صرامة وجدية لا محاباة وتزلف وتملق وتحبب نعم إن بني أمية بغض النظر عن اختلافنا معهم أيديولوجيا أو اتفاقنا معهم قد اقتبسوا نظام البحرية من الروم البيزنطيين سواء في بلاد الشام أو في مصر أو في شمال إفريقيا ومعركة ذات الصواري في العام 655 م تبقى خير شاهد على هذا الاقتباس والتعارف ولولا هذا التلاقح لما كانت هناك عظمة ومجد للإسلام أصلا وقس على هذا المجال باقي نواحي الحياة ومنها الملبس أيضا .

ولئن أنت اليوم ترفض اللباس الغربي ليس من حيث المبدأ أو عن جهل وإنما حقدا منك على الآخر الذي لم تستطع مجاراته فلجأت إلى معاداته وفي نفس الوقت الانبهار بمعجزاته إذا فأنت تعاديه من زاوية الحقد والكره المذموم وليس من مبدأ التنافس الشريف والتدافع المستحب قرآنيا ومتى رفضت السروال الغربي فلا ترتدي مع قميصك حذاء باهظ الثمن مصنوع في معامل الغرب الكافر . ونفس الأمر مع العطر الباريسي الفاخر والذي تضعه لك حبيبتك أو زوجتك أو عشيقتك أو ما ملكت أيمانك من النساء ومعه الكعب العالي والجوارب والقمصان الشفافة التي ترتديها لك أيضا عندما تغلقا الأبواب عليكما وهذا لكي تستثير فيك غرائزك ونفس الأمر مع حبة الفياغرا التي تتناولها أنت لكي تكون ثورا هائجا فوق الفراش وتكون فارسا مقداما وفاتحا مغوارا لجسدها . فكل هذا من منتجات الغرب الكافر أم أنك نسيت كل هذا وتذكرت فقط مشكلة اللباس المصطنعة فيا ويلنا من مثل هذا النفاق والازدواجية في المعايير . وهنا نقول لك فما دمت ترفض ما نُـسَـجَ في مصانع الكفار بتعبيرك أنت فلماذا ترتدي العمامة والتي هي الأخرى من ألبسة أشراف العرب في الجاهلية وعلى رأسهم أبي جهل وأبي لهب أليس هذا تشبها بسادة وبرؤوس الكفر في الجاهلية ؟ أما أنك ترتديها لأن الرسول الكريم ص قد ارتداها فكذلك الأمر مع اللباس الغربي فالرسول الكريم محمد ص قد ارتدى الجبة والحلة الرومية والحبرة اليمنية وهذا لإيمانه بقولة تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ " سورة الأعراف الآية 32 ولذلك فقد ارتدي الرسول الكريم ص ومعه صحابته الكرام ألبسة غير عربية أصلا مثل السراويل والخفاف والحلل وما كان هذا تشبها منهم بالكفار أبدا . فبأي حق تحلل لنفسك لباس رؤوس الكفر لأن الرسول ص ارتداه وتحرم على الآخر لباس تعتبره أنت لباس كفار ألم يرتديه أشرف الخلق كذلك ؟ وهنا نقول بأن هناك علامة استفهام كبيرة جدا حول نواياك وحول مشروعك وما لم يتبين الخيط الأبيض منهما من الخيط الأسود فلا شرعية لما تقول عندنا ولا ثقة لنا فيه أبدا وهذا مع كل احترامنا لك يا سيدي الكريم .

أخيرا نقول وما الحل ؟ وهل نترك تقرير مصيرنا ونرهن مستقبل أجيال بكاملها ونتركها في يد هؤلاء المعاقين فكريا؟ . إن الحل هو في أن نكون جريئين في الوقوف في وجه ما يروجون له من أفكار سامة وأن نعتنق ما قاله كانط وهذا عندما قال: " كن جريئاً في إعمال عقلك ، وقف ضد الكاهن عندما يقول لك لا تبرهن بل آمن " وهو عين ما نجده عند ابن رشد فيلسوف قرطبة العظيم وهذا حينما قال: " على الفيلسوف أن يكون جريئاً لأن من ليس جريئاً يصبح عاجزاً عن احتقار الحجج غير البرهانية التى تربى عليها ". نعم علينا أن نخرج من كهفهم الذي يريدون أن يسجنوننا فيها وعلينا أن نعتق ذواتنا من أسر حبال الوهم التي يريدون تقيدنا بها لصالح إعمال العقل والذي هو وحده طوق نجاتنا من ألاعيب كل من يستغل الدين لاستغفالنا واستحمارنا ولأكل الدنيا باسمه . نعم علينا أن نبعث ابن رشد فينا بدلا من أن نبعث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب مع احترامنا لهما ولما أنتجوه وبهذا فقط نكون قد وضعنا قاطرتنا على السكة المؤدية إلى الحداثة وأن نرتقي سلـّـم الحضارة وأن نكون أهلا لاستخلاف الذات الإلهية في الأرض .

 

سمير خلف الله بن امهيدي / الطارف / الجزائر

في المثقف اليوم