قضايا

هل بدات حصانة المذاهب تتساقط ؟

emad aliلو تمعن اي منا في الدين بشكل عميق وبحرية دون قيود اجتماعية او عقلية او عقيدية، او ممانعة نابعة من اية خلفية تصد التفكير الحر، فاننا نجد ما يفرض نفسه من جهة وينخر في الارضية التي بُني عليها الدين من جهة ثانية، ويصر على ان يعمل على بناء عوامل مؤثرة في التفكير الانساني، وان كان بعيدا عن العلم والمعرفة، ولكنه لو نرى اي حر وهو صاحب عقليته ويملك قرار نفسه وفكره ويرى ما موجود، وهو الذي يعمل على اسقاط الدين والمذهب قبله، كما يفعل هو اي العامل الديني على اسقاط نفسه بنفسه. لو تعمق اي منا عقلانيا في ثنايا الدين وما فيه لا يجد الا اندثاره بعد انقاء مرحلته . لقد مر الزمن الذي يزكي الدين فكرا، وكما نراه اليوم هو تضليل وليس ما يمكن يعتمد على ماهو المناسب في هذه المرحلة، لانه لم يكن مبنيا على البداية العلمية للخلق وما يهم الخلق والخالق، ويديره من لم يتوصل الى كيفية انبثاق الكون ويعتمد على الغيب واللاشيء، وكما هو المعلوم لا يمكن الا للمتخصص في معرفة دقائق ما قبل الكون وكيفية مجيئه ونظريات خلق الكون وما الى ذلك، ومن اهمها الانفجار الكبير والايمان بعملية التطور من الخلية الوحيدة للكائنات الحية حتى الوصول الى الانسان الكامل من الناحية العلمية، اي نظرية التطور واصل الانواع والانتخاب الطبيعي وما تعمق فيه جارلس دارون والعلماء الحديثين الذين اكدوا صحتها، ومن الاعتراف به والايمان به يمكن تغيير الواقع ومنه السياسي والثقافي.

هذا من الناحية العلمية، اما من الناحية الاجتماعية فان النقص في ضرورات الحياة الخاصة بالفرد والشعب، يوجه كل منهما دائما الى الغيب لو لم يكن قويا مستندا على قناعة علمية ثابتة، فتُغيرها صعوبات الحياة الاجتماعية الاقتصادية وخاصة عند الفرد البسيط، ولا يتمكن ان يصل الى حقيقة منشا وخلق الكون الا النخبة المتعمقة في الحياة فلسفيا وبدواعم علمية ثقافية عامة .

اما لو اخذنا تاريخ الاديان وما فيه من الامور الخاصة بالدين ذاته او من ادعاه وغمر فيه لامور ومصالح عدة ومنها شخصية من جهة وجهوية حزبية من جهة ثانية. فان الدين اتى بعد ان ياست النخبة بشكل خاص من الخرافات والاساطير الخيالية لما هم عليه وما يعيشون فيه وما يرتبط بتفكيرهم ولو سطحيا بمنشاهم واساسهم الحيوي كانت ام الكون بشكل عام . فالدين المتعدد الاله بعد عبادة الكائنات والاشياء الطبيعية لم يطل كثيرا، وحصل تطور فيه عندما بدا دين الاله الواحد، سواء من البوذية والكونفوشيوسية او الزرادشتية والالاف من الاديان التي تخص مجموعات وشعوب منعزلة والتي انقرضت كما انقرضت لغات واحياء ومكونات اخرى .

فجاءت الاديان الرئيسية المتطورة لو قورنت باخرى قديمة لانها اصحاب كتب دونت فيها ما تؤمن ومن المباديء الاساسية التي تؤمن بها هذه الاديان منذ اليهودية والتورات والمسيحية والانجيل والاسلام والقران، ولم يكن اي منهم منفصلا عن الاخر في تفاصيله ودقائق ما فيهم واستفادوا من البعض، لا بل لم ينف اي منهم الاخر بل اثبته من جوانب عديدة .

فاخر الاديان ضم الكثير من الامور المعقدة التي لم تحو الاخريات عليها، فازدادت الخلافات حول ما جاء فيه بعد طول الزمن الذي بقي، ومن التطورات التي حصلت نتيجة ارتباطه بالوضع الاجتماعي السياسي الاقتصادي، وما تطور من شان الناس وامور الادارة والسلطة والمصالح الكبيرة والكثيرة التي ارتبطت به، بعدما اصبح الدين منهج سياسي وثقافي وديني بذاته على حد سواء وبالاخص في الفترة الاخيرة من حياة الناس .

اي تفرع الدين الاسلامي الى فروع شتى نتيجة مزاج المحللين والمفسرين والخلاف الذي حصل حول ادق الامور واكبرها، بعد تطور الحياة والمستجدات التي حصلت في ضرورات الحياة، وما يمكن ان يتوافق مع الدين او يرفضه من كل بارز منبثق من تطور الحياة . اي اصبح المذهب وفق المفسرين والمصالح الكثيرة ويدعمها التابعون المؤمنون به والمصلحيون . فاصبح الدين والمذهب منهج سياسي قح ولا يمت باي فكر او عقيدة دينية باية صلة من جهات متعددة . بعدما تجرد الدين من الامور العرفانية والغيبية او اهملها، وتحول الى برامج ومناهج سياسية ادارية اقتصادية كتبوها علماء زمانهم وورثتها العناصر المصلحية باسم الدين، ويستخدم اليوم للحفاظ على القيم والمفاهيم والثوابت التي ليس لها صلة بالدين الذي جاء به الانبياء الخبراء وعلماء زمانهم والشخصيات العظيمة مقارنة بمرحلتهم وما كان فيه . ان اكثرهم كانوا يعتمدون على ماوراء الطبيعة والغيب لاثبات اداعائاته، نتيجة فقر المعلومات والعلوم وما كان معروفا حول الكون والحياة والنشاة والخلق .

هذا حول الدين وما فيه، ولكن ان عدنا لموضوعنا، هل تسقط حصانة المذاهب بعدما حل محل الدين في هذه المرحلة، فلم يبق من الاسلام الا المذهبين وتوابعهما . ولم يبق من الامور العرفانية وا لتصوفية بقدر استغلاله في امور السلطة والدولة والحكم والمصالح المعتمدة لدى المهتمين به كمنهج سياسي اقتصادي وحتى ثقافي .

ان السلطة الدينية في عدد من الدول والادعاءات التي اطلقتها باسمه طرح ما ينافي الدين او ينقض ذاته من ذاته لدى البسطاء من عامة الناس . فالحكم السعودي والسلطة الوهابية، وفترة الحكم الاخواني المصري، وكيف افرز ما كان يتسم به خلال مدة قصيرة وطوي شانه لدى شعب مثقف متيقن من قدرته في المنطقة، نتيجة ما توارثه من تاريخه العظيم قبل الاسلام . وما تحكم به السلطة الملالية الايرانية على الرغم من انه حكم قومي في العمق والحقيقة ومدني في المظهر الا انه وضحت وبيّنت حقيقة عدم تلائم هذا الفكر والعقيدة المتخلفة في هذا العصرمع المستجدات، ولا نتكلم عن الدول الاسلامية في الشرق الادنى وكيف تتغير احوالها تدريجيا بعد التخلف المسيطر عليها خلال المئات من السنين .

ما يهمنا هنا هو الحكم المذهبي العراقي بعد سقوط الدكتاتورية الشاذة في العراق والتي لم تتسم باية صفة كي يمكننا ان نصفه ضمن المنهج او السلطة او النظام المعين، ولم يحكم الا على اساس المزاج والتوجه الشخصي لذات الدكتاتور دون اي نظرية اونظام يمكن الاعتماد عليه . فاليوم، ان المسيطر هو الاحزاب الاسلامية المذهبية، ولا يمت كل منهم باي ثوابت دينية اسلامية بل كل ما يعتمدون هو مصلحة سياسية على اسس مذهبية قحة فقط، وهي ناتجة من تربية وتاريخ طويل لترعرعهم وتاسيس احزابهم وخلفيتهم الثقافية والعائلية، وعلى اساس مصالح حزبية شخصية ضيقة لا تمت ما يدعون من الديانة والمذاهب بصلة باساس من الدين والمذهب الذي تفرع نتيجة الخلافات الفكرية العقيدية ايضا . اي كل ما يسيرون عليه هو الخلاف مع الاخر وليس ما يؤمنون به ويمكن تفسيره بانه الحقيقة ولمصلحة الشعب .

من المعلوم ان المذهب اصبح عصا سحري لمسيرة حكمهم وليس فرع من الدين كما هو الحاصل، ولا يمكن ان تتوحد السلطة بمثل هذا الاساس، ولا يمكن ان يتوحد المنهج بعد انشقاق في الدين او تفرع كل هذه الفروع منه بعد طول زمن وتعمق الالتزام به استناد على الخلاف العقيدي والفكري والمنهجي مئات السنين، ولا يمكن ان يكون الاساس مبني على الخلاف وانت تطلب التوافق وا لتوحيد، ولا يمكن ان يرفض الفرع الفرع الاخر وانت تريد توحيد الفروع، ولا يمكن لمن يرفض الاخر جملة وتفصيلا ويؤكد على انه على خطا، ولا يمكن ان يكون هو الدين او انت تريد التعايش بينهم . فهذا من قبيل المثالية التي لا يمكن تحقيقها حتى في امور الدين.

و عليه، ان كان سقوط الحكم الاخواني المصري هو اسقاط للمذهب السني، فان سقوط السلطة العراقية واحلال البديل هو اسقاط للمذهب الشيعي حكما ومسندا للسلطة وليس مذهبا دينيا قائما على اسس دينية . فانه قد ياخذ وقتا اطول كي يحل العلم والمعرفة مكان الدين وما تفرع منه . وعدم توافق اي شيء مع المصالح العامة وما يهم الانسان؛ هو السبب والعامل الكافي لزواله، اي المذهب القائم على رفض الاخر وكل ما يهمه هو انهائه ورفضه لا يمكن ان يهتم بامور الجميع على حد سواء . وهذا ما اكدته السلطة العراقية القائمة على اساس مذهبي وليس كما هو حال ايران القائم على القومية باسم المذهب ولم تتوفق ايضا في التعايش بين القوميات . فان سقوط المذهب الشيعي من العراق كما كان سقوط المذهب السني من مصر، ولاسباب سلطوية مصلحية وهو الاساس الذي بني عليه الدين اصلا على الرغم من رفض المهتمين بالدين بهذا لحد اليوم . فسقط المذهب السني حصانته بنفسه عندما استلم الحكم في مصر، ونحن في طريق سقوط الحصانة الشيعية من حكم العراق الحالي، ولا نعلم لمتى تمتد هذه السلطة ويطول حكمها باسم الدين والمدنية وهي مذهبية حتى النخاع .  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم