قضايا

التطرف والكراهية والعنف!! (1)

ثلاثية سلوكية تعصف بالوجود البشري منذ الأزل وتمضي في دروب رحلتها الأبدية، مدججةً بالأسلحة والأعتدة الفتاكة، وبوسائل التضليل والتدمير النفسي والفكري الشاملة، عبر وسائل التواصل المعاصرة السريعة الطاغية على وعي البشر، والآسرة لِما فيه وحوله وما يعنيه.

وفيما يلي تلخيص مركّز للعوامل الفاعلة في تكوينها وإدامتها:

 

1- القانون

إنما القانون يرعى أمْنَها......فاجْعلِ القانونَ صرحا شامخا

لا قوة لشعب بلا قانون قوي، ولا هيبة لدولة الأشخاص ولا قيمة حضارية وإنسانية ووطنية، وإنما للدولة التي عمودها القانون، فهي التي تمنع الإستبداد والطغيان، وتتمكن من بناء الإنسان المقتدر المعطاء، وتمنع تسلط البشر على البشر وتحويله إلى قانون يتحكم بمصير غيره ويمنع عنهم حق الحياة الحرة الكريمة.

 

2- العدالة

"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إنّ الله يحب المقسطين" المائدة 42

ضاع عدلٌ فتنامى شرها.......وتباهى الجوْرُ في أركانها

فالعدل يُبقي ويُحيي والجور يُفني، والعدل غيث والظلم نار، وهو رحمة وإنصاف، والعدالة بحاجة لقوة، وعندما تضعف قدرات أي مجتمع ويتكسر وعاءه، يذوب العدل فيه كما يذوب الثلج تحت حرارة الشمس، ويعيش في مآزق غابية ذات شرور عاتية.

و"العدل أساس الملك"

 

3- الظلم

"فويلٌ للذين ظلموا من عذاب يومٍ أليم" الزخرف 65

علة الظلم وخيمٌ سُقمها.......تمنحُ الأشرارَ مَعنى طبعها

والظلم ظلمات، وما إقتدر البشر إلا وظلم وإفترسه الندم، وقتله ظلمه، وهو من طبع النفوس الأمارة بالسوء والفحشاء والمنكر، والظالم يبوء بظلمه، والظلم بؤرة السيئات ومستودع الويلات ومنطلق التداعيات، التي تؤدي إلى متوالية الخسران والخيبات.

 

4- تضييع الفرص وتغيبها

قد بَرعنا بضياع الفرصةِ......فانْتهينا بظلامِ الحفرةِ

المجتمعات المتقدمة تفتح الفرص لأجيالها، والمتأخرة تجتهد بإغلاقها أمامهم، وبسبب آليات الأبواب المغلقة تنحبس الطاقات وتنحرف القدرات وتنبعج الإرادات، وتتصاحب مع نوازع إرتدادية تراجعية ذات طبيعة إختناقية، تمنع أوكسجين الحياة من التفاعل مع مفرداتها الحية، فيتحقق الموت والتعفن والتسنّه التفاعلي المرير.

 

5- التردي الإقتصادي

هذه الدنيا اقتصادٌ سائدٌ.......إنْ تردّى إسْتفاقَ الماردُ

الحياة كيان إقتصادي متكامل، وأي خلل في وظائف أجهزته وأعضائه يتسبب بإضطرابات سلوكية متنوعة الأضرار، فما أن يهتز الإقتصاد حتى تهتز مفردات الحياة، وتتعطل العديد من مساراتها، وتنحبس التطلعات وتخيّم على النفوس عواصف اليأس والقنوط، والمشاعر السلبية المتسببة بسلوكيات تترجمها وتحقق نوازعها العدوانية.

 

6- الطاقات المكبوتة

كلّ محبوسٍ سيرعى طاقةً.......ذات يومٍ لانفجارٍ إحْتوَتْ

مجتمعاتنا ذات آليات إنكباسية ضغّاطة حبّاسة، منّاعة قمّاعة، تحاصر الجريان وتضع المَصدّات، وتبدد الطاقات، فلا تسمح للشباب أن يتنعم إيجابيا بما لديه من أهداف وطموحات، وبتنامي الضغط والأبواب الموصدة تتولد درجات حرارة عالية، تؤهل عناصرها للإنفجار المدوي الكارثي الوخيم، الذي نعاني من نتائجه وتفاعلاته المريرة.

 

7- المستقبل المجهول

ذلك المجهول أشقى أمّةً.......وسقاها من لظاها غُمّة

الحياة بلا مستقبل تعني الإندحار في حفرة أو الإختناق في صندوق أظلم، والمجتمعات المتقدمة عندها وسوسة دائبة بالمستقبل، وما سيحمله إليها من إحتمالات، وكيف تعبّد دروب الأجيال للمضي فيه بسلام وقوة وأمان، ولهذا فأن المجتمع يعمل جاهدا على تحقيق رؤية الأطفال وتطلعاتهم وما سيكونون عليه بعد أجيال. ً

 

8- القيادة اللامسؤولة

ربةُ البيتِ بدفٍّ تنقرُ.......وبنهبٍ وبسلبٍ تظفرُ

المسؤولية من أولويات الحياة القويمة، ولكي تتحقق السلامة الإحتماعية وتدوم العافية السلوكية، لابد من الإلتزام بالمسؤولية وصيانتها والوفاء لها، وإعتبارها أمانة ذات قيمة أخلاقية وتربوية وإنسانية سامية.

ولهذا تم التأكيد في المجتمع الإسلامي على " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، وهذا القانون السلوكي قد تناسيناها أو أهملناه وأنكرناه.

 

9- الفساد

علّةٌ كبرى وشرٌّ طبعها.......إنّها سادتْ وأوْفتْ كيلها

آفة تجسّدت بما آلت إليه الأوضاع وحققت أفظع النتائج المأساوية، التي جعلت من أبناء أغنى البلدان مشردين وحائعين ويعانون الفقر الشديد في مواطنهم، والفساد من أخطر الحالات التي أهلكت مجتمعاتنا ونخرتها، وهي لا تتفق مع أبسط القيم والتقاليد المتعارف عليها، حتى أصبح الفاسدون هم القادة وأصحاب الشأن والقرار وتقرير مصير البلاد والعباد.

 

10- الإثراء السريع

أخذوا مِنّا مُنانا والعلى.......فافتقرنا وتوسّدنا البَلى

من عجائب مجتمعاتنا أن يتحقق فيها الإثراء السريع من قبل أناسٍ لا يقدمون للحياة شيئا نافعا، ولا يمتلكون المؤهلات العلمية والثقافية، لكنهم بنعمون بالإثراء الفاحش لأنهم على علاقة بذوي السلطة والجالسين على كراسي الحكم، وهذا السلوك يتسبب بتوليد مشاعر سلبية ذات طاقات تدميرية إنتقامية شديدة الفعالية والتأثير، لأن ما يحققه هؤلاء يشير إلى إستئثار مارق وإستهتار بالقيم والمعايير والأعراف.

 

11- فقدان قيمة العمل

عملُ الإنسان أحْيا يَوْمه.......كيفَ أشقى عَملٌ أصْحابه؟

لا يوجد تفسير مقنع لفقدان قيمة العمل في بلداننا، فالعمل لا يوفر لصاحبه فرصة الحياة الحرة الكريمة، وإنما يشجعه على الفساد والتعاطي بالرشوة وغيرها، لكي يجني من عمله ما يؤهله لتوفير متطلباته وحاجاته العائلية والشخصية اليومية، وفي جميع دول الدنيا يكون العمل فرصة العامل لتحقيق السعادة والتمتع بحياته، إلا في دولنا التي تقاتل قيمة العمل وتُفرغه من محفزاته ومعطياته وتأثيراته الإيجابية.

 

12- تفشي الأمية اللغوية

كيفَ للضادِ أضاعتْ ذخرها......أمّةٌ هانتْ فألغتْ ذاتها

ضعف اللغة تسبب بتداعيات معرفية وتأويلية خطيرة، أدت لتخندقات وتصارعات خسرانية مروعة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدين، الذي هو في جوهره معرفة وتنوير وإدراك ووعي روحي ونفسي وفكري، يساهم بنقل البشر لمصاف إنسانيته وتحميله رسالة التعبير النبيل عن عقيدة الرحمة والمحبة والأخوة البشرية، التي تنطلق منها الأديان.

 

د- صادق السامرائي

يتبع

في المثقف اليوم