قضايا

التطرف والكراهية والعنف!! (2)

13- البؤساء

أيّها البؤس المُعنّى بالشقاءِ .. هلْ ستدْعونا لخيرٍ وشفاءِ

البؤس الوخيم الشرس المتكرّس المتفاقم في ربوع بلداننا، يساهم في صناعة الأجيال المعتقلة بالعوز والحرمان، وعدم القدرة على التواصل الإيجابي مع واقعها، مما يحقق تفاعلات باثولوجية، ومؤهلات سلبية وإستعدادات لتواصلات ذات نتائج مدمرة لما يتصل بالبائس المُعنّى بالحاجات والمشبع بالمرارات والخيبات والإنكسارت السلوكية القاهرة.

فالبؤس يولّد طاقات عنيفة تتعتق في دياجير النفوس المحبوسة، والمكبوسة تحت ضغط خارجي شديد.

 

14- الإعتقاد المنحرف

حرّفِ الأفكارَ تكسَبْ شرّها .... وتعلّمْ كيفَ تهوى غيرها

التحريف منهج ذوي العاهات النفسية والعقلية، الذين يدينون بأهوائهم وما تمليه المطمورات السوداء المتحفزة فيهم، والتي تتقنع بما يسترها ويُظهرها على أنها غير ما تريد، ويبدو أن البشر يميل للتحريف والتأويل المتفق وما يندس بدنياه، ويتلجلج بأعماقه من نوازع ورغبات وتوجهات وتطلعات ذات أهداف غثيثة وغايات ركيكة.

وهذا الإنحراف يستعبد السلوك ويهندسه وفقا للتطلعات المريضة والتوجهات العليلة، الساعية لتحقيق أعلى وبائية تدميرية للذات والموضوع البشري المُبتلى بداء الإنحراف الإعتقادي، والذي يساهم في تعزيزه العديد من المستثمرين في الويلات والمآسي البشرية.

 

15- المخدرات

يَسْكُر اللبُّ بخَمرٍ ودواءٍ ..... وبوهمٍ وضَلالٍ وهُراءٍ

البشر ميّال لتعاطي ما يُذهب عقله وبطيح برشده، لأنه يجد نفسه أضعف من الإستجابة لبصيرته، فيحاول أن يطرد لبّه ويحرر ذاته من سلطة المعقول، والإنغماس بما يهلكه ويضعه في متوالية التفاعلات الضارة، التي تؤهله للوقوع في حبائل الساعين لتسخيره لأهداف وتطلعات لا يدركها، ويحسبها ذات قيمة رغبوية ومعطيات لذائذية، توافقا مع إنحداره الإدماني وتورطه التفاعلي مع الذين يسعون به إلى مهاوي التداعيات المدمرة، ويبدو أن لهذه العوامل دورها في إمتلاك البشر وتسخيره لغايات سيئة.

وللأفكار الضالة دور إدماني وسُكراني، يعبث بالأدمغة ويُطَيّشُها، ويدفع بها إلى الهذيانات السلوكية والتفاعلات الخسرانية، التي لا تخطر على بال بشر.

 

16- وفرة السلاح والتسليح

عاهة الدنيا سلاحٌ قاهرٌ ... سلّحِ النفسَ ليطغى الفاجرُ

أمضى البشر ملايين السنين وسلاحه يداه، وكان يستعمل الحجارة والعصا والرمح وغيرها من الأدوات والآلات، ثم إخترع السيف، وتواصلت إختراعاته من السلاح، حتى تطورت إلى ما هي عليه اليوم من سرعة وشدة الفتك، فلا يحتاج إلا لضغط زر أو زناد، لكي يقتل المئات أو الآلاف من أبناء جنسه وبلمحة بصر، وهذه القدرة وفرت منافذ تدميرية للتعبير عن الغضب والعدوان، وأصبحت معضلة عسيرة وتحديا مصيريا خطير التداعيات، لن تتمكن البشرية من الإنتصار عليه، لأنها سعت إلى حتفها وبإختيارها، وكأنها تعبّد دروب الإنتحار والإندحار، بتأجيجها للحروب القاسية ما بين الناس أجمعين، فآلة التعبير الفوري عن الغضب تقترب شيئا فشيئا من الضغط على الزناد.

 

17- الأمان الغائب

غابَ أمنٌ فتنامى رعبها.......فأتاها ما أتاها خوفها

عندما يغيب الأمان يكشف غاب النفس الدونية عن نوازعه ويكشر أنيابه، وتحتدم الصراعات ما بين البشر المقيم في رقعة أضاعت أمانها، وحفّزت كوامن الأعماق وأطلقتها عارية لتواجه ذاتها وتقرر مصير صاحبها، فيسود التوجس والخوف والتأهب، وتندلع التفاعلات الإنعكاسية ذات النتائج الدامية العاصفة في أرجاء النفوس الخائفة المرعوبة مما سيحيق بها.

وللأمان أوجه نفسية، فكرية، إعتقادية، إقتصادية وإجتماعية تساهم في صياغة لوحة الحياة الآمنة المستقرة القادرة على إنجاب الجديد الأفضل.

 

18- المراوحة

خلقَ الناسُ لسَعيٍّ طيّبٍ .... لا لشرّ ووجودٍ أجدبٍ

المراوحة تعني توحّل المجتمعات في مكانها وعدم قدرتها على التقدم إلى أمام، وإنما تبقى عجلات وجودها تدور في ذات البقعة، مما يتسبب بتنامي المشاعر السلبية وتأجج العواطف وإحتقانها، حتى لتجدها على أتم الإستعداد للإنفجار والدمار، لأنها تريد الخروج من ورطتها الطينية التي تقيّد قدراتها على التفاعل مع مفردات الحياة وعناصرها الواعدة.

فالمراوحون مؤهلون للإنزلاق في أي إتجاه مهما كان نوعه وطبيعته، للخلاص من أصفاد عدم المغادرة وسبر أغوار الأيام.

 

19- غياب الخطط الخمسية

نصف عقدٍ بجديدٍ يحفلُ ....... بصراعٍ إنْ جفاها يُعضَلُ

الخطة الخمسية في أي مجتمع تمثل الأمل والتطور والتقدم والتبدل، وتمنح الشعور بأن الحياة تمضي على سكة واضحة، وتريد الوصول إلى محطات جديدة، وتوفر آليات الإنطلاق منها لمحطات أخرى وأخرى، وبهذا يتوفر للأجيال الشعور بالمواكبة والعطاء الأصيل، والإحساس بأن ما تحتويه من براعم إبداعية ستتفتح وتلد أهدافها وتصل إلى مدياتها الكامنة فيها.

وبغياب الخطط الخمسية، تتأسن النفوس وتركد العقول، وتحتبس الطاقات، وتتزايد الإحتكاكات، وتنشحن العواطف وتتبركن الإنفعالات.

 

20- تراكم الخيبات

كثرةٌ الخيباتِ أوْهتْ أمةً.......خذلتْ ذاتا وعاشتْ خُدعةً

الخيبات عوامل تيئيس وإكتئاب وقنوط، إذا تكررت في أي مجتمع فأنها تترافق مع حالات سيئة تدميرية الطباع والتوجهات، وتدفع بالجيل المُعاني منها إلى المخاطر، ذلك أن الذات البشرية لا تقر بالخيبة، وفيها إرادة تحدٍّ ووتوثب نحو الغد الأفضل، الذي يصون مفردات صيرورتها الأرقى، ولهذا فأن الخيبات المتكررة تعني إحتدام الصراعات ما بين الذات والذات وما بين الذات والموضوع.

زمن اقسى ما تواجهه المجتمعات، أن تجد أجيالها في متاهات الخيبات ومدارات الإنكسارات، وأنها تتحرك في دائرة خسرانية مفرغة.

 

21- التبعية

إنْ تبِعنا غير إنّا، أُمْتُهِنّا.......ومضينا بصراطٍ ضدّ إنّا

التبعية في جوهر معناها أن التابع يسعى بكل ما أوتي من جهد لإرضاء مصالح المَتبوع، وللتبعية أنواع ودرجات تصل إلى حدّ الإستعباد والإرتهان ومصادرة المصير، والمجتمعات التي تُبتلى بحكومات تابعة للآخرين لا يمكنها أن تحقق ما ينفعها، وإنما تتحول إلى قرابين للمتبوع الذي لا يهمه إلا مصالحه، ومدى تنفيذ الحكومة التي يسندها لمشاريعه وطواعيتها له، وما أن تنحرف عن إرادته حتى ينقض عليها كالوحش الكاسر ليستبدلها بمن هم أوفى منها وأكثر إخلاصا وإذعانا له.

والتبعية تصنع توترات داخلية وأزمات متنوعة في المجتمع، الذي يستولي عليه شعور بالإرتهان والظلم ومنع الحقوق، مما يوفر الأرضية الكفيلة بالصراعات الدامية والعنف المستقيد.

 

22- الإرادة التصنيعية الغائبة

صَنّعونا فصَنعنا ذلنا.......أوْهَمونا فتهاوى كلّنا

تحوّل التصنيع في مجتمعاتنا إلى شيئ مستحيل وكأن الذين يصنعون ليسوا ببشر مثلنا، وإنما هم قادمون من أكوان أخرى، وما التصنيع إلى فكرة يتم تحويلها إلى موجود متفاعل مع مفردات الحياة، وتسويقه لتحقيق ربحية ذات قيمة إقتصادية وتنموية.

ويبدو أن الترويج السلبي للشعور بالعجز والدونية قد أسهم بقوة في تأكيد الأمية التصنيعية العربية، وتحويل المجتمع إلى أسواق إستهلاكية لبضائع ينتجها الآخرون، وكأن العرب بلا أدمغة ولا يمتلكون العقول والقدرات الإبتكارية والتخليقية التصنيعية المعاصرة، وهذه خدعة وأكذوبة تم نشرها وغرسها في دنيا الأجيال لمنعهم من المشاركة في التقدم والرقاء، والواقع البشري يشير إلى أن الإنسان في أي مجتمع ومكان وزمان، يمكنه أن يصنع ويبتكر ويبدع ويساهم في إنتاج البضائع لسدّ الحاجات البشرية التي لا يمكن إرضاؤها ما دام نهر الحياة في تدفق وجريان.

 

23- العمران

إنْ بَنينا إرْتقينا فوقها.......وسَمقنا فامْتلكنا مَجدها

 

البناء طاقة نفسية وإرادة تصميمية على التوثب والإنطلاق الواثق إلى الأمام، وهو الدافع الأقوى لتنمية المشاعر الوطنية الإيجابية، وترسيخ المفاهيم الصالحة لتواصل الأجيال، وتفاعلها الأقوى والأرقى في ميادين الحياة، فبالبناء تتكاتف الأجيال وتضع لبنات إبداعها ومبتكراتها مع بعضها، فتشيّد مسلة مسيراتها الحضارية المتلاحمة، التي تمنح الأجيال قدرات العطاء الأرقى والأجمل، وبهذا تُبنى الصروح الحضارية وتنطلق الأمم نحو علائها وبرهان وعيها وإدراكها، وترجمتها لما تحتويه من الأفكار النبيلة الفاضلة المشرقة في أرجاء العصور.

والعمران المادي له تأثيراته الإيجابية المعنوية والفكرية والنفسية والطاقوية، الكفيلة بالتوسع والإمتداد العطائي الأصيل.

 

24- الثقافة الوطنية

وطنُ النفسِ ونفسُ الوطنِ ...... طعّمَتْ روحا بمَصْلِ المِحَنِ

تحوّلت الثقافة الوطنية في مجتمعاتنا إلى سرابات وخيالات وفنتازيا، لا يمكنها أن تتحرك على تراب الواقع العربي، وتم ربطها بالقتال وسفك الدماء وحسب، وتوهمت الأجيال بأنها كذلك لا غير، وفي هذا إنحراف إدراكي وفكري سلبي تسبب بتفاعلات مدمرة للروح الوطنية والقدرة على بناء الأوطان، وتناست الأجيال أن الوطنية مفردات عملية يومية تصب بوعاء الوطن الكبير، وتراكمات سلوكية إنسانية ذات قيمة إيجابية صالحة للحياة المشتركة، والقوة والعزة والكرامة المجتمعية بأنواعها وألوانها الجميلة المتلاقحة، المتواشجة المتلاحمة في سبيكة الوطن الأقوى والأجمل.

 

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم