قضايا

هل اعادة الزرادشتية الى كوردستان تتكلل بالنجاح؟

emad aliمنذ مدة وتحاول بعض الشباب اعادة الديانة الزرادشتية وطقوسها الى اقليم كوردستان، معتقدين بانه الدين الاصلي للكورد الذي انشا في كوردستان بطقسه ومجتمعه وما كان فيه من اصالته، قبل مجيء الديانات الاخرى اليهم وفرضوها عليهم دون ارادتهم في اكثرها، ويعتقدون بانه يلائم الواقع وطبيعة وما موجود في كوردستان وهو الذي عاشت عليه الاجداد وامنوا به، ولابد من وجوده وليس ما تسرب اليه او جاء بقوة وصرامة السيف عنوة، واصبحت الاجيال يتعودون عليه دون ان يعلموا كيف ورد او انبعث وما هي الاديان وما اساسهم وكيف هو منشاهم في الحقيقة، وبه اصبح الامر الواقع هو ما تسير عليه هذه الاجيال دون ان تعلم ما يتضمن وكيف برز وما حقيقته هذه الاديان وما اساسها .

ان الوقت الطويل الذي مضى على نشوء الاديان او البعد الزمني فرض الاعتقاد على الاكثرية بانها كما تُدار اليوم وكل شيء فيها لا دخل للانسان فيها وهي مقدسة، وهذا الاعتقاد بالذات هو ما فرضه ماوراء الطبيعة ولا يمكن ان يشك به من لم يتعمق في تاريخ الاديان وكيفية نشوئها وفي ورودها وكيفية انباعاثها وما وراءها . ولم يتعمق الكثير من الشعب في ثنايا الاديان او الدين الذي يلتزمون به بل اخذوه وراثة من ابائهم والطريقة التي تُفرض دون ان يكون للطفل اي راي فيه ولا يمكن ان يُمسح بسهولة في اذهانهم، اي على خلاف العلم والحقيقة التي لا يمس الطفل الا بعد نضوجه، فان الدين ومنذ اوائل عمره يلتصق في كينونته وهو مايتداوله العقل الباطن باستمرار، ولم يُسمح باي شكل كان، وان لم تتوفر ارضية كي يكون الطفل حرا في فكره واعتناقه لاي فكر او فلسفة يمكن ان يؤمن به هو بقناعة ويتركوه لحين النضوج فان دين الاباء سيكون الطاغي دون منافس، او يتعود تلقائيا عليه بشكل مباشر وفعال من خلال ما يمسه عمليا على ارض الواقع وان لم يفرض عليه ما يؤمنه الوالدان باس شكل كان، واصبحت الاديان مانعا او حاجبا للحقيقة امام الطفل قبل البالغ، وهذا ما يشكل السد المنيع امام معرفة الحقيقة التي تكلم الكثيرون عنها دون ان يؤثر بشكل ولو صغير على عقلية المجتمع، الا في فترات او مراحل معينة نتيجة التغيرات المتعددة التي حصلت، او قفزات اجتماعية سياسية معينة في العصور الاخيرة، والسياسة هي التي فرضت العوائق على تعمق اي فرد في معرفة الحقيقة في هذه الناحية قبل الدين بذاته، واصبحت الصراعات المختلفة بمضمون ديني هو الشغل الشاغل للكثير، ولم تتسن لمن يفكر مع ذاته اية فرصة في التمعن فيما هو سائر عليه واورثه دون ان يكون له اليد فيه . والمعيق الاول في معرفة الحقيقة هو الغيب او الاعتقاد السائد في ان الدين ليس من شان الانسان وليس من عمل يده، وهذا الخطا المفروض جبرا الذي لا يدع اي منا ان يتعامل معه بما يبين الحقيقة في منشاه وكيفية انباعاثه كما هو وكيف كانت الظروف والارضية التي ادت الى بروز هذه الاديان .

من المؤكد ان الاديان لم تكن كما نراها اليوم، ومن الممكن ان نتلكم عنها وناتي من النهاية لمنع التفصيل، نقول وهي جاءت من تفكير الانسان في الطبيعة وما كان يراه بالتجائه الى امور تساعده على تفكيره وتقوية حياته وايجاد سند له ودواعم تعمل على مقاومته للصعاب التي تواجهه، وعليه صنع هو ما يؤمن انه يمكن ان يلجا اليه عند المحنة، او الزم نفسه على عبادة الامور الطبيعية او ما يراه دون ان يعلم عنه شيئا كما هو بداية في عبادة النار والحيوانات ومن ثم الاصنام التي صنعها بيده . كما يذكر التاريخ، فان الديانة الزرادشتية هي اولهم في الوحدانية اي الايمان بالاله الواحد الاحد، وتعتمد على الاخلاق الحسنة والكلام والصفات والافكار الايجابية الانسانية ، ومن ثم لها الطقوس الخاصة بها وتختلف عن الاخريات بشكل مطلق في بعض جوانبها . وقد التزم بها شعوب هذه المنطقة وبالاخص من يعتبرون من الاصول الآرية وكما يقول الاخرون بانها تخصهم . فان الكورد يعتقد بانهم هم اول من بعث في ارضهم هذه الديانة واتخذها الاخرون طريقا لهم، وكما الاشياء الاخرى سلبوها منهم واعادوا اصولها اليهم، وهذا لا يجوز ان يطول للنهاية ولابد ان تعود الحقيقة الى اساسها .

اليوم نرى محاولات عدة في اقليم كوردستان لاعادة مسار الديانة الزرداشتية وتوجيه الناس عليها باعتبارها انها لهم ومنهم وهم من انشاوها قبل غيرهم من جهة، وما جاء بعدها تعديا عليها وسلبوها من اصولها ولابد ان يرضخ الجميع لامر الحقيقة من جهة اخرى .

فنرى شبابا اليوم يجتمعون حول الدين الزرادشتي، ويعملون به وكل منهم جاء لاعتبارات خاصة وربما لا تجمعهم الديانة ذاتها بقدر ردود الفعل لما اخفاها الاخرون على الناس، او ما حصل للكورد فيما بعد اندثارها اي اندثار الزرادشتية، وهي التي كانت تجمعهم وعاشوا بما فرضت عليهم، واخذت الشعوب الاخرى منها وانشئوا دياناتهم التي احتلوا بها هذه الشعوب الاصيلة وبالاخص الدين الاسلامي الذي فرض نفسه بصرامة السيف وما يقولون بهدى القران ما بعدها .

اي من يجتمع حول هذه الديانة بتوجهات عديدة وليس الايمان بالدين ذاته الذي نشا في ظروف وو اقع وبيئة وزمان ومكان وحياة عامة مختلفة جدا عما نعيشه اليوم وما غيّره الدين الاسلامي خلال هذه القرون في منطقتنا وعقليتنا التي رسخ بشكل قوي فيها، ومسح ما كان فيها بكل ما فيها بالترهيب والترغيب كما معلوم من تاريخ المنطقة الحقيقي .

اي، العودة الى هذا الدين في هذا الوقت والعصر، والعلمانية بشكلها الحقيقي تفصل الدين عن الدولة والاساس الموجود في جانب منه يدفع الى العلمانية بعيدا عن ما يحاوله بعض الاحزاب والقوى التي تريد ان تكون لها اليد في فرض ما فرضته الدخلاء في الامة الكوردية، ومن يتعمق في اي دين يكتشف له بانه من صنع الانسان ذاته فكيف بالدين الذي لا يمكن ان يؤيده الواقع المتغير وكيف باعادة الظروف الذاتية والموضوعية لذلك العصر كي يمكننا ان نمهد او نرسخ ارضية لاعادته الى عمله كما كان، وبالخصوص ان الدين جميعه لا يمكن ان يقع لصالح الانسانية وما يهم حياة الناس ومصالحهم العامة .

هناك من يلتزم به كرد فعل للاديان الاخرى ويعتبرهم دخلاء على الشعب الكوردي، ايمانا بالدين رد فعل لدين اخر، وهناك من يعتبر الدين الزرادشتي هو اساس لتثبيت القومية الكوردية وكرد فعل لما جاءت القوميات الاخرى من الاديان لتثبيت ذاتهم وفرض هيمنتهم وما يهم قومياتهم على الاخرين بطريق الدين، فيعتقدون بانهم يمكن ان يبرزوا القومية الكوردية من خلال دينها الخاص ، وهناك من يلتزم بالضد من الاسلام السياسي وما يفعله وكيف يضر بالشعب الكوردي مجتمعا وتاريخا واعتقادا . وهناك من يؤمن به كدين ويلزم الالتزام به وهو ما يجب ان يتخذه طريقا في حياته المثالية، اي فيهم من المجتمعين حول الديانة الزرداشتية من المؤمنين والملحدين والعلمانيين ومن القوميين وفيهم من الاصوليين .

و هذا ما يدعنا ان نعتقد بان الطريق لانتشاره صعب جدا وان من يقترب منه يكون له تلك الاهداف التي ذكرتها وليس الايمان بحد ذاته فقط، علاوة على الظروف المتغيرة التي لا يمكن اعادتها الى ما كانت عليه وقت انتشار او نشوء هذه الديانة .

انني شخصيا اعتقد ان صعوبة الالتزام بهذا الدين كصعوبة الالتزام بالعلمانية عند الناس، والعلمانية هي التي تدفع الخروج من ماوراء الطبيعة والسير على حقيقة الحياة وا لانسان والتطور والحرية في اعتناق اي فكر وفلسفة بينما هذا الدين كما غيره يؤدي الى الخيال والسير على الخداع من اجل خداع الذات لسبب معين . وارجوا ان لا تتحول هذه المحاولات من الشباب المخلصين الى صراع سياسي بين القوى الموجودة في كوردستان وان لا يُستغلوا من قبلهم وان ينجحوا في تحقيق اهداف يؤمنون بها وان كانت وقتية لصالح الشعب الكوردستاني .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم