قضايا

لغة المبالغه وأثرها الأجتماعي

ayad alzouhiriمبالغه في الشعر، مبالغه في الأرقام، مبالغه في الثراء، مبالغه في أدعاء النصر في الحروب، مبالغه في النسب، مبالغه في القوه، مبالغه في الكرم،. صوره أجتماعيه مشبعه في صور المبالغه،حتى أنها دخلت عالم الكذب من أوسع أبوابه. هذه الظاهره القديمه الحديثه لتعبر عن أوضح صوره لخلل أجتماعي كبير، وعن حاله مرضيه خطيره تنم عن شخصيه تعاني الكثير من الخلل النفسي والأجتماعي، لأن طبيعة الكلام يعبر عن طبيعة المتكلم، وصدق من قال بأن الكلام صفة المتكلم.

الموضوع لا تلملمه مقاله، لأنه أوسع وأكبر من ذلك ولكن ما أريد أثارته هو الكلام وطبيعة اللغه المتداوله في مجتمعنا والتي تعبر أصدق تعبير وجهه الحقيقي، ومزاجه العام، ومن المهم الأشاره الى أن طبيعة التخاطب بين الناس غير بعيده عن لغة الأدب.

المهم بتناول موضوع كهذا هو أن اللغه هي أصدق كاشف لما يضمره الأنسان مما يعتمر في خوالج نفسه من نجاحات وأحباطات وتصورات وأعتقادات، والتي تمثل جانبآ كبيرآ من حالة اللاوعي له، وهو الذي يمثل الشخصيه الحقيقيه والصادقه له.

من المؤكد أن المجتمع الذي يعتمد على لغة مشبعه بالمبالغات، ينسج في عقله صوره خياليه يصعب الوصول اليها، بل ومن المستحيل تحقيقها، وهذا واحد من أهم العوامل في عدم قبول مجتمعنا أو أتفاقهم على شخصيه تمثلهم، لأنهم ينزعون الى شخصيه خياليه الأوصاف والقدرات لا توجد بين بني البشر، لذا هم على طول التاريخ لا يتفقون لا على شخص ولا على رأي، بل تراهم في حاله من الأختلاف الدائم، وخير من يختصر هذا التصور هو أنهم ( أتفقوا على أن لا يتفقوا)، وفي تصوري أنها السبب في أكثر حروبهم بل جلها . فمثلآ ينقسمون أزاء أي شخصيه ، فهم ينقسمون أتجاها الى فئتين، فواحده تكفره،وأخرى تؤهله، حتى يمكننا القول أننا مجتمع نبالغ في الحب والكراهيه، ولا نعرف للوسطيه مكان في أرائنا، فعلى سبيل المثال يقول قائلهم في وصف من يتغزل بها.

تدخل اليوم ثم تد       خل أردافها غد

فقلي بربك ماذا تكون هذه المرأه،وهل هي من البشر، صحيح هو خيال شاعر ولكنه خيال منفلت العنان، لا ينظر ولو لحظه واحده الى الأرض، وهكذا الأمر في جميع جوانب حياتنا، فترى المبالغه في فتاوينا الدينيه حيث أن المبالغه فيها قادت الى الكثير من الحروب والنزاعات.

أن كلامنا المشبع بالمبالغه والمستغرق فيه يصنع منا شخصيات أنتفاخيه لا تمت للواقع بصله، وهذا ما نلمسه في صيغ المبالغه وفي وصف من يحكم، فوصفهم بأصحاب السياده والفخامه والمعالي...، كما أن المبالغه في التعبير اللغوي لا شك أنها تعبر عن نوع من الأنحطاط الحضاري، حتى لأنك ترى أضخم الألقاب وأعلاها في وصف حكام بني عثمان مثل (الباب العالي، الصدر الأعظم، الخديوي )، في وقت كانت تمر دولتهم في أضعف حالاتها،حتى سميت بالرجل المريض، حتى ترى أن العلاقه تكاد تكون عسكيه بين قوة الدوله وألقاب من يحكم، وهكذا الأمر في أيران البهلويه وألمانيا هتلر،وكلنا نتذكر ما أدعاه صدام من ألقاب على نفسه،وهي مستنسخه من صفات الألوهيه، وهذا ما أنعكس على كيان الدوله وساهم في أضعافها ومن ثم أنهيارها .

أن من يتصف بالمبالغه تراهم شخصيات عاشوا تجارب خاسره وفاشله ولكن يستعملوها بدافع التعويض كمنظومه دفاعيه للتمويه عن الخساره والضعف، كما أن المبالغه تكاد تكون صفه ملازمه لأنعدام الثقه، وهي وسيله تستخدم للتوكيد.

أن ما أقصده ليس له صله بموضوع المبالغه ذات الصله بموضوع البلاغه، والتي تعتبر من المحسنات البديعيه، ولكن مأ أقصده هو ما تعكسه المبالغه على الجانب الأجتماعي،فيكون صنو للكذب وأحيانآ مجالآ خصبآ لتأهيل الحكام وتشجيعهم بالأستغراق بطغيانهم على شعوبهم كما وصف أبي العتاهيه به الخليفه العباسي الهادي.

أتته الخلافه منقاده اليه تجرهم أذيالها         فلم تك تصلح الا له ولم يكن يصلح الا لها

أو كما قال أبن هانئ الأندلسي في مدح المعز الفاطمي

ما شئت لا ما شاءت الأقدار         فأحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت الرسول محمد           وكأنما أصحابك الأنصار

فالمبالغه تبقى شئ سائغ أذا كانت في حدود العفويه و قد يكون محبب في مجال شعر الغزل، ولكن في الجوانب الأخرى علينا أن نسمي الأشياء بأسماءها، لا أن تكون المبالغه مزاجآ سائدآ ينضوي تحته الكثير من الأمراض الأجتماعيه والنفسيه.

 

أياد الزهيري

في المثقف اليوم