قضايا

ملامح رؤية العلامة محمد بن عبد الله المؤقت الاصلاحية للتربية والتعليم

يعد العلامة محمد بن عبد الله المؤقت من قادة الاصلاح الذين شهدهم النصف الاول من القرن العشرين بالمغرب .

وقد كان مشروعه الاصلاحي متكاملا، شمِل إعداد الانسان، وإصلاح التعليم والادارة والقضاء ، واصلاح شبكة العلاقات الاجتماعية ...[1]

هذه المقالة عرض للمداخل المنهجية والتربوية المؤسِّسة لرؤية ابن المؤقت الاصلاحية للتعليم في كتابه القيم "الرحلة المراكشية":

أ-ضرورات ملحة للتعجيل بمشروع إصلاح التعليم:

كان المغرب _ على عهد ابن المؤقت _ يرزح تحت نير الاستعمار الغاشم الذي شل كل القطاعات الحيوية، ومنها قطاع التربية والتعليم الذي استنفذ اغراضه، بعد عصور الانحطاط التي خيم ليلها طويلا على معظم بلاد العالم الاسلامي.

كان ابن المؤقت _ رحمه الله _ يدرك مركزية البدء بإصلاح التعليم ضمن مشاريع الاصلاح الشاملة بعد ان ظهر له أن هذا القطاع لم يعد قادرا على القيام بوظائفه الاساسية شكلا ومضمونا ، وهو ما ضمنه في صرخته المدوية قائلا: "حرام علينا يا قوم أن يسبقنا الناس بطرق التعليم الحسنة ، ونحن نحرم أنفسنا واخواننا من علوم الدين والتهذيب والعقل ،يا قوم من لنا بهداة وعقلاء يقومون فينا بتغيير الطرقالتقليدية المائتة بطرق حية ليحيا الإسلام والمسلمون"[2] .

وقد أحزنه كثيرا أن يعهد بمهمة التدريس إلى رجال غير أكفاء فقال: " ومنهم من يتصدى للتدريس مع كونه لم تتوفر فيه شروطه، لاجلُّها ولا بعضُها، فتراه بليدا جافي الطبع، نائي الفكر عن المدارك، بعيدا عن الحفظ والفهم، فتعليمٌ هذا تعنتٌ وتكلفٌ..."[3] .

وقال كذلك:" إن التعليم فن وصناعة لاكسائر الفنون والصناعات، بل أعظم منها جميعا وأكبر خطرا، لأنه يتصل بتكوين الأمم أخلاقا وعلما وعملا..."[4] .

لذلك يرى ابن المؤقت ألا يعهد برتبة التدريس إلا للأكفاء الصالحين الموهوبين، وأن لايترك ذلك للمصادفات، ووجب مع ذلك "العناية بتدريب كل من يرى نفسه صالحاللتعليم تدريبا يؤهله للقيام بأعباء عمله على الوجه الأصلح"[5] .

ب- الصفات الواجب توفرها في من يتصدى لصناعة التربية والتعليم حسب ابن المؤقت:

يرى ابن المؤقت أن المعلم محور العملية التعليمية، ولذلك لزم التشدد في انتقائه واختياره بمراعاة جوانب ثلاثة:

 

أولا: الجانب الأخلاقي:

يشترط ابن المؤقت في المعلم أن يكون ذا خلق حسن، لينجح في مهمته السامية ،وليكون قدوة حسنة للمتعلمين" فإن المربي لاينجح في مهنته حتى ينجح أولا في تهذيب نفسه،لأن تعليم الأخلاق للتلاميذ لا يكون تلقينا، بل إنه يأتي عفوا وبلا تعمد"[6]

ومن الأخلاق الفاضلة التي أوجب ابن المؤقت توفرها في المدرس:

- محبة التلاميذ والعطف عليهم.

- مشاركتهم في اعمالهم.

- فهم نفسياتهم، وتتبع غرائزهم وميولهم،وتقدير ذواتهم.

- الصبر في معاملتهم، سواء في تعليمهم، أوتحمل اختلافهم وتباين شيمهم وطباعهم.

- التسلح بالأمل مهما أظلم الجو أمامه، وأن يطارد القنوط ما استطاع، إذا رأى تقصيرا من تلاميذه[7] .

- الحزم والعزم[8] ، لأن كثيرا من المواقف الصفية تستوجب ذلك.

والمعلم الذي تشربت نفسه هذه الفضائل حتى غدت سجية وطبعا له ينقلها إلى متعلميه بسهولة" فتكون لهم عادات بلا عناء ولا كدٍّ"[9] .

 

ثانيا: الجانب العلمي:

ويشمل هذا الجانب حسب ابن المؤقت:

- الكفاءة العلمية، بأن" يكون المعلم ملما إلماما تاما بما يقوم بتدريسه من العلوم والفنون" [10] ،لأن ذلك يضاعف الثقة المتبادلة بينه وبين تلاميذه، ويحببهم في الاستزادة.

- العناية بالتكوين المستمر،وهو ماعناه الفقيه ابن المؤقت حينما حتم على المعلم" ألا ينقطع عن المدارسة والتنقيب، وإلا كان عمله آليا لا لذة فيه ولاسرور"[11] .

- الخبرة بخير طرق التدريس وأمثلها في التعليم[12] .

وقد سبقت الإشارة إلى امتعاض الفقيه ابن المؤقت من طرق الـتعليم المتقادمة والميتة التي يمضي فيها الإنسان شبابه بلا ملكات تحصَّل، أو مهارات تكتسب "فإذا طُلب منه خطاب أو خطابة أو تأليف عجز، إلا عن تلك العبارة الأعجمية، ولو سئل عن القرآن وإعجازه لقال بلسانه: إنه معجز البشر، وإنما ينطق بهذا سترا على الجهل وخوف العار" [13] ، والشيخ يشير بذلك إلى فقدان التعليم - على عهده – فاعليته، وعجزَه عن إكساب المتعلمين القدرات والمهارات الأساسية.

- حب مهنة التدريس والشغف بها والاستعداد الدائم لأدائها بل الاستمتاع بالقيام بها إذ "ليس أشقى على النفس من التصدي لعمل ليست له أهلا"[14]

بله التعاطي لعمل لا تحبه كما هو ملاحظ عند الكثير من رجال التعليم في هذا الزمان .

- فقه نفسية الفئة المستهدفة: وهو ما عناه ابن المؤقت بقوله "معرفته بغرائز الاطفال" [15] بل أوجب على المعلم دراسة علم النفس، فإنه معوان له في تحقيق غرضه [16] .

 

ثالثا: الجانب الجسمي:

لا يخفي الأثر التربوي للهيأة الخارجية للمعلم، لأن التلاميذ كما يقلدونه في أخلاقه يقلدونه في مظهره وحركاته؛ لذلك وجب عليه "أن يكون مثالا للكمال على قدر الإمكان في ظاهره وباطنه ليؤدي ذلك الواجب المقدس الملقى على عاتقه بأمانة وصدق"[17] .

ج-ثمار اجتماع الصفة الخلقية والعلمية والجسدية في المعلم :

إن توفر المعلم على هذه الصفات مجتمعةً يعد مدخلاطبيعيا وسليما لصناعة إنسان متكامل الشخصية، صالح في نفسه، مصلح لوطنه ، ونافع للعالم الذي ينتمي اليه.

و قد قرر المصلح الاجتماعي ابن المؤقت هذه المخرجات بقوله:"هذه الصفات المختلفة إذا اتصف بها المعلم، استطاع أن يخرج للعالم إنسانا قويا عقلا وجسما، وأن يبعث أناسا عاملين لنعيمهم ولسعادة أوطانهم وعالمهم الذي يعيشون فيه بهذه الصفات القيمة، فنستطيع أن نسمي المعلمَ ذلك الأبَ الرحيم، والمربيَ الحكيم، والمخلص الأمين"[18] .

بهذا العرض الموجز لأهم المداخل المؤسسة لرؤية ابن المؤقت الاصلاحية للتربية والتعليم يتبين:

- وعي رواد الاصلاح المغاربة الأوائل بحيوية الاصلاح التربوي والتعليمي وأصالته ضمن مشاريع الاصلاح الشاملة التي تبنوها.

- ادراك اهمية المعلم /المدرس في هرم العملية التعليمية التعلمية

- ادراك قيمة الطرق التربوية والمناهج البيداغوجية في الرفع من جودة التعليم وتحسين مخرجاته المعرفية والمهارية.اهـ

 

الاستاذ: حسن بومرواني

أكادير-المغرب

.....................

[1] الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية، للعلامة محمد بن محمد المؤقت، ص 14 ومابعدها.

[2] الرحلة المراكشية، ص 531.

[3] المرجع نفسه، ص351 .

[4] المرجع نفسه، ص352

[5] المرجع نفسه،ص 352

[6] المرجع نفسه، ص352

[7] المرجع نفسه، ص352

[8] المرجع نفسه، ص353

[9] المرجع نفسه، ص353

[10] المرجع نفسه، ص353

[11] المرجع نفسه، ص353

[12] المرجع نفسه، ص353

[13] المرجع نفسه، ص531

[14] المرجع نفسه، ص353

[15] المرجع نفسه، ص353

[16] المرجع نفسه، ص353

[17] المرجع نفسه، ص353

[18] المرجع نفسه، ص353

في المثقف اليوم