قضايا

تفاردوفسكي وابو بكر يوسف وترجمة الشعر

نشر المترجم المصري الكبير الدكتور ابو بكر يوسف في مدونته بتاريخ 22/2/ 2016 مقالة مهمة جدا - من وجهة نظرنا – حول قضية ترجمة الشعر الى العربية، وقد أثارت تلك المقالة ردود فعل واسعة لدى الكثير من المتابعين لحركة الترجمة بشكل خاص والحركة الثقافية بشكل عام، منهم المستشرقة الروسية اولغا فلاسوفا والدكتور أحمد الخميسي والدكتور يحيى عبد التواب (من مصر) وغيرهم، ونود هنا ان نتوقف عند هذه المقالة العلمية العميقة لابي بكر يوسف، لأننا نرى انها تثير مسألة فكرية كبيرة وحادة ومطروحة بشكل واسع جدا امام القراء في بلداننا العربية كافة .

 تكمن اهمية هذه المقالة – قبل كل شئ – في انها جاءت من مترجم قدير ساهم في عملية الترجمة الابداعية للادب الروسي من اللغة الروسية الى العربية بشكل مباشر منذ بداية الثلث الاخير للقرن العشرين ولحد الآن (انظر مقالتنا بعنوان – ابو بكر يوسف والادب الروسي)، وهو يقف واقعيا في طليعة المترجمين العرب - بشكل عام- للادب الروسي في الوقت الحاضر بلا ادنى شك .

 النقطة الثانية في اهمية هذه المقالة وقيمتها تكمن في ان مترجما بهذا المستوى الرفيع قد عاد الى ترجمة قديمة له لقصيدة الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي (1910- 1971) كان قد نشرها قبل عشرات السنين، واعاد ترجمتها من جديد، لانه اقتنع ان ترجمة الشعر لا يمكن ان تكون نثرا، وانما يجب ان تكون شعرا او في الاقل بصيغة فنية اقرب الى الشعر، وهذا يعني ان الدكتور ابو بكر يوسف أخذ يقترب من مفهوم فلسفة ترجمة الشعر الى اللغة الروسية وتقنيتها منذ جوكوفسكي وبوشكين وليرمنتوف ..الخ في القرن التاسع عشر وأخماتوفا..ألخ في القرن العشرين والى حد الآن، اي عبر اكثر من قرنين من الزمان في تاريخ ومسيرة ترجمة الشعر في روسيا.

النقطة الثالثة، التي تستحق التوقف عندها والاشادة بها تكمن في ان الدكتور ابو بكر يوسف لم يحاول ان يطبق هذا الاقتناع الفكري على ترجمات الآخرين من المترجمين العرب (وما أكثرهم !)، بل جرٌب ذلك على نفسه اولا، وهو يذكٌرنا بعمله هذا بالعلماء المبتكرين الكبار عبر التاريخ، الذين جرٌبوا اختراعاتهم على انفسهم اولا، كي لا يجازفوا لا بحياة الآخرين ولا حتى بالتأثير النفسي عليهم، وهو موقف نبيل ومتميٌز ومتفرد بكل معنى تلك الكلمات، ولا يستطيع اتخاذه وتطبيقه بلا شك الا فارس شهم كبير مثل الدكتور ابو بكر يوسف .

النقطة الرابعة والاخيرة في هذا المجال ترتبط بمسألة النقد الذاتي للاعمال الابداعية . لقد اعطانا الدكتور يوسف درسا تطبيقيا رائعا في علم الترجمة، ويجب علينا جميعا ان نحذو حذوه .

كان ابو بكر يوسف (بعلميته وموهبته وتواضعه) قدوة للمترجمين العرب عن اللغة الروسية ونموذجا متألقا لهم، وهو اليوم بخطوته تلك يعود مرة اخرى الى الترجمة وعوالمها ويستعيد موقعه المتميٌز والطليعي فيها.

من اجل اكتمال الصورة، نقدم للقارئ الترجمتين للقصيدة كما نشرها د.ابو بكر يوسف، وهي كما يأتي –

الترجمة الاولى للقصيدة                           

انا اعرف – لا ذنب لي

في ان الآخرين

لم يعودوا

من ميدان الحرب

وظلوا هناك

من هم أكبر او أصغر منيٌ.

وليست القضية

انه كان بوسعي ان انقذهم

لكني لم اتمكن،

ليست تلك هي القضية.

ومع ذلك...

ومع ذلك...

ومع ذلك...

++++++++++++++++++++

الترجمة الجديدة للقصيدة                     

اعرف – لست مذنبا

في ان غيري لم يعودوا

من ميادين الوغى

ظلوا هناك اذ طواهم الردى

من فاتني في العمر

او من لم يجاوز الصبا.

وليست القضية

ان كنت قادرا على انقاذهم

لكنني لم استطع...

كلا فتلك ليست القضية،

لكنما...

لكنما...

لكنما...

     

                    

في المثقف اليوم