قضايا

الضمير العراقي.. حذار من مرحلته الرابعة!

qassim salihyتتعدد مفاهيمنا عن (الضمير)، فهنالك من يصفه بأنه صوت الله في الانسان لأنه يمثل الصدق والايمان، وهنالك من يعتبره (القاضي) الذي يحاسبنا على اخطائنا، وآخرون يصفونه بـ(الحارس) او (الرادع) الذي يردعنا حين نهمّ القيام بفعل غير اخلاقي، او (الرقيب) على السلوك قبل وعند وبعد الشروع بأي عمل. ونحن نحكم على الاشخاص بقولنا (عنده ضمير) ان كان ذا اخلاق، و(ما عنده ضمير، او ضميره ميت ) ان كان عديم الأخلاق. ما يعني ان كل واحد منّا هو منظومة من القيم الأخلاقية، وأن الضمير هو (رئيس) هذه المنظومة..وان هذا الرئيس هو الذي يحدد أهداف الفرد ونوعية تصرفاته مع الآخرين، فان كانت مطابقة لقيم الدين واخلاق المجتمع الذي يعيش فيه..قال عنه الناس (صاحب ضمير) وان خالفها قالوا عنه(ضمير سز) .

 وما لا يدركه كثيرون ان الضمير هو القوة الفاعلة والمؤثرة في السلوك والمواقف والإتجاهات والانفعالات، وانه عندما يخفت او يغيب صوته فان المجتمع ينقسم الى جماعتين:اقلية قوية تمتلك السلطة والثروة ووسائل الاستبداد تمارسها بضمير قاس متحجر ميت، واكثرية فقراء وضعفاء ومغلوب على امرهم تضطر الى الاذعان وممارسة السرقة والغش والحيلة..بضمير يبرر ممارسة كل رذيلة تؤمّن لصاحبه العيش.

والمؤسف ان المثقفين والصحفيين انشغلوا بالسياسة التي الهتهم عن قضايا اجتماعية واخلاقية خطيرة افدحها ما حصل (للضمير العراقي) في العقود الثلاثة الأخيرة.فالدراسات الاجتماعية عبر التاريخ تشير الى ان ألدّ ثلاثة أعداء للضمير هي:الحروب والظلم والكراهية..وثلاثتها تجسدت في العراق بأبعد مدياتها..ووجهت ضربات موجعة الى الضمير الفردي والجمعي ايضا.فمعروف عن ان افدح الاضرار الاجتماعية للحرب الطويلة انها تحدث تخلخلا في المنظومات القيمية للأفراد وتضعف الضمير عند كثيرين وتهرؤه عند آخرين، وتدخله في غيبوبة عند اغلبية مطلقة..فكيف بالعراقيين الذين خبروا ثلاثة حروب كارثية على مدى خمس وثلاثين سنة..وسادسة مع الارهاب ما تزال مستمرة!.

  فضلا عن ذلك فان احد الاسباب الرئيسة لضعف الضمير عند العراقيين هو غياب الحاكم القدوة. ولنضرب على ذلك مثلا..عبد الكريم قاسم.فقد اكتفى هذا الرجل براتبه الشخصي وما وجدوا في جيبه اكثر من بقايا دينار، ولم يزد عدد افراد حمايته ومرافقيه عن عشرة، وبنى في اربع سنوات مدنا في بغداد (اليرموك، الضباط، الثورة، الشعلة..) واخرى في البصرة.. وبنايات شاهقات وزارة..التخطيط، مدينة الطب..فاقتدى الناس به وانتعش الضمير وشاع بين الناس الشعور بالتفاؤل والتعلق بالحياة وحب الوطن.. فيما المسؤولون الان منحوا انفسهم رواتب وامتيازات خيالية مع ان اكثر من نصف العراقيين موزعون بين من هم تحت خط الفقر ونازحون ومهاجرون بعد ان استوطنهم اليأس وانعدم عندهم الامل. 

 اننا ننبه الى كارثة حقيقية هي ان الضمير العراقي مرّ في الستين سنة الماضية بثلاث مراحل، الأولى كان فيها يميز بين الحلال والحرام ويخاف الحرام، والثانية:اختلط عليه فيها الحلال والحرام ودفعه التشوش الى ان يتجاسر على ارتكاب الحرام، والثالثة:صار ارتكاب فعل الحرام عاديا بعد ان شاع الفساد ولم يعد خزيا..اما الرابعة فسيطرق الضمير العراقي بابها ولكم ان تصفوه كيف سيكون!.. وكيف سيكون اهله!..ان بقينا عنه غافلون!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم