قضايا

ابن رشد يدعا لتحرير المرأة قبل أكثر من سبعة قرون

hamid taoulostليس على الباحث الذي يرغب في معرفة موقع أي مجتمع من المجتمعات ومكانته في سلاليم النهضة ودرجات التمدن ورتب التطور.. إلا أن ينقب و يفتش عن أحوال المرأة في ذات المجتمع، وليس التفتيش هنا بمعنى تتبع نقاط ضعفها وما يراه المتشددون في معاملتها، من سلبية ونقص وشرور حسب القول البونابرتي، وإنما بالتفتيش في ومواقف تلك المجتمعات حول حقوقها وطريقة معاملته لها كإنسان كامل الإنسانية، وهل لاتزال في نظره عورة جسدا وصوتا، يكرّس دونتيها وتبعيتها ويجردها من إنسيتها، ويختزل كينونتها في ذات منقوصة متماهية في نقصها أمام صورة الاستبداده الاجتماعي؟ وهل حدثت في بنيته المجتمعية تبدلات وتحولات اجتماعية ، جعلت العقلية الذكورية تنحسر وتتراجع هيمنتها كما حدث في غالبية البلدان الأروبية مع تراجع دور الأديان بعد الثورة الفرنسية وهجوم الباريسيات بالمكنسات على قصر فرساي، الحدث الذي أعتبر أساس وبداية الثورة الفرنسية التي فرضت تحرر المرأة الغربية في شتى المجالات ، وجعلت الرجل الفرنسي يؤمن بمبدأ  بـ "الجالونتري" La galanterie الذي يقضي بأن الأنثى مُعظّمة دائما أكثر من الرجل "فلا يجلس الرجال إلا إذا اكتفت النساء. وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس ولم يكن ثمة كرسي خال قام لها رجل وأجلسها..

الآراء والمواقف والاحكام التي ارتبطت في اطارها الزمني الذي وجدت فيه ، والتي نظر إليها المفكرون والفلاسفة العرب والمسلمون من منظار متعدد الأبعاد ومختلف الرؤى والمواقف، المنبثقة من تفسيرات وتأويلات المختلفة حسب المكان والزمان ،  للنص القرآني والحديث النبوي ، المنسجمة مع الثقافة السائدة التي صنعتها النزعة الأبوية الذكورية لطمس حقوق المرأة وتهميشها ، ضدا في التطور الاجتماعي والفكري وتطور الوعي الاجتماعي والسياسي الذي عرفته المرأة ، والتي وقف الفقهاء والكتاب والفلاسفة ضد حريتها وتحررها ومساواتها مع الرجل، ما عدا القليل من المتنويرين منهم، وفي مقدمتهم الفيلسوف العقلاني الكبير ابن رشد (1126 -1198) الذي مخالفة الكثير من الفقهاء والفلاسفة المسلمين ، بالآرائه الجريئة وأفكاره السوسيولوجية التنويرية التي سبق بها عصره ، والتي إنتصر بها للمرأة والدعوة إلى تغيير أوضاعها الاجتماعية وتحريرها ومساواتها بالرجل ، على اعتبار أنهما لا يختلفان من حيث طبيعتهما، لأنهما عنده متساويان في الكفاءات الذهنية والعملية، وحتى في الحروب ، ما جعله يجيز إمامتها في الصلاة حتى بين الرجال، إذ ليس هناك لديه ما يمنع من توليها المهام العليا كالرئاسة والإمامة ، حيث يقول: اختلفوا في الإمامة بالجمهور على انه لا يجوز ان تؤم الرجال واختلفوا في إمامتها النساء فأجازوا إمامتها على الاطلاق، واجاز بعضهم إمامتها النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلاة. ويشير الى أبو داود من حديث أم ورقة ان رسول الله كان يزورها في بيتها وجعل مؤذنا يؤذن لها وأمرها بان تؤم أهل دارها.

وقد ربط ابن رشد قبل أكثر من سبعة قرون بين تحرر المرأة وأهمية التنشئة الاجتماعية والاقتصادية ، واعتبر ان عدم صلاحيتها للقيام بجلائل الاعمال هو بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قضت بان ينظر الى المرأة وكأنها خلقت فقط للولادة وارضاع الأطفال فأتلفت مواهبها وامكانياتها العقلية.

حسب ما جاء في كتابه "جوامع سياسة افلاطون" -وهو من كتبه المفقود أصلها العربي، والتي وصلتنا عن طريق تلخيص المفكر الفرنسي ارنست رينان في كتابه “ابن رشد والرشدية"- الذي نورد هنا ترجمة لنص ترجمه رينان من اللاتينية الى الفرنسية: "تختلف النساء عن الرجال في الدرجة لا في الطبع. وهن أهل لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم وقد يفقن الرجال في بعض الأحيان من خلال مهارات متعددة، كما في الموسيقى، وذلك مع ان كمال هذه الصناعة هو التلحين من رجل والغناء من امرأة ويدل مثال بعض امصار افريقية على استعدادهن الشديد للحرب وليس الممتنع وصولهن الى الحكم في الجمهورية (أي جمهورية افلاطون). أليس واضحا ذلك من خلال رؤيتنا ان إناث الكلاب تحرس القطيع كما تحرسه الذكور، وان الثقافات والمجتمعات التي تمنع النساء عن الاشتغال بالفلسفة أو عن تولي الملك أو الرئاسة أو الإمامة الصغرى أو الكبرى تستند الى منطق آخر غير منطق العقل والعدل".

لاشك أن هذه الآراء التنويرية الجريئة التي أعلنها ابن رشد، حول قضية المرأة والمروجة للمساواتها بالرجل ، لأنها وإياه نوع واحد في الخلق وأنه لا فرق بينهما  في الغاية والطبع الإنساني، ، هي التي جعلت الخليفة الأموي المنصور يغضب عليه ويأمر بحرق جميع كتبه في الساحة العامة وسط إشبيلية بالأندلس عام 1195م وتحريم قراءتها والاشتغال بها حتى من قبل طلاب الفلسفة.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم