قضايا

"التأسلم"الموضة الجديدة!! (1)

hamid taoulostأحاول دائما قدر استطاعتي تجنب المشاركة في المناقشات التي تحكمها الانفعالات، وتتخلالها تصفية الحسابات، ويشغلها الإصرارعلى اقصاء الآخرين واغتيالهم أدبيا وسياسيا، لاني أأمن بأنه لا مصلحة أو جدوى في نقل الحروب الأهلية العبثية إلى وسائل الإعلام وتحويلها إلى مادة للإثارة والتحريض، والإسهام في التشتيت وتسميم أجواء هذا الوطن المأزوم. لكني كثيرا ما أجدني مجرورا لمسلسل ذلك العبث الدامي المضحك المبكي.. فما دعاني هذه المرة للخوض في مناقشة مثل تلك المواضع الحساس، هو أن أحدهم -سامحه الله- هاتفني قبل أيام وكالمعتاد أجبت ب"ألو" فجاءني الرد سريعا حادا وكأنه مهيء قبلا يحمل من اللوم أغلظه، ومن العتاب أعنفه، حيث قال مخاطبي بلغة عنيفة متجهمة: يا هذا قل "السلام عليكم" ولا تقل أبدا كلمه "الووووو" فأنت مسلم، والمسلم لا يقول "ألوووو" لأنه يخسر بسبب كلمة "ألووو الكافرة" مئات الحسنات في كل مكالمة، والرسول صلى الله عليه و سلم يقول" لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أذلكم على شيء إذا فعلتموة تحاببتم، افشوا السلام بينكم. الموضوع خطير جدا، لا تستهن به، فكثير منا بل لا أبالغ لو قلت معظمنا يبدأ بكلمة "ألو" عند الحديث عبر الهاتف، بيستعملون "ألو" "ألو" التي تساوي الصفر فى الميزان يوم القيامة، أما كلمة "السلام عليكم و رحمه الله و بركاته" قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم " افشوا السلام و اطعموا الطعام و صلوا الارحام و صلوا باليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام "وابلغنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن من يقول السلام عليكم فله عشر حسنات و من رد عليه بأفضل كان له ثلاثون حسنة و من قال السلام عليكم و رحمه الله و بركاته له ثلاثون حسنة وقال الله تعالى فى القرآن  {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (86) سورة النساء . فيجب عليك كمسلم ان تتلفظ دائما بكلمة السلام عليكم و رحمه الله و بركاته أو على الاقل السلام عليكم .حتى يزداد ميزان حسناتك أكثر و أكثر. تخيل كم مرة تتكلم فيها فى التليفون ؟اكيد اكثر من عشر مرات يوميا فتخيل نفسك كل يوم تربح 10*30 =300 حسنة .و هذا أقل القليل تأتى يوم القيامة بإذن الله و لك كنز من الحسنات فلتنسى كلمة " ألو" و مرحبا و غيرها من كلام الكافرين و لتتلفظ ب " السلام عليكم " فهى أفضل وأحب إلى الله عز و جل..

وبما أنه قد صار لدينا، والحمد لله، جيشاً عرمرماً من الفقهاء والدعاة، وبأكثر من عدد الأطباء والمدرسين، والمهندسين، والخبراء، لا شغل لهم سوى الوعظ والدعاء والإرشاد، يتصدون للناس حتى على الهاتف الثابت والنقال ناهيك عن شاشات التلفزات الوطنية والفضائيات العالمية وواجهات المجتمع والإعلام، فلا يتركون شاردة أوواردة دون حشر الأنوف، والتدخل فيها والإفتاء بها بدءً بتفسير الأحلام وعلم النكاح والحيض ونقض الوضوء،وكلمة ألو الكافرة، موفرين الجنّةَ مجّاناً ببضع كلمات يتهجّاها منبطحون لا "يُغيّروا ما بأنفسهم". إنه تغرير يجعل ثواب ''القشريّات'' يفوق ثواب المجاهدين والصابرين والنبيّين والمصلحين، فما أسهل وأرغبَ أن يردّد أحدنا "السلام عليكم" في سماعة هاتفه مئة مرّة ليحظى بأطنان الأجور وآلاف الحورفي الجنة الموعودة.

فبدل دعوة المسلم للعمل والتضحية وإنفاق مكدّس ماله في سبيل الخير وصالح الإنسانية وازدهار حالها، يُشجعونه على الكسل والاتكالية والانبطاح والتمسك بالغرائز الأنانية بدل العمل التطوعويّ الجاد الذي مارسه الأنبياء والصالحون فكسبوا احترام السماء واحترام أنفسهم عن جدارة.

 فالأجرُ يا مليمي عبر الهاتف يكون بقدر المشقّة، ولا مشقّة في اجترار مجرّد ألفاظ لا واقعَ تغييريّاً لها بنفسِ صاحبها وعلى مجتمعه، لا شرّ سيصيبنا منها إلا الذي كتبه الله علينا نتيجة فساد أعمالنا

وفي هذه المناخات السقيمة، التي تتدخل في شؤون القلب والعقل والوجدان والارادة الحرة، وبهذا الإيمان الصوري والمزيف، جابهني محدثي ومعاتبي الذي على ما تبين لي جليا من خلال بعض الجمل التي نطق بها خارج السكتش التراجيكوميدية العجيب، واللقطات الفكاهية المضحكة المحفوظة عن ظهر قلب، والتي لاشك أنه يكررها ببغائيا على مسمع كل من يهاتفه، تبت لي وبالملموس، أن لسانه ملجوم وقراره محجوز وليس بيده، وأنه مسيّر من جهات مخفية غامضة متوارية وغير مفصح عنها.

يتبع.

 

في المثقف اليوم