قضايا

تجربة الاسلام السياسي ومعوقات الإصلاح الشامل في العراق

ahmad fadilalmamoriجذور المشكلة وأفق الحل .. تساؤلات تحتاج الى اجابة

أن الذكرى السنوية الثالثة عشر لاحتلال العراق من قبل الامريكان واسقاط حكومة بغداد البعثية في 9/4/2003 وهي ذكرى وايام من نار ملتهبة في حياة العراقيين نتيجة تشظي الاسس والمقومات التي اعتمدت عليها العملية السياسية في العراق الجديد كما سمي بإدارة الملف العراقي ما بعد الحرب، وفقدان الرؤية العملية لبناء دولة المؤسسات التي كانت الاحزاب والحركات التي تشكلت في داخل وخارج العراق في ظل ظروف القوة التي فرضتها المرحلة السابقة والتي جاءت مع القوة الامريكية لاحتلال العراق،وهي كانت السبب الحقيقي بتقديم مبررات ورؤية جديدة تعتمد على (حرق البيت من الداخل وبناءه من جديد) وفق المفهوم الغربي،برغبة واصرار الاحزاب العراقية المشاركة في مجلس الحكم بحل المؤسسة العسكرية والامنية وهيئة التصنيع العسكري التي كانت تشكل مؤسسات حساسة لأنها تضم كوادر مدربة من خبراء وعلماء وموردين وشبكة مصالح دولية ومحلية في مجال التصنيع العسكري ويديرها جهاز أمني خاص مستقل وهي اخطر المؤسسات في الدولة العراقية السابقة بعد أن تم سرقة المنشآت وتهريبها الى دول الجوار وحلها ووفق شروط ورغبة الحاكم المدني (بول برايمر) مع قوى المعارضة التي تهيئت لاستلام الحكم وبناء أسس للمستقبل الحزبي وفرضت ارادتها وتصوراتها على كل المشهد السياسي والامني العراقي وفق مصالح حزبية وشخصية دون النظر الى مستقبل الشعب العراقي أو التشاور مع مطالب الشعب أو مكوناته كما يدعون وكانت الافكار في عدم افساح المجال للتعبير عن رؤيتهم او تقيم افكار تخدم المجتمع العراقي،وعدم الاستفادة من عناصر القوة التي تتمتع بها هذه المؤسسات في العدة والعدد والعلمية ومدى الضرر الذي يصيب الشعب العراقي في المستقبل القريب عند المس بها وتهميشها أو تفكيكها الى مكونات وأثنيات طائفية أو سياسية يؤمنون هم بهم ويصنفونهم ك (شيعة وسنة) وهذه كانت هي الديمقراطية التي اعتمدتها الادارة الامريكية بقيادة جورج بوش الابن والمدير التنفيذي للعراق (الحاكم المدني) وكانت معاير الدخول في الحكومة العراقية تعتمد على الموافقة على المشروع الامريكي بغض النظر عن مصالح شعب كامل والمساهمة في ترويج هذه الفكرة المجنونة في التميز بين السنة والشيعة والكرد كمجاميع عرقية أو طائفية وليس الدفاع عن مصالح الشعب العراقي مصالح العليا،فقط من اجل تمرير مشروع الاحتلال دون دراسة او فهم هذا الشعب المتطلع الى الحرية والمساواة والحقوق،وتم تنظير مفاهيم سياسية واجتماعية جديدة وغريبة على ثقافة وحقوق الشعب العراقي دون تحليل هذا الفكر الاستعماري من اجل النيل من السلم الاهلي والاجتماعي والبنية التحتية ووضع العراق ضمن الدول الفاشلة التي لا تستحق ان تكون دولة في مفهوم الاستعمار وكانت السياسة تعتمد على خلط الاوراق والمراهنة على الايام والسنين دون معالجات وتجنيد اكبر عدد ممكن من العملاء الذين يعملون بالضد من مصالح لشعب العراقي وزيادة حالة الاستقرار .

كانت مفاهيم ادارة الحاكم المدني الامريكي تنصب على بناء دويلات عراقية جديدة ومن بقايا الدولة القديمة ولكن بأسس هم يضعونها بموافقة الاحزاب الاسلامية وهي مشابهة لمفاهيم حزب البعث في استقطاب أكبر عدد من الذين كانوا يعملون مع النظام على الرغم من تلطخ ايدي الكثير منهم بدماء وشرف واموال الشعب العراقي،وكانت اهم نقطة تقديم الولاء والطاعة الى الامريكان و قادة الاحزاب هي الولاء والتزكية فقط مما مثل سيباق من الازدواجية في الافكار والسياسة دون النظر لمصالح المجتمع العراقي واحتضان هؤلاء القتلة والارهابين والفاسدين أو المتضررين من ما يسمى بقايا النظام السابق وتم دمجهم في المؤسسات الامنية والعسكرية والمراكز الحساسة تحت مظلة الانتماء الطائفي اولا والاستفادة من خبراتهم ثانيا على الرغم من شمولهم باجتثاث البعث وطردهم من المؤسسات الحكومية الرسمية السابقة بقرارات واحكام لجرائم وانتهاكات لفساد مالي أو اداري أو نتيجة الاحتيال بتقديم سيرة ذاتية مزيفة او قرارات مزورة بأنهم كانوا من معارضي النظام السابق،ولكن على الرغم من تلك الجرائم والمؤشرات تم ادخالهم في هذه المؤسسات الامنية والوزارات الحساسة نتيجة تقديم الولاء الشخصي للمسؤولين والحكام الجدد وكانت الروابط والعلاقات الشخصية أو اعطاء اموال ورشا هي احد اهم اسباب ضم هؤلاء والاندماج في هذا التشكيلات الوزارية والغاء كل السيرة الذاتية السيئة من تاريخهم الماضي والسير في مشروع تحطيم العراق من خلال هذه العناصر الفاسدة والقاتلة والحاقدة والفاقدة لعناصر النزاهة والامانة والوطنية،أن الشعب العراقي الجريح الذي عانى ويلات الماضي وسياسة الحاضر والاحتلال الكارثية وفشل لمستقبل الشعب العراقي وبالنتيجة كل الاخفاقات الامنية والاقتصادية والسياسية سببها الانانية والشخصية للقيادات الحزبية والتي جاءت مع المحتل الامريكي ومثلت تركيبة طائفية محضة وليست على اساس المشتركات الوطنية في اللغة والدين والوطن والانتماء الجغرافي وانما كانت فقط بناء الاحزاب وتقويتها على مصالح الدولة العراقية والشعب العراقي .

وقد تعدى ذلك الى تقسيم المجتمع الى اثنيات عرقية ومكونات دينية واجتماعية حسب رغبة الأمريكان وطموح الساسة الجدد بتقسيم طولي وليس أفقي ( شيعة وسنة واكراد )، وتعميق الانقسام من ما يسمى الاسلام السياسي بدعم هذه الاحزاب الدينية والتي تريد استلام السلطة على دماء الشعب العراقي وبناء جيل جديد من الفتية من العراقيين الذين يعتقدون هم أنهم يستطيعون تكوينهم بأفكار وايدلوجية الاحزاب التي يمثلونها او التيارات وفق مصالح داخلية شخصية وحزبية أو مصالح خارجية اقليمية ومن موارد العراق الكبيرة يتم بناء تجربة الاسلام السياسي الجديد.

 

التجربة العراقية

 تم صياغة وكتابة دستور عراقي دائم وفق رؤية ومصالح الادارة الامريكية اولا وبموافقة وبمباركة الاحزاب المشتركة بإدارة الدولة المؤقتة والتي صاغت مبادئ اشبه ما تكون الى الجنون بعيدة عن مصالح الشعب العراقي وهو اقرب ما يكون الى الدستور الاستقلالي والكونفدرالي في الحقوق والالتزامات التي تخص الاقليم في كردستان والحكومة الاتحادية وليس الى الفيدرالية التي تعني الاتحاد ونستطيع ان نطلق عليه دستور الاحزاب المنتصرة والامر الواقع وبمباركة الاغلبية الشعبية التي مررت هذا الدستور نتيجة غياب الوعي السياسي والقانوني والذي مثلت عملية الاستفتاء الشعبي على الدستور خلاصة الامر الواقع في قبول مستقبل العراق المظلم، أن عملية القبول بالمشروع الامريكي والذي تبنته الجهات الحزبية وهي من جاءت مع الامريكان والبعض من الذين رفضوا عملية الاحتلال والذي مثل مساس بالشأن العراقي وهو مشروع احتلال بغيض غير مقبول ومهدت له اولى عمليات المقاومة العسكرية والسياسية بمشروع المقاومة العراقية الذي مثله السيد مقتدى الصدر كجهة عراقية رافضة للمحتل الامريكي، مع جهات عراقية اخرى بمحاربة المحتل الامريكي فقط دون استهداف المواطن او المؤسسات العراقية التي عكست توجهات عراقية وطنية ودون المساس بقيم وثوابت العراق الانسانية التي انتهكتها القوى الاخرى من المقاومة المسلحة العراقية واستخدمتهم كمشروع تحرير ومنهاج على أساس مقاومة عراقية ولكنها فشلت في تبرير وفلسفة استهداف الانسان العراقي واصبحت مجاميع إرهابية في نظر الشعب العراقي والقانون وسقطت عنهم اقنعة التلويح بموضوع المقاومة الشريفة،ونحن الان ليس في صدد ذلك الموضوع لأنه يحتاج الى مقال اخر نوضح وجهة الرأي منه .

 

الاحزاب الاسلامية والرؤية المستقبلية للشعب العراقي

أن الرؤية الدينية التي تتبناها الاحزاب الاسلامية هي بديل عن بناء دولة المؤسسات او دولة المواطنة في الدستور الدائم لسنة 2003 لأنها لا تستقيم مع نهج وادبيات الاسلام السياسي والدولة الاسلامية التي هي نقيض دولة المؤسسات والخدمات التي تعتبر دورها مكمل ومستمر الى ما يشاء الله وفق نهج ورؤية واحداث هي تؤمن بها في ادبياتها وبرامجها الحركية والفكرية من خلال المنهاج الحزبي المشبع بالتنظير والفلسفة دون خطة عملية على مستوى الدولة التي هي جزء من وضعه الداخلي والخارجي وهذا على مستوى كل الاحزاب وتعتبر انها هي الاساس في المستقبل القريب والاستئثار بالحكم المطلق دون مشاركة او مساهمة او خيار اخر لأنها تعتبر دماء الشهداء هي رصيدها في الحكم المطلق .

أن واقع الحال العراقي بعد ثلاثة عشر عام من الاستنزاف المميت للعراقيين وسياسية الامر الواقع دون رغبة الشعب العراقي في تقرير المصير واعطاء الحقوق القانونية والسياسية والاجتماعية والسبب عدم وجود القوى الاجتماعية أو المدنية الحقيقية التي تستطيع التأثير بالشارع المغيب وفرض ارادتهٌ، وهذا واقع وكانت القوى المدنية مفرغة من المجتمع العراقي بحكم الحزب الواحد والقوى الاجتماعية الفاعلة كان التيار الاسلامي الداخلي والاحزاب الاسلامية التي جاءت مع الاحتلال والتيارات الدينية النشطة ومراجع الدين في النجف الاشرف هي المهيأة بالخروج بمظاهرات واعتصامات على مستوى المدن العراقية والتأثير في الشارع بعد استيعاب الصدمة والتغيرات من قوة الاحتلال،ولكن لم يتم استثمارها حيث كان الماضي القريب من قبل الشعب واهوال وتجربة الانتفاضة الشعبانية وانحصارها فقط بالتيار الديني والذي انعكس على الشارع العراقي بحكم طبيعة الظرف الاني وعوامل اليأس والحروب والحصار والدعاية في تحسن الاوضاع والماكنة الاعلامية في اصلاح الدولة العراقية من خدمات واعمار وضمان صحي واجتماعي وتعليم ولكن كل هذه الوعود تلاشت وانتهى مفعولها نتيجة الوعود الكاذبة والفساد المالي والاداري وفضائح المسؤولين التنفيذيين والاداريين في مؤسسات الدولة وافقارها واعلان فشلها الذي يحتاج الى بضع أشهر ليتم الامر الرسمي بعد تجريد كل المؤسسات العراقية من مقوماتها القانونية والادارية والاقتصادية وتسيس وهيكلة المؤسسات الرسمية ضمن الرغبة الغربية وشراكات فاشلة مع المؤسسات الدولية والاقليمية الناهبة لخيرات العراق وتطويقه من كل الجهات الجغرافية والتي تؤثر في القرار الاقتصادي في المستقبل وهو أسير في تنفيذ هذه الرغبة .

 أن خوض مرحلة اخرى من صراع المصالح الاقليمية بالنيابة في العراق (سوريا وتركيا والمملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران) التي لهم مصالح ونفوذ في العراق بحكم التاريخ ونفوذ المصالح بحكم الجغرافية وكذلك تواجد أكبر سفارة امريكية في العالم في بغداد والتي تريد ان تكون قريبة من مركز الشرق الاوسط في محور التأثير بعد الاحتلال وابعادها عن مرمى المسؤولية الدولية وتكون هي الاعب الكبير في كل الخيوط اللعبة الاقليمية والدولية ولا ننسى أن سياسة امريكا لا تتغير بتغير الرؤساء الامريكان ويبقى محمور الشر الذي مهد له الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الابن وتحديدا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001وضرب برج التجارة العالمي وتصنيف دولهم بمحور الشر مثل (افغانستان العراق وليبيا وايران وسوريا وكوريا الشمالية والسودان) .

 أن مناطق النفوذ في هذه الرقعة الجغرافية الحيوية من الشرق الاوسط واثارة الصدام الطائفي من خلال الحرب على الارهاب التي مثلت جزء من سياسة خلق عدوا حقيقي في ارض العراق (أرض الرافدين) لان جزء من دول محور الشر التي اطلقها الامريكان كانت غير معلنة الاسباب تتعلق بالمصالح الحيوية وامدادات النفط وهي المملكة العربية السعودية والتي بحكم السياسة التي تبنتها وتغذية الصراع الاقليمي في سوريا وتعتقد أن أبعاد الخطر الى المنطقة المحصورة في المناطق الغربية وبغداد العاصمة تحديدا التي تشكل حدود ونقاط اتصال مباشرة ومتاخمة بالمكون السنية الذي تم ايهامه بالتهميش وان الشيعة الصفوية هم يريدون القضاء على المكون السني ولا يعرفون ان الشيعة لم ينلهم غير الاقصاء والتهميش والقتل بمشروع كبير اسمه الغاء الانتماء الوطني والانتماء للطائفة حتى يثبت براءته من العدو المفترض او ابعاده من اي منصب او توظيف في محافظات الوسط والجنوب الذي يعتبر نفسه مهمش وغير قادر على الاندماج المجتمعي في ظل سيطرة الاحزاب على مقدرات وتسيس كل الدوائر والهيئات وفروع الوزارات من مديريات عامة في هذه المدن التي تمثل مساحة واسعة من جغرافية العراق .

والبعد الثاني الذي مثلته السياسة الامريكية وهي تحفيز العراقيين والمنطقة على أن الحرب غير المعلنة على الاسلام والمسلمين تتمثل بالصراع الاسلامي الاسلامي وتنفيذ الاجندة من خلال الطائفية السياسية وتمكين الاسلام السياسي من تنبني هذا المشروع والدفاع عن طائفته باعتباره ممثل عنهم ومدافع عنهم بعد ان مهد الامريكان لهذه الحرب القذرة وتخريج اشخاص مدربين من الداخل العراقي يؤدون الدور المطلوب في هذه المرحلة من صدام مباشر مثلما كان هناك قادة مثلوا القاعدة في بلاد الرافدين مثل ابو مصعب الزرقاوي والبغدادي وهي مسميات واجنحة تختفي وراها المقاصد والنوايا السياسية الاعمق من التشكيلات او التيارات الاصولية والغوص في المستنقع الاسلامي وجعل الحرب الطائفية بالنيابة والدفع بها في الاتجاه الذي يحقق كسب وقتي وليس تام على ابعد تقدير سنين معدودة وليس عشرات السنين وبتمويل جهات ومنظمات وفتاوى تكفير عربية وخليجية تحديدا لمساعدة الامريكان في تنفيذ سياستهم الغير معلنة بتقسيم المقسم وتجزئة المجزء والنيل من العراق شعباً وارضاً وحضارة،بعد ان فقدوا مبرر الاحتلال في العراق خلقوا مبرر محاربة الارهاب والقاعدة في بلاد الرافدين وحاليا الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وكانت صناعة الارهاب جزء من السياسة الامريكية وادارتها في العراق من خلال العملاء الذين عملوا مع الامريكان وتم تدريبهم بمدارس خاصة وتأهيل كامل لإكمال هذا المشروع الخطير والمدمر والمهم لهم في تغير الخارطة الجيوسياسية وتحديداً على حساب وحقوق ومصالح الشعب العربي في فلسطين وهي نقطة التغيب العربية بعد الغوص في مستنقع الحروب الطائفية التي تهدد الاوطان العربية الكل بدون استثناء في ظل المشاكل الحقيقية من حقوق الانسان وقمع الحريات والمشاكل الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية في التعليم والصحة والتوظيف والخدمات والحقوق المدنية والسياسية وكذلك التورط في كيفية معالجة الازمات السياسة الخارجية والامنية لدول عربية - عربية وعربية –اسلامية في الحدود والنفوذ وكلها تشكل ملفات عالقة وهي كبيرة تؤرق مضاجع الساسة والشعوب العربية في دول الخليج والدول العربية وحتى تركيا وايران غير مستثناة من هذه الازمات في المستقبل .

هناك ثلاث أسئلة مهمة على اقل تقدير تحتاج الى اجابات انية لمستقبل قريب جداً؟.

1.   ما هو مصير المقاومة الاسلامية في العراق ما بعد داعش والارهاب؟ أين تؤل هذه القدرات الكبيرة من عدة وعدد وما هو موقفها من الاحداث السياسية وتصوراتها .

2.   ما هو حدود الاصلاح السياسي في المؤسسة الدينية بعد ادخال هذا المصطلح كمفهوم دستوري وقانوني،واستعماله والاستفادة منه في موارد الدولة العراقية (كمؤسسة المزارات الدينية).

3.   ما هو مصير الاحزاب الاسلامية الشيعية أو السنية في المستقبل القريب من العملية السياسية .

 

أحمد فاضل المعموري

 

في المثقف اليوم