قضايا

الشخصية العربية.. تحليل سيكوبوتك للفكر والسلوك (1)

qassim salihyنرى، نحن السيكولوجيين، أن شخصية الإنسان (تفكيره وسلوكه) يسهم في تكوينها ثلاث "مؤسسات" هي: الأسرة والمدرسة والسلطة. وفيما يلي توصيف موجـز لـدور هـذه المصادر في تشكيل شخصية المواطن العربي،لتكشف لنا عن أحد أهم أسباب الصراع السياسي والتخلف الثقافي الذي تعيشه المجتمعات العربية..ونحن عنه غافلون.

 

اولا:الأسرة

يولد الطفل العربي في حضن وبيت يشكّلان لديه توجها نحو التفكير الخرافي وشخصية فيها اختلالات سلوكية .إذ يخلص من يستعرض الدراسات النفسية والاجتماعية الى نتائج " مخيفة " في مقدمها أن الأسرة العربية متهمة في أن أساليب تنشئتها للطفل العربي تقوم على : العقاب الجسدي والترهيب والتهديد والقمع السلطوي، وأنها تركّز على مبدأ الحماية والطاعة والخوف من الأخطار،على وفق رأي الباحث بركات. فيما يرى الباحث مصطفى حجازي أن الطفل العربي يعيش في عالم من العنف المفروض في داخل الأسرة، الذي يجسّد اعتباطية السلطة الأبوية . ويدعم رأيهما باحثان بقولهما :إن الأسرة العربية تعاني من السلطة الأبوية الصارمة،تتمثل في قهر الأبناء ووأد حرية الرأي .

وترى باحثتان من قطر عربي آخر أن الهدف الرئيس للتنشئة الاجتماعية في المجتمعات العربية يتمثل في: خلق الذات التواصلية التي يؤدي تحقيقها الى تعزيز علاقات السلطة الأبوية .

ويخلص الباحث (وطفة) الى أن الآباء في إطار الأسر العربية المتسلطة يستخدمون القمع النفسي بالازدراء والاحتقار والسخرية والتهكم وتوجيه الألفاظ النابية، وكذلك القمع الجسدي بالضرب والحرمان والسجن والمنع. وفي المعنى نفسه توصل الباحث (شرابي) الى أن التنشئة العربية تنمّي أساليب التخجيل والتهكم والتبخيس وخلق الإحساس بالدونية والنقص . فيما يرى الباحث (علي زيعور) أن الأم العربية تلجأ الى التخويف بالأب والحيوانات والجن والعفاريت كي ينام الطفل أو يطيع أو يهدأ . ومن ثم ينتقل التخويف الى التهديد بالضرب ...وأن العصا والحيوان والشيطان أدوات قمع للطفل ومثيرات للرعب تؤدي في النهاية الى قتل روح النقد والإبداع واغتيال روح الحرية في نفوس الناشئة .

وفي بحث عن تأثير وسائل تربية الطفل في العائلة البرجوازية الحضرية، يرى الباحث (شرابي) أن الأب يضطهد الصبي فيما تسحق الأم شخصيته عن طريق الإفراط في حمايته. أما البنت فتدفعها العائلة منذ طفولتها المبكرة الى الشعور بأنها عبء وغير مرغوب فيها. وان هذا الإفراط في الحماية وهذه السلطوية في العقاب يؤديان الى شعور الأبناء بالعجز والاتكالية والتهرّب من المسؤولية . وأن نظام العائلة عندنا – على ما فيه من حسنات كاحترام الكبار وحماية أفراد العائلة بعضهم بعضا في الملمات – يقوم على التنابذ والخلاف أكثر مما يقوم على التعاون والوئام،وأن الغيرة والحسد يسودان علاقات أفراد العائلة أكثر مما تسودها المحبّة والتسامح،وأن أولادنا يتعلمون منذ الصغر كيف يجري اغتياب الأصدقاء والأقرباء، ومن أين تؤكل الكتف، وأنهم في تنافسهم على محبة الأم وعطفها يتعلمون بشكل تلقائي كراهية الأشقاء وعدّهم منافسين يجب التحسّب لهم .

وأفادت دراسة (الدمرداش) التي أجراها في مصر بأن الأمهات المصريات يعتمدن الأسلوب التقليدي القديم في تربية الأطفال المتمثل بأسلوب الشدّة .. وأن الأم المصرية تنظر الى حرية الطفل في التعبير والمناقشة بوصفها جرأة شديدة لا يسمحن بها . وأفادت دراسة أجرتها جامعة الإسكندرية بأن أحد الأركان الأساسية للتنشئة الاجتماعية يتمحور في مبدأ تطبيع الطفل العربي مع الأوضاع والخضوع للكبار، سواء أكان ذلك عن طريق التسلط أم طريق الرعاية الزائدة .

وهنالك من يذهب ابعد فيعزو ليس فقط اخفاقات الفرد العربي في أمور شخصية من قبيل الاعتقاد بالخرافة والتفكير السلفي،بل حتى النكسات الكبيرة التي أصابت الأمة العربية، وتحديدا نكسة الخامس من حزيران عام 67، يعزوها الى أساليب تنشئة ورعاية الأسرة العربية لأطفالها، على ما يرى الباحث (شرابي).

ويخلص الباحثون محمد عماد إسماعيل ورشدي فام منصور ونجيب اسكندر في مصر، وقاسم عزّاق وحسناء الحمزاوي في تونس الى أن أساليب التنشئة الأسرية العربية تسعى الى أن تخلق الطاعة والأدب عند الطفل عن طريق العقاب البدني، ثم خلق المخاوف لديه عن طريق كائنات خرافية . فيما توصل كاتب هذا الموضوع في دراسته لأساليب تنشئة الأمهات في بغداد وقرية عراقية قريبة من مدينة الفلوجة الى شيوع معتقدات خاطئة وخرافية عندهن، من بينها مثلا :

• ذبح خروف أو عجل فّجران دم يؤدي الى طرد الشر .

• وضع السكين التي يقطع بها الحبل السّري تحت فراش الطفل لمدة أربعين يوما، تحمي الطفل وأمه من الشر والحسد

• تعليق خضرمة أو شذرة، أو قطعة من الذهب على شكل هلال بشعر رأس الطفل، تقيه من عين الحسود وتساقط الشعر .

• رمي الحبل السّري في حوش الحلال يجعل الطفل مستقبلا ميسور الحال، ورميه في ساحة المدرسة يجعله يتولع بالدراسة .

 

تعـليـق

إن الأسرة العربية بوصفها الحاضنة الأولى للعقل العربي، تعيش اختزالات واستلابات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية، تضطرها اللجوء الى العرّافين والسحرة والدجالين والمسيئين لاستخدام الدين، للتخفيف من حالتها المأزقية .

ومع أن الأم العربية تغذّي أطفالها حليبا طيبا من صدرها ..مدفئّا بحنانها، إلا أنها تغذّي عقولهم بأفكار خرافية يصعب عليهم التخلص منها حتى لو صاروا راشدين.والمشكلة أن من يتولى السلطة منهم،او يوصلوه اليها،يعمد الى توظيف تلك الخرافات والمعتقدات المتخلفة بما يخدمه سياسيا ويستغلهم ماديا وهم عنه راضون!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم