قضايا

فتيحة بائعة "البغرير" وأقصى درجة الحكرة

elmrazik almustafaهل كان على فتيحة أن تصمد أكثر بدل التفكير في إحراق نفسها؟

كما هو معلوم، ماتت فتيحة بائعة "البغرير" يوم الاثنين الماضي في مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء متأثرة بجروحها الخطيرة بعدما أقبلت على حرق نفسها أمام المصلحة الإدارية السادسة في حي أولاد مبارك بالقنيطرة، تنديدا واحتجاجا على ما لقيته من إهانة لكرامتها كمواطنة وكأم مغربية مكافحة.

 والأمر لا يتعلق هنا بالحديث عن موت فتيحة ميتافيزيقيا، بل يتعلق بتناوله كقضية سياسية واجتماعية صرفة لفتت الأنظار اتجاهها. كما أن إحراق فتيحة لنفسها، لا يتطلب منا التضامن والإدانة فقط، بل التفكير العميق في الأسئلة الدائرة حول ما سماه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم ب"الانتحار الإيثاري" (رغم ما قد يتطلبه هذا المفهوم من تدقيق أكثر).

إن المسار الذي  تتخذه حياة الأفراد والجماعات في عالم الفقر والتهميش، يصل اليوم في بلادنا إلى مداه، ذلك أن شظف العيش في ظل أوضاع قاسية جدا، تجعلنا أمام ظواهر اجتماعية تعيد لموضوع المساواة والعدالة الاجتماعية راهنيته، خاصة مع تنامي "الغيتو الاجتماعي" وعزله ومحاصرته في الأحياء الهامشية والقرى النائية والمناطق المنكوبة.

 ولعل ما يثير الانتباه في قضية فتيحة، هو الوضع الخاص التي كانت تعيشه قيد حياتها. وضع الفقر والهشاشة والاستبعاد الاجتماعي الناجم عن غياب سياسة اجتماعية تمكن الأسر الفقيرة من الحق في العيش الكريم، لكي لا أقول الحق في الثروة.

لا نريد هنا الحديث عن الجنازة التي خصصتها لها الساكنة الطيبة بحي أولاد مبارك الهامشي، ولا نريد وصف لحظات دفنها بمقبرة "الغفران"، بل ما نريد الحديث عنه هو فتيحة "بائعة البغرير" وأقصى درجة الحكرة. وهنا نستحضر ما تعرضت له من سوء المعاملة واللامبالات ومعانات بسبب انتمائها إلى معسكر الطبقات الشعبية، المتوغل في البؤس والاحتقار والاستهتار.

و لعل ما يزيد الواقع تأزما اليوم، هو تعثر المشروع التقدمي الذي ساعد على بروز الانحراف السياسي وميلاد النكوصية وانتعاشها بفضل "الإنعاش الوطني" و" العون" و" الإغاثة" و"محاربة الأمية"، بدل تقوية المؤسسات التشريعية والدستورية، باعتبارها المسئولة الأولى  عن الحماية الاجتماعية وأمن وأمان وسلم كل المواطنات والمواطنين.

فهل سرقت منا أحلامنا؟

إن الوجع المجتمعي والاحتقان السياسي والنقابي، والهجوم على الحريات الفردية وعلى جمعيات المجتمع المدني ومنع أنشطتها، ومتابعة الطلبة والمعطلين والإعلاميين وغيرهم، يهدد بسرقة الديمقراطية في واضحة النهار وضرب السلطة المدنية وتعبيد الطريق للنفوذ المطلق تحت ثوب سلفي ومحافظ، لا هم له سوى عصبية الخلافة.

اليوم، لا يكاد يخلو مجلس من الحديث عن تزايد المتسولين والفقراء والمحتاجين في كل ربوع الوطن، وعن تكاثر الجريمة وكثرة الاعتداءات على المواطنين، وصار عدم الشعور بالأمان من الأمور التي أصبحت عادية بين المواطنين، بل وصار من المألوف محاولة الانتحار أو حرق النفس.

و إذا كان المتداول بين الناس حول تردي الأوضاع الأمنية والقانونية والثقافية، هو انعدام روح المواطنة لدى المسؤولين، والانقلاب على الشرعية الديمقراطية والتراجع عن الحقوق والمكتسبات، فإن إحراق فتيحة لنفسها هو وجه من وجوه الأزمة الاجتماعية التي تتعمق يوما عن يوم بسبب الاغتناء الفاحش للأغنياء والإفقار المتنامي للفقراء، وتفاقم البطالة وطرد العمال وضرب النسيج الاقتصادي الوطني ونهب مؤسسات الدولة.

لقد خلدت فتيحة يومها المشهود ب"الموت الاحتجاجي" نيابة عن كل المغاربة الغارقين في البؤس حتى العظم. إنها رمز النضال والكفاح من أجل لقمة العيش في زمن وصل فيه الاستبعاد إلى أقصى درجة الحكرة.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم