قضايا

توظيف الجنس كسلاح

saleh altaeiقديمة راسخة هي علاقة الأفراد والمجتمعات بالجنس؛ المهنة الأقدم في التاريخ، ولطالما تم توظيف الجنس لتحقيق المكاسب الدنيوية بدأً من قيام جماعات من العراقيين القدماء باعتبار بعض أجمل النساء آلهة تعبد، وتُشيد المعابد باسمها، مما أدى إلى تأثر الشعوب الأخرى بهذه الثقافة، حيث كانت (عشتار) إلهة الجنس والحب والجمال والتضحية في الحرب عند البابليين، وتقابلها (إنانا) عند السومريين، ولدى الشعوب الأخرى، كانت (عشاروت) عند الفينيقيين، و(أفروديت) عند اليونان، و(فينوس) عند الرومان.

مرورا بقيام  المعابد الفرعونية في مصر القديمة بتخصيص مجموعة من النساء للارتباط بالعقائد الدينية التي كانت سائدة، تحت مسمى (راقصات المعبد) لخدمة المعبد، وهن في الواقع جيء بهن لخدمة رغبات كبار سدنة المعبد، وصولا إلى ولادة جماعات بشرية تعبد الأجهزة الجنسية للمرأة باعتبارها رمز الخصب والنماء.

وعلى مر التاريخ كانت النساء أحد أكبر أهداف الحروب العبثية الدموية التي شنها الإنسان ضد أخيه الإنسان، سواء بسبيهن والتمتع بهن أو بيعهن، أو بسبيهن ليكون ذلك رادعا لأهلهن.

ولا تخل مرحلة من مراحل التاريخ من وجود مكان للمرأة والجنس فيها حتى قيل إن جميع المجتمعات الإنسانية كانت تحكم من قبل النساء، وجميع المجتمعات كانت أنثوية (أمومية) قبل أن تصبح ذكورية (أبوية) وفي بعض مراحل التاريخ كانت هناك نساء خارقات ذاع صيتهن لتمتعهن بقوى جسدية جبارة جعلتهن يتسيدن مجتمعاتهن، ويأخذن على عاتقهن حمايته والدفاع عنه، وإيكال مهام تربية الأطفال والطبخ والتنظيف وغسل الملابس إلى الرجال، واختلاف المؤرخين في مكان تواجدهن، وعدم اتفاقهم على مكان بعينه، يؤكد أنهن وجدن في أكثر من منطقة منها أوكرانيا والأمازون وسوريا القديمة وغيرها.

بعد نمو التواصل بين المجتمعات التي كانت منعزلة عن بعضها وظهور شكل الدولة ونشوء الشعوب، ثم بعد ولادة المنافسة بين هذه الكيانات الجديدة، وبعد أن عجز الإنسان عن استخدام القواسم المشتركة بينه وبين الإنسان الآخر، فلجأ إلى الحرب كخيار أوحد لحل المشاكل، ولدت حاجة إلى النساء بشكل آخر، فالمدد الطويلة التي كان المقاتلون يقضونها بعيدا عن نسائهم، مع ثوران غرائزهم، وحاجتهم إلى المال، جعل نساء الأعداء هدفا مشروعا لحل هذه الإشكالات كلها، بل إن القوانين والعقائد أباحت ذلك لكي تكسب تأييد مقاتليها وتتخلص من تذمرهم وتوفر لهم مصدر كسب عن طريق بيع السبايا أو استخدامهن في بيوتهم ومزارعهم وحقولهم.

ومع أن السبي مورس فعلا من قبل جميع الشعوب، الشركية والمؤمنة؛ بعد أن أباحته الأديان إلا أن هناك من شدد على همجية ممارسة الإسلام للسبي باعتبار أنه يتنافى مع تعاليم السماء، وأن سوء الطباع العربي، وشدة حب العربي للنساء نتيجة الأجواء الصحراوية القاسية التي يعيش فيها؛ هو الذي دفع المشرع إلى اعتماده كحكم شرعي مباح ليتناسب مع هذه الطباع. وقد تناسى هؤلاء أن أكبر إمبراطوريتين كانتا معروفتان آنذاك وهما الرومانية والفارسية كانتا تمارسانه بلا حدود، وقد استمرت الإمبراطورية الرومانية بسبي النساء حتى بعد قرون من ولادة الإسلام، وقد قيل إن المتوكل العباسي فادى الروم بأسارى المسلمين وكانت بينهم مجموعة كبيرة من النساء، وبالتأكيد تمت المفاداة بنساء روميات كن بين أيدي المسلمين حتى قيل إن الخليفة اشترى من كانت منهن في الأسواق فلم يكتمل العدد فأخرج مجموعة كبيرة من قصره ليكتمل.

وحتى بدايات القرن العشرين كانت هذه الممارسات الشاذة ومنها توظيف النساء في الحروب لا زالت شائعة، ففي الحرب العالمية الثانية أنشأ الجيش الياباني بيوتا للدعارة وضع فيها الفتيات الصغيرات للترفيه عن المقاتلين بعد أن أخذهن من أهلهن بالقوة أو جلب غيرهن من البلدان المجاور لليابان حيث ذكرت إحصاءات حكومة كوريا الجنوبية أن عدد الضحايا من النساء الكوريات اللواتي وضعهن الجيش الياباني في مواخيره، بلغ نحوا من 200 ألف ضحية.

بعد هذا التاريخ كاد الحديث عن التوظيف القذر للنساء أن يختفي إذ حل بدلا عنه الحديث عن الحرية الفردية التي وفرتها الدولة المدنية، فأصبحت النساء بموجبها يعملن في المواخير بنفس الصيغة التي يعملن فيها في المصارف والمستشفيات والمؤسسات، أي تحولت أقدم مهنة في التاريخ من مصدر للعار إلى وظيفة شبه رسمية يحميها القانون مثل جميع الوظائف الأخرى.

لكن يبدو أن الإنسان نجح في الاحتفاظ بموروثه التاريخي في عقله الباطن لآلاف السنين، وممكن أن  يستدعيه للظهور متى ما دعت الحاجة إليه، بدلالة أن تنظيم داعش الإرهابي؛ وهو النسخة الجديدة للخوارج التاريخيين، وبعد أن تكاثر عدد الوافدين إليه من أصقاع الدنيا البعيدة، وجد نفسه يئن تحت وطأة المطالب الجسدية الجنسية لهؤلاء المقاتلين الذين تحول كثير منهم إلى الشذوذ بسبب الحرمان، مما أدى إلى انتشار مرض الأيدز بشكل واسع بينهم، أصبح يهدد التنظيم بالانقراض، ولكي يحل هذه المشكلة لجأ إلى الإفتائيين الذين ينظرُّون له عقيدته، فأصدروا فتوى (نكاح المجاهدة) التي هي صورة أخرى من صور نساء المتعة اليابانيات لكن في الحالة اليابانية كانت (الوطنية) هي الدافع للبغاء فالمرأة تمارس البغاء لكي ترفه عن الجنود اليابانيين الذين يدافعون عن الوطن، أما في حالة داعش فكان (الدين) هو الدافع للبغاء، فالمرأة التي تؤمن بالعقيدة الداعشية تترك عائلتها وتلتحق بالدواعش لتكون بخدمة المقاتلين جنسيا، فيحسب لها فعلها القبيح هذا جهادا في سبيل العقيدة، تدخل بموجبة الجنة.

 

صالح الطائي

 

في المثقف اليوم