قضايا

فلسفة البناء المرصوص!!

البناء المرصوص رؤية عربية إسلامية أكدها قادة الدين الأوائل، إبتداءً بالنبي الكريم، وأوضحها القرآن بالدعوة للإعتصام بحبل الله وعدم التفرق والتشتت، وهي خلاصة سلوكية إقتدارية لتقوية الوجود البشري في أية بقعة أرضية، وبدونه لا يمكن بناء المجتمعات المتمكنة من صناعة الحياة الأفضل والأرقى.

وفي الزمن المعاصر تناسى العرب هذا المنهج السلوكي الإنساني القويم، وأمعنوا بالفرقة والتبعثر وعلى جميع المستويات والتفاعلات، حتى وصل بهم الحال إلى معاداة بعضهم، والإستعانة بأعدائهم على إخوانهم بالعروبة والدين.

بينما المجتمعات المتقدمة عليهم، تترجم فلسفة البناء المرصوص، وتعبّر عنها بقوانين وإصلاحات مكنتها من إستيعاب كافة الأجناس البشرية في أوعية أوطانها، حتى أنجزت بناء فسيفساء الوجود الإنساني الجميل القادر على الإبداع والعطاء الأصيل.

فأين نحن من جوهر ما فينا، وأنوار تراثنا وتأريخنا، ولماذا هدرنا جُمان وجودنا وتحوّلنا إلى هشيم؟!

ألا يحق لنا أن نتسائل في زمن الوجوم العربي الوخيم، والتدهور المروع الأليم، وهذا التخبط العدواني السقيم، الذي أباد الحرث والنسل وأمعن بتشويه الذات والهوية والتأريخ والدين القويم.

وكأن العرب قد طلقوا قيمهم وأخلاقهم ومبادئ صيرورتهم وعقائدهم بأكثر من ثلاثٍ، ولا يزالون في عدوانيتهم على ما يمت بصلة إليهم، وهم يرفعون رايات تشير إلى ما لا يفعلونه أجمعين.

أيها العرب، البناء المرصوص ديدن صيرورتنا، ومنار مجدنا وعلائنا، وإنطلاقنا الحضاري، فإن لم تتراص الصفوف، لن يكون هناك عز وأمن وسلام، وقدرة على التفاعل المعاصر مع الحياة.

فالتراص يعني التفاعل الإيجابي والأخوة الوطنية والإنسانية، والعمل سوية ومعا من أجل المصالح المشتركة، وإستحضار القدرات لمواجهة التحديات، وعدم التفريط بالوطن، وبالقيم الأخلاقية اللازمة لصناعة المجد الإنساني السليم، الذي مضت عليه الأجيال بتواصلها الأخوي المتآلف الحميم، فالعربي غيور على العربي وعلى الإنسان الذي يعيش معه، ولديه القابلية على إستيعاب خلق الله كافة، وبهذا الروحية تحوّلت الأرض العربية إلى وعاء للبشرية، بآلياتها التفاعلية السمحاء وتقديرها لإرادة البشر بأصنافهم وضروبهم، ولهذا برز في تأريخ العرب الحضاري، أناس من جميع الملل والأجناس، لأن الروح العربية قد إستوعبتهم، وتفاعلت معهم وشيّدت بهم ومعهم الوجود الحضاري المعبّر عن فلسفة البناء المرصوص.

وتجدنا اليوم أبناء وطن واحد ودين واحد وعِرق واحد، ونتقاطع ونتعادى وننتهك حرمات بعضنا، ونتهم غيرنا بما يحيق بنا، وما تساءلنا عن غفلتنا وتجاهلنا لمبادئ وقيم البناء المرصوص، وتنازلنا عن الإعتصام بحبل المودة والقوة والرجاء، والتعاضد والتكافل والتعاون والتكاتف الوطني والإنساني الرحيم، ونحن الجُناة على وجودنا ولا متهم غيرنا.

فتراصوا لينصركم الله!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم